الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبو السرایا /

فهرس الموضوعات

أبو السرایا

أبو السرایا

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/29 ۲۰:۰۳:۱۶ تاریخ تألیف المقالة

أَبو الْسَّرایا، السريّ بن منصور الشیباني (مقـ 10 ربیع الأول 200هـ/18تشرین الأول 815م)، القائد العسکري لثورة ابن طباطبا ضد الخلیفة العباسي المأمون.

ورغم وجود عدة مصادر قریبة من زمن ثورة أبي السرایا، إلا أنه من الصعب تقدیم عرض دقیق لحیاته و دوافع ثورته في الکوفة. وأهم المصادر المتوفرة، روایة أبي الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبیین التي استقاها من نصر بن مزاحم (تـ212هـ) الذي کان هو نفسه قد شهد الثورة وعُیّن بعد استیلاء أبي السرایا علی الکوفة بمنصب الناظر في شؤون السوق (ص 518، 533؛ أیضاً ظ: السیّاغي، 1/65). إلا أن هذه الروایة التي تتضمن معلومات أکثر دقة من غیرها، تتناقض أحیاناً مع ماورد في المصادر الأخری. کما أن البلاذري و الطبري و ابن الأثیر الذین هم مؤلفو المصادر غیر الشیعیة، لایشیرون إلی المصادر التي استقوا منها معلوماتهم عن الثورة و هذه الروایات یشبه بعضها بعضاً، سوی أن روایة ابن الأثیر أدق من روایة الطبري و أکمل؛ و روایة البلاذري أکثر اختصاراً من کلتیهما. ولما کان هناک اختلاف و تناقض بین هذه الروایات و روایة نصر بنمزاحم في مواضع مهمة مثل حیاة أبي السرایا و أنشطته، ربما أمکن احتمال أن یکون هؤلاء المؤرخون المتأخرون قد أفادوا جمیعاً من مصدر مشترک.

ویغلب الاحتمال أن یکون أوالسرایا الذيهو منبني شیبان و الذي یرجع نسبه إلی هاني بن قبیصة الشیباني، قد ولد برأس العین في الجزیرة. وقیل إنه بدأ أولی نشاطاته من هناک (ظ: الطبري، 8/528، 534؛ الأزدي، 338؛ ابن الأثیر، 6/302-303؛ أیضاً ظ: خلیفة، 2/760؛ أبوالفرج، 521، 531). واستناداً إلی روایة ابن الأثیر (6/302-304) فإنه کان مکارباً بادئ الأمر، ثم جمع حوله عدداً من الرجال و رفع رایة العصیان وقتل شخصاً من بني تمیم في الجزیرة و استولی علی أمواله، وانهمک بقطع الطرق في المناطق الواقعة غربي الفرات، ثم انضم مع فرسانه الثلاثین إلی یزید بن مَزْیَد الشیباني بأرمینیة و شارک معه في حرب الخُرمیة. وخلا لالصراع الذي نشب بین الأمین و المأمون، کان أبوالسرایا من طلائع جیش هرثمة بن أعین القائد المقتدر للمأمون و الذي کان قد عُین بهذا المنصب من قبل أحمد بن مزید شقیق یزید. و لما أبدی شجاعته و کفاءته، أثار اهتمام هرثمة به؛ لکن لما تأخر هرثمة في دفع راتبه المقرر له، تذرع بالذهاب إلی الحج و انهمک في العراق بقطع الطرق والنهب إلی أن التقی بابن طباطبا (ظ: ن.د، آل طباطبا؛ أیضاً ظ: ابن قتیبة، 387؛ الطبري، 8/529).

والأساس الذي بنیت علیه هذه الروایة التي عُرف فیها أبوالساریا بادئ الأمر بوصفه أحد ضباط و قادة هرثمة بن أعین، لایمکن فصله عن جزء من المؤامرة التي حاکها الفضل بن سهل الوزیر المقتدر للمأمون للقضاء علی هرثمة، وأصبحت إحدی الدوافع لقتله (للمزید من المعلومات، ظ: م.ن، 8/542-543؛ أبوعلي مسکویه، 427-429). و تحظی هذه الروایة المتعلقة ببدایة نشاط أبي السرایا بأهمیة کبری، کما تدل روایة أبي الفرج الأصفهاني (ص 521) علی إعلانه العصیان في نواحي الجزیرة، ومن ثم حوالي السواد، بحیث تمکن عدة مرات من صدّ القوات التي کانت ترسل للقضاء علیه (ظ: ابن الأثیر، 6/303-304).

ویبدو أن مذهب أبي السرایا کان ذا أثر في دوافعه إلی التمرد في ثوراته الأولی، فاعتبر أبوالفرج الأصفهاني أن أبا السرایا «کان علوي الرأي ذا مذهب في التشیع» (ن.ص)، ویمکن أن تکون التصرفات التي نسبت إلیه بعد الثورة في الکوفة مدعمة لهذا الأمر. لکن الگردیزي (ص 172) وصف أبا السرایا بأنه منکبار الخوارج. ورغم أنه لاتلاحظ في المصادر إشارة خاصة بهذا الشأن، إلا أنه یمکن الوصول إلی نتیجة من خلال وضع بعض المعلومات المتناثرة إلی جنب بعضها: کما رأینا آنفاً فإن أبا السرایا ولد في بلاد الجزیرة و سکن فیها و مارس عمله هناک أیضاً بادئ الأمر؛ و من جهة کانت الجزیرة واتناداً إلی عدد من الوثائق (ابن عبد ربه، 6/248) مقرّ الخوارج، ومن جهة أخری کان له نسب شیباني وکان بنو شیبان یمیلون في الغالب إلی الخوارج (ظ: کحالة، 2/622). کما أن الولید بن طریف الخارجي الذي رفع رایة العصیان في الجزیرة سنة 178 هـ علی عهد هارون، کان شیبانیاً (ظ: ابن خلکان، 6/327-328). وتحدث هارون أیضاً مرة إلی یزید بن مزید الشیباني بلهجة ساخرة عن کثرة الخوارج في قومه (ظ: م.ن، 6/329). ولهذا یغلب الظن أن لایکون أبوالسرایا بعیداً عن المیل إلی الخوارج؛ ویبدو أنه أظهر نفسه فیما بعد ولأجل تحقیق أهدافه بمظهر العلوي الرأي، إلی درجة أنه أطلق عللی نفسه لقب داعیة آل محمد (أبوعلي مسکویه، 424-425؛ العیون والحدائق، 348).

وفي أسباب ثورة الکوفیین بقیادة ابن طباطبا و أبي السرایا، قال المؤرخون: إن المأمون لما ذهب إلی خراسان و أوکل أمر ولایات العراق إلی الحسن بن سهل شقیق الفضل، شقّ ذلک علی العلویین و قالوا: إن الحسن بن سهل و شقیقه قد غلبا المأمون علی أمره، فکان أول شخص منهم استفاد من غیبة المأمون و ثار هو ابن طباطبا (الطبري، 8/528-529). و مع أخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار یمکن القول إن هذه الثورة کانت في الحقیقة محاولة من الأسرة العلویة لانتزاع الخلافة من بني العباس والتغلب علی السلطة المتعاظمة للجناح الخراساني الذي کان منذ عهد بعید ظهیراً و حامیاً لهذه الأسرة، وکان یعد من العوامل المهمة لتسلم بني العباس الخلافة.

استعد ابن طباطبا للثورة بتشجیع و دعوة من نصر بن شَبث (شبیب) العُقیلي، وتوجه إلی الجزیرة أملاً في الحصول علی دعمه و أنصاره. إلا أن نصراً تخلی عن مرافقته (ظ: أبوالفرج، 519-520؛ قا: ابن الأثیر، 6/308). وفي طریق عودته إلی الحجاز التقی ابن طباطبا بأبي السرایا واتفق الاثنان علی الثورة معاً (أبوالفرج، ن.ص). ولایشاهد في المصادر مایشیر إلی کیفیة لقاء هذین الاثنی، إلا أن أبا السرایا کان حینها یتمتع بالاستعداد الکافي للثورة، ولذا فقد أثار بسهولة اهتمام ابن طباطبا الذي ذهب إلی الکوفة وأعلن عن دعوته (10 جمادی الآخرة 199) واستطاع أن یجمع حوله أنصاراً من بین أفراد القوی المعارضة الذین کان أغلبهم زیدیاً وکانت مدینة الکوفة تعتبر مقرهم و تبدو ملائمة للثورة من جمیع الجهات (الطبري، 8/528). وذهب أبوالسرایا قبل وصوله الکوفة لزیارة قبر الإمام الحسین (ع) أولاً، کما روی أبوالفرج (ص 522)، ومن هناک جمع أناساً و اتجه نحو الکوفة. وبعد انضمامه إلی ابن طباطبا خطب هذا الأخیر في الناس داعیاً الجمیع إلی البیعة إلی الرضا من آل محمد و العمل بکتاب الله وسنة نبیه (ص) و الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر. فبایعه جمیع الناس وازدحموا علیه (م.ن، 523؛ أیضاً ظ: ابن الأثیر، 6/304).

تمکن أبوالسرایا و البن طباطبا في أول خطوة من طرد والي الکوفة منها و نهب قصره بعد محاصرته (أبوالفرج، 524-525؛ أیضاً ظ: البلاذري، 3/140-141؛ الطبري، 8/529). وبعدها أرسل ابن طباطبا أناساً من العلویین إلی المناطق و البلاد الأخری و منها مصر لأخذ البیعة (ظ: المحلي، 1/200). ولما وصل نبأ تحرک الکوفیین إلی الحسن بن سهل في بغدد، استدعی زهیر بن لامسیب وأرسله علی رأس جیش إلی الکوفة التي ما إن بلغ مشارفها حتی جعل ابنه أزهر علی مقدمته، فهجم أبوالسرایا علی جیش أزهر و هزمه و غنم غنائم کثیرة؛ فلما بلغ نبأ الهزیمة زهیراً تغیّظ من ذلک وهاجم الکوفة. وبعد قضاء لیلة باردة جداً التقی الجیشان، فقاتل أبوالسریا بنفسه رجلاً من مقدمة الجیش وقتله. ففر جنود زهیر خوفاً من هجوم الکوفیین و طاردهم أبوالسرایا (أبوالفرج، 526-527، 529)، وهرب زهیر سراً إلی بغداد، فغضب منه الحسن بن سهل إلی الحد الذي أمر معه بضرب عنقه، لکنه عاد من رأیه فیما بعد.

استدعی الحسن بن سهل الذي أخذ یفکر في تنامي قوة الکوفیین، عبدوسَ بن عبدالصمد المروروذي وأرسل معه جیشاً لحرب أبي السرایا، فتقابل الجیشان في 17 رجب 199 و تمکن أبوالسرایا بحیلة من الثغلب علی جیشه، فتشتت شمل جیش عبدوس وطارده أبوالسرایا حتی نالته یده قرب مسجد الکوفة فقتله، وحصل أهل الکوفة مرة أخری علی غنائم وأسلحة کثیرة (م.ن، 529-531؛ أیضاً ظ: البلاذري، 3/266؛ الیعقوبي، 2/447؛ الطبري، ن.ص؛ ابن الأثیر، 6/305).

وطبقاً لروایة أبي الفرج (ص 531) فإنه حصل لقاء بعد هذه الحرب بین ابن طباطبا الذي کان مریضاً و أبي السرایا، فانتقد ابن طباطبا أبا السرایا لأنه لجأ إلی السیف و حمل علی جند العدو لیلاً واستولی علی أموالهم قبل أن یدعوهم إلی الصراط المستقیم، فأجاب أبوالسرایا: کان هذا تدبیر الحرب، ولستُ أعاود مثله، ثم طلب إلیه أن یوصي قبل موته. إلا أن روایات أخری قالت إنه بعد اختلاف أبي السرایا وابن طباطبا بشأن الغنائم، أدرک أبو السرایا أنه لایمکن له الحکم مع بقاء ابن طباطبا فسقاه السم (الطبري، ابن الأثیر، ن.صص؛ قا: ابن عنبة، 172؛ المحلي، 1/203). ورغم أنه لم یرد في الروایات الزیدیة ذکر لسمّ ابن طباطبا، إلا أنه ینبغي الأخذ بنظر الاعتبار الخلاف الذي کان قد نشب بین أبي السرایا وابن طباطبا والذي تذکره نفس هذه المصادر.

واستناداً إلی روایتي الطبري وابن الأثیر (ن.صص) فإن وفاة ابن طباطبا حدثت بعد یوم من حرب أبي السرایا لزهیر بن المسیب، وهو مایتفق مع قسم من روایة البلاذري (3/141) الذي یقول: کانت وفاته بعد دخوله الکوفة بأقل من شهر.وطبقاً لنفس المصادر فإن الحرب مع عبدوس وقعت بعد وفاة ابن طباطبا (ظ: البلاذري، 3/266؛ الطبري، ابن الأثیر، ن.صص).

أخفی أبوالسرایا وفاة ابن طباطبا بادئ الأمر، ثم عزم علی أن یوکل أمر الثورةإلی علی بن عبیدالله، من أحفاد الإمام علي بن الحسین (ع) الذي قیل إن ابن طباطبا أیضاً قد أوصی له، إلا أن علی بن عبیدالله الذي عُد من أنصار و أصحاب الإمام الرضا (ع)، امتنععن قبول ذلک. فأحل أبوالسرایا محله غلاماً حدث السن من العلویین یدعی محمد بن محمد بن زید (أبوالفرج، 532-533؛ النجاشي، 256). ومنذ ذلک الحین و ماتلاه حصل علی استقلالیة أکبر في العمل بحیث شرع بضرب العملة بشکل رسمي (الطبري، 8/530؛ أیضاً ظ: تورنبرغ، 707)، وعیّن أشخاصاً علی أعمال في الکوفة وأرسل آخرین ولاةً إلی مدن الأهواز و الیمن والبصرة وواسط، حیث حقق کل منهم نجاحاً في المدینة المرسل إلیها (أبوالفرج، 533-534؛ ابن الأثیر، ن.ص)، وأرسل الحسین بن الحسن الأقطس إلی مکة لأداء فریضة الحج حیث کسا الکعبة حسب قول الأزرقي (1/264) کسوة نقش علیها اسم أبي السرایا «داعیة آل محمد»، وأرسل أحداً إلی المدینة أیضاً، فسقطعت بأیدي العلویین دون قتال (الطبري، 8/531-532؛ ابن الأثیر، 6/306)، بل وقیل إن أهل الشام و الجزیرة أیضاً کانوا ینتظرون قدوم ممثل عنه (أبوالفرج، 534).

وعلی الجانب الآخر قرر الحسن بن سهل الذي شغل باله تنامي قوة أبي السرایا، أن یرسل بادئ الأمر طاهر بن الحسین للقضاء علی الفتنة، لکنه عدل عن ذلک فیما بعد و أرسل کتاباً إلی هرثمة بن أعین الذي کان متجهاً إلی خراسان و هو غاضب علیه، وطلب إلیه أن یهرع لمجابهة أبي السرایا. فامتنع هرثمة عن الذهاب، إلا أنه عاد علی عجل إلی بغداد إثر تسلمه رسالة المنصور بن المهدي (م.ن، 534-535؛ ابن الأثیر، ن.ص) واتجه إلی الکوفة علی رأس جیش جرار (شعبان 199). وخلال ذلک، کان أبوالسرایا قد استولی علی المدائن أیضاً (أبوالفجر، 536؛ ابن الأثیر، 6/305، 306). فعسکر هرثمة قرب الکوفة (شرقي نهر صرصر). و من جهة أخری، أرسل الحسن بن سهل إلی المدائن علي بن أبي سعید، فهزم محمدَ بن إسماعیل العلوي و استولی علی المدائن (الطبري، 8/531؛ أبوالفرج، 542؛ ابن الأثیر، 6/306). وتبع هرثمة أیضاً أبا السرایا فهجم علی جمع من أنصاره فقتلهم و أرسل برؤوسهم إلی الحسن بن سهل (الطبري، 8/530؛ ابن الأثیر، ن.ص).

تحرک أبوالسرایا لیلاً و علی عجل بحیث لایعلم هرثمة. نحو المدائن، لکنه أدرک أن الخرسانیین قد استولوا علیها و طردوا أنصاره منها. فعاد إلی قصر ابن هبیرة والتقی بهرثمة في الرحبة قرب الکوفة، فهُزم في الحرب الطاحنة التي دارت بینهما وقُتل أخوه بینما هرب هو. فمنع هرثمة ماء الفرات عن الکوفیین. وقد ضیق هذا العمل الخناق علیهم إلی الحد الذي قرروا معه أن یساوموه (أبوالفرج، 542-543). ومن جهة أخری کان هرثمة خلال ذلک یراسل کبار شخصیات الکوفة (الطبري، 8/533؛ ابن الأثیر، 6/307)، ثم هاجم الکوفة مرة أخری ودارت رحی الحرب بینه و بین أبي السرایا، فانهزم جیش هرثمة أول الأمر (الطبري، ن.ص؛ أبوالفرج، 543، 544) و طاردهم الکوفیون حتی إن هرثمة نفسه، حسب روایة غیر موقوقة لأبي الفرج (ن.ص)، وقع في الأسر؛ إلا أن أحد قادته نظم الجیش و شن هجوماً معاکساً علی الکوفیین و حرر هرثمة (م.ن، 544).

کان أبوالسرایا ینوي الهجوم مرة أخری حین وجه هرثمة بن أعین خطاباً لأهل الکوفة یدعوهم إلی أن یکفوا عن سفک الدماء أو أن یبایعوا المنصور بن المهدي عم الخلیفة، وإذا أرادوا استعادة الخلافة من بني العباس أن یحددوا موعداً لیتفاوض فیه الجیشان (م.ن، 544-545)، بل وقال إن المأمون قد مات فهلموا نسلم الخلافة لشخص آخر (ظ: البلاذري، 3/267). وبذلک تخلی الکوفیون عن الهجوم وعاد أبوالسرایا غاضباً علیهم. وکان أبوالسرایا نفسه قد عزم قبل لک – کما یقول أبوالفرج (ن.ص) – علی الذهاب برفقة محمد بن محمد بن زید إلی هرثمة و طلب الأمان منه، لکنه خاف نقضه العهد، وأعلن الحرب. وفيیوم الجمعة خطب أبوالسرایا في أهل الکوفة و أنّبهم؛ ولما کان قد حوصر من قبل هرثمة (ابن الأثیر، 6/309)، فقد أمر بحفر خندق حول المدینة (أبوالفرج، 545-546)، وشرع بحفر الخندق مع الناس إلی اللیل، لکنه و مع حلول الظلام (13 محرم 200)، هرب إلی القادسیة برفقة محمد بن محمد بن زید و عدد آخر من العلویین و الأعراب و قوم من أهل الکوفة (ظ: م.ن، 546؛ ابن الأثیر، ن.ص).

ورغم أنه لایلاحظ في المصادر فصل مخصص لهرب أبي السرایا من الکوفة، لکن یحتمل أن یکون و هو الذي کان علی علم بالمراسلات السریة بین زعماء الکوفة و بین هرثمة و نفوذهم في المدینة، قد وجد أن الکوفة لم تعد مناسبة لمواصلة الثورة، حیث دعا بعد خروجه الأشعث بن عبدالرحمان (من أحفاد الأشعث بن قیس الشهیر من قبیلة کندة التي کانت تتمتع بنفوذ کبیر في الکوفة) الجمیع إلی الصلح مع هرثمة، وذهب بعدها و جهاء الکوفة أیضاً إلی هرثمة و طلبوا منه الأمان للناس (أبوالفرج، 547). ثم إن المنصور بن المهدي دخل الکوفة و خطب في الناس وصلی بهم، إلا أن هرثمة ظل خارج المدینة خوفاً من هجوم أبي السرایا (الطبري، 8/534؛ أبوالفرج، ن.ص).

وعلی الجانب الآخر ذهب أبوالسرایا إلی ناحیة البصرة وواسط، ولما لم یجدها مکاناً آمناً، عبر دجلة و کلما وصل مدینة في تلک المناطق جمع ضرائبها و صادر أیضاً الأموال التي کانت تحمل من الأهواز (الطبري، أبوالفرج، بن الأثیر، ن.صص). عندها توجه نحو الأهواز حتی وصل إلی السوس، فأغلقوا الباب دونه. ثم أرسل الحسنُ بن علي المأموني عامل تلک الدیار رسالة یطلب إلیه فیها أن یغادر المناطق التي تحت نفوذه، لکنه رفض، فدارت بینهما حرب لحقت فیها هزیمة نکراء بأبي السرایا وقتل عدد من أنصاره و تشتت شمل الباقین (الطبري، ن.ص؛ أبوالفرج، 548). سار أبوالسرایا الذي کان جریحاً برفقة محمد ابن محمد و غلامه أبي الشوک نحو مقره في رأس العین (الطبري، ن.ص؛ قا: أبوالفرج، ن.ص). وفي جلولاء طالتهم ید حماد الکندغوش (= کُند گوش و تعني الثقیل السمع) عامل تلک الناحیة فألقی القبض علیهم (الطبري، ابن الأثیر، ن.صص؛ زریاب، 156). وحسب روایةٍ (أبوالفرج، ن.ص) فإن حماداً قد أعطاهم الأمان و طلب إلیهم الذهاب إلی الحسن بن سهل في النهروان، فطلب محمد بن محمد في رسالةٍ الدمان من الحسن بن سهل الذي کان قد عزم بادئ الأمر علی قتله و عدل عن ذلک بإشارة من أحد المقربین خوفاً من غضب المأمون المحتمل وأرسله إلی المأمون، إلا أنه شتم أبا السرایا ثم أمر بقطع رأسه وقدّ جسده إلی نصفین، و صلب نصفه في الجانب الشرقي والنصف الآخر في الجانب الغربي من بغداد (ابن حبیب، 489؛ البلاذري، 3/268؛ الیعقوبي، 2/447؛ الطبري، 8/535؛ أبوالفرج، 542).

وقیل إن فریقاً من محدثي و علماء الکوفة کانوا قد ثاروا مع أبي السرایا و یمکن الإشارة من بینهم إلی: أبي بکر و عثمان ابني أبي شبیة، وأبي نعیم الفضل بن دکین، وابن آدم (ن.ع.ع) (أبوالفرج، 551؛ المحلي، 1/200). کما قیل إن 200 ألف من جند السلطان قد قتلوا في وقائع ثورة أبي السرایا (أبوالفرج، 550). ورغم أن هذا العدد یبدو مبالغاً فیه، إلا أنه دلیل علی سعة نطاق الثورة التي شکلت خطراً جسیماً علی الخلافة العباسیة.

 

المصادر

ابن الأثیر، الکامل؛ ابن حبیب، محمد، المحبر، تقـ: إیلزه لیشتن شتیتر، حیدرآبادالدکن، 1361هـ/1942م؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن عبدربه، أحمد، العقد الفرید، تقـ: أحمد أمین و آخرون، القاهرة، 1940-1953م؛ ابن عنیة، أحمد، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، تقـ: محمدحسن الطالقاني، النجف، 1380هـ/1961م؛ ابن قتیبة، عبدالله، المعارف، تقـ: ثروت عکاشة، القاهرة، 1960م؛ أبوعلي مسکویه، أحمد، «تجارب الأمم»، مع العیون و الحدائق (همـ)؛ أبوالفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبیین، تقـ: أحمد صقر، القاهرة، 1368هـ/1949م؛ الأزدي، یزید، تاریخ الموصل، تقـ: علي حبیبة، القاهرة، 1387هـ/1967م؛ الأزرقي، محمد، أخبار مکة، تقـ: رشدي صالح ملحس، مکة، 1965م؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، تقـ: محمدباقر المحمودي، بیروت، 1397هـ/ 1977م؛ خلیفة بن خیاط، تاریخ، تقـ: سهیل زکار، دمشق، 1968م؛ زریاب، عباس، «أبو السرایا»، بزم آورد، طهران، 1368ش؛ السیاغي، حسین، الروض التضیر، الطائف، 1388هـ/1968م؛ الطبري، تاریخ؛ العیون و الحدائق، تقـ: دي خویه، لیدن، 1871م؛ کحالة، عمررضا، معجم قبائل العرب، بیروت، 1405هت/1985م؛ الگردیزي، عبدالحي، تاریخ، تقـ: عبدالحي حبیبي، طهران، 1363ش؛ المحلي، حمید، الحدائق الوردیة في مناقب أئمة الزیدیة، دمشق، 1405هـ/1985م؛ النجاشي، أحمد، رجال، تقـ: موسی الشبیري لازنجاني، 1407هـ؛ العقوبي، أحمد، تاریخ، بیروت 1379هـ/1960م؛ وأیضاً:

Tornberg, C. J., «Über muamnedanische Revolutions- Münzen», ZDMG, 1868, vol. XXII.

علي بهرامیان/ هـ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: