أَبوالْغَیثِ الْقَشّاش (959-1031هـ/ 1552-1622م)، زاهد وصوفي تونسي. ذکر ابن القاضي المکناسي أن اسمه هو غالب (3/261).

ولد أبو الغیث في تونس، وسافر في أوائل حیاته لاکتساب العلم والأدب، فبرع في التفسیر و الحدیث والأصول و العلوم الأدبیة (نوعي‌زاده، 652؛ المحبي، 1/140). وبسبب نفسیته الزاهدة ونزعاته الصوفیة، اتجه إلی التصوف. ویمکن القول إن انتشار الطریقتین الشاذلیة و القادریة في الغرب الإسلامي، وکذلک الأوضاع السیاسیة لتونس آنذاک کانت ذات أثر في نزعاته تلک (ظ: أوزون چارشیلي، 3/34- 35). وفي منطقة جبل زغوان بین القیروان و تونس (ظ: الإدریسي، 1/294)، ذهب إلی الشیخ محمد الجدیدي زعیم الفرقة القادریة و تعلم الطریقة منه (نوعي‌زاده، 66، 652؛ المحبي، ن.ص). وبعد وفاة أستاذه توجه إلی تونس، وهناک تحلق حوله مریدون و تلامذة کثر کانت تعقد معهم في الغالب مجالی الذکر والوجد، وبعد فترة توجه إلی مکة لأداء فریضة الحج وأقام فیها حوالي السنة (ن.صص).

ویمکن تقسین حیاة أبي الغیث إلی 3 أقسام: الأول، فترة اکتسابه العلم واتجاهه إلی التصوف وسیره وسلوکه الذي ینتهي بعودته من المدینة إلی تونس؛ الثاني، الفترة التي طرأت فیها تغیرات علی أوضاعه، وادعی فیها ظهور الکرامات و خوارق العادات علی یدیه، ودعا فیها مریدیه إلی الخروج علی مظاهر الشرع و العرف (المحبي، ن.ص؛ الزین، 565). وقد أدت تصرفاته و أعماله الغریبة و المخالفة للشرع من جهة، وتلقیبه نفسه بالمهدي أحیاناً إلی أن یشکوه الفقهاء و العلماء إلی رمضان باشا حاکم تونس و دعوه بالملحد و الزندیق (نوعي‌زاده، 652؛ الزین، ن.ص). ورغم أن رمضان باشا حاکمَ أبا الغیث بحضور القضاة و العلماء، إلا أن ذلک لم یؤثر في تصرفات أبي الغیث، وربما کان رد فعله الوحید هو مغادرة المدینة و الضرب في الجبال و الفیافي (نوعي‌زاده، 652-653؛ المحبي، 1/140-141). وبعد هذه الفترة من الاضطراب و التحول الروحي تجلی القسم الثالث من حیاته. ففي هذه الفترة عاد أبوالغیث إلی فتة استقراره و طمأنینته و مارس التدریس و التعلیم. و قد قیل إنه کان ینبري في شهور رجب و شعبان و رمضان لعقد مجالس درس القراءة والتفسیر و الحدیث (نوعي زاده، 653). و في هذه الفترة کان یبادر إلی بناء الخانقاهات و الزوایا و المساجد من الأموال التي کانت تصله، وقُدّر عدد مثل هذه الأماکن بـ 32 موضعاً (ابن القاضي، نوعي‌زاده، ن.صص).

معلوماتنا عن أساتذة أبي الغیث و تلامذته قلیلة جداً. و من مشایخه فضلاً عن ممد الجدیدي یلاحظ أیضاً اسم أبي المکارم نجم‌ادلین محمد بن البکري الشافعي من الطریقة الرفاعیة. وإن علاقة أبي الغیث بهذه الطریقة من جهة، وأخذه الطریقه القادریة عن محمد الجدیدي من جهة أخری، جدیران بالبحث والدراسة. وکان من تلامذته أشخاص مثل تاج العارفین البکري و محمد بن شعبان الطرابلسي و عامر المزروغي ومحمد العسیري و أبي محمد الساسي ابن محمد النونیة (م.ن، 552؛ الوزیر السراج، 2/476؛ مخلوف، 293؛ الکتاني، 1/117). وکان في مجالس درسه یهتم کثیراً بصحیح البخاري، وکان قد جمع مجموعة کبیرة من مخطوطات هذا الکتاب. وقیل إنه لم یکن یقبل أي هدیة من أحد سوی مخطوطات الصحیح (نوعي‌زاده، 653). وعن کراماته ورد کلام کثیر، وکان العامة یؤمنون أن یده نالت کنوز الغیب و کان یأخذ منها مایحتاجه لنفقات أمور الخیر وسد احتیاجات المحتاجین وفداء الأسری. وقد نقلت بهذا الشأن حکایات تدل علی مدی اعتقال الناس به وبدعماله (ظ: المحبي، 1/141-142).

وقد أدی اشتهار أبي الغیث بامتلاکه الأموال وإنفاقه إیاها في وجواه البر إلیأن یطلب منه العون فریق من البلوکباشیة – الذین کانوا من عساکر الأتراک الحاکمین في تونس، وممن کانت لهم ید في الاضزرابات آنذاک – إلا أنه امتنع عن تقدیم العون لهم (ظ: ابن أبي دینار، 200-201؛ مقدیش، 2/86-87). وقد أشیر في ترجمة حیاة أبي الغیث خلال بیان کراماته غالباً إلی قیامه بفداء الأسری المسلمین من أیدي الإفرنج و مساعدته لهم. وقیل إنه تحطمت في إحدی الحروب 3 سفن للإفرنج علی ساحل تونس کان فیها 700 أسیر مسلم، فتحرروا جمیعاً بإشارة من أبي الغیث و تمّ إیواؤهم في زاویته. وقد قیل عن هذه الواقعة إن أبا الغیث کان قد أصدر أمراً إلی مردیدیه قبل حدوثها بإداد لباس و طعام یکفي لسبعمائة شخص (المحبي، 1/141؛ النبهاني، 1/472).

توفي أبوالغیث إثر الطاعون الذي تفشی بتونس والذي اشتهر هناک بوباء سیدي أبي الغیث، ودفن في الزاویة القشاشیة المنسوبة إلیه (ابن أبي دینار، 207؛ مقدیش، 2/93). وقد جمع تلمیذه محمد بن شعبان الطرابلسي مناقبه تحت عنوان مناقب الشیخ أبي الغیث القشاش (المحبي، 1/474؛ نوعي‌زاده، 552).

المصادر

ابن أبي دینار، محمد، المؤنس، تقـ: محمد شمّام، تونس، 1378هـ؛ ابن القاضي المکناسي، أحمد، درة الحجال في أسماء الرجال، تقـ: محمد الدحمدي أبو النور، القاهرة، 1391هـ/ 1971م؛ الإدریسي، محمد، نزهة المشتاق، بورسعید، 1970م؛ أوزون چارشیلي، إسماعیل حقي، تاریخ عثماني، تجـ: إیرج نوبخت، طهران، 1370ش؛ الزین، سمیح عاطف، الصوفیة في نظر الإسلام، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ الکتاني، عبدالحي، فهرس الفهارس، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1402هـ/ 1982م؛ المحبي، محمدأمین، خلاصة الأثر، القاهرة، 1284هـ/ 1867م؛ مخلوف، محمد، شجرة النور الزکیة، القاهرة، 1350هـ؛ مقدیش، محمود، نزهة الأنظار، تقـ: علي الزواري و محمد محفوظ، بیروت، 1988م؛ النبهاني، یوسف، جامع کرامات الأولیاء، تقـ: إبراهیم عطوة عوض، القاهرة، 1394هـ/ 1974م؛ نوعي‌زاده، محمد، حدائق الحقائق في تکملة الشقائق، إستانبول، 11989م؛ الوزیر السراج، محمد، الحلل السندسیة، تقـ: محمدحبیب الهیلة، بیروت، 1984م.

فرامرز حاج منوچهري/ هـ.