الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادیان و التصوف / أبوالعباس المرسي /

فهرس الموضوعات

أبوالعباس المرسي

أبوالعباس المرسي

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/3 ۱۶:۳۵:۴۳ تاریخ تألیف المقالة

أَبوالْعَبّاسِ الْمُرسيّ، شهاب‌الدین أحمد بن عمر الأنصاري الإسکندراني (تـ 686هـ/1287م)، متصوف وزاهد معروف من القرن 7هـ، ومن کبار رجال الطریقة الشاذلیة. ولد في مرسیة شرقي الأندلس، وتعلم مقدمات العلوم فیها. سافر في عنفوان شبابه و في الفترة التي کانت تشتد فیها الضغوط المسیحیة للاستیلاء علی تلک البلاد، مع والدیه إلی الحج بحراً (ظ: آسین پلاثیوس، 22-23)، فعصفت بسفینتهم الریاح فأغرقتها، فمات أبواه ونجا أبوالعباس مع أخیه جمال‌الدین وتمکنا من الوصول إلی تونس، واشتغل جمال‌الدین فیها بالتجارة، فیما انبری أبوالعباس لتلقي العلوم و التقی خلال تلک الفترة أبا الحسن الشاذلي الذي کان قد قدم إلی تونس، وتأثریه وأصبح مریداً له (ظ: ابن عطاءالله، 147-148؛ الشیال، 192-194). ثم انطلق من تونس نحو الإسکندریة برفقة أبي الحسن الشاذلي، وظل ملازماً له في لاسفر و الحضر حتی وفاته (ظ: ابن عطاءالله، 144، 150-151، 156، 183).

کان أبوالحسن الشاذلي یولیه اهتماماً خاصاً، ویبدو أنه کان یشعر نحوه بنوع من الالتحام و التقارب، حیث زوجه ابنته (الشیال، 201) وکان یخاطبه قائلاً،«یا أباالعباس، ماصحبتک إلا لتکون أنت أنا، وأنا أنت»و «... رأیت فیک مافي الأولیاء، وما رأیت في الأولیاء مافیک» (ابن عطاءالله، 169). وأعلن أبوالحسن الشاذلي حینما تقدمت به السن عن استخلافه له وإشرافه علی شؤون الإرشاد، والدعوة للطریقة (النویري، 5/224؛ الشیال، 202-203). وبعد وفاة أبي الحسن الشاذلي (656هـ/1258م) أخذ أبوالعباس یعقد حلقات الذکر والدرس في الإسکندریة، ثم في القاهرة علی الأسس التي رسمها شیخه و أستاذه، وکان یحضرها العلماء و الطلاب علی الأغلب (م.ن، 203)، ذلک لأن من شروط الانتماء إلی الطریقة الشاذلیة التبحر في مختلف علوم الشریعة ومنها الفقه الحدیث و التفسیر والأخلاق (ظ: الشعراني، لطائف...، 1/26)، وقد أورد ابن عطاءالله أنه کان یعتمد في تدریس الحدیث علی کتاب المصابیح، وفي أصول الدین علی الإرشاد، وفي الفقه علی التهذیب، وفي التفسیر علی المحرر الوجیز لابن عطیة (ص 197).

کان أبوالعباس علی براعة کاملة في علوم الشریعة، حتی إنه کان یقول «شارکنا الفقهاء فیما هم فیه، ولم یشارکونا فیما نحن فیه» (ن.ص). أقام فترة طویلة في الإسکندریة (م.ن، 199)، وانبری خلالها لطلب العلم وکسب المعرفة وإرشاد المریدین و تهذیبهم إلی أن وافته المنیة في هذه المدینة، وأصبح قبره منذ ذلک الوقت مقصداً للزوار، وأعید بناؤه والمسجد المقام علیه مراراً (ظ: الشیال، 210-212). کان له ولد یدعی جمال الدین نُقلت عنه بعض الأخبار والأقوال الخاصة بأبیه (ظ: ابن عطاءالله، 188، 190)، وبنت تزوجها تلمیذه و مریده یاقوت العرشي (الشعراني، ن.م، 1/148). ویُعد بعض المتصوفة المشهورین آنذاک من بین تلامذته و مریدیه و منهم: یاقوت العرشي، و شرف‌الدین محمد البوصیري صاحب قصیدة «البردة» المعروفة في مدح الرسول الأکرم (ص)، و کذلک نجم الدین الأصفهاني و ابن عطاءالله الإسکندراني (ظ: ابن عطاءالله، مخـ). وللبوصیري قصیدة في مدحه أیضاً (م.ن، 333)، کما أثنی علیه ابن عطاءالله في آثاره و تحدث عن علوّ شأنه و کمالاته الروحیة.

کان أبوالعباس یحترز من التألیف و التصنیف کما هو حال أستاذه أبي الحسن الشاذلي، وکان الشاذلي یقول: «آثاري تلامیذي» (م.ن، 37)؛ وأبوالعباس یقول: «علوم هذه الطائفة علوم تحقیق لاتطیقها عقول الخلق» (ن.ص). و قد أورد تلمیذه ابن عطاءالله في آثاره الکثیر من کلمته و آرائه لاسیما في کتاب لطائف المنن الذي کرس نصفه الأول لماقب أبي الحسن الشاذلي، و نصفه الثاني لذکر أحوال أبي العباس وأقواله و آرائه، ونقل کراماته و مراتب کماله في العلم و الزهد و الریاضة، فضلاً عن تأویلاته لبعض الآیات (الباب الخامس)، والأحادیث (الباب السادس)، وأقوال الصوفیة (الباب السابع)، و بعض أشعاره وأحزابه وأدعیته.

کان أسلوبه في التصوف کسائر مشایخ الطریقة الشاذلیة ینصب علی الجمع بین العلم و الذوق والاعتقاد بابتناء الطریقة علی الشریعة. وکان یدرس في حلقات الدرس – کما قلنا – کتب الفقه والحدیث و التفسیر إلی جانب الکتب الصوفیة ولاسیما إحیاء العلوم للغزالي، و ختم الأولیاء للترمذي، و الرعایة للمحاسبي، و قوت القلوب لأبي طالب المکي، والمواقف للنفزي (م.ن، 178-192؛ الشعراني، الطبقات ...، 2/14، 19).

کان أبوالعباس یحثّ مریدیه وتلامذته علی العمل والارتزاق ویحذرهم من الطمع في إکرام الآخرین وإحسانهم. روي أنه کان یقول: «نحن لاتقول لمن یأتینا اترک سببک وتعال لنا، وإنما نفعل کما فعل رسول الله (ص) من تقریر کل إنسان علی ما هو علیه من الحرفة وغیرها، لکن نأمرهم بعدم الغش کما فعل رسول الله (ص)» (ابن عطاءالله، 189؛ الشعراني، لطائف، 1/144)، وکان في الوقت نفسه قد اختار حیاة الزهد، حتی إن ابن عطاءالله خصه بفصل في بیان زهده وورعه وعلو همته ضمن کتاب لطائف المنن (ص 197-227).

کان یحترز من الاجتماع بأصحاب المناصب کثیراً، وقد نقلت عنه في هذا الشأن روایات و قصص (ظ: م.ن، 199؛ الشیال، 206). ویقال إن والي الإسکندریة طلب زیارته والاجتماع به والانخراط في زمرة مریدیه، فأبي ذلک وقال: «لست ممن یُلعب به» (ابن عطاءالله، ن.ص). وورد في بعض المصادر أن یعقوب، سلطان المغرب أراد بعد توبته من قتل أخیه أن یکون مریداً للشیخ أبي مدین المغربي، غیر أن الشیخ کان قاصداً السفر إلی تلمسان، فبعث إلیه أن علاجک في ید الشیخ أبي العباس المرسي. فاستدعی السلطان یعقوب أبا العباس إلیه، فسافر الشیخ إلی المغرب وحضر عنده. فأراد اختباره، فأمر بذبح دجاجة وخنق أخری و طبخهما وقدمهما إلیه، فلما نظر الشیخ إلیهما أمر الخادم برفع المخنوقة وقال: «هذه جیفة»، فأصبح السلطان مریده و تنحی عن السلطة واهتدی إلی طریق الخیر ببرکة وجود الشیخ و تربیته له (ظ: الشعراني، ن.م، 2/92-93؛ الجامي، 570-571). وهذه القصة التي یبدو أنها وردت لأول مرة في روض الریاحین للیافعي (ص428-429) لاتحظی بأساس تاریخي، ذلک أن أبا مدین کان قد توفي عام 593هـ، أي قبل وفاة أبي العباس بـ 93 عاماً، ولم یکن أبوالعباس قد وُلد بعد، ثم إن المعروف بشکل مؤکد عن الشیخ – کما صرح بذلک ابن عطاءالله – أنه کان یتحاشی الاجتماع بالسلاطین و أصحاب المناصب، حتی إنه کان یخرج من المدینة لیلاً في بعض المناسبات، لکي لایضطر إلی هذا الدمر (ابن عطاءالله، ن.ص؛ الشعراني، الطبقات، 2/15). وفضلاً عما ذکر فإن الیافعي أشار إلی ذلک الشخص باسم أبي العباس «المریني» (ظ: ص 429)، حیث یبدو أنه صُحّف إلی «المرسي» فیما بعد، ورآه الجامي والآخرون بهذه الصورة. و علي أي حال، فلامبرر لعدم اسبتعاد آسین پلاثیوس لهذه القصة (ص 31-32)، وربما کان وراء صیاغتها قول ابن عطاءالله من أنه متی ماقُدّم إلیه طعام فیه شبهة، ضرب ستون عرقاً في یده (ص178).

یوصل الشاذلیة سلسلة طریقتهم بالإمام الحسن (ع) ویعدون أباالحسن الشاذلي من ذریته (ظ: ابن بطوطة، 25). وکان أبوالعباس المرسي یقول: «لاتنسب طریقتنا إلی المشارقة أو المغاربة، بل یتصل الواحد تلو الآخر بالحسن بن علي بن أبي طالب (ع)... وهو أول الأقطاب» (ابن عطاءالله، 165). وکان أبوالعباس المرسي یولي أهمیة خاصة لتهذیب نفوس مریدیه و تلامذته، ونقلت عنه أقوال کثیرة في آداب المریدین (ظ: الشعراني، الأنوار...، 1/49، 126، 127، 196-200، 2/20-23).

ورغم أن الطریقة الشاذلیة مرتبطة بمدرسة ابن عربي لبعض الاعتبارات، و قریبة منها جداً من حیث میدان الانتشار و الاتساع، لکن لایشاهد أي أثر لنظریة التوحید الوجودي لابن عربي في أفکار مشایخ هذه الطریقة ولاسیما علی صعید القضایا و الموضوعات العرفانیة الأساسیة (ظ: الغنیمي، 56)، وربما کان السبب هو التأثیر الشدید الذي ترکته آثار شخصیات کالترمذي والمحاسبي و القشیري، ولاسیما أبي حامد الغزالي علی آراء أبي الحسن الشاذلي و طلاب مدرسته. وللشاذلي إطراء کبیر علی هذه الشخصیات و مؤلفاتها (ظ: ابن عطاء الله، 179-180). ورغم هذا حاول بعض مفسري آثار ابن عطاءالله – الذي کان من مریدي و أتباع أبي الحسن الشاذلي – أن یفسر بعض أقواله بأسلوب صوفیة التوحید الوجودي (ظ: الشرقاوي، 1/152؛ أیضاً ظ: الغنیمي، 312-313).

أما الأقوال و الکلمات التي نقلت عن أبي العباس فهي غالباً في الزهد و الورع و التقوی و تزکیة النفس و الترک و التجرید، أو في وصف الدحوال وبیانها و مقامات السیر و السلوک. لکن یبدو أنه کان یهتم في تعالیمه بالرموز الباطنیة و أسرار الحروف، حتی قیل إنه کان یتحدث في حلقاته عن موضوعات کالعقل الأکبر، والاسم الأعظم، والأسماء و الحروف، ودوائر الأولیاء، وعلوم الأسرار، و یوم المقادیر، و شأن التدبیر، وعلم المشیئة، وغیرها (ظ: الشعراني، الطبقات، 2/14-15).

 

المصادر

ابن بطوطة، محمد، رحلة، بیروت، 1384هـ/1964م؛ ابن عطاءالله، أحمد، لطائف المنن، تقـ: عبدالحلیم محمود، القاهرة، 1974م؛ الجامي، عبدالرحمان، نفحات الأنس، تقـ: محمود عابدي، طهران، 1370ش؛ الشرقاوي، عبدالله، «شرح الحکم العطائیة»، في هامش غیث المواهب العلیة للنفزي، بولاق، 1297هـ؛ الشعراني، عبدالوهاب، الأنوار القدسیة، تقـ: طه عبدالباقي سرور و محمد عبدالشافعي، بیروت، 1405هـ/1985م؛ م.ن، الطبقات الکبری، القاهرة، 1374هـ/1954م؛ م.ن، لطائف المنن والأخلاق، القاهرة، 1357هـ؛ الشیال، جمال الدین، أعلام الإسکندریة، القاهرة، 1965م؛ الغنیمي التفتازاني، أبوالوفاء، ابن عطاءالله السکندري و تصوفه، القاهرة، 1389هـ/ 1969م؛ النویري، محمد، الإلمام، تقـ: أتیین کومب وعزیز سوریال عطیة، حیدرآبادالدکن، 1388هـ/1968م؛ الیافعي، عبدالله، روض الریاحین، قبرص، مؤسسة عمادالدین؛ وأیضاً:

Asin Palacios, M., «Los origenes de la escuela Šāḏilī y sus principals representantes», Al-Andalus, 1945, vol. X.

فتح الله مجتبائي/ ت.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: