الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / أبوالفتح البستي /

فهرس الموضوعات

أبوالفتح البستي

أبوالفتح البستي

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/8 ۲۳:۵۱:۱۴ تاریخ تألیف المقالة

أَبوالفَتحِ البُستيّ، علي بن الحسین (تـ 400هـ/ 1010م)، کاتب ووزیر و شاعر باللغتین الفارسیة و العربیة. قیل إن اسم أبیه کان أحمد، واسم جده کان الحسن (السمعاني، 2/226؛ یاقوت، البلدان، 1/612؛ السبکي، 5/293). ورغم نسبته إلی بست – مدینة قدیمة في جنوبي أفغانستان الحالیة – و دلالة أشعاره الفارسیة علی کونه إیرانیاً (ظ: GAS, II/ 640؛ قا: منوچهري، 140، البیت الخامس الذي ذکره في عداد فلاسفة خراسان)، فقد وصف نفسَه في شعر له عربیاً وفخر بکونه قرشیاً (ص 204؛ الخولي، 40-41). لایعرف تاریخ ولادته علی وجه الدقة، ویقول الخولي (ص 41) إن تاریخ 360 هـ الذي ذکره بروکلمان (ظ: EI1) مغلوط لامحالة. واحتمل هو استناداً إلی بعض الشواهد التاریخیة أن یکون تاریخٍ ولادة الشاعر بین السنوات 330 و 335هـ (ص 41-42).

درس أبوالفتح العلوم في بست علی مشاهیر مثل أبي حاتم ابن حبّان (ن. ع) وعلی مشایخ آخرین ممن کانوا من أصحاب و تلامیذ أبي الحسن علي بن عبدالعزیز البغوي (السمعاني، یاقوت، السبکي، ن.صص؛ عن مصادر معلوماته العلمیة في أشعاره، ظ: الخولي، 46-50).

ویستشف من إشارة الثعالبي في تتمة الیتیمة أنه کان بادئ الأمر مؤدباً لفترة (2/20؛ الخولي، 34)، ثم شق طریقه إلی بلاط بایتوز أمیر بست وصار کاتبه (العتبي، «تاریخ»، 1/67- 68؛ الثعالبي، یتیمة ...، 4/302-303؛ البیهقي، تاریخ حکماء...، 49). وبعد مضي فترة وعندما فتح الأمیر ناصرالدین سبکتکین مدینة بست و طرد بایتوز من تلک المنطقة، تخلف أبوالفتح عن الالتحاق برکب بایتوز واختبأ في المدینة، غیر أن سبکتکین حین أبلغ بأمره، دعاه إلیه وأکرمه وقلّده رئاسة دیوان الرسائل لحاجته إلی مهارة ودرایة أمثاله (العتبي، ن.م، 1/68؛ الثعالبي، ن.م، 4/303؛ البیهقي، ن.ص؛ العوفي، 1/64). ومع کل هذا فإن الشاعر الذي لم یکن یجد نفسه بعد بمأمنٍ من دسائس ووشایات من یتربصون به، استاذْن الأمیر في أن یعتزل في کنفه بزاویة بعیداً عن الضجیج إلی أن یتم الفراغ من أمر بایتوز فیتفرغ هو بهدوء بال إلی خدمة الأمیر.فبادر سبکتکین بدوره إلی إرساله إلی ناحیة رُخَّج شرقي بست. وقد عاش الشاعر هناک بهدوء لفترة، ثم عاد إلی بست بأمر من الأمیر، وظل في خدمته حتی نهایة عمر سبکتکین (387هـ)، وحافظ دائماً علی منزلته الرفیعة (العتبي، ن.م، 1/68- 71؛ الثعالبي، ن.م، 4/303- 304؛ قا: البیهقي، ن.ص). ورغم کل ذلک فقد وصف هو في أبیات عمل الوزارة بأنه لاقیمة له وأظهر نفسه بمظهر من لایبدي رغبة فیه (ص 48، لابیتان 3 و 4؛ الخولي، 57).

ظل أبوالفتح متألقاً في علمله حتی أوائل حکم السلطان محمود (حکـ 389-421هـ). ویمکن إدراک أهمیة منصبه آنذاک من خلال نصائحه الناجعة للسلطان محمود في خضم هجومه علی الهند (ظ: أبوالفتح، 274؛ العتبي،ن.م، 2/70- 71)، بل إن بعض رسائل فتوحات السلطان محمود کتبت بقلمه أیضاً (ن.م، 1/71؛ الثعالبي، ن.م، 4/304). ومع کل ذلک، فإنه فقد منصبه لسبب ما بعد فترة (لاشک في أنها کانت بعد 395هـ، ظ: الفحام، 533-534)، وغادر منطقة نفوذ السلطان راغباً، أو مرغماً. ولیست واضحة أسباب هذه الواقعة وکیفیتها. کما اکتفی کل من العتبي والثعالبي – اللذین کانا صدیقین للشاعر وزمیلین في عمله وتعد کتاباتهما أهم مصدر لترجمة حیاته – بإشارة فحسب إلی هذا الأمر مراعاة للمصلحة ولمقتضیات الظروف علی مایبدو (ظ: العتبي، الثعالبي، ن.صص؛ ابن خلکان، 3/377؛ الخولي، 83). وقد احتمل البعض – آخذین بنظر الاعتبار بعض الشواهد خاصة القصائد التي شکا فیها الشاعر من دسائس أعدائه – أن تکون منافسات رجال البلاط و غیرتهم السبب في طرده من البلاط (ظ: أبوالفتح، 306؛ الخولي، 85-86). وإن الأبیات التي نظمها الشاعر في نقد حب کتّاب بست للجاه (ص 196، البیتان الأخیران) هي الأخری مدعاة للنظر في هذا المجال رغم أن تاریخ نظم هذه الأبیات شأنه شأن أغلب قصائد الشاعر لایمکن تحدیده بغیر الحدس والتخمین. ویری آخرون أن الشاعر ربما کان قد التزم جانب إیلک خان في الصراع الذي نشب بینه وبین السلطان محمود، واضطر إلی مرافقته إلی ماوراء النهر بعد هزیمته في الحرب. ویدعم هذا الاحتمال إشارة البیهقي إلی مرافقة أبي الفتح لإیلک خان في مغادرته خراسان و کذلک الشعر الذي فُضلت فیه سمرقند (في منطقة نفوذ إیلک خان) علی بلخ (في منطقة نفوذ السلطان محمود) (ظ: أبوالفتح، 236، البیات 3 و 4؛ البیهقي، ن.ص؛ الفحام، 532-534، 565؛ قا: GAL, S, I/445؛ عن الحرب بین السلطان محمود و إیلک خان، ظ: العتبي، «تاریخ»، 2/76- 94؛ ابن الأثیر، 9/191- 192). وعلی أیة حال، فإن الشاعر الذي یبدو أنه ندم بعد فترة قلیلة علی فعلته (ظ: أبوالفتح، 222، البیتان 2 و 3) طلب في شعر آخر العفو من السلطان محمود وسعی إلی استرضائه (ص 303، الأبیات 1-4؛ ابن خلکان، 3/377- 378؛ الخولي، 86؛ الفحام، 532-535)، غیر أن الدهر کان معانداً له، ذلک أن السلطان لم یقبل اعتذاراته و توفي الشاعر بعد فترة قلیلة غریباً (العتبي، ن.ص؛ الثعالبي، یتیمة، 4/304؛ البیهقي، تاریخ حکماء، 49). وغالباً مایذکر أن وفاته کانت في بخاری (السمعاني، 2/226؛ یاقوت، البلدان، 1/612)، بینما یقول البعض إنها في أوزکند (المنیني، 72).

کما اختلف في تاریخ وفاته حیث اعتبر البعض 401هـ سنة وفاته (ظ: الثعالبي، ن.ص؛ ابن خلکان، 3/378؛ ابن کثیر، 11/368). وظن دولتشاه السمرقندي خطأً سنة 430هـ التي دوّنها عماد الزوزنة في شعر له تاریخاً لوفاة أبي الفتح مجدالدین، هي تاریخ وفاة أبي الفتح البستي (ص 24؛ أیضاً ظ: إیرانیکا).

ومن بین تلامیذه والرواة عنه یمکن أن نذکر الحاکم النیسابوري وأباعثمان الصابوني والحسین بن علي البردعي (یاقوت، ن. ص؛ السبکي، 5/293).

کان أبوالفتح کاتباً ماهراً ووزیراً فاعلاً وذا دور کبیر في حل الخلافات السیاسیة و إصلاح شؤون أسیاده الغزنویین، وإن ثباته في الصراع بین سبکتکین و خلف بن أحمد أمیر سجستان (العتبي، ن.م، 1/354- 356)، نموذج من جهوده. کما أن علاقاته برجال الدولة و أدباء ذلک العصر الذین کانوا بشکل عام إما حکاماً لمناطق صغیرة، أو من المشتغلین في خدمة أسر، کالأسرة السامانیة و الأسرة البویهیة، دال علی سعة نطاق أنشطته (الخولي، 60-70؛ عن علاقات الشاعر بمشاهیر العلم والأدب آنذاک و منهم الثعالبي و العتبي، ظ: م.ن، 70-82). ویبدو أن علاقاته السیاسیة هذه و بعض نزعاته الخاصة أدت إلی أن یذکر في عداد الشعراء الذین کانت آمالهم تطوّح بهم في کل اتجاه إلی الحد الذي یحللون معه في أشعارهم شرب الخمر و یؤمنون بعقائد فرق کالکرامیة (ظ: السبکي، ن. ص؛ قا: الخولي، 52-54، الذي عدّ اتهام الشاعر خاصة بتحلی شرب الخمر، أمراً مبالغاً فیه مستنداً في ذلک إلی بعض أشعار الشاعر).

وبطبیعة الحال فإن مدح الأمراء و کبار الشخصیات و الانغماس في الملذات هو ظاهرة شائعة بین شعراء وأدباء البلاط، إلا أن مایسترعي الانتباه هنا بشکل أکبر هو علاقة الشاعر بالفرقة الکرامیة، رغم أن ذلک أیضاً لایبدو مستغرباً إذا أخذنا بنظر الاعتبار خلق و سجایا مثل هذه الشخصیات و میولها السیاسیة. والأساس الذي قامت علیه مقولة علاقته بهذه الفرقة هو الشعر الذي عدّ فیه الشاعر المذهب الحنفي والعقیدة الکرامیة حقاً، وأثنی بشکل خاص علی محمد بن کرام (العتبي، ن.م، 310؛ بازورث، 131). ومع الأخذ بنظر الاعتبار رواج الکرامیة في خراسان آنذاک (ظ: م.ن، 128-130)، یبدو أن مثل هذه المدائح، إذا لم نشکک في صحة نسبتها إلیه، کانت في الأغلب ذات دوافع سیاسیة واجتماعیة (وروایة السبکي أیضاً تدل علی هذا)، خاصة وأن الشاعر نفسه دحض في شعر آخر بعض العقائد الکلامیة للکرامیة دون ذکر اسمهم (ظ: ص 90، الأبیات 2-4؛ قا: البغدادي، 131؛ أیضاً ظ: الخولي، 54-56؛ عن الکرامیة، ظ: الإسفراییني، 65-55؛ الشهرستاني، 1/80).

 

المصادر

في نهایة المقالة.

مهران أرزنده/ هـ.

 

شعره ونثره

رغم أنه لایوجد لأبي الفتح البستي علی مایبدو أي أثر نثري سوی عدة جمل و عبارات فإنه یمکن تخمین أسلوب کتابته بسهولة، فقد عاش في عصر کان فیه النثر العربي و بعد خروجه من دائرة السجّاع في العصرین الجاهلي وصدر الإسلام واجتیازه فترة ملیئة بالحماس وامتزاجه بحیاة الناس و أفکارهم و تقالیدهم ونیله مکانة مرموقة و تخلصه من الکلمات البدویة، قد وقع في قبضة کتّاب مهرة لم یعودوا فیه ینظرون إلی اللغة بوصفها أداة للتعبیر، بل کانوا یرونها ظاهرة قابلة للتغییر تخضع بسهلولة للتزویق و تفسح المجال رحباً لإظهار الفنون. و قد أفرط أهل الصنعة في هذا السبیل إلی الحد الذي خرجت معه اللغة من قوالبها الطبیعیة و المألوفة و نسیت أهدافها المعنویة بحیث کان الکاتب، أو الشاعر یجد أولاً التزویق اللفظي و التناغم الصوتي و التشابه الظاهري ویسعی بعد ذلک إل تضمینه مایرید. و بطبیعة الحال فإن أبا الفتح البستي لم یکن خارج هذا النطاق: امتدحه الجمیع و اعتبروه ذا أسلوب متمیز و جمیل في صناعة الجناس (الثعالبي، یتیمة، 4/302؛ یاقوت، البلدان، 1/612؛ ابن الأثیر، 9/220؛ ابن خلکان، 3/376؛ الصفدي، الوافي...، 22/168؛ ابن شاکر، 339). وکان هو نفسه عارفاً بمهارته و أعرب عن ذلک بمقطوعة في الفخر (ص 252-253). وفي الرسالة القصیرة التي کتبها إلی قابوس بن وشمگیر علی لسان السلطان محمود و استشفع فیها لشخصین (الثعالبي، ن.م، 4/307)، استخدم الصنعة للفظیة بشکل معقول و مقبول (لاتوجد رسالة أخری له سوی هذه)، لکن من الواضح أن الصنعة إنما تجد لنفسها مجالاً واسعاً و حریة کبیرة عندما لاتقف المعاني والأغراض المحسوسة والدقیق عقبة في طریقها، لذلک اتجه أبوالفتح وبهدف عرض الفن واستخدام جناس أفضل إلی المفاهیم العامظوالحکم و النصائح الغامضة المتداولة التي لاتحدها حدود دقیقة وواضحة، وقد خلّف مایزید علی مائة عبارة شبیهة بالحِکَم مما کان بإمکانه أن یضمنها جمیعاً في قوالب أشعاره المفعمة بالتکلف. وربما کانت هذه العبارات مذکرات أراد صیاغتها شعراً، وإلا فإن عبارات مثل «الفلسفة فلّ السَّفَه» و«ربما کانت الفطنة فتنة»، لاتنطوي علی حکمة ولاذوق. و یبدو أن بعض هذه العبارات قد صیغ للناطقین بالفارسیة ممن لم یکونوا یألفون النطق العربي، فمثلاً تلفظ الحروف الأولی من کلمتي «ضمان» و«زمان»، و کلمتي «حذر» و «هذر» بشکل واحد فینتج عملیاً جناس تام (ظ: الثعالبي، ن.م، 4/305- 307؛ تکرر قسم من هذه العبارات في مصادر عدیدة أخری، مثلاً ظ: م.ن، خاص...، 28-29؛ ابن خلکان، 3/376- 277؛ العباسي، 215؛ أیضاً ظ: الخولي، 102، الهامش).

وقد جری حوار بین أبي الفتح و الثعالبي بشأن إحدی رسائل أبي إسحاق الصابي یتضح فیه إعجاب أبي الفتح بنثر الصابي (الثعالبي، تحفة...، 45-47). وهذا ماجعل الخولي (ص 95-96) یتصوره متأثراً بنثر الصابي، بینما کان الصابي یتجنب أصلاً السجع و الموازنة و المقارنة.

وشعر أبي الفتح البستي لایختلف کثیراً عن حکمه القصیرة من حیث المعنی و الصنعة. و من مجموع أشعاره بقي دیوان یتضمن جناساً معقداً، طبع للمرة الأولی ببیروت في 1294هـ/ 1877م، غیر أن هذا الدیوان لم یطبع بأسلوب علمي و لم یکن کاملاً. لذا اتخذ أمیر محمود أنوار قبل عدة سنوات (1352ش) من ترجمة حیاته و تحقیق دیوانه تحقیقاً علمیاً موضوعاً لرسالته التي تقدم بها إلی کلیة الإلهیات و المعارف الإسلامیة بطهران لنیل شهادة الدکتوراه، إلا أن تحقیق الدیوان وطبعه تأخر حتی أقدم محمد مرسي الخولي في 1980م علی إعادة طبعه معتمداً علی النسخة المطبوعة و کذلک مخطوطة إستانبول. وقد أورد في مقدمته المطولة جداً (تق, في 214 صفحة) ترجمة حیاة أبي الفتح البستي بشکل واف، ودرس شعره من شتی الجهات، غیر أن عمل الخولي أیضاً لم یظل بمأمنٍ من بعض الهفوات؛ ومنها أنه أسقط من طبعته عدداً من الأبیات التي کانت في دیوانه أو في مصادره، ثم جمع شاکر الفحام في مقالة ناقدة، مجموع نقائص الدیوان، و طبعها في مجلة مجمع اللغة العربیة بدمشق (ص 529-569). وقد أدت هذه المقالة – علی مایبدو – إلی أن یبادر المحققان السوریان دریة الخطیب و لطفي الصقال إلی طبعه من جدید. وقد طبع هذا الأثر بدمشق في 1989م، ویضم مایقر من 250 بیتاً مضافاً إلی مافي الطبعة الثانیة و مقالة الفحام. و قد جمع هذان المحققان مامجموعه 1,909 أبیات مما کان في دیوانه إضافة إلی ماوجداه في المصادر (ظ: الخطیب، 11-12)، غیر أن الدیوان لما یزل ناقصاً، حیث یلاحظ في تاریخ بیهق لعلي بن زید البیهقي بیتان (ص 297) مما لم یرد فیه.

بوّب الثعالبي أشعار أبي الفتح من حیث المضمون (یتیمة، 4/307-334) إلی 12 فصلاً: الغزلیات و الخمریات، الکتاب و الخط و البلاغة، الفقه، الأدب، الطب و الفلسفة، النجوم، المدیح، الإخوانیات، الشکوی و العتاب، الهجاء، الشیخوخة، الأمثال و النوادر و المواعظ و الحکم. ورغم أن هذا التبویب یدل علی سعة معلومات البستي – مما کان ضروریاً له بوصفه کاتباً في الدیوان – إلا أنه لاینطبق علی الواقع. ففي دیوان أبي الفتح لایوجد أي ذکر للطب و الفلسفة و الفلک، بل إن هجاءه و غزله قلیل جداً. وتبویب الثعالبي قائم علی إشارة أو استعارة وردت ضمن بیت عن هذه العلوم لاأکثر.

وتشکل قصائد المدیح قسماً کبیراً من دیوان، فقد نظم أکثر من 100 مقطوعة مدح فیها مشاهیر عصره أو أصدقاءه الذین کانوا في الغالب من أهل الأدب. و ربما کان أحد أوائل الذین مدحهم هو أمیر سجستان خلف ابن أحمد الذي أرسل له 300 دینار صلة عن 3 أبیات. و کان خلف مغرماً جداً بشعر أبي الفتح و یستشهد غالباً ببیتیه في الفخر (أبوالفتح، 125؛ العتبي، تاریخ ...، 214-215؛ الخولي، 62). وإذا کان مدح خلف الذي کانت تربطه صداقة بالشاعر، شعراً سلساً وصادقاً نسبیاً، فإن مدحه في المقابل لآل فریغون الذین کانوا یحکمون جرجان، وکان الشاعر قد ذهب إلیهم سفیراً (أبوالفتح، 161)، کان شعراً میتا ممزوجاً بالتملق. وقد استخدم أبوالفتح في البیت الذي نظمه لقابوس بن وشمگیر (ص 110) مهارته في الاستفادة من الجناس. وکانت تربطه في البلاط الساماني علاقة صداقة بأبي نصر أحمد المیکالي و أبي علي أحمد الدامغاني؛ فقد امتدح أبا نصر (ص 245، 3 أبیات)، وداعب أبا علي (ص 114، 143). وبعد ذلک لما حلّ أبونصر ابن أبي زید محل أبي علي الدامغاني من قبل الغزنویین، مدحه أیضاً (ص 239-240، 277). ومن وجهاء بلاط البویهین، کانت له أکثر من الجمیع علاقة صداقة بالصاحب بن عباد وامتدحه مراراً (مثلاً ظ: ص 33-34، 137، 146، 149). وفضلاً عن هؤلاء فقد امتدح کثیرین غیرهم، لکن لما لم تذکر أسماء ممدوحیه منذ البدء في الدیوان، فلیس معروفاً لمن نظمت هذه المدائح، وأین هي القصائد التي ینبغي أن تکون قد قدمت إلی سبکتکین و ابنه السلطان محمود؟ (ورد دوبیت واحد في مدح السلطان محمود، ص 173-174).

وکانت الروح المسالمة و الهادئة لأبي الفتح قد أدت إلی أن یستقطب عدداً کبیراً من الأصدقاء من کبار شخصیات الدولة ووجهائها خاصة الکتّاب. و یضم قسم کبیر من دیوانه الإخوانیات التي عُرف أسماء بعض من وُجهت إلیهم: مثلاً شکواه من العتبي مؤلف تاریخ الیمیني (ص 131؛ أیضاً ظ: الخولي، 281، الهامش)، مدیحه لأبي القاسم علي الداودي القاضي ولظفر بن عبدالله قاضي خراسان (ص 267-268)، إبداؤه مودته الکبیرة لأبي سلیمان الخطابي (ص 181، 185)، شکره لصدیقه ومواطنه أبي بکر عبدالله البستي قاضي نیسابور (ص 31-32؛ الخولي، 73)، مدحه لصدیقه العالم الثعالبي (ص 120؛ عن الدشخاص الآخرین، ظ: الخولي، 74-78).

ودیوان أبي الفتح خال من الهجاء بمعناه المتداول، کما أن مراثیه هي الأخری قلیلة جداً ولم یصلنا منها سوی 4 مقطوعات نظم اثنین منها في موت سبکتکین لاتتعدی إحداهما البیتین (ص 167). أما المقطوعة الثانیة المکونة من 11 بیتاً (ص 144-145) فهي أشبه بالموعةة منها بالرثاء. کما توجد له عدة مقطوعات قصیرة في الغزل والخمر خالیة من الروح مفعمة بالتکلف؛ وفي المقابل فإن شعره حول الشیخوخة والشباب والشکوی، یکون أحیاناً عذباً و صادقاً جداً، خاصة مدحه للشیوخة (ظ: ص 116)، وتفضیله الموت علی الحیاة (ص 23)، خاصة وأنه کان قد قوبل في أواخر عمره بجفاء السلطان وعزل من منصبي الکتابة والوزارة. وتوجد في هذا المضمار عدة مقطوعات عذبة خالیة حتی من الجناس (الخولي، 119-121).

غیر أن المادة الأساسیة لدیوان أبي الفتح هي شعره الحکمي الوعظي. وقد أدی حسن طبعه و سجیته التعلیمیة من جهة، ومرونة مثل هذه المضامین لصیاغة الألفاظ و استخدام الصنعة من جهة أخری إلی أن یتخذ الشاعر من الجناس الثقیل المشحون بالتکلف مدرسة شعریة له ویمضي في هذا الأسلوب أکثر من أي شاعر آخر ویشتهر به، وغالباً مایُحس أن الشاعر کان یجد أولاً الکلمات و التراکیب المتجانسة، ثم یسعی إلی أن یقرنها ببعضها في معانٍ معقولة. فمن الواضح مثلاً أن الکلمتین: الجوارریا (جمع جاریة) و الجواریا (الدموع المنسکبة)، قد جمعهما بجهد کبیر مع الترکیبین «الثلج واریا» و «الجوی ریا»، ثم نظمها في سلسلة معان تربطها ببعضها بشکل مابقافیة (ص 85).

وکما أشیر آنفاً فإن عصر أبي الفتح کان عصر صناعة البدیع، وقد ألفت کتب ضخمة أیضاً في هذا المضمار، إلا أنه و کما أشار البعض (البستاني، 5/22) فإن هؤلاء الشعراء و الکتّاب المحترفین للصنعة کانوا قد اجتمعوا في بلاطات إیران کالبلاط الغزنوي والساماني و الدیلمي (أیضاً ظ: ضیف، 633). ولیس مستبعداً أن یکون أحد أسباب اهتمام هؤلاء الشعراء بصنعة الشعر هو کونهم من الناطقین بالفارسیة، ذلک أن معرفة الدقائق الکامنة في لغة أجنبیة أصعب بطبیعة الحال من التمکن من صنعتها. و توضح الروایة الملفتة للانتباه التي نقلها الباخرزي (1/324) بشکل جلي هذا الأمر: قال أدیب یدعی غریب الخادم عاش فترة في بلاط الخلفاء ببغداد إنه کان یروي فیها شعر أبي الفتح البستي و نظائره، إلا أن بیتاً واحداً من ذلک الشعر لم یجد له مشتریاً. وواضح أن البغدادیین ذوي الطباع الرقیقة الذین کانوا ینهلون من أکثر عیون الشعر العربي صفاء، کانوا یفضلون الغزل الاسر و المتناغم النابع من صمیم القلوب الملتاعة علی آثار البستي المشحونة بالتکلف. کما أن کبار الکتّاب القدامی لم ینخدعوا بهذا الجمال الظاهر: انتقد ابن رشیق أبا الفتح البستي بهذا الشأن (1/328، 329). ولم یکن عبدالقاهر الجرجاني هو الآخر یرضی بأن تقدم المعاني قرباناً للصنعة. ولذا انتقد أبا الفتح البستي (ص 4-5؛ أیضاً ظ: الخولي، 171-172).

وتتضح قمة وعظ أبي الفتح و حکمته في قصیدة تونیة هي قصیدته الطویلة الوحیدة التي نالت فیما بعد شهرة واسعه، وهذه القصیدة التي تقع في 65 بیتاً و مطلعها:

زیادة المرء في دنیاه نقصانُ وربحه غیرمحض الخیر خسرانُ هي بأسرها مواعظ عامة: العالم غیرثابت والإنسان فانٍ، لذا ینبغي لنا أن نتمسک بالتقوی و نعیش بسلام مع الآخرین ونعاملهم بالحسنی، الناس لیسوا جمیعاً حسني السرائر، لایبنغي أن نبوح بأسرارنا لأي کان، فلنقنع ونفضل العقل و الحکمة علی ثروة هذا العالم. و بعد عدة أنواع من الوعظ للشیوخ و الشباب یطلب إلی الجمیع أن یحفظوا شعره الذي هو منیر للطریق (ص 186-192).

ورغم أن هذه القصیدة قد شرح الثعالبي بعضاً منها في نثر النظم (ظ: الخولي، 148)، فیبدو أنها لم تکن قد نالت کثیر شهرة حتی بعد مرور قرن أو قرنین علی وفاة الشاعر، ذلک أن أیاً من المصادر القدیمة عدا نثر النظم لم یتناولها. وقد عجب کتّاب نامۀ دانشوران (4/194) لبقاء القصیدة مهجورة في المصادر القدیمة حتی في أنوار الربیع للسید علي خان المدني، فقاموا باستخراجها من کشکول الشیخ البهائي (1/316) وترجموها. وکان الشیخ البهائي قد أورد منها 39 بیتاً فقط. ومع کل ذلک، فلاشک في أن الکتّاب اهتموا تدریجیاً بهذه القصیدة، حیث یوجدمنها الآن عشرات المخطوطات في مکتبات العالم، وقد نقلت في کثیر من کتب المتأخرین المهمة حتی في حیاة الحیوان للدمیري (1/245-246) و طبقات الشافعیة للسبکي (5/294-296). کما أن شروحها کثیرة. ففضلاً عن الثعالبي و شرحه المختصر الذي ذکر آنفاً، فقد شرحها في القرن 7هـ السرماري، وفي القرن الذي تلاه، النقره کار (عبدالله بن محمد). و من شروح النقره کار توجد حوالي 8 مخطوطات في العالم، استفید منها في الطبعة الثالثة للدیوان. و یتوفر أیضاً شرح ابن عمر النجاتي (القرن 8 هـ) و شرح أحمد بن محمد المسمی الهدایة للمستفیدین و شرح محمود الشریف، إضافة إلی شروح لعدة أشخاص مجهولین، غیر أن شرح السرماري لم یعثر علیه (عن هذه الآثار، ظ: GAS, II/ 641-642). ترجم هذه القصیدة إلی الفارسیة شعراً بدو الدین الجاجرمي في القرن 7هـ، ویحتمل أن یکون متن هذه الترجمة قد طبع في لغت‌نامۀ دهخدا (مادة أبوالفتح) علی مخطوطتها المحفوظة في کلیة الآداب بجامعة طهران کما توجد في جامعة طهران ترجمة أخری لها تعود للقرن 10 هـ (دانش‌پژوه، 161، 223). وقد ترکت القصیدة النونیة أثرها حتی في الأندلس، فنظم أبوالبقاء الرُّندي في القرن 7هـ قصیدة بنفس الوزن والقافیة متأثراً من أفول دولة الإسلام في الأندلس (المقري، 4/486- 489).

وفضلاً عن هذا فقد ترکت مهارة أبي الفتح في الصنعة أثرها في الکثر منالشعراء المحبین للصنعة، وذکر ابن خلکان أن السهروردي کان یقرأ في حلب أحد أشعار أبي الفتح في الجناس (6/272)، کما أن عمران الطولَقي الذي کان یرید مدح أبي الفتح البستي قد نظم مقطوعة بطریقته المعهودة (یاقوت، البلدان، 1/612)، ویقول علي بن الحسن، المعروف بشُمَیم في أواخر القرن السادس: لما رأیت الناس یقبلون علی شعر أبي الفتح نظمت کتاباً في التجنیس في مدح صلاح الدین (م.ن، الأدباء، 13/56). وللصفدي أیضاً في نصرة الثائر (ص 148-149) ثمانیة أبیات یقول إنه نظمها بأسلوب أبي الفتح. و لم ینسه أیضاً الشعراء الناطقون بالفارسیة، فقد وضعه منوچهري في البیت الذي ذکرناه آنفاً في مصاف أبي شکورو الرودکي (ص 140)، و دعاه ذوقي في بیت بالفارسیة: «سِر دفتر دانش» (فاتحة کتاب العلم) (الرادویاني، 12).

ولاشک في أن شعر أبي لافتح بالفارسیة لم یکن قلیلاً، و کان یواکب کبار عصره في هذا المضمار. یقول العوفي إنه رأی بنفسه کلا دیوانیه العربي و الفارسي، إلا أنه لما کان في لاهور آنذاک خلال تألیفه کتابه لباب الألباب، لم یکن بین یدیه شيء من شعره الفارسي و نقل له 4 أبیات فقط کان یحفظها (1/114- 115). وهذه المقطوعة هي شعر عذب وراق. لکن یبدو أن أبا الفتح کان ینظم بالفارسیة دیضاً بنفس أسلوبه العربي، وقد صرح بذلک دولتشاه (ص 23). و یوجد من شعره الفارسي بیت آخر دیضاً أورده أسدي الطوسي شاهداً علی کلمة «چغز» (ص 112-113). ولم یکن أبوالفتح علی الإطلاق لیعرض عن المعاني الجیدة التة کان یراها و یعرفها في ثقافة وأدب الفرس أو غیرهم من الأمم (ظ: الخولي، 151). و یروي العوفي (2/507) بیتین بالفارسیة عن أبي شکور البلخي و یضیف أن أبا الفتح ترجمهما إلی العربیة شعراً.

 

المصادر

ابن الأثیر، الکامل؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن رشیق، الحسن، العمدة، تقـ: محمد محیي الدین عبدالحمید، بیروت، 1401هـ/ 1981م؛ ابن شاکر الکتبي، محمد، عیون التواریخ (حوادث 365-402هـ)، النسخة المصورة الموجودة في مکتبة المرکز؛ ابن کثیر، البدایة؛ أبوالفتح البستي، علي، دیوان، تقـ: دریة الخطیب و لطفي الصقال، دمشق، 1410هـ/ 1989م؛ أسدي الطوسي، أحمد، لغت فرس، تقـ: فتح الله مجتبائي، طهران، 1365ش؛ الإسفراییني، طاهر، التبصیر في الدین، تقـ: محمدزاهد الکوثري، القاهرة، 1359هـ/ 1940م؛ الباخرزي، علي، دمیة القصر، تقـ: محمد التونجي، دمشق، 1390هـ؛ بازورث، إدموند، «ظهرو کرّامیه در خراسان»، معارف، طهران، 1367ش، عد 5(3)؛ البستاني؛ البغدادي، عبدالقاهر، الفرق بین الفرق، تقـ: محمد زاهد الکوثري، القاهرة، 1367هـ/ 1948م؛ البیهقي، علي، تاریخ بیهق، تقـ: کلیم الله الحسیني، حیدرآبادالدکن، 1388هـ/ 1968م؛ م.ن، تاریخ حکماء الإسلام، تقـ: محمد کردعلي، دمشق، 1365هـ/1946م؛ الثعالبي، عبدالملک، تتمة الیتیمة، تقـ: عباس إقبال، طهران، 1353هـ؛ م.ن، تحفة الوزراء، تقـ: حبیب علي الراوي وابتسام مرهون الصفار، بغداد، 1977م؛ م.ن، خاص الخاص، تقـ: صادق التقوی، حیدرآبادالدکن، 1405هـ/1984م؛ م.ن، یتیمة الدهر، بیروت، دارالکتب العلمیة؛ الجرجاني، عبدالقاهر، أسرار البلاغة، تقـ: محمد رشید رضا، بیروت، دارالمعرفة؛ الخطیب، دریة، مقدمة دیوان أبي الفتح البستي (همـ)؛ الخولي، محمد مرسي، أبوالفتح البستي، حیاته و شعره، دار الأندلس، 1980م؛ دانش پژوه، محمدتقي، فهرست نسخه‌هاي خطي کتابخانۀ دانشکدۀ أدبیات دانشگاه تهران، طهران، 1339ش؛ الدمیري، محمد، حیاة الحیوان الکبری، القاهرة، 1390هـ/ 1970م؛ دولتشاه المسرقندي، تذکرة الشعراء، تقـ: محمد رمضاني، طهران، 1338ش؛ الرادویاني، محمد، ترجمان البلاغة، تقـ: أحمد آتش، طهران، 1362ش؛ السبکي، عبدالوهاب، طبقات الشافعیة الکبری، تقـ: محمود محمد الطناحي وعبدالفتاح محمد الحلو، القاهرة، 1967مم؛ السمعاني، عبدالکریم، الأنساب، حیدرآبادالدکن، 1383هـ/ 1963م؛ السمعاني، عبدالکریم، الأنساب، حیدرآبادالدکن، 1383هـ/1963م؛ الشهرستاني، محمد، الملل و النحل، تقـ: ولیام کیورتن، لایبزک، 1923م؛ الشیخ البهائي، محمد، الکشکول، تقـ: طاهر أحمد الزاوي، القاهرة، 1961م؛ الصفدي، خلیل، نصرة الثائر، تقـ: محمدعلي السلطاني، دمشق، 1391هـ/ 1971م؛ م.ن، الوافي بالوفیات، تقـ: رمزي البعلبکي، بیروت، 1404هـ/1983م؛ ضیف، شوقي، عصر الأول و الإمارات، القاهرة، دار المعارف؛ العباسي، عبدالرحیم، معاهد التنصیص، تقـ: محمد محیي الدین عبدالحمید، بیروت، 1947م؛ العتبي، محمد، تاریخ یمیني، تجـ: ناصح الجرفادقاني، تقـ: جعفر شعار، طهران، 1357ش؛ م.ن، «تاریخ الیمیني»، مع الفتح الوهبي (شرح المنیني)، القاهرة، 1286هـ؛ العوفي محمد، لباب الألباب، تقـ: إدوارد براون، لیدن، 1324هـ/ 1906م؛ الفحام، شاکر، «دیوان أبي الفتح البستي»، مجلة مجمع اللغة العربیة، دمشق، 1403هـ/ 1983م، عد 58؛ لغت نامۀ دهخدا؛ المقري، أحمد، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1388هـ/ 1968م؛ منوچهري الدامغاني، أحمد، دیوان، تقـ: محمد بیرسیاقي، طهران، 1363ش؛ المنیني، أحمد، الفتح الوهبي علی تاریخ أبي نصر العتبي، القاهرة، 1286ه؛ نامۀ دانشوران، قم، 1379هـ؛ یاقوت، الأدباء؛ م.ن، البلدان؛ وأیضاً:

EI1; GAL, S; GAS; Iranica.

آذرتاش آذرنوش/ هـ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: