أَبو العَرَب، محمد بن أحمد بن تمیم بن تمّام التمیمي (تـ 333هـ/ 945م)، محدث و رجالي و مؤرخ. کان من أسرة معروفة في القیروان، وقد قدم جده الأکبر تمام في 183هـ من تونس إلی القیروان علی رأس جیش و عزل محمد بن مقاتل عامل هارون الرشید، و تسلم مقالید الأمور في الولایة وأقام بتونس، لکنه رضخ للهزیمة في السنة التالیة خلال الهجوم المعاکس الذي شنه محمد بن مقاتل ضده، وطلب أبوالعرب الدمان منه. و علی أیة حال، فقد ذکر الکتّاب تمیماً بوصفه أمیراً من أمراء إفریقیة (القاضي عیاض، 3/334؛ ابن عذاري، 1/90- 92). وکان أحمد والد أبي العرب أیضاً من أهل العلم، وتتوفر معلومات عن دراسته لدی عدة مشایخ کبار (القاضي عیاض، ن.ص).

واستناداً إلی أقوال عبدالوهاب، فإن أبا العرب ولد في القصر القدیم (العباسیة) (ورقات، 1/358). وکنیته ملفتة للنظر، ذلک أنها نادرة جداً، بل إنه لم تشر إلیها حتی بعض الکتب المخصصة لذکر الکنی.

ومعلوماتنا عن حیاة أبي العرب ضئیلة، ورغم أن محققي کتابه الطبقات، قدّرا تاریخ ولادته بین 250-260هـ/ 864-874م استناداً إلی تاریخ وفاة أقدم مشایخه (الشابي، 24)، إلا أن مخلوفاً (ص 84) وعبدالوهاب (تاریخ ...، 80) ذکراً أن ولادته کانت في 250هـ. ویحتمل أن یکون أبوالعرب قد تلقی العلم منذ طفولته علی أبیه، وأدرک في مجالي الفقه و الحدیث مجلس تلامذة سحنون بن سعید (أبوالعرب، طبقات...، 149؛ القاضي عیاض، ن.ص؛ قا: الخشني، 173)، ومنهم عیسی بن مسکین و محمد بن مسکین و أحمد بن معتب و حمدیس القطان و جبلة بن حمود الصدفي و أبوعثمان ابن الحداد و سهل الفریابي (القاضي عیاض، ن.ص؛ الدباغ، 3/42؛ ان فرحون، 250). وقدأوصلوا عدد أساتذته إلی 120 أستاذاً (القاضي عیاض، 3/335). ومن بین الذین درسوا علیه ابن أبي زی القیرواني وربیع القطان، وابناه تمیم و تمام (القاضي عیاض، مخلوف، ن.صص). رغمأن بعض الکتّاب عدّوا الخشني من بین تلامذته (ظ: الشابي، 26)، إلا أن الخشني نفسه یذکر أبا العرب خلال ترجمته له بشکل لایدل علی وجود علاقة أستاذ و تلمیذ بینهما، وحتی في تألیفه کتابه الطبقات الذي کان استمراراً لعمل أبي العرب، لم ینقل عنه سوس عدة موضوعات (ص 193، 233، مخـ).

کان أبوالعرب معاصراً في شطر من حیاته في القیروان لحکم العبیدیین (الفاطمیین) الإسماعیلیة، وکان أهل القیروان خاصة علماء وکبار أهل السنة هناک، یتحینون الفرصة لطرد الحکام الفاطمیین. وخلال ذلک قدم إلی القیروان أبویزید النکاري من فرقة النکاریة الذباضیة، وحرّض – بإخفائه مذهبه – کبار أهل المدینة علی الثورة ضد الفاطمیین، فاندلعت ثورة انتهت بحرب في صفر 332 (القاضي عیاض، 3/318؛ ابنعذاري، 1/216-217). ورغم علمنا أن الإباضیة لم یکونوا لیروقوا لأبي العرب علی الإطلاق (ظ: أبو العرب، ن.م، 184)، إلاأن خفاء مذهب أبي یزید من جهي و خلق جناح في مواجهة الفاطمیین من جهة أخری، کان یؤدي بأبي العرب وعلماء القیروان إلی الرضا والرضوخ لمرافقة أبي یزید. ولذا فعندما أعلن أبویزید عن مذهبه بعد إلحاقه الهزیمة بالفاطمیین في المهدیة، أعرض عنه علماء القیروان (القاضي عیاض، 3/321).

واستناداً إلی أقوال أبي الحسن ابن سعید الخرّاط، فإنه اجتمع قبل حرب المهدیة جمع من الفقهاء في المسجد الجامع بالقیروان، وتحدثوا عن ضرورة الثورة ضد الفاطمیین،ولما ظهر خلاف بین النس بشأن الحرب،دعا أبوالعرب الناس إلی السکوت، وبتمسکه بحدیث في باب ضرورة محاربة الرافضة في آخر الزمان، حرَّض الناس لمغادرة المسجد إلی المهدیة بالتکبیر و لاصلاة علی النبي (ص) (الدباغ، 3/44). وفي یوم الحرب، کان کل رجل من کبار القیروانیین یحمل رایة کانت تشاهد علیها آیات و کتابات تشیر إلی ضرورة محاربة العدو. وکانت إحدی تلک الرایات التي کتبت علیها آیة من القرآن بشأن محاربة الکفار، بید أبي العرب. وبینما کان ربیع القطان و ابن أخي هشام في المعسکر یحملان سیوفاً، کان أبوالعرب یحمل مصحفاً بیده (القاضي عیاض، 3/320). فضلاً عن أنه قرأ علی الناس في یوم الحرب کتاب الإمامة لمحمد بن سحنون الذي کان قد ألف في تأیید وجهات نظر أهل السنة بشأن الخلافة والإمامة (م.ن، 3/335؛ أیضاً ظ: الدباغ، 2/127).ویستشف من مجمل تصرفات أبي العرب خلال تلک المعرکة، منذ بدء تحرکه في جامعه القیروان حتی قیادته الناس في ساحة القتال، أنه أدی دوراً رئیساً في الزعامة الدینیة و التنظیر العقائدي لهذه الحرکة المناوئة للفاطمیین. وقد قُتل في هذه الحرب کثیر من القیروانیین، إلا أن أبا العرب نجا، لکنه توفي بعد فترة، ودفن في باب سلم، الموضع الذي أشار إلیه الدباغ بوصفه «مزاراً» (3/46؛ أیضاً ظ: مخلوف، ن.ص).

ورغم أن أبا العرب ذُکر في المصادر المختلفة بأوصاف مثل الحافظ والمؤرخ و الفقیه و الثقة و الضابط والإمام وأکثر أهل زمانه علماً بالسنن والرجال (مثلاً ظ: القاضي عیاض، 3/334؛ الدباغ، 3/42؛ الذهبي، 3/889)، إلا أن تضعیف الخشني له مثیر للانتباه حیث اعتبره مفتقراً للعلم و الفقه (ص 173).

آثاره المطبوعة

1. طبقات علماء إفریقیة و تونس. ربما کان تألیف أبي العرب لهذا الکتاب أکثر دواعي ذیوع صیته. هذا الکتاب الذي یحتمل أن یکون من أواخر آثاره و یعدّ أقدم الآثار الباقیة في رجال إفریقیة، وقد استفاد المؤف في هذا الدثر و في بعض المواضع المشکوک فیها و تحسباً من الوقوع في الخطأ، من کلمات مثل «أحسب» و «أظن»، مما یدل علی التزامه جانب الحیطة و الدقة في التألیف (مثلاً ظ: ص 104، 197، مخـ). وفضلاً عن احتواء هذا الأثر علی فهرست بأسماء مشایخ المغرب، یمکن العثور في طیاته علی معلومات عن تاریخ المدارس العقائدیة و الفقهیة في المغرب خلال القرنین 3 و 4هـ / 9 و 10م (ظ: ص 111-113، 129، 162، 169، 173، 200،203). وقد استفاد الکتّاب الذین تلوه مراراً من هذا الدثر (کنموذج، ظ: المالکي، 1/18، 54، مخـ؛ ابن خلکان، 3/182؛ السلاوي، 1/101). طبع هذا الکتاب بتحقیق محمد بن أبي شنب مرفقاً بـ طبقات علماء إفریقیة للخشني في الجزائر (1332هـ/ 1914م)، ومرة أخری بتحقیق علي الشابي و نعیم حسن الیافي بشکل مستقل مع مقدمة وحواش جمة في تونس (1968م)؛ 2. المحن، الأثر المهم الآخر لأبي العرب الذي یعد من أقدم کتب الملاحم و الفتن التي في متناول الید. یتناول الکتاب في بدایته الأحادیث المتعلقة بالفتن، ویواصل الکلام فیتحدث عن مقتل عمر وعثمان وعلي (ع)، إلی أن یصل الحوادث ذات الصلة بعصر المؤلف. وکما هو الحال في أثره الآخر الطبقات، فإن المؤلف یتخذ جانب الحیطة في تبیان الحوادث التي لم یکن متأکداً تماماً من مجریاتها، فیذکر الحادثة بحذر (ظ: ص 412-413، مخـ)، کما یشیر أحیاناً إلی الاختلافات البسیطة بین الروایات المتشابهة (ص 146). وفي سبیل مراعاة الدقة والأمانة في النقل، کان یبادر إما إلی عرض سند متصل، أو ذکر اسم مؤلفٍ، أو عنوان الکتاب الذي اعتمد علیه (ص 51، 112، 136، 145، مخـ). ویتضمن هذا الکتاب معلومات نافعة بشأن حیاة أعلام و تاریخ القرون الأولی للإسلام و خاصة المعلومات المهمة الخاصة بالإباضیة والصِّفریة في المغرب (ظ: ص238، 273). طبع هذا الکتاب بتحقیق یحیی و هیب الجبوري في بیروت (1983م).

آثاره المفقودة

کان لأبي العرب أیضاً آثار أخری، لایتوفر عنها شيء سوی أسمائها و قطع متناثرة منها أحیاناً ترد في المصادر. یمکن تقسیم هذه الآثار حسب موضوعاتها إلی:

ألف- العقائدیة و الفقهیة

1. عذاب القبر (القاضي عیاض، 3/335)، الذي یبدو أنه یوضح رأي أبي العرب النابع من اتجاه أهل السنة، ومایدل علی اتجاه مضاد للمعتزلة – الجهمیة؛ 2-4. الجنائز، الصلاة، الوضوء والطهارة (ن.ص).

ب- الحدیث ونقد الرجال

1. مسند حدیث مالک؛ 2. عوالي الحدیث (ن.ص)؛ 3. ثقات المحدثین وضعافهم (أبوالعرب، طبقات، 94، 105). وقد استفاد ابن حجر (1/127، 5/36) من أثر آخرلأبي العرب بعنوان کتاب الضعفاء.

ج- التاریخ و الرجال

1. کتاب کبیر في التاریخ في 17 جزءاً (القاضي عیاض، ن.ص)؛ 2. عُبّاد إفریقیة؛ 3. کتاب حول وفیات العلماء في جزأین (ن.ص) 4. مناقب سحنون، الذي رواه ابن خیر بسند متصل (ص 297؛ أیضاً ظ: القاضي عیاض، ن.ص)؛ 5. فضائل مالک؛ 6. مناقب بني تمیم (ن.ص).

جدیر بالذکر أن أبا العرب نظم الشعر أیضاً، وقد نقل القاضي عیاض شیئاً من شعره (3/336).

المصادر

ابن حجر العسقلاني، أحمد، لسان المیزان، حیدرآبادالدکن، 1329هـ؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن خیر، محمد، فهرسة، تقـ: فرنسشکه قداره، بغداد، 1963م؛ ابن عذاري، أحمد، البیان المغرب، تقـ: لیفي پروفنسال، بیروت، 1983م؛ ابن فرحون، إبراهیم، الدیباج المذهب، القاهرة، 1351هـ؛ أبوالعرب، محمد، طبقات علماء إفریقیة، تقـ: علي الشابي و نعیم حسن الیافي، تونس، 1985م؛ م.ن، المحن، تقـ: یحیی وهیب الجبوري، بیروت، 1403هـ/1983م؛ الخشني، محمد، «طبقات علماء إفریقیة»، تقـ: محمد بن أبي شنب، مع طبقات علماء إفریقیة لأبي العرب، الجزائر، 1332هـ/1914م؛ الدباغ، عبدالرحمان، معالم الإیمان، تقـ: محمد الأحمدي أبوالنور، ج 2، القاهرة، 1972م، ج 3، القاهرة، 1320هـ؛ الذهبي، محمد، تذکرة الحفاظ، حیدرآباد الدکن، 1376هـ/ 1956م؛ السلاوي، أحمد، الاستقصاء، الدار البیضاء، 1954م؛ الشابي، علي ونعیم حسن الیافي، مقدمة طبقات (ظ: همـ، أبوالعرب)؛ عبدالوهاب، حسن حسني، مجمل تاریخ الأدب التونسي، تونس، مکتبة المنار؛ م.ن، ورقات، تونس، 1972م؛ القاضي عیاض، ترتیب المدارک، تقـ: أحمد بکیر محمود، طرابلس، 1387هـ/1967م؛ المالکي، عبدالله، ریاض النفوس، القاهرة، 1981م؛ مخلوف، محمد، شجرة النور الزکیة، القاهرة، 1350هـ.

فرامرز حاج منوچهري/ هـ.