الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / أبو دلف /

فهرس الموضوعات

أبو دلف

أبو دلف

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/27 ۱۷:۱۴:۲۳ تاریخ تألیف المقالة

أَبو دُلَف، رحالة و شاعر و عالم عربي لم یعرف تاریخ و محل ولادته أو وفاته، لکن لاشک في أنه أمضی حیاته خلال القرن 4 هـ / 10م في الأجزاء الشرقیة من بلاد الخلافة (بولغاکوف، 11). و قد اشتهر باسم مِسعَر بن المهلهل (الثعالبي، 3/352). وکان هذا الاسم متداولاً و شائعاً في وسط الجزیرة العربیة منذ أقدم العصور وإلی عصرنا، وهذا ما یؤید أصله العربي (کراتشکوفسکي، «الرسالة الثانیة...»، I/280). وقد أُلحق باسم أبي دلف لقبا الینبوعي والخزرجي (الثعالبي، ن.ص)، وهاتان النسبتان تدلان علی کونه من سکان میناء ینبع الواقع علی الساحل الشرقي للبحر الأحمر، وانتسابه إلی قبیلة الخزرج المدنیة التي اشتهرت منذ عهد النبي (ص). ویبدو أن أبادلف کان أدبیاً أدت به الأوضاع السائدة آنذاک إلی القیام بأسفار طویلة و بعیدة، وأن تصوره ید الأقدار بهیئة شاعر مشرد و مدّاح في بلاط نصربن أحمد الساماني أمیر بخاری (301-331هـ/914-943م) (کراتشکوفسکي، ن.ص). وهو نفس الأمیر الذي ذهب ابن فضلان (ن.ع) إلی بلاطه، وتوجه من هناک إلی بلاد البلغار. وقد ذُکر أبودلف بوصفه رحالة وجغرافیاً وخبیراً بالمعادن و شاعراً. وسماه ابن الندیم بالجوّال (ص 410)، وأبدی الثعالبي بشأنه رأیاً مماثلاً ووصفه بأنه رکب الأسفار الصعاب (ن.ص). وأصدر زکریا القزویني أیضاً بشأنه نفس الحکم و نبّه إلی أنه کان رحالة شهیراً سافر إلی بلاد عدیدة و کان مطلعاً علی عجائب تلک البلدان (ص 97). کما وصفه الثعالبي أیضاً بأنه أدیب و شاعر (ن.ص). و تعرّفنا الأخبار و المعلومات المتناثرة التي قدمها عن نفسه بجوانب من حیاته، ویمکن أن نضیف إلیها المعلومات القیمة التي قدمها عنه ابن الندیم الذي کان علی معرفة به (ن.ص). کان أبودلف یرافق الصاحب بن عباد وفي خدمته و أمضی فترة في بلاطه، وکان یأخذ لأجل أسفاره رسائل توصیة من الصاحب بن عباد و یستخدمها سفاتج لقضاء حوائجه (الثعالبي، 3/353). وکان لعون بن الحسین الهمداني وبدیع الزمان الهمداني و محمد بن عمر البلخي حدیث مع الثعالبي بشأنه (الثعالبي، 3/353-354)، وربما کانوا یعرفونه جیداً.

لم یکن وصف رحلة أبي دلف معروفاً معرفة مباشرة حتی الاونة الأخیرة. فقد أورد یاقوت في معجم البلدان أقساماً من کتاباته، ونقل زکریا القزویني أیضاً موضوعات منه لیست دقیقة مع الأسف (کراتشکوفسکي، «تاریخ الأدب...»، IV/186).

اهتم ووستنفلد لأول مرة في 1842م بشرح رحلة أبي دلف (ص 205-217)، ثم انبری من بعده شلوتسر في 1844م في رسالة للبحث حوله، ونشر بعد ذلک بالتعاون مع فرن طبعة و ترجمة جیدة للأقسام الموجودة من کتابات أبي دلف (کراتشکوفسکي، «الرسالة الثانیة»، I/281). ویعود الفضل في أول الآثار العمیقة عن کتاباته إلی جهود غریغوریف العالم الروسي الذي نشر بحثه في 1872م بسان بطرسبورغ. وفي المؤتمر الثالث للمستشرقین الذي عقد بسان بطرسبورغ في 1876م أشار إلی وجود اضطراب في معلومات رحلة أبي دلف و إلی أنکثیراً من موضوعاته هي حصیلة ماسمعه واقتبسه من أحادیث الآخرین. وقد أُیدت وجهة النظر هذه في المؤتمر المذکور (ن.ص). وقد ردّد مارکوارت وجهة نظر غریغوریف هذه دون تعدیل و شکک في واقعة سفر أبي دلف إلی عاصمة الصین (ص 74-75). وضمن تأییده لوجهة نظر مارکوارت کتب بارتولد: مادامت الوقائع التي ذکرها أبودلف لم نجد مایؤیدها في آثار أخری، فستظل مسألة صحة هذه الرحلة غیرواضحة (III/482). ورغم العثور علی رسالتي أبي دلف الأولی والثانیة في المکتبة الرضویة بمشهد، فقد أعلن مینورسکي عن وجهة نظر مشابهة تقریباً لوجهة النظر المذکورة آنفاً وقال بشأن الرسالة الأولی: لامناص لنا ومن خلال المقارنة مع الرسالة الثانیة، من القبول بالرأي الحاسم الذي أبداه غریغوریف و مارکوارت بهذا الصدد (ص 13). وکان فون رور زاور من الذین ابن روا للبحث والدراسة في هذا المضمار بعد الکشف عن رسالة أبي دلف.

وفضلاً عن مینورسکي وفون رور زاور، فقد کان کراتشکوفسکي من أوائل العلماء الذین حققوا کلا رسالتي أبي دلف في 1936م (بلیایف، 7)، بینما کان بولغاکوف و خالدوف من بینأبرز المحققین الذین قاموا بتحقیق رسالتي أبي دلف بعد کشفهما. شرع کراتشکوفسکي بالتحقیق علی أساس نقله موضوعات «الرسالة الثانیة» لأبي دلف والموضوعات المتعلقة بشهرزور ضمن مقارنته بما کتبه یاقوت (ن.م، I/280-292؛ م.ن، «شهرزور...» I/293-298). کما عرض في کتابه الشهیر «تاریخ الأدب الجغرافي العربي» بحثاً مهماً عن هذا الرحّالة والشاعر العربي. ومن بعده ألف بولغاکوف و خالدوف معاً کتاباً مستقلاً عن الرسالة الثانیة لأبي دلف، طبع بإشراف بلیایف في 1960م. وفي إیران أیضاً قام أبوالفضل طباطبائي بترجمة نص الرسالة الثانیة لأبي دلف مع مقدمة و تعلیقات مینورسکي إلی الفارسیة.

وکان زکي ولیدي طوغان قد اکتشف مخطوطة رسالتي أبي دلف في 1923م بالمکتبة الرضویة (ظ: ن.د، ابن فضلان). وکانت هاتان الرسالتان مع شرح رسالة ابن فضلان ضمن کتاب البلدان لابن الفقیه (ن.ع) الذي کان ملکاً لشخص یدعی ابن خاتون.

وبقلیل من إنعام النظر في النصوص التي نقلهایاقوت من أبي دلف یمکن الجزم أنه استفاد من الرسالتین اللتین توجد مخطوطتهما في مشهد (کراتشکوفسکي، «الرسالة الثانیة»، I/283). ویقول یاقوت بشکل صریح عن الرسالة الأولی لأبي دلف إنه قرأها في کتاب عتیق (ث/445).

ویشتشف من خط المخطوطة بأسرها أن البلدان لابن الفقیه و رسالتي أبي دلف و رسالة ابن فضلان قد کتبت بخط کاتب واحد. أدی وجود مخطوطة مشهد إلی أن ننظر باهتمام وثقة إلی صحة موضوعات ومدی استفادة یاقوت من کتابات أبي دلف. فقد نقل یاقوت تقریباً جمیع الرسالة الأولی لأبي دلف بحذافیرها في کتابه (3/445-458؛ قا: أبودلف، 347-362)، إلا أننا لانعثر أحیاناً علی بعض کلماتها في معجم البلدان. ویوجد في هذا الکتاب 34 نصاً مع ذکر الاسم من رسالتي أبي دلف (في الجزء الأول 8 مرات، في الجزء الثاني 10 مرات، في الجزء الثالث 7 مرات، في الجزء الرابع 9 مرات). وهذا دلیل علی الأهمیة التي کان یولیها یاقوت لکتاباته. وتوجد أیضاً موضوعات نقلها یاقوت من رسالتیه بنصها حیناً وبتغییر طفیف حیناً آخر، إلا أنه لم یورد اسمه. وکنموذج علی ذلک، فقد نقلت في المادة المتعلقة بأفلوغونیا موضوعات عن أبي دلف بشکل واضح، إلا أنه لم یرد فیها ذکر لاسمه (یاقوت، 1/331؛ قا: أبودلف، 369). وقد أورد یاقوت المادة بشکل مختصر، بینما کتب أبودلف بهذا الشأن موضوعاً یزید علی صفحة. وفي الحدیث عن باکو و نفطها یوجد أیضاً تشابه مع قلیل من التحویر بین کتابتي یاقوت وأبي دلف، وفي هذه المرة أیضاً لم یرد ذکر لأبي دلف (یاقوت، 1/477؛ قا: أبودلف، 366).

وفي القسم الخاص بإیران لم یستفد یاقوت بشکل کامل من جمیع کتابات أبي دلف، وأحد تلک المواضع الحدیث المضطرب عن مادة «جیل آباد» ببلاد الري في معجم البلدان التي استفاد فیها یاقوت (2/179) باختصار من نص أبي دلف. ونسب یاقوت أبنیتها العجیبة إلی «مرداوا بن لاشک»، بینما یمکن اعتبار لغز جیل‌آباد محلولاً باکتشاف مخطوطة المکتبة الرضویة، ذلک أن أبادلف کتب بوضوح أن مرداویژ (مرداویج، 316-323هـ/928-935م) مؤسس أسرة آل زیار هو باني تلک الأبنیة (ص 379). ویری کراتشکوفسکي أنکلمة «لایشک» الواردة بعد اسم مرداویژ في رسالة أبي دلف هي بمعنی «لاشک»، وقد وردت خطأً في معجم البلدان بشکل «مرداوا بن لاشک» (ن.م، I/290). ولانعرف إن کان هذا الخطأ من یاقوت، أم من ناسخ معجم البلدان.

وفیما یتعلق برسالتي أبي دلف یعتقد بعض الابحثین أن أبا دلف نفسه هو الذي وضع اسمیهما، وعنونهما باسمي الرسالة الأولی و الرسالة الثانیة (بولغاکوف، 16). وتبدأ رسالته الأولی برحلته إلی بخاری وذهابه من هناک إلی الصین. ویبدو أن مبعوثین من قبل «قالین بن الشخیر» ملک الصین کانوا قد وفدوا علی بخاری حوالي 331هـ/942م لعقد مصاهرة بین الدسرتین الملکیتین، فامتنع الأمیر الساماني عن إعطاء بنتٍ مسلمة لغیر مسلم، لکنه وافق علی زواج أحد أبنائه من الأمیرة الصینیة (أبودلف، 348؛ مینورسکي، 4-5). ولدی مغادرة الوفد بخاری رافقه أبودلف، فمرّ بآسیا الوسطی وترکستان الشرقیة والتبت، وأخیراً توجه من الصین إلی الهند، وعاد إلی البلاد الإسلامیة عن طریق سجستان (کراتشکوفسکي، ن.م، I/281)، وحظي برعایة أبي جعفر محمد بن أحمد والي سجستان خلال السنوات 331-352هـ/942-963م (بولغاکوف، 12). والأمر المهم الذي یُعلم من مخطوطة مشهد هو أن نصربن أحمد قد توفي قبل وصول الأمیرة الصینیة، إلا أن نوح بن نصر تزوجها، وهذه السیدة هي التي أصبحت أم عبدالملک بن نوح (ص 355).

وقد قام مارکوارت بتتبع مسیر أبي دلف ورحلته إلی عاصمة الصین بدقة متناهیة، وسماها الرحلة المحیّرة (ص 74-95). قال أبودلف إن سندابل (سندابیل) هي عاصمة الصین (ص 354)، وسعی مارکوارت لإثبات أن سندابیل هي نفسها مدینة غانتشو (ص 84, 89). وحسب مایقول بارتولد فهي غانسو (III/396). ونبه بارتولد إلی أنه لایمکن اعتبار مبعوثي ملک الصین إلی بلاط الأمیر الساماني، ممثلي الأسرة التي حکمت الصین بعد سقوط أسرة‌تان، بل کانوا ممثلي خاقان الأویغور في غانتشو (III/482). وقال إن مارکوارت و ضمن استناده إلی نظریة دي خویه أبدی رأیاً مفاده أن أبادلف خلط بین غانتشو و تشن دو عاصمة إقلیم سیشوآن (ن.ص؛ مارکوارت، 87-88).

وقد شک فریق من الباحثین في صحة رحلة أبي دلف الواردة في الرسالة الأولی، إلا أن البعض من أمثال غابریل فران (ص 134-89, 122-123, 132) وکراتشکوفسکي (ن.م، I/282) أبدوا رأیاً مغایراً. فطبقاً لرأي کراتشکوفسکي فإن من المحتمل أن تکون موضوعات الرسالة قد دونت بعد مرور زمن طویل اعتماداً علی مافي الذاکرة دون مراعاة التسلسل الزمني فیما یتعلق بالقبائل و المناطق، وربما أضاف أبودلف في أکثر الأحیان ماسمعه إلی ماشاهده، ویقول: لأجل تقییم تام لآثار أبي دلف، فإن الاهتمام ببقیة المواضیع المعروضة من قبله أمر ضروري (ن.م، I/283). ولیس هناک مسوغ یمکن معه اعتبار رسالة أبي دلف بکاملها من نسج الخیال. فبعض معلوماته عن حاکم سجستان موضع تأیید. وربما أضیف الکثیر مما سُمع و دون مراعاة لصحته و عدمها إلی الموضوعات التي کان یقصدها المؤلف (م.ن، «تاریخ الأدب»، IV/188).

 ویبدو أن الرسالة الأولی لأبي دلف خاصة بتفاصیل رحلة معینة، بینما رسالته الثانیة التي تشمل جمیع مشاهداته و تضم أغلب مارآه (ص 362)، ینبغي أن تکون استمراراً وملحقاً للرسالة الدولی (بولغاکوف، 19). وکان هدف أبي دلف هو أن تکون کتاباته تعلیمیة ومفیدة لیتمتع بها الکبار، و تکون وسیلة تعلیم لأصحاب العزة والمنعة، وتنور الذین عجزوا عن السیاحة في الأرض (ن.ص). أما موضوع الرسالة الثانیة وبلاغتها العالیة و الفاتنة في تبیان الهدف، فیمکن أن یجعلها في مصاف الآثار الأدبیة، وهذا الأمر لیس عجیباً، ذلک أن أبا دلف کان في نفس الوقت أدیباً و شاعراً (بولغاکوف، 20).

ویبدو أن الرسالة الثانیة هي تفصیل للرحلة التي بدأت من الشیز في آذربایجان. واتخذ علی إثرها طریق الشمال و توجه إلی باکو في شیروان (ص 366)، ثم رحل إلی تفلیس، و من هناک توجه مرة أخری إلی آذربایجان و مناطق أردبیل و شهرزور، ثم انطلق عن طریق کرمانشاهان إلی همدان و الري وطبرستان وقومس و نیسابور و طوس و هراة، وانبری بعد ذلک للحدیث عن أصفهان و مدن خوزستان. وهنا تنتهي الرسالة الثانیة (ص 362-390). ولایعتقد أن سیر رحلة المؤلف في هذا التقسیم قد بُیّن بشکل منظم و متتابع (کراتشکوفسکي، «الرسالة الثانیة»، I/292). ویستشف من الحدیث عن بعض المناطق أن أبا دلف لم یرها بنفسه. و یبدو أنه لم یکن یعرف بلاد الدیلم و خوارزم جیداً، وسبب ذلک أنه لم یقدم صورة تفصیلیة عن تلک البقاع، بل اکتفی بذکر أمور عامة ومختصرة. وإن أسلوب شرح الموضوعات هذا مختلف عن التفصیل الذي قدمه عن المناطق التي سافر إلیها وکان یعرفها جیداً. ویبدأ کلام أبي دلف في بعض الحالات بکلمة «یقولونه»، وهذا أیضاً یؤدي بالقارئ إلی أن یتصور أنه لم یسافر إلی تلک البقاع (بولغاکوف، ن.ص). وفي الرسالة الثانیة لم یتحدث أبودلف لاعن نقطة انطلاقه ولاعن نهایة سیره. کما اتصلت رحلته أحیاناً بحلقات واهیة. ومن الأمثلة علی ذلک سفره من آرارات إلی شهرزور، والأهم من ذلک رحلته من نیسابور إلی أصفهان، فهنا لایلاحظ التسلسل الزمني. وقد ذکر أبودلف ضمن سردهل حوادث وقعت في شهرزور، تاریخ 341هـ (ص 371)، إلا أنه أوردإثر ذلک وخلاف حدیثه عن کرمانشاهان تاریخ 340هـ (ص 374). وهذا بذاته یدعم أن الرسالة کنبت بعد نهایة الرحلات و اعتماداً علی مابقي في الذاکرة (بولغاکوف، 20-21).

حاول أبودلف في کتابته الرسالتین مراعاة تقالید الجغرافیین المسلمین، فهو شأنه شأن بقیة الجغرافیین، أراد أن یضع بین یدي القارئ مساحة و مناطق الربع المسکون و المیاه و الفواکه و المنتوجات و کذلک الأبنیة المهمة، لکن المعلومات التاریخیة في رسالتینه قلیلة، فقد ذکر الآثار المهمة باختصار، لکنه بالمقابل فصل القول في موضوعات طریفة جداً أیضاً. وربما کان من أوائل المؤلفین الذین تحدثوا عن نفي باکو (ص 366) و خانقین (ث 372) والمکان الذي سجن فیه الضحاک (بیوراسب) في دماوند (ص 381). وفي الرسالة أشیر إلی بعض الآثار العمرانیة للعصور القدیمة خاصة آثار العصر الأخمیني (ص 371، 376) والعهد الساساني، التي أثارت إعجاب العرب و جغرافیي القرنین 4 و 5 هـ/ 10 و 11م، وکان أغلبهم یری لزاماً علیه أن یذکر أهم تلک الآثار.

ومن أهم الأمور الطریفةالتي أشار إلیها أبودلف في رسالته، وجود هلال فضي في أعلی قبة بیت لانار في الشیز، حیث کتب: «وعلی رأس قبته هلال فضة هو طلسمه، وقد حاول قلعَه خلقٌ من الأمراء و المتغلبین، فلم یقدروا علی ذلک» (ص 363). ویری بارتولد ضمن إشارته إلی هذا الموضوع أنه یغلب الاحتمال أن یکون الهلا القائم فوق قبة الشیز رمزاً أُسریاً شاع استعماله فیما بعد علی عهد الإسلام قبل أن یکون رمزاً دینیاً (VI/490). ولأبي دلف تعلیقات علی الآثار المعماریة في العهد الساساني و القرون الإسلامیة الدولی في إیران تستحق الدراسة. فهو خلال حدیثه عن مدینة «اللصوص» الواقعة في شهرزور، یذکر سمک سور المدینة و یقول إن الدواب تروح و تجيء فوقه (ص 371). وقد نسب أبودلف إلی «دارا» بناء هذه لامدینة التي لم یتمکن الإسکندر من دخولها (ص 372). وماذکره عن قصر شیرین و طاق بستان و البوابات الحدیدیة في الري و جسور شوشتر و قلعة الدیلم غیر جدیرة بالاهتمام. کما ذکر في رسالته سلسلة حکایات کان الجزء الأکبر منها تناقلتها الدلسن، وکذلک الظواهر الطبیعیة الخلابة و معلومات تاریخیة و اقتصادیة و ثقافیة وجغرافیة. والرسالة غنیة بالموضوعات الطریفة التي لم یرد بعضها في مصدر آخر، وتعد من الموضوعات القیمة والصحیحة.

وکتاباته عن إیران والقوقاس تحظی بأهمیة کبیرة من وجهة النظر الجغرافیة والجغرافیا التاریخیة. فما ذکره عن طواحین تفلیس وحمّاماتها (ص 366)، ومعلوماته الأنثروبولوجیة عن أرمینیة (ص 368-369) وکتاباته عن جرجان و بعض مناطق خراسان تستحق البحث. و هو یشیر إلی الأبنیة العجیبة التي اندثر بعضها فیقول: یوجد في جیل آباد الري سجن عظیم مهول یحیط به بحر عمیق علیه أجمة قصب، وهو من طین علی دکة من تراب، لایعمل فیه نقب و لایتخلص منه ذاعر بضرب من الحیل، ولم أرَ في الأبنیة الحصینة مثله (ص 379). وتبدأ رحلة أبي دلف من آذربایجان و تنتهي في خوزستان. ویمکن مشاهدة نهجین بوضوح في کتاباته: الأول اهتمامه بالمعالم البارزة و المثیرة للدهشة، والآخر شرح الظواهر الطبیعیة، کماکان له اهتمام کبیر أیضاً بعلمي المعادن و النبات، حیث یقول بهذا الشأن: «ولما شارفت الصنعة الشریفة و التجارة المربحة من التصعیدات و التقطیرات و الحلول و التکلیسات، خامر قلبي شک في الحجارة، واشتبهت عليّ العقاقیر، فأوجب الرأي اتباع الرکازات والمنابع» (ص 362).

وقد عرّف أبودلف بوجود عدد کبیر من معادن الذهب و الفضة و الرصاص و النحاس و الکبریت و الزئبق و لاممالح في شتی مناطق إیران، وأوضح کیفیة استخراجها و إعدادها مما یدل علی علمه بهذا النوع من العلم (ص 363). وخلال سفره إلی باکو یقول: بها عین للنفي تبلغ قبالتها کل یوم ألف درهم، وإلی جانبها عین أخری تسیل نفطاً أبیض لاینقطع لیلاً ولانهاراً مبلغ ضمانه مثل ذلک (ص 366). کما أشار أیضاً خلال حدیثه عن خانقین إلی عین نفي غزیرة و ذات عائد کبیر (ص 372). وأشار کذلک إلی رایة الخرّمیة و خروج بابک من بذین (بذ) (ص 366-367).

کان موضوع صحة کتابات أبي دلف مثاراً للاهتمام دائماً. إلا أن المؤلفین الشرقیین و الباحثین الغربیین لم یتعاملوا في جمیع الحالات مع رسالتیه تعامل الواثق من صحتیهما تماماً. و یبدو أن المؤلف نفسه کان منتبهاً لهذا الأمر و شاعراً باحتمال أن یقابل القراء کتاباته بعدم التصدیق، لذا قال في موضع و خلا لحدیثه عن نوع من الریباس النیسابوري: «وسیستعظم هذا مِن قولي مَن یسمعه، و ماقلت إلا ماشاهدتُ ورأیت» (ص 386). ولایمکن إصدار حکم بهذا الشأن؛ وربما بالغ الکاتب في الأمر. یقول مینورسکي: إن صحة الموضوع القائل بأن وزن کل ساق من سیقان الریباس یزن 50 مناً، وکل حبة سفرجل تزن 24 درهماً، تقع علی عاتقه (ص 60-59). ویلاحظ عدم الثقة هذا في کتابات یاقوت أیضاً، مع أنه أولی اهتماماً کبیراً بأخبار أبي دلف وأفاد منها مراراً. ینهي یاقوت القسم الخاص بالشیز بالکلمات التالیة: «یقول مؤلف هذا الکتاب: هذا کله عن أبي دلف مسعر بن المهلهل الشاعر، وأنا بريء من عهدة صحته، فإنه کان یُحکی عنه الشرید و الکذب، وإنما نقلته علی ماوجدته، والله أعلم» (3/356). کما أورد مایشبه هذا الکلام خلال نقله الحکایة الخاصة بموضع في إیران یدعی «مطبخ کسری»، حیث رفض الرأي القائل إن الطعام کان یحمل من هذا المطبخ إلی مسافة 4 فراسخ، ذلک أن تلک الأطعمة لو طوت تلک المسافة محمولة علی أجنحة النسور لبردت أیضاً (4/562). ویعتقد کراتشکوفسکي أن کلام یاقوت عن أبي دلف مبالغ فیه، کما هو الحال بالنسبة لتعامل یاقوت مع کتابات ابن فضلان. وکما یقول فقد اتضح فیما بعد و تبعاً لدراسات روزن و کوفالفسکي أن تعامل یاقوت مع ابن فضلان في أغلب الموارد لم یکن صحیحاً (ن.م، I/287).

ویبدو أن أبادلف قد کتب هاتین الرسالتین لنصیریه، إلا أن هذین النصیرین لم یعرفا حتی الآن (بولغاکوف، 24؛ مینورسکي، 23-26). ویُعتقد أن المؤلف قد کتب الرسالة الثانیة علی عهد أبي الفضل (أبي جعفر) الثائر العلوي في طبرستان، فقد قال عن طبرستان في رسالته هذه: إن طبرستان بدیدي العلویین و حاکمها الآن یعرف بالثائر (ص 382-383). ولانعرف أحداً بهذا الاسم سوی أبي الفضل الثائر، لکن فترة حکمه غیرمعروفة علی وجه التحدید. وقد ذکر ابن إسفندیار أبا الفضل الثائر العلوي قریب الناصر الکبیر في السنوات التي تلت 331هـ/943م (ص 299-300). ویبدو أن الثائر العلوي کان قد تسلم السلطة في 331هـ و توفي في 345هـ/956م (بولغاکوف، 25)، إلا أن ظهیرالدین المرعشي ذکر خروج الثائر في 350هـ/961م عندما هاجم جیلان والدیلم وطبرستان و حارب الحکام البویهیین. ولم یذکر المرعشي تاریخاً آخر عن حیاة الثائر و نشاطاته (ص 225-227). کما تمّ العثور علی قطعتي نقد سُکّنا في هَوسم و هو جبل یقع علی الجانب الآخر من بلاد الدیلم وطبرستان، باسم أبي الفضل جعفر الثائر في الله العلوي، وفیهما تاریخ 341هـ، وقد وجدت قطعتان من هذه العملة إحداهما في ستوکهولم والأخری في متحف تاریخ آذربایجان بروسیا (بولغاکوف، ن.ص). و مع التشویش الذي یحیط بعصر الثائر العلوي،فإن من الصعب تحدید تاریخ دقیق لتألیف الرسالة الثانیة لأبي دلف. وقد ذکر أبودلف نفسُه سنة 341هـ خلال کلامه علی الحوادث المتعلقة بشهرزور (ص 371). ومن المعتقد أن یکون تاریخ کتابة الرسالة الثانیة لأبي دلف المحفوظة في المکتبة الرضویة، نفس هذه لاسنة أو بعدها بقلیل (بولغاکوف، 26).

اشتهر أبودلف أیضاً بکونه أدیباً وشاعراً، ووصفه الثعالبي بأنه «شاعر کثیر الملح و الظرف، مشحوذ المدیة في الجدیة، خنق التسعین في الإطراب و الاغتراب، ورکوب الأسفار الصعاب، وضرب صفحة المحراب بالجراب، في خدمة العلوم و الآداب»،کما نقل الثعالبي عن أبي الفضل الهمداني شعراً له حول أسفاره (3/352).وفي جمیع المصادر التي ذکر فیها أبودلف تقریباً، وصفه مؤلفوها و من بینهم یاقوت (3/340) بالأدیب، إلا أن نماذج من أشعاره وردت في کتاب یتیمة الدهر للثعالبي فقط و أغلبها مقطوعات قصیرة سوی قصیدته الرائیة حیث وردت بشکل کامل (3/353-373). وکما أشیر فإن الثعالبي عدّ أبا دلف من شعراء عصره المشهورین و من حاشیة الصاحب بن عباد و کان بین فترة وأخری یلتحق بحاشیة الصاحب بن عباد و یمکث لفترة بین أفرادها ویعمل خازناً لکتبه، وقد أهدی إلیه قصیدته الرائیة التي أعجب بها الصاحب کثیراً و حفظها ووهب الشاعر صلة إزاءها (ن.ص؛ بهمنیار، 165).

وتحظی قصائد أبي دلف بالأهمیة لیس من جانبها الفني فحسب، بل بوصفها مصدراً لمعرفة شخصیة قائلها. فقد اعتبر أبودلف نفسَه فیها بأنه من فریق بني ساسان. و من بین ثنایا قصیدته التي قیلت مباراة لقصیدة الأحنف العکبري، یمکن إدراک الأوضاع المعیشیة و مدی تشرّد وفقر هذا الفریق، فقد کانوا أناساً فقراء مملقین أهم أعمالهم العبارة وحکایة القصص و ممارسة الألعاب السحریة وقراءة الفأل والخداع و اللصوصیة والکدیة، کما کانوا یمارسون تجارة العطور و کتابة الطلاسم وبیع العقاقیر الخاصة بمعالجة شتی الأمراض، ویسمون أنفسهم العائدین من الأسر ببلاد الروم أو المناطق الأخری و الناجین من السجون، ویقدمون أنفسهم طبقاً لما تقتضیه الظروف بأنهم یهود أو مسیحیون أو شیعة أو سنة أو عمي أوصم أو مجذومون وغیر ذلک (بولغاکوف، 13). اعتبر أبودلف نفسَه في قصیدته الساسانیة المشهورة وبفخر من فریق بني ساسان (ظ: الثعالبي، 3/355). وقد ضمن هذه القصیدة کلمات بلغة بني ساسان الرمزیة، وأورد معانیها أحیاناً، وکان یعرف لغتهم جیداً و علَّمها بنجاح للصاحب بن عباد (بولغاکوف، 14). وقدأعلن مثل بعض الشعراء کالأحنف العکبري الذي کان معاصراً له، واتّباعاً منه لبني ساسان احتجاجه علی الفسد الاجتماعي خلال العصر العباسي (مثلاً: ظ: الثعالبي، 3/354). ویعتقد بولغاکوف و خالدوف أن قصائده یمکنها بیسیرٍ وضمن حدود وعي أبي دلف أن تطلعنا علی حیاة بني ساسان و لغتهم الرمزیة. وهذا أیضاً یعزز علاقته الحمیمة ومصاحبته الطویلة لأعضاء هذا الفریق (ص 14). ومع هذا فإن أبا دلف یقدم نفسه بأنه من أتباع أهل البیت ومحبي أولاد الرسول (ص) (ظ: الثعالبي، 3/373). إن علاقة أبي دلف بالأوضاع الاجتماعیة لبلاد الخلافة في ذلک العصر، وحیاة وإبداع هذا الجغرافي والرحالة و الشاعر قد رفعت کثیراً من منزلته وجعلته واحداً من شخصیات عصره البارزة.

 

المصادر

ابن إسفندیار، محمد، تاریخ طبرستان، تقـ: عباس إقبال، طهران، 1320ش؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبودلف، مسعر، مجموع في الجغرافیا، تقـ: فؤاد سزگین، فرانکفورت، 1407هـ/1987م؛ بهمنیار، أحمد، صاحب بن عباد، تقـ: باستاني پاریزي، طهران، 1344ش؛ الثعالبي، عبدالملک، یتیمة الدهر، تقـ: محمدمحیي‌الدین عبدالحمید، بیروت دارالفکر؛ القزویني، زکریا، آثار البلاد و أخبار العباد، بیروت، 1380هـ/1960م؛ المرعشي، ظهیرالدین، تاریخ طبرستان ورویان و مازندران، تقـ: عباس شایان، طهران، 1333ش؛ یاقوت، البلدان؛ وأیضاً:

Bartold, V. V., «Gansy», «Sendabil», Sochineniya, Moscow, 1965, vol. III; id, «K voprosu o polumesyatsa kak simvole islama», ibid, 1966, vol. IV; Belyaev, V., «Ot redaktora», Vtoraya zapiska Abu Dulafa, Moscow, 1060; Bulgakov, P. G. & A. B. Khalidov, in Vtoraya zapiska Abu Dulafa, Moscow, 1960; Ferrand, Gabriel, «Abū Dulaf Mis’ar vers 940», Relations de voyages et textes géographiques arabes, persans et turks, relatifs à l’Extrême- Wrient du XIIIe au XVIIIe siècles, Frankfurt, 1986; Krachkovskiĭ, I. Yu., «Arabskaya geograficheskaya literatura», Izbrannye sochineniya, Moscoe/ Leningrad, 1957, vol. IV; id, «Shahrzur v geograficheskom slovare Iakuta i v zapiski Abu Dulafa», «Vtoraya zapiska Abu Dulafa v geograficheskom Slovare Iakuta», ibid, 1955, vol. I; Marquart, Joseph, Osteuropäische und ostasiatische Streifzüge, Leipzig, 1903; Minorsky, V., Abū-Dulaf Misʿar Ibn Muhalhil’s Travels in Iran, Cairo, 1955; Wüstenfeld, F., Schriften zur arabisch-islamischen Geographie aus den Jahren 1842-1879, Frankfurt, 1986.

عنایت الله رضا/ هـ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: