الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبودلف العجلي /

فهرس الموضوعات

أبودلف العجلي

أبودلف العجلي

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/27 ۱۷:۲۷:۴۹ تاریخ تألیف المقالة

أَبودُلَفٍ العِجليّ، القاسم بن عیسی بن إدریس بن معقل العجلي الکرجي (تـ 225 أو 226هـ/ 840 أو 841م)، من الأمراء البارزین في العصر العباسي الأول والذي ذاع صیته في الشعر و الأدب والموسیقی، وفي الفروسیة والسخاء أیضاً.

 

حیاته

کانت أسرة أبي دلف من رهط بني عجل – بطن من بني بکر بن وائل – الذین قیل إنهم هزموا الإیرانیین في معرکة ذي قار التي وقعت بین العرب و الإیرانیین، عندما قاتلوا إلی جانب بني شیبان، رهط آخر من بني بکر بن وائل (الطبري، 2/205 و مابعدها). ومن هنا تبدو صحیحة روایة ابن رسته (ص 207) الذي اعتبرهم من عبادیي (نصاری) أهل الحیرة ومن بین جهابذتها، خاصة إذا استندنا إلی الروایات التي ذکرت عن حیاة أسرة أبي دلف في البصرة والکوفة (مثلاً ظ: ن.ص؛ السمعاني، 11/66)، وأنهم کانوا یعیشون في العهد الإسلامي بادئ الأمر في نفس أطراف الحیرة تلک؛ ولاتخلو من تناقض الروایات المتوفرة عن بدایة عمل إدریس بن معقل من أسلاف أبي دلف، وأخیه عیسی بن معقل، أوائل الذین برزوا منهذه الأسرة في العصر الأموي، وقد ذکر البلاذري (أنساب...، 3/118-119) و دون إشارة إلی ماضي هذین الاثنین، إلی سجن یوسف بن عمر الثقفي والي الأمویین علی العراق إیاهما بسبب امتناعهما عن إرسال الضرائب؛ إلا أنه یستشف من روایة مؤلف أخبار الدولة العباسیة، أن عیسی بن معقل کان یعیش آنذاک في ولایة عراق العجم ولابد أن تکون له أملاک أدت إلی أن یلقی علیه القبض بسبب شکاوی عمال خراج تلک المنطقة. وأمر الوالي لنفس السبب بسجنه في الکوفة (ص 259، 260).

ومن بین الکتّاب المتقدمین أشار البلاذري (فتوح... 310) إلی أن إدریس بن معقل کان «یعالج العطر ویجلب الغنم»، و ذهب مع أسرته إلی همدان وجمع ثروة واشتری أملاکاً (أیضاً ظ: ابن حزم، 313). وورد في روایات أخری أن عیسی بن معقل کان قاطع طریق في نواحي أصفهان، ولهذا السبب ألقي علیه القبض وسجن في الکوفة بأمر من أمیر العراق خالد بن عبدالله القسري (أخبار الدولة ...، 253). ونسب السمعاني قطع الطرق هذا إلی عیسی بن إدریس والد أبي دلف، وذکر أنه تخلی عن ذلک فیما بعد وجمع أسرته و عمّر الکرج (مدینة کانت قرب مدینة أراک الحالیة) و توطّنها (ن.ص)، بینما یری ابن رسته (ن.ص) أن إدریس کان یفکر بالخروج علی الأمویین، لکنه لم یتجرأ علی ذلک في الکوفة، فذهب إلی البصرة، ثم سکن في إقلیم الجبال بإیران (عراق العجم). ولدینا أیضاً روایة أخری تقول إن عیسی بن معقل کان عامل خالد بن عبدالله القسري، ولما تولی یوسف بن عمر ولایة العراق ألقی به وبأخیه إدریس وعمال خالد في الکوفة في السجن (ابن الأثیر، 5/255؛ البلعمي 2/1008).

واستناداً إلی روایات فإن أبا مسلم الخراساني الذي کانی عیش من قبل في خدمة عیسی وإدریس قد تعرف في الکوفة إلی الدعاة العباسیین (أخبار الدولة، 260) وانضم إلی العباسیین بعد هرب أبناء معقل من السجن (ابن خلکان، 3/146)، ذلک أنه قیل إن أبا مسلم و منذ طفولته کان یعیش في کنف أسرة بني عجل (أخبارالدولة، 264-265)، وفي روایة إنه کان من عبیدهم و نشأت مع أبناء عیسی بن معقل الذي قیل إنه مال إلی العباسیین عن طریق بکیر بنماهان (البلعمي، ن.ص)، وذهب إلی الکتّاب (أخبار الدولة، 257-258). وقبل أن یؤخذ عیسی بن معقل إلی الکوفة، اختار نائباً عنه علی أملاکه و ضیاعه أبا مسلم الذي بادر بعد جني المحصول و جمع ماله إلی اللحاق بعیسی في الکوفة (ن.م، 259-260) وکان في السجن مع ابن أخیه عاصم بن یونس العجلي المعتقل بسبب میوله إلی العباسیین (ابن الأثیر، ن.ص)، وهناک انضم أبومسلم إلی الدعوة العباسیة. وقیل إن إدریس بن معقل باعه فیما بعد لأبي سلمة الخلا (أخبار الدولة، 263؛ قا: ابن خلدون، 3(1)/218-219).

لیست لدینا معلومات عن حیاة عیسی بن إدریس هذا ووالد أبي دلف سوی ما أورده السمعاني (ن.ص)، و نقل البعض عنه روایات تتعلق بأبي مسلم و أبي دلف. واستناداً إلی إحدی تلک الروایات، فإن معلماً یدعی عبدالرحمان بن مسلم کان یعیش في أملاک عیسی، وکان أولاد بني عجل وأبي مسلم یتعلمون علیه، وقد أخذ أبومسلم عنه اسمه و کنیته (أخبار الدولة، 265). وما عدا هذا فلیس لدینا خبر عن نشدة أبي دلف و دراسته حتی عهد خلافة هارون الرشید، حیث کان في ذلک الحین شاباً لیس إلا، عیّنه الخلیفة عاملاً علی الجبال، وظل استناداً إلی هذه الروایة في علمله هذا حتی أواخر حیاته (المرزباني، 216).

وبعد وفاة هارون و بدایة الصراع بین الأمین و المأمون، انبری أبودلف لدعم الأمین و ذهب بأمر منه في 195هـ/ 811م بصحبة علي بن عیسی بن ماهان لقتال طاهر بن الحسین (الطبري، 8/391-392). ولما قتل ابنماهان عاد أبودلف إلی همدان. فبادر طاهر لاستمالته إلی جانبه ودعاه لمبایعة المأمون. فأبی أبو دلف مبایعته لأن بیعة الدمین کانت في عنقه، لکنه وافق علی الوقوف محایداً. و قد اکتفی طاهر بذلک، و ذهب أبودلف إلی الکرج و أقام هناک (ابن الأثیر، 6/413). ولابد أن تکون تلک العزلة قد استمرت سنوات طویلة، ذلک أنه لایوجد لدینا خبر عنه منذ ذلک الحین وإلی أن ذهب المأمون إلی الري (214هـ/829م)، إلا أن المأمون عندما وصل الري، استدعی أبادلف إلیه. وقد بادر بنو عجل الذین رأوه و جلاً إلی دعمه بأجمعهم، فذهب أبودلف إلی المأمون و أخذ منه الدمان ورأی منه إحساناً (م.ن، 6/413-414). ومع ذلک فإن المأمون لم یکن قد رضي عنه تماماً بعد، کما حدث فیما بعد عندما عزم علی قتله بتهمة قطع الطریق في منطقة الجبال، فوصف أبودلف نفسَه في الأبیات التي نظمها للخلیفة بأنه حامه و قاتل أعدائه، فلم یطلق سراحه فحسب، بل عُیّن أمیراً علی تلک المنطقة (ابن عبدربه، 2/172).

أما روایة المافروخي فهي بشکل آخر حیث قال إن المأمون نفاه من أصفهان إلی الشام، وإن أبا دلف نظم هناک شعراً في وصف أصفهان وأمنیاته بالخیر لها و أسفه لبعده عنها (ص 12-13). ولم یقدم المافروخي معلومات عن بقیة الحکایة، بل لم یؤید أي من الکتّاب المتقدمین روایته هذه. کما أن الشعر الذي نسبه إلی أبي دلف بهذا الشأن، لابد أن یکون عائداً لفترة إمارته علی دمشق. ومهما یکن فإن المأمون و بعد رضاه عنه، قرّبه منه. وتوجد روایات عدیدة تتحدث عن تردده علی بلاط الخلیفة والنقاش حول شعر أبي دلف و شعراء آخرین (مثلاً ابن عبدربه، 3/52؛ أبوالفرج، 20/23).

وعن أنشطة أبي دلف في هذه الأیام أشیر فحسب إلی غزواته للدیلم (قدامة، 378). و عن کیفیة شق أبي دلف طریقه إلی بلاط المعتصم، نقل أبوالفرج روایة تبدو عجیبة، حیث یقول: کان أبودلف من ندماء الواثق ابن المعتصم و اشتهر في مجالسه بالشعر و الموسیقی، و عن هذا الطریق أحبه المعتصم و اختاره لمنادمته (8/251-252). وبینما نعلم أنه عاش لسنوات في بلاط المأمون، فمن المستبعد أن یکون المعتصم لم یعرفه ولم یطلع علی صفاته قبل خلافته. و قد قیل إن أبادلف واصل محاربة الدیلم في تلک الفترة أیضاً وفتح قلاعاً وفرض علی تلک المناطق الخراج (قدامة، ن.ص). وکان من القادة البارزین في جیش المعتضم بقیادة الأفشین الأشروسني في حربه لبابک الخرمي. وبعد نهایة الحرب، کان الأفشین الذي قیل إنه لم یکن یمیل إلیه بسبب الحسد لشجاعته و فضله (التنوخي، الفرج...، 2/69، 70، المستجاد، 148) یتحین الفرص لینال منه، وأخیراً ألقی القبض علیه، ودعا بالنطع وأمر بقتله. وفبلغ النبأ المعتصم فبادر علی الفور إلی إرسال القاضي أحمد بن أبي دؤاد الذي کان من المقربین منه و من أبي دلف إلی الأفشین لإنقاذ أبي دلف، فأطلق ابن أبي دؤاد سراحه بتهدیده الدفشین، واصطحب أبا دلف إلی الخلیفة (أبوالفرج، 8/250-251)؛ لکن استناداً إلی روایة التنوخي (الفرج، 2/66-68) فإن الأفشین کان دائماً یحرض الخلیفة علی أبي دلف حتی أسلمه المعتصم بیده إلی الأفشین، فاستعان أبودلف هو الآخر بابن أبي دؤاد الذي هرع إلی الأفشین دون إذن من الخلیفة، ووصف نفسه أمامه بأنه رسول المعتصم، فأنقذ أبادلف.

ومنذ ذلک الحین وماتلاه و حتی سنتین تقریباً عندما توفي أبودلف، لاتوجد لدینا معلومات عنه. وقیل إن وفاته کانت ببغداد بعد مرض عضال (ابن خلکان، 4/77؛ ظ: الخطیب، 12/416، 422-423؛ المرزباني، ن.ص؛ المسعودي، 4/60؛ ابن خلکان، 4/78؛ ابن فضل الله، 10/85). وقد أشار بعض الکتّاب إلی إمارة أبي دلف علی دمشق أیام المعتصم (الذهبي، العبر، 1/310؛ ابن حجة، 125). وطبقاً لروایة الصفدي (ص86) فإن المعتصم غضب علی أبي دلف مرة وأراد مصادرة أمواله، لکنه وبوساطة من عبدالله بن طاهر تغاضی عن ذلک وولاه دمشق. ویحتمل أن تکون إمارته هذه قبل حکایته مع الأفشین، بل قبل حربه لبابک أیضاً. وذکره الصفدي في عداد الولاة في قصیدته التي أورد فیها أسماء ولاة دمشق منذ البدایة حتی عصره (ص 139).

کان أبودلف من مشاهیر کرماء و شجعان العرب (ابن عبدربه، 1/307؛ ابن أبي طاهر، 6/243-245؛ ابن المعتز، 171، 382)، ورویت بشدنه حکایات في هذا المضمار (المسعودي، 4/62؛ ابن الزبیر، 28؛ أبوالفرج، 8/255-257، 16/404-405؛ ابن المعتز، 177-178)، وضرب به المثل في الأدب العربي بهاتین الصفتین (مثلاً الذهبي، دول الإسلام، 1/98). کان أدیباً وشاعراً وموسیقیاً بارزاً (المززباني، ن.ص؛ أبوالفرج، 8/248، 252؛ المسعودي، ن.ص)، وکان یمنح مادحیه صلات ضخمة، وینافس في هذا المضمار حتي المأمون (أبوالفرج، 8/255-257، 20/23). ومدحه شعراء أمثال أبي تمام و علي بن جبلة (الصولي، 121؛ الطبري، 8/659)، کما کانت له مراسلات مع أدباء أمثال بدیع الزمان الهمداني یوجد لدینا منها رسالة موجهة إلیه من بدیع الزمان (ظ: الأحدب، 100-104)، وعیّن لتعلیم أبنائه أدیباً ومتکلماً بارزاً هو أبوعلي محمد، المعروف بقُطرُب (ابن الندیم، 58). ومع کل هذا فقد انبری البعض لهجائه مثل بکر بن النطاح (ابن أبي عون، 390). وفیما یتعلق بمذهب أبي دلف فقد قیل إنه کان شیعیاً غالیاً (ابن خلکان، ن.ص)، ولما أظهر أحد أبنائه المعارضة والعداء لذلک، شتمه وطرده (المسعودي، 4/62-63).

إلا أن الکثیر من شهرة أبي دلف جاء بسبب المدینه التي عمرها واسمها الکرج أو الکره، وأطلق علیها اسم کرج أبي دلف، وکذلک «البلد» بشکل مطلق (یاقوت، 1/717)، ولقب أبودلف لهذا السبب بالکرجي. وقیل إن جده إدریس بن معقل هو الذي بنی المدینة في الأصل (السمعاني، ن.ص)، أما عیسی بن إدریس فقد وسَعها وسماها الکرج (ابن الفقیه، 261)، ثم جاء أبودلف فأتم بناءها (الیافعي، 2/90).

نسبت لأبي دلف آثار مثل البزاة والصید؛ السلاح؛ سیاسة الملوک؛ النزه؛ الجوارح و اللعب بها (ابن الندیم، 130، 377؛ ابن خلکان، 4/74).

ذکر في المصادر بعض أفراد أسرة أبي دلف أیضاً وخاصة أبناءه. کما اشتهر أخوه معقل بن عیسی أیضاً بافروسیة والشعر و معرفة الموسیقی، إلاأن شهرة أبي دلف کانت دائماً تغطي علیه (أبوالفرج، 21/92). وکان أخوه الآخر خربان بن عیسی أول فرد من هذه الأسر ثار في عنفوان شبابه ببلاد الجبل ضد الخلیفة ببغداد، لکنه أخفق فقُتل (المافروخي، 40). ومن بین أحفاده عبدالعزیز بن دلف الذي کان یقیم في الکرج وانحاز إلی المستعین في النزاع الذي دار بین الخلفاء ببغداد، لکنه هزم علی ید موسی بن بغا حامي المعتز و أمیر إقلیم الجبال (253هـ/867م) وهرب. و أقدم أولاده عدة مرات علی التمرد في فارس و أصفهان في أیام الاضطرابات خلال النصف الثاني من القرن 3هـ و تسنموا منصب الإمارة أحیاناً (ابن حزم 313؛ ابن خلدون، 3(3)625-626).

ومن بین أبنائهم نبغ أمراء و أدباء و محدثون و شعراء ووزراء وقضاة کثیرون ومن بینهم: آل ماکولا (ن.ع) الذین تسنموا مناصب الوزارة والقضاء في القرن 5هـ/11م.

 

المصادر

في نهایة المقالة.

صادق سجادي/ هـ.

 

شعره وأدبه

کان أبودلف وفضلاً عن شجاعته و فروسیته، بارعاً في الشعر و الأدب أیضاً، مما جعل اسمه یحتل مساحة واسعة في ثنایا حشد ضخم من کتب التراث العربي بوصفه واحداً من الشعراء البارزین في العصر العباسي. واستناداً إلی ابن الندیم (ص 188) فإن دیوانه کان یقع في 100 ورقة، أي مایزید علی 4 آلاف بیت (السامرائي، 2/42)، إلا أن مابقي من شعره هو حوالي 240 بیتاً أغلبها في الفخر و الوصف و الغزل (ن.ص). وبسبب روح الفروسیة لدیه فإن الفخر و الحماس یطغیان علی بقیة الأغراض في شعره، ویشکلان القسم الأکبر مما بین أیدینا منه (حوالي 110 أبیات). وإن وصف البطولات والوقائع الحربیة و الخیول السبّاقة والصوارم البتارة وسخائه وإکرامه الضیف الذي یستلهم من أعماق روحه، یصور حیاته السیاسیة التي تعید إلی الأذهان أحیاناً ملاحم الشاعر الجاهلي عمرو بن کلثوم (أبودلف، 56، 66-67، 68؛ قا: الزوزني، 118-135). وفي الغزل فإن أبادلف لیس ذلک البطل المقتحم صفوف الأعداء الذي «تهتز الجبال و تندکّ لسماع اسمه» (ص 56)، بل هو العاشق الولهان الذي «یخر صریعاً بغمزة من عین المحبوب» و «الذي یرضی بسلام من الحبیب لیسکن ألمه المبرح» (ص 64-65). وکان حافزه لنظم أغلب شعره الغزلي الذي لایتجاوز 35 بیتاًف جاریة بغدادیة هام بها قلبه، ولما رفضت دعوته للذهاب إلی الکرج، نظم قصائد ملتاعة في فراقها (ص 87-88؛ الحصري، 4/1096). وکان له حبیبة أخری تدعی جنان نظم فیها قصائد جمیلة (أبوالفرج، 8/249-250؛ الخطیب، 22/420-421). وفي قصائده الغزلیة هذه استخدم الکثیر من لامضامین الغرامیة التقلیدیة، ولیس فیها أثر من تلک اللوعة الغرامیة التي تلاحظ في قصائد شعراء الغزل المحترفین.

وتقع أطول قصیدة له مما عثر علیه في 21 بیتاً نظمها في الشام مخاطباً بها یزید بن مخش عامل المأمون، تأوه فیها بلوعة لبعده عن وطنه واشتکی من عیشه في الشام (ص 102-104). وفي قسم آخر من أشعاره خصصه للشکوی من الشیخوخة (12 بیتاً في 4 مقطوعات)، أَنَّ بشدة من اشتعال رأسه شیباً (ظ:ص 51، 54، 57، 58).

وله أیضاً قصائد في وصف الخمر ومجالس اللهو لایتجاوز مابین أیدینا منها 10 أبیات (ظ: ص 60-61، 112-113، 116). وخصص بقیة قصائده لأغراض مختلفة منها تأنیب أحد موظفیه و کلام موجّه لعبدالله ابن طاهر، وآخر مخاطباً به خالد بن یزید ویبدو أنه في رثائه، وقصیدة اعتذار موجهة إلی المأمون الذي کان قد أصدر أمراً بقتله (ص 69، 78-79، 91-92، 96).

ورغم أن الکثیر من کتب التراث اعتبرت أبادلف شاعراً کبیراً وأثنت علی شعره (ظ: المسعودي، 4/62؛ أبوالفرج، 8/248؛ ابن الندیم، 130)، إلا أنه ینبغي اعتبار شعره من صنف شعر الأمراء الذي تبدو فیه بوضوح آثار التکلف والتصنع (أبوالفرج، 24/129).

إن ما أدّی إلی شهرة أبي دلف وخلّد اسمه لیس شعره، بل المدائح التي نظمها فیه شعراء عظام مثل أبي تمام ودعبل الخزاعي و علي بن جبلة، وسجلوا اسمه في عداد الممدوحین والکرام العرب الکبار (ظ: تتمة المقالة). وأبودلف الذي کان یری – علی مایبدو – السر في ذیوع صیته و شهرته یکمن في وجود الشعراء، کان یعقد مجالس یجتمع فیها الشعراء المعروفون و یقرأون عنده قصائدهم و مدائحهم. ومع الهدایا والمکافآت الضخمة التي کان یهبها في هذا السبیل، قلما استطاع شاعر أن یصون نفسه عن مدیحه. ولهذا تحول بلاطه إلی موئل للشعر والأدب آنذاک یتردد علیه شعراء کثر (ظ: ابن أبي طاهر، 6/244-249). وکان یدفع کل سنة مبالغ هائلة لشخص یدعی عبدالله بن عباس لیرسل الشعراء من کل حدب وصوب إلی بلاطه (ظ: م.ن، 6/253-254).

وأحد هؤلاء الشعراء العظام هو أبوتمام (ن.ع) الذي کانت له بأبي دلف صداقة حمیمة وقدیمة، وبطبیعة الحال فإنه لیس لدینا معلومات عن بدایة تعرف أبي تمام إلی أبي دلف ودخوله بلاطه، وربما کان ذلک التعارف قد بدأ بعد وفاة محمد بن حمید ورثاء أبي تمام، وهذه المرثیة التي هي إحدی أشهر مراتي العرب سحرت أبادلف إلی الحد الذي قال معه عبارته الشهیرة: «واللهِ، لوددتُ أنها فيّ» (الصولي، 124-125؛ أبوالفرج، 16/390؛ ابن خلکان، 2/14).

کان أبودلف یعتز کثیراً بأبي تمام وبهبه الصلات الجزیلة، وأشهر قصیدة لأبي تمام في مدحه هي البائیة التي أنشدها بحضور جمع من أشراف ووجهاء العرب و العجم و منحه أبودلف في الحال 50 ألف درهم (الصولي، 121-124). جمع 45بیتاً من هذه القصیدة في دیوان أبي تمام (ص 41-43). ولیس معلوماً علی وجه الدقة المدة التي أمضاها أبوتمام في بلاطه، سوی أنه و یعرف حدوث خصومة بین الاثنین مرةً، تألم بسببها أبودلف من الشاعر کثیراً، فاضطر الأخیر إلی أن یوسّط إسحاق بن أبي ربعي کاتب أبي دلف لیشفع له عنده (م.ن، 212). کما نظم أبوتمام قصائد في لوم أبي دلف، شکی فیها کثیراً من إهمال الممدوح إیاه، و عتب لبقائه أشهراً طویلة بانتظار الجائزة دون أن یلقی من الممدوح سوی الجفاء. وربما کان أبوتمام هجر بلاطه بعد هذه الواقعة خاصة وأنه هدده بأبیاتٍ بأنه إن لم یحقق مایصبو إلیه فسیهجر بلاطه علی لافور (ص 352). ویبلغ مجموع الأبیات التي نظمها أبوتمام فیه حوالي 140 بیتاً.

ومن مدّاحي أبي دلف أیضاً علي بن جبلة، المعروف بالعَکَوَّک الذي اتصل بأبي دلف قبل 170هـ (أبوالفرج، 14/134). ذهب بعد أن سمع بسخاء أبي دلف إلی الکرج و مدحه بقصیدة، فاتهمه شعراء البلاط بادئ الأمر بسرقة تلک الأبیات، إلا أنه عندما اجتاز اختبارهم إیاه، أثار إعجاب الجمیع و منحه أبودلف 30 ألف درهم وفي قول 100 ألف (م.ن، 20/15-19). ومن بین المدائح الکثیرة التي نظمها ابن جبلة له، القصیدة الشهیرة التي بالغ فیها کثیراً بمدح أبي دلف إلی الحد الذي رأي معه أن دورة الدهر و حیاة الناس و موتهم في یده (ابن المعتز، 172-173؛ أبوهلال، 1/92-93). أدت هذه القصیدة التي کانت تقع في الدصل في 58 بیتاً (ابن خلکان، 3/351) إلی ذیوع صیت أبي دلف بشکل واصع، رغم أنها سببت للشاعر مصاعب جمة فیما بعد، وأدت – حسب روایة – إلی قتله. و استناداً إلی روایة ابن المعتز (ن.ص)، فإن المأمون عندما سمع هذه القصیدة استشاط غضباً وأرسل في طلب الشاعر الذي کان هارباً إلی الجزیرة، وأخیراً سل لسانه من قفاه بتهمة الکفر.

وبکر بن النطاح (تـ 200هـ) هو الآخر من الشعراء المعروفین الذین قدموا له مدائح کثیرة، وأطول قصیدة نظمها في مدحه وأسرته بلغت 90 بیتاً (ابن المعتز، 220-226). وقد أشار ابن النطاح في هذه القصیدة إلی بعض جوانب حیاة أبي دلف و منها حروبه.

ومن الشعراء الآخرین الذین کانوای ترددون علی بلاطه یمکن أن یذکر: دعبل الخزاعي و أبویعقوب الخریمي و الرقاشي الشاعر البمرکي وجعیفران لاموسوس و الحسن بن رجاء و ابن البواب وأبودلامة وأبوالشیص وأبو الأسد وابن باذان الذین وردت عن کل واحد منهم في کتب التراث حکایات طویلة (ظ: أبوالشیص، 63؛ قا: أبوالفرج، 16/404؛ ابن أبي طاهر، 6/245-247؛ ماني الموسوس، 33، 74؛ ابن عبد ربه، 6/169، 285؛ الجاحة، البخلاء، 364، البیان... 2/282؛ ابن المعتز، 227، 345-346؛ أبوالفرج، 14/134، 23/43-44؛ التنوخي، المستجاد، 235). ولم تکن قصائد هؤلاء الشعراء في أبي دلف مقتصرة علی المدح، بل کان الکثیر منهم یطلق لسانه بهجائه بعد قلیل من الإنقاص أو التأخیر في البذل و العطاء. ومن بینهم تجد الإشارة إلی الخریمي و ابن باذان و ابن رجاء.

اشتهر أبودلف فضلاً عن الشعر و الأدب بالموسیقی والغناء أیضاً، وکان ینشد الکثیر من قصائده و قصائد شعراء آخرین و منهم جریر، ملحنةً. ولهذا السبب کان بعض الخلفاء العباسیین و خاصة المعتصم وابنه الواثق یعتزون به کثیراً. وفي روایة (أبوالفرج، 8/251-252) فإن المعتصم عندها سمع غناءه لأول مرة، أثنی علیه کثیراً ومنحه 20 ألف درهم. و یبدو أن أبا دلف تعلم الغناء من موسیقیین معروفین مثل إسحاق الموصلي و إبراهیم بن المهدي اللذین کانت تربطه بهما علاقات صداقة (ظ: م.ن، 10/111، 120).

جمع یونس أحمد السامرائي أشعار أبي دلف في الجزء الثاني من شعراء عباسیون و طبعها ببیروت (1407هـ/1987م)، إلا أن هذه المجموعة لاتضم کل أشعاره (کمثال، ظ: الأبیات التي أوردها ابن أبي طاهر: 6/255).

 

المصادر

ابن أبي طاهر طیفور، أحمد، کتاب بغداد، تقـ: هانس کلر، بازل، 1908م؛ ابن أبي عون، إبراهیم، التشبیهات، تقـ: محمد عبدالمعیدخان، کمبریدج، 1369هـ/1950م؛ ابن الأثیر، الکامل؛ ابن حجة الحموي، أبوبکر، ثمرات الأوراق، تقـ: محمد أبوالفضل إبراهیم، القاهرة، 1971م؛ ابن حزم، علي، جمهرة أنساب العرب، بیروت، 1403هـ/1983م؛ ابن خلدون، العبر؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن رسته، عمر، الأعلاق النفیسة، لیدن، 1891م؛ ابن الزبیر، الرشید، الذخائر و التحف، تقـ: محمد حمیدالله، الکویت، 1959م؛ ابن عبد ربه، العقد الفرید، تقـ: أحمد أمین وآخرون، بیروت، 1402هـ/1982م؛ ابن فضل الله العمري، أحمد، مسالک الأبصار، تقـ: فؤاد سزگین، فرانکفورت، 1408هـ/1988م؛ ابن الفقیه، أحمد، مختصر کتاب البلدان، تقـ: دي خویه، 1302هـ/1884م؛ ابن المعتز، عبدالله، طبقات الشعراء، تقـ: عبدالستار أحمد فراج، القاهرة، 1375هـ/1956م؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبوتمام، حبیب، دیوان، تقـ: شاهین عطیة، بیروت، 1387هـ/1968م؛ أبودلف العجلي، القاسم (ظ: همـ، السامرائي)؛ أبوالشیص، محمد، دیوان، تقـ: عبدالله الجبوري، بیروت، 1404هـ/1984م؛ أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني، تقـ: علي السباعي وآخرون، القاهرة، دارالکتب؛ أبوهلال العسکري، الحسن، دیوان المعاني، تقـ: أحمد سلیمان معروف، دمشق، 1984م؛ الأحدب، إبراهیم، کشف المعاني و البیان، بیروت، المطبعة الکاثولیکیة؛ أخبار الدولة العباسیة، تقـ: عبدالعریز الدوري و عبدالجبار المطلبي، بیروت، 1971م؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، تقـ: عبدالعزیز الدوري، بیروت، 1398هـ/1978م؛ م.ن، فتوح البلدان، تقـ: محمد رضوان الدایة، بیروت، 1398هـ/1978م؛ البلعمي، محمد، تاریخ نامۀ طبري تقـ: محمد روشن، طهران، 1366ش؛ التنوخي، المحسن، الفرج بعد الشدة، تقـ: عبود الشالجي، بیروت، 1398هـ/1978م؛ م.ن، المستجاد، تقـ: محمد کردعلي، بغداد، 1970م؛ الجاحة، عمرو، البخلاء، تقـ: طه الحاجري، القاهرة، 1403هـ؛ م.ن، البیان و التبیین، تقـ: حسن السندوبي، القاهرة، 1351هـ/1932م؛ الحصري، إبراهیم، زهر الآداب، تقـ: محمد محیي‌الدین عبدالحمید، القاهرة، 1373هـ/1953م؛ الخطیب البغدادي، أحمد، تاریخ بغداد، القاهرة، 1349م؛ الذهبي، محمد، دول الإسلام، حیدرآبادالدکن، 1364هـ؛ م.ن، العبر، تقـ: محمد السعید زغلول، بیروت، 1405هـ/1985م؛ الزوزني، الحسین، شرح المعلقات السبع، قم، 1405هـ؛ السامرائي، یونس أحمد، شعراء عباسیون، بیروت، 1407هـ/1987م؛ السمعاني، عبدالکریم، الأنساب، حیدرآبادالدکن، 1398هـ/1978م؛ الصفدي، خلیل، أمراء دمشق، تقـ: صلاح‌الدین المنجد، بیروت، 1983م؛ الصولي، محمد، أخبار أبي تمام، تقـ: خلیل محمود عساکر و آخرون، بیروت، 1934م؛ الطبري، تاریخ؛ قدامة بن جعفر، الخراج، تقـ: محمدحسین الزبیدي، بغداد، 1981م؛ المافروخي، المفضل، محاسن أصفهان، تقـ: جلال‌الدین الطهراني، طهران، 1933م؛ ماني الموسوس، محمد، شعره تقـ: عادل العامل، دمشق، 1988م؛ المرزباني، محمد، معجم الشعراء، تقـ: عبدالستار أحمد فراج، القاهرة، 1379هـ/1960م؛ المسعودي، علي، مروج الذهب، تقـ: محمدمحیي‌الدین عبدالحمید، القاهرة، 1387هـ/1967م؛ الیافعي، عبدالله، مرآة الجنان، بیروت، 1390هـ/1970م؛ یاقوت، البلدان.

عنایت‌الله فاتحي‌نژاد/ هـ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: