الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبوسلمة الخلال /

فهرس الموضوعات

أبوسلمة الخلال

أبوسلمة الخلال

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/30 ۰۹:۰۶:۰۹ تاریخ تألیف المقالة

أَبوسَلَمَةَ الخَلّال، حفص (أو أحمد: أبوهلال، 2/98) بن سلیمان (أو حفص بن غیاث بن سلیمان: الصابي، 129)، الشهیر بوزیر آل محمد (مقـ رجب 132هـ/750م)، الداعیة العباسي الکبیر الذي کان له دور فاعل في إسقاط الخلافة الأمویة.

لاتتوفر لدینا معلومات کثیرة عن تفاصیل حیاة أبي سلمة قبل بدء الدعوة العباسیة. فقد اعتبره البعض من موالیي بني سبیع رهط من بني هَمْدان (البلاذري، 3/118؛ الطبري، 7/418، 421؛ ابن خلکان، 2/195)، وعدّه البعض الآخر من موالي بني الحارث بن کعب (الجهشیاري، 55؛ ابن الطقطقی، 153؛ العیون و الحدائق، 180-181، 191)، بینما رآه آخرون (السمعاني، 12/261) من بني مُسْلیة رهط من بني الحارث بن کعب (ابن حبیب، 187؛ أخبار الدولة ...، 191، 238). واستناداً إلی بعض الشواهد یبدو الرأي الأخیر أکثر صحة: فأولاً ماورد في أخبار الدولة (ص 191) من أن ماهان والد بُکَیر کان یعدّ من موالي بني مسلیة، ومن بعده دأب بنو مسلیة علی اعتبار بکیر – الذي کان قبل أبي سلمة متولیاً لأمور الدعاة – من موالیهم. وکان أبوسلمة صهر بکیر هذا (البلاذري، ن.ص)؛ والآخر هو أن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس قد أعتبر في وصیته لإبراهیم الإمام، أبا سلمة من بني مسلیة (أخبار الدولة، 238). وبنو مسلیة هؤلاء هم الذین قالوا إن أمر الدعوة قام بادئ الأمر بینهم و هم الذین کان لهم دور رئیس في نشر الدعوة العباسیة (ن.م، 182، 192). وعلی أیة حال، ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن جمیع المؤرخین اعتبروا أبا سلمة من الموالي وأنه کان یُتحدث معه بالفارسیة، وکذلک الثقة التي کان یولیها العباسیون للإیرانیین في انتخاب الدعاة، لاتجعل کونه إیرانیاً أمراً مستبعداً (قا: إقبال، 65، الذي دعاه بالهَمْداني).

وکانت نسبة الخلال التي لُقب بها أبوسلمة منذ القدم مدعاة للتشکیک والتساؤل، فقد قال البعض إنه کان صرّافاً وکانت له دکاکین أیضاً في زرارة (محلة بالکوفة: یاقوت، 2/921) یباع فیها الخل ویشتری (أخبارالدولة، 248-249، 259؛ قا: البلاذري، ن.ص). کما نسبه البعض – استناداً إلی أن العرب یسمون صانع خِلل السیوف خلّالاً – إلی هذه الحرفة (الجهشیاري، ن.ص). ویری ابن خلکان (2/196) – مع تأییده کون حرفة أبي سلمة هي الصرافة – أنه کان له منزل بالکوفة في حارة الخلالین فحسب، ولم یکن هو یمارس هذه المهنة (أیضاً ظ: أبوهلال، ن.ص). ومهما یکن، فإن أبا سلمة کان من أثریاء الکوفة ولم یتوانَ فیما بعد عن بذل المال لدعم الدعوة العباسیة (ابن خلکان، ن.ص؛ ابن الطقطقی، 154؛ العیون و الحدائق، 208). کما قیل إن أباسلمة الذي کان قد اشتری أبامسلم، جعله فترة صرافاً في دکانه (أخبار الدولة، 266).

أما کیفیة بدایة علاقة أبي سلمة بالدعوة العباسیة فمختلفة استناداً إلی مختلف المصادر. ففي کتاب أخبار الدولة العباسیة (ن.ع) الذي یضم أدق الروایات بهذا الشأن، نجد دور أبي سلمة أکثر روزاً مقارنة ببقیة المصادر. فاستناداً إلی نفس الکتاب (ص 191) فإنه علی عهد محمد بن علي بن عبدالله بن عباس و عندما کان أوائل الدعاة و أتباع الدعوة العباسیة یعرفون و تکتب أسماؤهم، کان أبوسلمة أیضاً من بینهم، و حینها أوکل محمد بن علي مهمة إدارة شؤون الدعاة إلی بکیر بن ماهان (البلاذرري، 3/117)، وطلب إلیه التوجه إلی خراسان و أخذ البیعة والخمس من الشیعة، وکان أبوسلمة یرافقه آنذاک (أخبار الدولة، 223-224). إلا أن أبا سلمة کان في الکوفة خلال ثورة زید بن علي في 122هـ (ن.م، 231). ولما أشرف محمد بن علي علی الموت، أوصی ابنه إبراهیم بالتضامن مع بکیر بن ماهان و من ثم مع أبي سلمة (ن.م، 237-238).

وبعد وفاة محمد بن علي (125هـ/743م)، قام إبراهیم الإمام (ن.ع) الذي کان قد أخذ علی عاتقه قیادة الدعوة بوصیة من أبیه، بإرسال بکیر بن ماهان إلی خراسان لیبلغ النقباء و الدعاة نبأ وفاة محمد بن علي و تولیه هو قیادة الدعوة (العیون و الحدائق، 183)، ولیرسلوا أحداً من جانبهم للقاء إبراهیم. فقدموا أولاً إلی الکوفة، ثم ذهبوا مع أبي سلمة إلی مکة للقاء إبراهیم (أخبارالدولة، 240-241). ومن هناک اتجه أبوسلمة مع إبراهیم (ن.م، 242) إلی الشَّراة (التي کانت قاعدة العباسین: یاقوت، 3/270-271).

ثم إن إبراهیم طلب إلی بکیر أن یرتدي الثیاب لاسود ویرفع رایة سوداء و یعود إلی خراسان لیبلغهم بذلک الشعار. فانصرف بکیر وأبوسلمة عن إبراهیم عائدین إلی الکوفة. وقد قیل إنه ألقي القبض في الکوفي علی بکیر بسبب دَین کان بذمته، إلا أنه لیس مسبتعداً أن یکون السبب في ذلک هو انکشاف نشاطاته المضادة للأمویین. ومهما یکن، فقد سلّم بکیر ثلاثة ألویة سود إلی أبي سلمة لیذهب بأحدها إلی مرو و بالآخر إلی جرجان و بالثالث إلی ماوراء النهر (ن.م، 245). رحل أبوسلمة إلی خراسان و استفاد من الصراع الذي کان دائراً بین العرب من مضربة ویمانیة بخراسان و نشره الرایات السود، لیوسع من نطاق الدعوة العباسیة (ن.م، 247-248). وحینما عاد أبوسلمة من خراسان بعد 4 أشهر کان بکیر مایزال رهین السجن، فدفع أبوسلمة مابذمته من دَین فأطلق سراحه، إلا أن بکیراً لم یعش بعد ذلک إلا قلیلاً، وعیّن حین الوفاة أبا سلمة قائداً للدعاة (ن.م، 248-250)، ثم أبلغ إبراهیم بذلک أیضاً؛ فکتب إبراهیم إلی أبي سلمة یأمره بالقیام بأمر أصحابه (الطبري، 7/329؛ الجهشیاري، ن.ص). و استناداً إلی روایات أخری (البلاذري، 3/118؛ الدینوري، 334؛ الیعقوبي، 2/319) فإن بکیراً کان قد توفي قبل الإمام محمد بن علي، وإن محمد بن علي هو الذي عیّن أبا سلمة للقیام بأمر الدعاة بعد بکیر.

وفي عهد یوسف بن عمر الثقفي (تـ 127هـ) حاکم العراق، أمضی أبوسلمة مع مجموعة من مؤیدي العباسیین فترة في السجن (أخبار الدولة، 259، أیضاً ظ: 253؛ قا: البلاذري، 3/118-119، الذي أید اعتقال بعض الثائرین ضد الأمویین، إلا أنه لم یشر إلی اسم أبي سلمة). وبعد ذلک اتجه أبوسلمة بأمر من إبراهیم إلی خراسان مع أبي مسلم الذي کان علی علاقة بالمعتقلین و بقیة أفراد المعارضة (أخبار الدولة، 267؛ البلاذري، 3/121). وفي خراسان ذهب للالتقاء بالشیعة (الدینوري، 339؛ الطبري، الجهشیاري، ن.صص)، و طلب إلیهم أن یعدّوا أنفسهم للثورة حتی 130هـ، وعیّن سلیمان بن کثیر زعیماً لشیعة خراسان (أخبار الدولة، 268). ثم عاد مع أبي مسلم إلی الکوفة، و خلال لقائهما بإبراهیم (الطبري، 7/421-433)، قاما بتسلیمه کمیة المال الضخمة التي کانا قد جمعاها من الخراسانیین. و في أعقاب ذلک أوکل إبراهیم مهمة الإشراف علی الدعوة في الولایات المرکزیة و شرقي إیران إلی أبي مسلم، وفي ولایات العراق و الجزیرة و لاشام إلی أبي سلمة (أخبار الدولة، 268-270).

کان أبوسلمة و أبومسلم طوال مراحل الدعوة علی علاقة ببعضهما، وکان أبوسلمة یصدر من قِبَل إبراهیم أوامر إلی أبي مسلم (ظ: ن.م، 277، 306-307، 318). وفي الفترة التي کان فیها جیش خراسان بقیادة قحطبة بن شبیب الطائي متجهاً إلی الکوفة، کان أبوسلمة یوجهه من خلال الرسائل التي یبعث بها إلیه (ن.م، 337-351). ولما کان ابن هبیرة – والي العراق الأموي – خرج في هذا لاوقت من المنطقة لمحاربة قحطبة، أرسل أبوسلمة دعاته ورسله إلی العرب البدو المقیمین في أطراف الکوفة و البصرة وأثارهم – بتطمیعهم بالغارة و کسب الغنائم - ضد الشامیین (ن.م، 355). وعندما وصل الخبر أن قحطبة قد عبر الفرات بجیشه (132هـ)، أرسل إلی محمد بن خالد القسري رسالة طلب إلیه فیها أن یلبس السواد ویثور بمن معه، کما أرسل رسالة مماثلة إلی شیوخ القبائل في الکوفة (ن.م، 367؛ أیضاً ظ: خلیفة، 2/616؛ ابن الأثیر، 5/404).

ارتقی محمد بن خالد القسري منبر الکوفة و خلع مروان من الخلافة ودعا الناس إلی خلافة أهل بیت النبي (ص) فبایعه الجمیع علی ذلک. وخلال ذلک أرسل أبوسلمة الذي یبدو أنه کان حتی ذلک الحین مختفیاً في الکوفة (العیون و الحدائق، 191)، رسالة إلی محمد بن خالد طلب إلیه فیها أن یختم علی خزانة بیت‌المال وأعلم قحطبةَ بذلک (أخبار الدولة، 368-369)، إلا أن قحطبة قُتل قبل أن یصل الکوفة، وقام ولده الحسن – وفي روایة حمید – بناءً علی وصیة والده بقیادة الجیش إلی الکوفة حیث کان أبو سلمة وسلّم الأمر إلیه (الطبري، 7/415؛ العیون والحدائق، 195؛ أیضاً ظ: خلیفة، ن.ص). وعندما وصل الخراسانیون إلی الکوفة ذهبوا جمیعاً للسؤال عنه (البلاذري، 3/138؛ الطبري، 7/418)، فلما وجدوه قبّلوا یده احتراماً. وکان کل واحد من الجنود عند لقائه بصاحبه یسأله هل رأیت أبا سلمة؟ فإذا أجابه بنعم احتضنه و قبّله بسبب زیارته لأبي سلمة.

کان خروج أبي سلمة في الکوفة یوم 10 محرم 132هـ/29 اب 749م (أخبار الدولة، 374-375). وفي صبیحة الیوم التالي جمع أبوسلمة الجند بأسرهم و ألقی فیهم خطبة بشّر فیها الناس بالنصر علی بني أمیة وقال إنه سیزید في أعطیات الجند، وقد قیل إن الجند کانوا یجیبونه بالفارسیة (ن.م، 375-376). وعندها عیّن أفراداً لإدارة الدواوین في الکوفة و المناطق الأخری (ن.م، 376-377). و خلال ذلک، ألقي القبض علی إبراهیم الذي کان مروان قد ارتاب بأمره، فتوفي في السجن أوقتل (ظ: ن.د، 2/102)، إلا أنه کان قد عیّن قبل ذلک أخاه أبا العباس السفاح خلیفة وأودع أسرته لدیه و أوصاه أن یذهب إلی أبي سلمة الخلال في الکوفة (البلاذري، 3/123-124؛ الطبري، 7/423؛ الجهشیاري، 56)، وقیل إن خبر استخلاف أبي العباس أخاه، أرسل في رسائل إلی أبي مسلم في خراسان و قحطبة قرب الکوفة (أخبار الدولة، 393-394؛ تاریخ الخلفاء، 577؛ أیضاً ظ: ن.د، أبوالعباس السفاح).

اتجه أبوالعباس السفاح مع أخیه أبي جعفر المنصور و بقیة أفراد أسرته إلی الکوفة. و في روایة فإنه حین أصبح علی مقربة من الکوفة، بعث برسالة إلی أبي سلمة یعلمه فیها أنهما ینویان دخول المدینة بمن معهما، فطلب إلیهما أبو سلمة أن یظلا في مکانهما، غیر أنهما ضمن تذکیره بخطر احتمال إلقاء القبض علیهما من قبل مروان، طلبا منه الإذن بدخول الکوفة (الجهشیاري، ن.ص؛ العیون و الحدائق، 198). ثم إنهم دخلوا الکوفة في أوائل صفر 132، فأسکنهم أبو سلمة في محلة بني أَوْد وأخفی عن الجمیع خبر دخولهم المدینة (الدینوري، 358؛ الطبري، ن.ص؛ الجهشیاري، 56-57). وکان أبو سلمة الذي سیطر علی الکوفة وأعوانه في المدینة مثل محمد بن خالد القسري حتی ذلک الحین یمتنعون عن ذکر اسم الإمام (أخبار الدولة، 373، 404). وکان شائعاً آنذاک بین الجند أن إبراهیم توفي وأنه عیّن أخاه أبا العباس السفاح خلیفة له (العیون و الحدائق، 199). لکن کلما :ان الخراسانیون یسألون أبا سلمة عن مکان الإمام کان یطلب إلیهم التریث ویقول إن وقت ظهوره لم یحن بعد (ابن حبیب، 187؛ البلاذري، 3/139؛ الطبري، ن.ص؛ التنوخي، 4/273).

ویبدو أن أبا سلمة عندما بلغة نبد موت إبراهیم، فتر في عمله (أخبار الدولة، 404)، بل وقیل إنه منذ بدئه عمله کان یمیل إلی آل علي (ع)، لکنه أخفی نوایاه (العیون و الحدائق، 180، 181)، ومهما یکن فإن امتناع أبي سلمة في الکشف عن مکان الإمام العباسي أدی بأولئک الذین کانوا ینتظرون التعرف إلی الإمام عن طریق أبي سلمة (البلاذري، ن.ص) إلی أن یستنتجوا أنه قد تعمد إخفاء الإمام، کما أن أبا العباس نفسه قال إن أبا سلمة أراد أن یسلم الخلافة إلی آل علي (ابن حبیب، البلاذري، الطبري، ن.صص). و خلال ذلک تشاور أبو سلمة مع بعض وجهاء الکوفة وتمّ الاتفاق علی أن تشکل شوری من أبناء علي (ع) والعباس، وأن ینتخب هؤلاء خلیفة من بینهم (الجهشیاري، 57؛ تاریخ الخلفاء، 584؛ العیون و الحدائق، 196)، إلا أنه خوفاً من الختلاف أعضاء الشوری، أرسل بعد ذلک رسائل إلی الإمام جعفر الصادق (ع) وعبدالله بن الحسن و عمر بن علي بن الحسین في المدینة (الجهشیاري، ن.ص؛ الیعقوبي، 2/349؛ العیون والحدائق، ن.ص)، لکن الإمام الصادق (ع) أحرق رسالة أبي سلمة دون أن یقرأها قائلاً إنه شیعة لغیرنا. کما أن عبدالله بن الحسن رفض – بعد استشارته الإمام الصادق (ع) – دعوة أبي سلمة. وأخیراً امتنع عمر بن علي بن الحسین أیضاً عن الاستجابة (الیعقوبي، الجهشیاري، ن.صص؛ التنوخي، 4/275-276؛ العیون والحدائق ن.ص؛ ابن عنبة، 102).

وخلال ذلک وبینما کان أبوسلمة ینتظر وصول أجوبة الرسائل ویمتنع عن إظهار الإمام، التقی أحد قادة خراسان و یدعی أبا حمید السمرقندي، بسابق – الغلام المُهدی من الخراسانیین إلی إبراهیم الإمام – في الکُناسة بالکوفة، وسأله عن الإمام، فشرح له سابق قصة دخول أبي العباس والذین معه الکوفة سراً واصطحبه معه إلی أبي العباس، وهناک بایعه بالخلافة. ثم ذهب أبو حمید إلی أبي الجهم ابن عطیة وبقیة القادة الخراسانیین وأخبرهم بخبر أبي العباس، فذهب هؤلاء سراً و من غیر علم أبي سلمة إلی أبي العباس و بایعوه. و قد أدی خبر لقاء قادة الجند الخراسانیین بأبي العباس الذي بلغ أباسلمة إلی أن یهرع هذا إلی أبي العباس و یبایعه بالخلافة، وقال في اعتذاره إلیه: إنه إنما أخّر الأمر لإحکامه و عندها یُظهر الإمام. و عندما کان أبوسلمة یبایع أبا العباس مکرَهاً شتمه أبوحمید، إلا أن أبا العباس الذي کان یعلم بما یتمتع به أبوسلمة من نفوذ کبیر بالکوفة، أسکته وعظّم حق أبي سلمة (ابن حبیب، 187-188؛ البلاذري، 3/139-140؛ الیعقوبي، 2/349-350؛ قا: التنوخي، 4/274-275، الذي ذکر حمید بن قحطبة بدلاً من أبي حمید).

واستناداً إلی روایة الطبري (7/424)، فإن أبا الجهم بعد علمه بوجود أبي العباس في الکوفة، سأل أبا سلمة مرة أخری عن الإمام، فأخر أبوسلمة مرة أخری الإعلان عن ظهوره. و یظهر وجود هذه الأدلة أن الخراسانیین و الکوفیین الذین کانوا حتی الان متفقین علی إسقاط الأمویین، قد نشب بینهم خلاف بشأن اختیار الخلیفة، وکان هذا الخلاف ناجماً عن میل الکوفیین إلی آل علي (ع). وکان محمد بن علي قد وصف الکوفیین قبل ذلک بأنهم شیعة ال علي و ناقضو العهد (ظ: أخبار الدولة، 200، 205، 206). کما حدث أن نصح أبومسلم أیضاً أبا العباس فیما بعد بأن ینقل مقره إلی مکان آخر بسبب میل أهل الکوفة إلی آل علي، ففعل ما أشار علیه به (البلاذري، 3/150). وعلی أیة حال، واستناداً إلی روایة ابن أعثم الکوفي (8/177-178)، فإن أبا سلمة بعد مبایعة أبي العباس قال في الخطبة التي ألقاها بأهل الکوفة في سعبیه لنیل ثقتهم إن أبا العباس عُین خلیفة؛ و عندها جاؤوا به و أخذوا له البیعة من الناس. وقد حدث ذلک في 12 أو 13 ربیع الأول 132 (ظ: البلاذري، 3/141؛ الیعقوبي، 2/349؛ العیون و الحدائق، 199). وبعد اختیاره خلیفة بادر أبوالعباس علی الفور إلی عزل عمّال أبي سلمة من الکوفة و بقیة المناطق بسبب عدم ثقته بهم (البلاذري، 3/143، 176). ومع کل ذلک فإن أباسلمة من أجل نیل دعم ورضا أبي العباس – علی مایبدو – اشتری العباءة التي یقال إنها للنبي (ص) وأهداها له (العیون و الحدائق، 208).

ولاتتوفر لدینا روایة عن تفاصیل حیاة أبي سلمة في أواخر عمره. فأبوالعباس الذي کان فزعاً من قوته و نفوذه و یعلم أیضاً بمیله لآل علي، کان یفکر في قتله. وقیل إنه حاول مرة قبل هذا قتل أبي سلمة عندما کان مختفیاً في محلة بني أود، لکنه عدل عن رأیه ذاک (البلاذري، 3/139). والروایات الخاصة بقتل أبي سلمة مضطربة جداً، إلا أن دور أبي جعفر المنصور، شقیق الخلیفة واضح في التخطیط لقتله. فأغلب الروایات المتوفرة أیضاً إما أنها نسقلت عنه، أو رویت استناداً إلی أقواله.

ووفقاً إحدی الروایات فإن أبا العباس کلّف المنصور بالذهاب إلی أبي مسلم في خراسان وأخذ البیعة منه و من أصحابه و سؤاله خلال ذلک عن رأیه بأبي سلمة (م.ن، 3/154-155؛ الطبري، 7/448)؛ فاستقبل أبومسلم المنصورَ بحفاوة بالغة و أخفی المنصور إلی مدة ماقدم لأجله، إلی أن عرض أخیراً علی أبي مسلم أعمال أبي سلمة، فحرّض أبومسلم بدوره أحد المرتزقة علی قتل أبي سلمة (م.ن، 7/449)؛ إلا أن روایات أخری تقول إن المنصور ذهب إلی خراسان بعد قتل أبي سلمة (ظ: الدینوري، 376؛ الطبري، 7/450؛ حمزة، 139؛ ابن الأثیر، 5/458- 459).

وفي روایة أخری فإن أبا العباس نفسه کان یرید قتل أبي سلمة، إلا أن أحد خاصته حذره من خطر تمرد أبي مسلم بعد قتل أبي سلمة واقترح أن یکتب الخلیفة رسالة إلی أبي مسلم یسأله فیها رأیه بأبي سلمة (ابن حبیب، 188؛ الجهشیاري، 60؛ العیون و الحدائق، 212). أرسل أبوالعباس إلی أبي مسلم رسالة بید المنصور مضمونها أنه تخلی إکراماً له عن معاقبة أبي سلمة، لکن أبا سلمة رفض ذلک و عزم علی قتل أبي سلمة؛ فأرسل لهذا الغرض رجلاً من مرتزقته یدعی مرّار بن أنس الضبي إلی الکوفة لیقتل أباسلمة (ابن حبیب، ن.ص؛ البلاذري، 3/156). وبعد دخوله الکوفة نادی مناد بأمر بمن أبي العباس أن الخلیفة راض عن أبي سلمة وقد دعاه إلیه (الطبري، 7/449؛ الجهشیاري، ن.ص). ویستشف من هذا أن اخلاف بین الخیفة و أبي سلمة قد أصبح واضحاً وأن أباسلمة قد اعتزل الخلیفة. و لعی أیة حال، فإن الخلیفة دعا أبا سلمة بعد 3 لیال وظل عنده شطراً من اللیل، ولدی عودته قتله مرتزق أبي مسلم الذي کان کامناً له في الطریق.

وبعد مقتل أبي سلمة قیل إن الخوارج قتلوه (البلاذري، الجهشیاري، ن.صص؛ الطبري، 7/450). وتوجد روایة مفادها أن أباسلمة قد لُعن في الکوفي (البلاذري، ن.ص)، بل إن جسده – في روایة أخری – قد عُلق علی دار الإمارة بالکوفي (الإمامة والسیاسة، 2/145). لکن مع الأخذ بنظر الاعتبار النفوذ الواسع الذي کان یتمتع به أبوسلمة في الکوفة، فإن تصرف العباسیین هذا یبدو أمراً مسبعداً، خاصة وأنه استناداً إلی روایة أخری فإن شقیق الخلیفة صلی علی جنازة أبي سلمة في الیوم التالي لمقتله، ودُفن في الهاشمیة قرب الکوفة (ابن الأثیر، 5/436). وقیل إن قتل أبي سلمه کان في رجب 132 (الجهشیاري، ن.ص)، وهذا یتفق والروایة القائلة إن أبا سلمة کان حیاً بعد خلافة أبي العباس بثلاثة أو أربعة أشهر (البلاذري، 3/157).

ولاتتوفر لدینا روایة دقیقة عن طبیعة العلاقة بین أبي سلمة وأبي مسلم بعد الانتصار علی بني أمیة، لکن قیل إن أبا مسلم کلما کان یکتب رسالة إلی أبي سلمة، کان یخاطبه بقوله وزیر آل محمد (م.ن، 3/156؛ الیعقوبي، 2/352). ویستفاد من بعض الروایات أن قتل أبي سلمة علی ید أبي مسلم کان نتیجة تصرف شخصي (الدینوري، 370). ولایمکن التغاضي عن دور أمثال أبي الجهم ابن عطیة في قتل أبي سلمة. فقد کان من الدعاة (أخبار الدولة، 219-220؛ المقریزي، النزاع...، 76) الذین دخلوا الکوفة برفقة جیش خراسان، و هو الذي أخرج أبا العباس من مخبئه وبایعه؛ وقیل أیضاً إنه کان جاسوس أبي مسلم یوصل إلیه أخبار الکوفة (البلاذري، ن.ص؛ العیون والحدائق، 209)، وهو الذي اتهم – و هو علی باب الخلیفة – أبا سلمة عند قتله بالنفاق والخدیعة و طلب إلی الجمیع أن یلعنوه. بل توجد روایة أیضاً تظهر أن قتل أبي مسلم لم یکن لیتم دون علمه (الجهشیاري، 77؛ ابن الأثیر، 5/476). والعجیب أن أبا الجهم نفسه سُمّ فیما بعد علی ید المنصور. و في سبب قتل أبي سلمة – فضلاً عن میوله إلی آل علي – ینبغي الأخذ بنظر الاعتبار الخوف و الرعب اللذین تملّکا العباسیین من نفوذه وقوته، کما حدث عندما قارنه المنصور فیما بعد بأبي مسلم من حیث النفوذ والقوة (البلاذري، 3/201).

عُدّ أبوسلمة في المصادر أول وزیر عباسي (مثلاً ظ: أبوهلال، 2/98؛ ابن عبد ربه، 5/113). وسبب ذلک هو اشتهار أبي سلمة بلقب وزیر آل محمد علی الأغلب. ولکن لانبغي أن یستفاد من هذا اللقب مایُفهم منه العمل الذي کان الوزراء یکلفون به من قبل الخلفاء.

وینسب الخوارزمي (ص 30) فرقة باسم الخلّالیة إلی أبي سلمة والتي کانت واحدة من فرقتین للشیعة العباسیة. ویقول لامقریزي (الخطط، 2/253-254) إن رجلاً یدعی هاشماً ظهر في ماوراء النهر وادعی أن روح أبي سلمة حلّت فیه، ولذا فهو یدع الناس إلیه. و یبدو أن المقریزي کان یعني المقنّعَ بهاشم هذا، کما یستفاد من مصادر أخری أنه کان هناک ادّعاء کهذا فیما یتعلق بأبي مسلم، ویحتمل أن یکون قد حدث خلط بین أبي سلمة وأبي مسلم في هذه الروایة (ظ: الگردیزي، 278-279؛ ابن الأثر، 6/38-39).

 

المصادر

ابن الأثیر، الکامل؛ ابن أعثم الکوفي، الفتوح، حیدرآبادالدکن، 1395هـ/ 1975م؛ ابن حبیب، «أسماء المغتالین»، نوادر المخطوطات (المجموعة السادسة)، تقـ: عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1374هـ/1954م؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن الطقطقی، محمد، الفخري، بیروت، 1400هـ/1980م؛ ابن عبدربه، أحمد، العقد الفرید، تقـ: أحمد أمین وآخرون، القاهرة، 1393هـ/1973م؛ ابن عنبة، أحمد، عمدة الطالب، النجف، 1380هـ/1961م؛ أبوهلال العسکري، الحسن، الأوائل، تقـ: محمد المصري و ولدی قصاب، دمشق 1975م؛ أخبار الدولة العباسیة، تقـ: عبدالعزیز الدوري و عبدالجبار المطلبي، بیروت، 1971م؛ إقبال، عباس، خاندان نوبختي، طهران، 1313ش؛ الإمامة والسیاسة، المنسوب لابن قتیبة، القاهرة، 1388هـ/1969م؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، تقـ: عبدالعزیز الدوري، بیروت، 1398هـ/1978م؛ تاریخ الخلفاء، تقـ: غریازینویج، موسکو، 1967م؛ التنوخي، المحسِّن، لافرج بعد الشدة، تقـ: عبود الشالجي، بیروت، 1398هـ/1978م؛ الجشیاري، محمد، الوزراء و الکتّاب، القاهرة، 1357هـ/ 19938م؛ حمزة الأصفهاني، تاریخ سني ملوک الأرض و الأنبیاء، برلین، 1340هـ؛ خلیفة ابن خیاط، تاریخ، تقـ: سهیل زکار، دمشق، 1968م؛ الخوارزمي، محمد، مفاتیح العلوم، تقـ: فان فلوتن، لیدن، 1895م؛ الدینوري، أحمد، الأخبار الطوال، تقـ: عبدالمنعم عامر، بغداد، 1379هـ/1959م؛ السمعاني، عبدالکریم، الأنساب، حیدرآبادالدکن، 1401هـ/ 1981م؛ الصابي، هلال، رسوم دارالخلافة، تقـ: میخائیل عواد، بغداد، 1383هـ/1964م؛ الطبري، تاریخ؛ العیون والحدائق، ج3، تقـ: دي خویه، لیدن، 1869م؛ الگردیزي، عبدالحي، زین الأخبار، تقـ: عبدالحي حبیبي، طهران، 1363ش؛ المقریزي، أحمد، الخطط، بولاق، 1270 هـ؛ م.ن، النزاع و التخاصم فیما بین بني أمیة و بني هاشم، القاهرة، مکتبة الأهرام؛ یاقوت، البلدان؛ الیعقوبي، أحمد، تاریخ، بیروت، 1379هـ/1960م.

علي بهرامیان/ هـ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: