الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / أبوالحسن العامري /

فهرس الموضوعات

أبوالحسن العامري

أبوالحسن العامري

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/22 ۲۲:۱۴:۱۷ تاریخ تألیف المقالة

أَبوالحَسَنِ العامِريّ، محمدبن أبي ذریوسف العامري النیسابوري (ح 300-27 شوال 381هـ/913-6 کانون الثاني 992م)، فیلسوف و منطقي و عارف.

حیاته: ولد أبوالحسن في نیسابور و شرع بدراسة العلوم‌‌الدینیة فیها، ثم سافر بعد ذلک إلی شامستیان إحدی قری بلخ و فیها درس الفلسفة علی أبي زید البلخي (خلیفات، 65)، ثم عاد بعد وفاة أستاذه إلی بخاری، ومن هناک ذهب إلی الشاش و درس الفقه و علم الکلام الماتریدي علی أبي بکر القفال (م.ن، 72). وعاد مرة أخری إلی بخاری وألف فیها علی مایبدو کتابه المهم السعادة والإسعاد. ثم حط رحاله بعد ذلک في نیسابور خلال الفترة الواقعة بین 342-352هـ/953-963م (م.ن، 74). ومنذ 353هـ تقریباً قطن الري خمس سنوات وانهمک هناک بالتصنیف والتدریس (أبوحیان، الإمتاع ...، 1/36؛ یاقوت، 5/6). ویبدو أنه في هذه المدینة کان أبوعلي مسکویه (ن.ع) المؤرخ الشهیر یحضر مجلسه، إلا أنه – کما قیل – لم یتعلم منه ولاکلمة واحدة (ن.ص). حظي أبوالحسن في الري بدعم أبي الفضل ابن العمید وزیر البویهیین و ابنه وخلیفته أبي الفتح (EI2, S, 72).

ورد في کتب التراجم روایتان عن رحلتین له إلی بغداد، إحداهما قبل 360هـ، والأخری في 364هـ (کربن، 224-225؛ EI2, S، ن.ص؛ قا: أرکون، 60؛ الذي یری أن رحلته الأولی کانت قبل 335هـ). وقد قوبل أبوالحسن ببغدادباللامبالاة من العلماء، وعاد إلی مسقط رأسه کسیر القلب (ظ: کرامر، 234؛ أرکون، 60-62). ویبدو أن آخر عودة لأبي الحسن إلی خراسان کانت في 370هـ/ 980م (ظ: أبوحیان، ن.م، 3/91-96). وبعد 10 سنوات تقریباً غیّبه الثری.

لاتوجد معلومات کافیة عن أساتذة أبي الحسن العامري، فاستناداً لما قاله البعض فإنه درس الفلسفة في خراسان لدی أبي زید لابلخي (الشهرزوري، ن.ص؛ أبوسلیمان، 307؛ ظ: مینوي، 61)؛ إلا أنه ومع الأخذ بنظر الاعتبار سنة وفاة أبي زید التي کانت في 322هـ/ 934م، ینبغي أن تکون إفادته من مجلس درسه، قد تمت أیام شبابه. وطبقاً لما ذکره أبوعلي مسکویه فإن أبا الحسن درس لدی أبي الفضل ابن العمید أیضاً (2/277؛ أیضاً ظ: مینوي، 62). ومن بین الذین تعلموا علی أبي الحسن العامري فضلاً عن أبي علي مسکویه الذي مرّ ذکره، یذکر أبوحیان التوحیدي، اسم ماني المجوسي (المقابسات، 116). وکان أبوالقاسم الکاتب ملازماً له أیضاً لفترة مدیدة، ولذا اشتهر بغلام أبي الحسن العامري (مینوي، 64-65). وکان أبوحیان التوحیدي نفسه هو الآخر قد أفاد من أبي الحسن و نقل کلاماً عنه خاصة في المقابسات (مخـ). واستناداً إلی ابن شاکر الکتبي فإن علي بن الحسین بن هندو (تـ 420هـ/ 1029م) من کتّاب دیوان عضدالدولة کان أیضاً من بین تلامیذه و تعلم الفلسفة لدیه (3/13).

وخلال رحلة أبي الحسن الثانیة إلی بغداد برفقة أبي الفتح ابن العمید، حدثت مناظرة بینه و بین أبي سعید السیرافي (ن.ع) في مجلس غاص بالعلماء، حیث بادر إلی سؤال أبي سعید عن طبیعة باء باسم الله، فهاجم أبوسعید – الذي کان قد حار في الجواب – أبا الحسن بشدة وأنّب ابنُ العمید هو الآخر أبا الحسن بأبیاتٍ وأثنی فیها علی أبي سعید (یاقوت، 8/229-232؛ مینوي، 66).

وقیل عن أبي الحسن العامري کلام کثیر یکتنفه الغموض، ویبدو أنه کانت له – فضلاً عن الفلسفة – معرفة و أنس أیضاً بمجامع الصوفیة وعقائدهم (أبوحیان، الإمتاع، 3/94-96؛ مینوي، 60؛ کرامر، 233). وقد ذکره الکلاباذي (تـ 380هـ/990م) في التعرف مرتین (ص 87، 143). إضافة إلی هذا فإن أباحیان التوحیدي قد أشار إلی أبي زید البلخي – أستاذ أبي الحسن – بوصفه فلیسوفاً زیدیاً کان یعتبر الفلسفة والشریعة متلازمتین متساوقتین، وحین طلب أمیر خراسان إلیه أن یؤلف في ظل الشریعة کتاب في الفلسفة، وافق علی ذلک (الإمتاع، 2/15). وواصل أبوحیان حدیثه قائلاً: إن أبا الحسن هو الآخر کان یرمي إلی هدف کهذا، ولذا کان یعیش مشرداً تائهاً حتی إنه کان یلجأ إلی ابن العمید حیناً وإلی أمیر الجیش بنیسابور حیناً آخر. وبسبب اعتقاده بقدم العالم وکلامه في الهیولی والصورة والزمان والمکان، اتهم بالإلحاد و حاول جماعة قتله (ن.ص). وربما کان ذلک هو السبب في سوء خلقه وشراسته اللذین أشیر إلیهما في المصادر، وربما کانت هذه الشراسة هي التي أدت بعلماء بغداد إلی أن یعرضوا عنه (ن.م، 2/84؛ أیضاً ظ: کرامر، ن.ص). یقول أرکون بهذا الصدد: أثار أبوالحسن غیرة علماء العاصمة، إذ کان هؤلاء یخشون أن یؤدي حضور هذا الوافد الفظّ الذي کان ینال بعلمه و فضیلته احترام الجمیع، إلی حرمانهم من رعایة الأمیر (ن.ص).

 

آثاره

1. الإعلام بمناقب الإسلام، طبع هذا الکتاب في القاهرة (1967م) بتحقیق أحمد عبدالحمید غراب، ونشرت ترجمته الفارسیة التي قام بها أحمد شریعتي و حسین منوچهري بطهران (1367ش)؛ 2. الأمد علی الأبد، طبع بتحقیق أ.ک. روسن (مؤسسة الدراسات الإسلامیة بجامعة ملک غیل، فرغ طهران)، وفي بیروت أیضاً (دار الکندي، 1979م)؛ 3. إنقاذ البشر من الجبر والقدر؛ 4. التقریر لأوجه التقدیر؛ 5. السعادة والإسعاد في السیرة الإنسانیة، طبع هاذ الکتاب بتحقیق مجتبي مینوی وبخطه بفیسبادن (مطبوعات جامعة طهران، رقم 435) في 1336ش؛ 6. الفصول في المعالم الإلهیة؛ 7. القول في الإبصار و المبصر؛ 8. مجموعة من آثاره المتناثرة جمعت بعنهوان الشذرات الباقیة من مؤلفات العامري المفقودة. وجمع سحبان خلیفات آثاره المرقمة 3 و 4 و کذلک 6-8 في مجموعة بعنوان رسائل أبي الحسن العامري و شذراته الفلسفیة و طبعها في عمان سنهة 1988م (للاطلاع علی آثاره الأخری، ظ: خلیفات، 101-124؛ مینوي، 76-82).

 

المصادر

في نهایة المقالة.

جواد طباطبائي/ هـ.

 

فلسفته

کان أبوالحسن العامري من بین أهم الفلاسفة الذین عاشوا في الفترة الواقعة بین فیلسوفین کبیرین هما الفارابي وابن سینا، فهو بالإضافة إلی کونه صاحب آراء في الفلسفة و مؤلفات و رسائل مهمة في هذا المضمار، فقد بحث في أبواب‌‌الدین و الأخلاق أیضاً، و خلف دثرین قیمین في ذلک. وخصص کتابه السعادة والإسعاد لبحثو السیاسة والأخلاق، وتحدث في کتابه الإعلام بمناقب الإسلام عن مکانة‌‌الدین الإسلامي.

عرَّف في الأمد علی الأبد، الفلسفة و الفیلسوف، و کان ماقاله مختلفاً إلی حدّما عن کلام الاخرین، فهو بعد تعریفه للنحوي واللغوي و العروضي یقول: إن من جمع بین فروع اللغة و النحو و العروض و مهر فیها سُمي أدیباً. وهذا الکلام یصدق علی علوم کالهندسة و الطبیعیات و المنطق أیضاً، و من مهر في هذه الأبواب الثلاثة واقتدر علی تحقیق المعاني الإلهیة، قیل إنه فیلسوف أوحکیم (ص 62).

وفي «التقریر لأوجه التقدیر»، أشار أبوالحسن إلی موضوع یتناسب مع ما أداه في الأمد بشأن صفات الفیلسوف فهو یقول: «إن کان کلُّ واحد من جواهر العالم متفرداً في جبلّته بخاصِ فعلٍ له علی حِدَته، ثم کان الفعل المختص بالجوهر الإنسيّ هو أن یعرف الحق، و یعمل بما یوافق الحق، فمن الواجب أن یکون أکمل الناس أغزرهم عرفاناً للحق وأقدرهم علی العمل بما یوافق الحق» (ص 306). فهو فضلاً عن إشارته إلی الحکمة النظریة، قد أشار هنا إلی الحکمة العملیة أیضاً واعتبرها من خصائص الوجود الإنساني.

واعتبر أبوالحسن في الأمد أن محل الإیمان هو القوة العاقلة، و محل الکفر القوة المتخیلة. والأمر الذي ینبغي الالتفات إلیه هو أن القوة المتخیلة قد تصلح للعقیدة الصادقة حسب صلوحها لعقیدة الکاذبة؛ إلا أن القوة العاقلة لاتصلح إلا للعقیدة الصادقة. والإنسان مندوب إلی أن یعرض مایتخیله علی قوته العاقلة لیأمن به آفات الکذب؛ إلا أنه ربما کره ذلک تجافیاً من أن یظهر خطؤه فیؤنَّب بعار النقیصة (ص 158).

اعتبر أبوالحسن الإیمان نوعاً من الاعتقاد الصادق الیقیني من جهة، ومن جهة أخری اعتبر محله القوة العاقلة. وقد أورد هذا الموضوع أیضاً في کتابه الآخر الإعلام (ص 185). ویشکل هذا الموضوع مجالاً مناسباً لطرح موضوع آخر، أي وجود الانسجام بین‌‌الدینو الفلسفة. وقد سعی أبوالحسن جاهداً في إبراز التوفیق بین‌‌الدین و الفلسفة، فهو یری أن الفلسفة ولیدة العقل والاستدلال، ویعتقد أن العقل لایعصي أبداً أمرالله إطلاقاً. ویقول في الفصل الخامس من الأمد الذي خصصه للبحث في هذه المسألة: «إن العقل وإن صلح لتدبیر عامة ماتحته من الموهومات الحسیة ولإمساک کافة مافوقه من المعقولات البدیهیة، فإنه لیس یصلح لهما إلا بالقوة الإلهیة المستعلیة علیه». ثم یضیف: «مکما الطبیعة محیطة بالأجسام إحاطة التدبیر لها، والعقل محیط بالنفس إحاطه الهدایة لها، کذا الأول الحق، محیط بالأشیاء کلها إحاطة التقدیر لها» (ص 87). وإن إحاطة التقدیر هي الإحاطة التي یهب الله لکل مخلوق بموجبها مایلیق به، أي أن یهب الوردة العطر والإنسان الروح. ویستنتج أبوالحسن من هذا الکلام أن عالم الأجسام – انطلاقاً من ذاته و فطرته – ینقاد إلی الطبیعة، وأن الطبیعة حسب جبلّتا تنقاد للنفس، والنفس حسب جوهرها الجبلّي تخضع لأمر العقل، وأخیراً فالعقل بجبلّته طائع للبارئ تعالی (ن.ص). وقد عرّف في موضع آخر من الأمد، العقل بأنه حجة إلهیة وأنه أقیم للنفس مقام القوة المبصرة للعین (ص 92).

کما أشار أبوالحسن في السعادة أیضاً إلی العلاقة بین العقل و النفس والطبیعة بقوله: النفس تستمد من العقل و تُمِدّ الطبیعة (ص 181). ویقول أیضاً: العقل ناموس النفس، والنفس خادمة العقل، وبخدمتها للعقل یشتعل نورالنفس ویزکو، وإذا ترکت النفس خدمة العقل، هبط نورها و شرفها، فیظهر الجهل، وبظهور الجهل یقع الفساد (ص 180).

اعتمد أبوالحسن علی صلاحیة النفس الناطقة لخلافة الله تعالی في عمارة العالم السفلي مدة من الزمان، ثم یصیر زینة للعالم العلوي إلی الأبد، فحريّ أن تکون مجبولة من سنخٍ هو في الحقیقة خلاصة هذا العالم وکدر ذل العالم. و بعارة أخری فإن خلیفة الله هو الذي في جوهره الوجودي أول المعاني الروحانیة وآخر المعاني الجسمانیة، کالمتلاحم لکلا العالَمین، وکالصالح لمجموع الکمالین (الأمد، 131).

ثم انبری أبوالحسن بعد ذلک لتفسیر معنی النبوة و شبهها بخط ممتد إلی الروحانیین من جهة، وإلی الجسمانیین من جهة أخری (ن.م، 131-132). وهنا یجد الوحي معناه، و في الحقیقة هو نزول المعنی من عالم الغیب إلی عالم الشهادة. ویعتقد أبوالحسن أن النفس الناطقة «وإن کانت في مبتدأ حدوثها غَرِقة في السوس القالبي ومغلوبة بالسلطان الحسي، فإن نور العقل لن یکون مقطوعاً عنها بالکلیة، فإنه معنیً ذاتي لها ... إلا أنها وإن کانت فائزة بنور العقل فإنها لن تقوی علی التطلع به إلی العالم العلوي مالم یعاونها نور الملّة و نور الحکمة» (ن.ص).

ویبین أبوالحسن هدفه بأن یقدم مثالاً قال فیه: و کما أن القوة الطبیعیة في البذور تکون متضمنة لجمیع ماتبدیه من الزهر والثمر، إلا أنها لن تستغني في إظهارها عن معونة الفلّاح لها بالتسمید والتکریب، کذلک النفس الناطقة تکون بنورها الذاتي متضمنة لما تبدیه من زهر الفضائل، إلا أنها لن تستغني في إظهارها بالفعل عن أوضاع‌‌الدین و صناعة الحکمة (ن.م، 132-133). ثم یتجاوز هذهالمرحلة بعد شرحه هذه الأمور إلی الحدیث عن الشرور في عالم الخلقة أیضاً لیقول: إن البارئ جل جلاله لما خلق العالم السفلي علی الهیئة الدالة علی بلیغ حکمته وإتقان صنعته، وجعل مافیه من المعاني الحسیة نموذجات مشیرة إلی مافي العالم العلوي من المعاني العقلیة، أحبّ أن یزینه بالعقل الذي هو التحقق للصنعة والمتصور للحکمة. ثم لما علم أن ذات العقل صورة للنفس الناطقة و نازل منها منزلة القوة المبصرة للعین، استأثر القالب الإنسي لإسکانها فیه (ن.م، 133).

ویری أبوالحسن أنه لاضرر یلحق بروحانیة العقل في هذا الهبوط والاتحاد، ذلک أنه في هذا النوع من الاتحاد یتمتع العقل بالقدرة علی التمییز بین الخیر و الشر؛ و یعني أنه إذا لم تظهر الشرور للعقل من خلال التجربة والعمل، وکانت تعرف عن طریق الإشارات و الإیماءات فحسب، ما أدرک العقل حقیقة معنی الشرور، ذلک أن الفاصل بین السماع والرؤیة والوصف وبین التجربة، کبیر جداً، ویضیف قائلاً: شتان بین من یوصف له ألمُ لسعة الحیة، أو ألم ثکل الولد، وبین منابتلي بهما في تحقق صورتیهما. ولهذا یمکن القول إن الملائکة وإن علموا الأشیاء الدنسة التي یبتلی بها الناس، فإن علمهم بها لن یکون مضاهیاً لعلم الإنسان بها؛ کما أن علم الإنسان بالأمور المجردة و الروحانیة لایمکن قط أن یبلغ علم الملائکة بها (ن.م، 133-134).

ویقول أبوالحسن إن معرفة الإنسان للأمور المجردة والروحانیة لیس کمعرفي الملائکة لها، کما أن إدراک الملائکة للمصائب التي تحل بالإنسان، لیس کإدراک الإنسان نفسه لهذه الأمور. إلا أنه ینبغي أن نأخذ بنظر الاعتبار أن عدم معرفتنا لتلک هو فرط النقص، وسبب عدم معرفتهم لهذه هو فرط الکمال (ن.م، 134).

والنقطة الأساسیة الأخری هط قوله: «ثم جُعل لنا سبیلإلی التفصّي من النقص، وذواتهم – أي الملائکة – متعالیة عن الانحطاط إلی النقص، لأنها مضیئة نیّرة، فلایخفی البعض علی البعض، بل یبصر کلواحد منهم ذاته في ذات صاحبه منغیر ماحاجة بهما إلی الاستدلال بالخواص الشخصیة. ولیس بصرهم متعلقاً بالأعین الجسدانیة الواقعة علی سطوح الأجسام الکثیفة، فإنهم علی جبلّة لیس فیها ظلام ولاجساوة، ونظرهم بالأعین العقلیة التي تبصر الأشیاء القریبة و البعیدة علی حدّ واحد» (ن.م، 134-135).

لکن السؤال الذي یطرح نفسه هنا هو إذا کانت معرفة مخلوقات العالم العلوي للآلام و المشتقات التي یعانیها الإنسان لاتضاهي معرفة الإنسان بها، تری ما الذي یمکن قوله بشأن علم و معرفة الله تعالی بهذه الآلام والمشقات؟ یجیب أبوالحسن بهذا الشأن: إن علم البارئ جل جلاله للأشیاء کلها لکونه هو فاعلها، لامن حیث هو متصور لها (ن.م، 134).

اعتبر أبوالحسن العقل صورة النفس (ن.م، 133)، واعتبره في موضع آخر أمراً ذاتیاً للنفس (ن.م، 132). والان ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن التمییز بین الخیر والشر والحسن والقبح، یُعد من الأعمال الرئیسة للعقل في آثار أبي الحسن، یمکن أن ندرک بسهولة أن هذا الفیلسوف یعتقد بالحسن والقبح العقلیین، و هو مایتفق مع ماورد في عقیدة المعتزلة بهذا الشأن وقد تحدث في السعادة – شأنه شأن مفکري المعتزلة – عن شریعة العقل وأکد علی هذا المعنی قائلاً: لوتمسک الناس بالشرائع العقلیة لم یحتاجوا إلی شرائع وضعیة وشرطیة، ثم شرع بشرح معنی الشریعة العقلیة بقوله: «ومن الشرائع العقلیة أن لایأتي الإنسان إلی غیره، إلا مایحب أن یؤتی إلیه، وأن یصرف عن غیره مایحب أن یصرف عنه، وأن لایأتي سراً، إلا مایمکه أن یأتي مثله جهراً؛ وأن یتبین عیوب نفسه، ثم یقابل کل عیب فیها بضده. وأقول: جمیع مایشهد له العقل بالقبح هو المنکر» (ص 178).

وینبغي الانتباه إلی أن مایقصده أبوالحسن بالشریعة الوضعیة، أو الشریعة الشرطیة هو القوانی التي توضع عن غیر طریق الأنبیاء والرسل، إلا أن الأوامر والقوانی التي نزل للناس عن طریق الرسل، لاتخالف شریعة العقل، ولیس الناس في غنیً عنها.

بحث أبوالحسن في الإتمام لفضائل الأنام، العلاقة بین النظر والعمل، وأکد علی ضرورة العلم للعمل («الشررات»، 474)، وبحث في النسک العقلي و التصوف الملّي، مسألة الوحي والإلهام، وتحدت عن إفاضات العالم العلوي علی النفس الناطقة وتأثیر تلک الإفاضات في أفعال الإنسان (ن.ص). ورغم أنه طرت في هذا الکتاب مسألة الوحي والإلهام و جری الحدیث عن الأفعال والموضوعات المتعلقة بالنفس الناطقة، فإن المؤلف اختار له عنوان النسک العقلي؛ واختیار عنوان کهذا یدل علی أن مایتعلق بالوحي والإلهام والإفاضات وإشراقات النفس هو في رأي المؤلف نوع من النسک العقلي. ومع الأخذ بنظر الاعتبار المعنی اللغوي لکلمة نسک (= التعبد والطهارة والقرب من الله)، یتضح أن الأحکام الإلهیة في رأي أبي الحسن معقولة، وماهو معقول یؤدي إلی الطهارة والقرب من الله.

أکد أبوالحسن کثیراً علی معقولیة الأحکام‌‌الدینیة واعتبر الغفلة عنها أمراً مضراً، وکان تأکیده هذا الموضوع هو بالدرجة الأولی أن البعض علی عهده، کانوا یشککون بمعقولیة الأحکام‌‌الدینیة، وقد أشار أبوالحسن نفسه إلی هذا الأمر في الإعلام بقوله: زغم بعض منکري لادین الذین حملهم المجون و الخلاععة علی الاستثقال لوظائف العبادات والإنکار لعزائم الامر، أنه لیس تحت شيء من الأدیان علم یقتضي العقلُ إیثارَه و الاعتداذ به، فإنها في الحقیقة مُثُلّ شرعیة وأوضاع اصطلاحیة، تأخذ کل ملّة منها حظاً تنتفع به في إقامة معاشها و دفع أسباب العَیِث عن أنفسها، ولوکان لها حقیقة لاستغني فیها عن التوقیف، ولنیط أمرها بالعقل، ولو فُعل ذلک لما صاروا فیها فرقاً شتی وأحزاباً متفرقین. وکان أولئک المنکرون یقولون: إن امتهان النفس فیهما لایوجبه العقل، شغل لایفید نائلاً ولایجدي طائلاً. فإذن لیس لمن شاور عقله، واستملی منه، أفضل من أن یعمد إلی ماتوجد الفرقُ کلها متفقة علی اختیاره: کالعدل وصدق القول والوفاء بالعهد والأداء للأمانة و نصرة الضعیف وإغاثة اللهیف، فیجعلها سیرة لنفسه. فهذا هو معظم ماتعلقت به هذه الفرقة من الدعوی والحجة (ص 203).

وکما ذکرنا فإن أبالاحسن العامري أکد علی معقولیة الأحکام‌‌الدینیة وبحث بالتفصیل الانسجام بین الفلسفة و‌الدین. وقد انتقدکلام منکري ذا الأمر قائلاً: إن قولهم إن العلوم‌‌الدینیة کلها مُثُلٌ شرعیة وأوضاع اصطلاحیة، هو مقدمة کاذبة، ذلک أن الأدیان قائمة علی أربعة أرکان هي: الاعتقادات والعبادات والمعاملات والحدود. وإن ماهیّاتها أیضاً عقلیة، ولن یجوز ارتفاعها مادام العالم السفلي معموراً بالجبلّة الإنسیة، أي أن العقل الصریح لن یطلق لذوي الألباب ترک عبادة الله أو ترک معاملة بعضهم لبعض بالحسنی، ولن یطلق ترک زجر الأشرار عن السوء. ومایس یطلق العقلُ ترکه وإهماله، فهو یوجب إثباته وربطه. غیر أن عقولنا الجزئیة تقصر عن معرفة کیفیاتها، وکمیاتها، فیحوجنا الضعفُ إلی مَن له الخلق والأمر، و خصوصاً إذا کانت المصالح في هیئاتها ومقادیرها تتغیر بحسب تغیر طباع القرون (ن.م، 204).

استخدام أبوالحسن في مواضع کثیرة اصطلاحي «‌الدین الصحیح» و«العقل الصریح»، واعتبر التحادهما أساساً لحل الکثیر من المعضلات.وهو یقصد ب‌الدین الصحیح،‌‌الدین الخالي من جمیع أنواع التحریف والإضافة، والذي یستقي مباشرة من معین الوحي. کما أن العقل الصریح برأیه لایعني سوی العقل الخالص المبرّأ من الشوائب والأوهام. ورغم اعتقاده بأهمیة العقل والاستدلال في فهم الحقائق الإلهیة، إلا أنه لم یغفل أیضاً أهمیة النقل و دور الحدیث في هذا المجال. فهو یری أن علم الحدیث هو بمثابه المادة و الأساس لسائر العلوم‌‌الدینیة، ولذا فإن له حق التقدم (ن.م، 213). ولم یقف أبوالحسن عند هذا لاحد، بل تعداه إلی القول: مامن فن من فنون العلوم إلا ویوجد فیه أخبار منقولة: إما من الکتب المنزلة، أو من الرسل والأئمة، أو من الحکماء المتقدمین، أو من الأسلاف الصالحین؛ فالنقل إذن مادة العلوم کلها، ولاینبغي الغفلة عن أهمیته (ن.م، 213-214).

ویبدو أن ما أبداه أبوالحسن بشأن علم الحدیث هو غیر مایتحدث عنه علماء الحدیث، ذلک أن الکلام الموروث عن الحکماء المتقدمین والأسلاف الصالحین والذي یُعد مادة بعض العلوم، لم یوضع ضمن نطاق أبحاث علماء علم الحدیث. و في موضع آخر من الإعلام تحدث عن علم الحدیث و دوره فيتحقق المعارف طبقاً لأسلوب و سیرة أهل الحدیث، واعتبر صناعة الحدیث المادة الأساس للعقل لإظهار العلوم (ص 222). ویستنتج من هذا لاکلام أن دبا لحسن بوصفه فیلسوفاً مطلعاً علی الاصطلاحات المنطقیة، عندما یعتبر النقل مادة العقل، فإن معنی کلامه هو أن النقل منغیر العقل لیس مقیداً و لامؤثراً في فهم الحقائق الإلهیة وإظهار العلوم‌‌الدینیة، کما أن العقل من غیر النقل لن یفعل شیئاً، ویبدو أن أبا الحسن کان یریدبهذا الأسلوب عقد مصالحة بین أنه لاعقل وأهل النقل.

وهو یعتبر مخالفي الحکمة وأعداء العلوم العقلیة، جماعة من الحشویة ویرفض کلامهم، ویعلن أنه لایوجد أي نوع من التضاد بین‌‌الدین وبین مایقتضیة البرهان العقلي. ثم انبری بعدها لذکر منافع الحکمة وخصائصها فقا: إن من ضبط العلوم الحکمیة، فقد استسعد من یقینه بمرافق ثلاثة: الأول: الأنس باستکمال الفضیلة الإنسانیة باستیلائه علی حقائق الموجودات والتمکن من التصرف فیه؛ الثاني: الخلوص إلی مواقع الحکمة فیما أنشاه الصانع جل جلاله، من أصناف الخلیقة والتحقق لعللها ومعلولاتها و ما تتصل به من النظام العجیب والرصف الأثیق؛ الثالث: الارتیاض في مطلب البرهان علی الدعاوی المسموعة، والسلامة من وصمة التقلید للمذاهب الواهیة (ن.م، 189). وهو یحاول بتقدیمه الأدلة العقلیة في باب أوقات الصلاة وعدد رکعاتها تبیان فضائل الإسلام (ن.م، 241-243).

إن کتاب الإعلام لأبي الحسن قلّ نظیره من حیث الأسلوب، ویحتمل أن لایکون أحد سبقه إلی تألیف کتاب بهذا الأسلوب. وتلاحظ أیاضً في آثار هذا الفیلسوف الأخری، بعض الأفکارر الجدیدة أیضاً، و کنموذج من ذلک، یمکن الإشارة إلی أفکاره البدیعة عن الصفات الإضافیة و السلبی لله. فلم یجز أبوالحسن بهذا الشأن تبدّل الإضافات في الله، ویعتقد أن اختلاف الإضافات بحق البارئ تعالی سیؤدي إلی ظهرو اختلاف في حیثیات ذاته المقدسة، والذي یؤدي بدوره إلی التکثر (ظ: الأمد، 78-79). ویعتقد هذا الفیلسوف أنه لایتحقق للذات المقدسة للبارئ تعالی أکثر منإضافة واحدة، التي هي إضافة مبدئیة، تصحح جمیع الإضافات. وهذا الکلام یصدق علی الصفات السلبیة أیضاً، أي أن سلباً واحداً یصدق علی الله و هو سلب الإمکان، وإلیه تعود جمیع صفات السلب. ولهذا السبب فإن الصفات السلبیة لله اعتبرت بمعنی سلب السلب.

طرح أبوالحسن العامري هذه المسألة في الفصل الرابع من الأمد، ونسبها إلی أن باذقلس، فهو في نفس الوقت الذي یعتبر صفات من قبیل العلم و الجود والإرادة والقدرة، مختلفة من حیث المفهوم، إلا أنه یری أن هذه لاصفات لم تکن متعددة في الوجود من حیث المعنی و هي غیر متمایزة عن بعضها البعض. وقد لجأ لإثبات کلامه إلی نوع من التشبیه مثیر للانتباه حقاً، حیث قال: إن کل واحد من موجودات العلام هو معلوم الله و مقدوره و مراده و فیض جوده، من غیر أن نثبت فیه معاني شتی، کذا أیضاً نَصِف مُوجِدَها بالعلم والجود والإرادة والقدرة وإن کان أحدیاض فرداً (ص 78).

إن ما أعلنه أبوالحسن هنا، انعکس في آثار کثیر من امفکرین من بعده؛ فقطب‌‌الدین الشیرازي في شرح حکمة الإشراق لشهاب‌‌الدین السهروردي قد فصّل القول في الصفات الإضافیة والسلبیة لله تعالی وأورد نفس هذه الموضوعات التي کان أبوالحسن العامري قد طرحها في مؤلفاته، إلا أن المثیر للعجب هو أنه نسب هذه الموضوعات لشهاب‌‌الدین السهروردي وادعی أنهلایوجد أحد من المفکرین قبله تحدث بهذا الکلام؛ بینما الحقیقة هي أن صدر‌الدین الشیرازي الذي نقد کلام قطب‌‌الدین هذا، قال: لقد رأیت هذا الکلام في الأمد لأبي الحسن الذي نسبه إلی أنباذقلس (ص 313-314).

کان أبوالحسن العامري أول فیلسوف في العالم الإسلامي طرح في آثاره موضوع اتحاد العاقل والمعقول (ن.ع) واعتقد به بعد دراسة عمیقة («الفصول»، 372).

 

المصادر

ابن شاکر الکتبي، محمد، فوات الوفیات، بیروت، 1974م؛ أبوالحسن العامري، محمد، الإعلام بمناقب الإسلام، طهران، 1367ش؛ م.ن، الأمد علی الأبد، تقـ: أ.ک. روسن، بیروت، 1979م؛ م.ن، «التقریر لأوجه التقدیر»، «الشذرات الباقیة»، «الفصول»، رسائل، تقـ: سحبان خلیفات، عمان، 1988م؛ م.ن، السعادة والإسعاد، تقـ: مجتبی مینوي، فیسبادن، 1336ش؛ أبوحیان التوحیدي، الإمتاع والمؤانسة، القاهرة، ج1، 1939م؛ ج 4، 1944م؛ م.ن، المقابسات، تقـ: محمد توفیق حسین، طهران، 1366ش؛ أبوسلیمان السجستاني، صوان الحکمة، تقـ: عبدالرحمان بدوي، طهران، 1974م؛ دبوعلي مسکویه، أحمد، تجارب الأمم، القاهرة، 1333هـ/1915م؛ خلیفات، سحبان، مقدمة و حواش علی رسائل (ظ: همـ، أبوالحسن العامري)؛ صدر‌الدین الشیرازي، محمد، تعلیقات علی حکمة الإشراق لشهاب‌‌الدین السهروردي، طهران، 1313هـ؛ کربن، هنري، تاریخ فلسفۀ إسلامي، تجـ: أسدالله مبشري، طهران، 1361ش؛ الکلاباذي، محمد، التعرف لمذهب أهل التصوف، تقـ: عبدالحلیم محمود وطه عبدالباقي مسرور، بیروت، 1400هـ/1980م؛ مینوي، مجتبي، «أز خزاین ترکیة»، مجلۀ دانشکدۀ أدبیات تهران، طهران، 1326ش، س 4، عد 3؛ یاقوت، الأدباء؛ وأیضاً:

Arkoun, M., «La conquéte du Bonheur selon Abû – l- Ḥasan al-ʿ Amiri», Studia Islamica, Paris, 1965, vol. XXII; EI2, S; Kraemer, J. L., Humanism in the Renaissance of Islam, Leiden, 1986.

غلام‌حسین إبراهیمي دیناني/ هـ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: