أَبوحاتِمٍ المَلزوزيّ، یعقوب بن لبیب بن مرین (أو مدین) بن یطوفت، إمام الإباضیة البربر في طرابلس أواسط القرن 2هـ/8م. قیل إن کنیته هي أبو قادم (النویري، 24/79؛ ابن خلدون، 6(1)/226). ورد اسم أبیه لبید، حبیب و تمیم أیضاً (باسه، 115). ویری ابن خلدون (ن.ص) أن أبا حاتم کان في الأصل من قبیلة ملزوزة البربریة من رهط مُغیلة؛ بینما اعتبر الدرجیني (1/36) ملزوزة من رهط هوارة.

وتعتبره بعض مصادر القرن 3هـ/9م مولیً لکندة و منسوباً لتلک القبیلة (البلاذري، 233؛ الیعقوبي، 2/386). وإنما دعاه البلاذري (ن.ص) بالسَّدَّراتي لخلطٍ بینه وبین عاصم السدراتي إمام إباضیة طرابلس الآخر (باسه، 116). و معلوماتنا عن حیاة أبي حاتم منحصرة بفترة نشاطه السیاسي وثورته خلال السنتین 154 و 155هـ، إلا أنه لایمکن إبداء رأي قاطع فیما إذا کان تابعاً لأبي الخطاب المعافري الإباضي (140-144هـ) خلال فترة إمامة هذا الأخیر، وفي دوره في زعامة الإباضیة والتجائها إلی قلاع و حصون طرابلس بعد هزیمة أبي الخطاب (الدرجیني، 1/35؛ الشماخي، 1/121).

غادر ابن الأشعث أمیر إفریقیة (تونس) العباسي تلک الدیار في 146هـ، بعد فترة من إلحاق الهزیمة بأبي الخطاب الإباضي (ظ: ابن الأثیر، 5/317-318؛ قا: البلاذري، ن.ص)، و منذ ذلک الحین وإلی 151هـ کانت إفریقیة تدار بأیدي أمراء شبه مستقلین دون أن تنعم باستقرار تام (الیعقوبي، ن.ص) . وقد کانت فترة الخمس سنوات تلک کافیة لتوفیر الفرصة لإعادة تنظیم الإباضیة. وفي صفر 151 عین المنصورُ العباسي عمرَ بن حفص من آل المهلب (ن.ع) المعروف بهزار مرد، والیاً علی إفریقیة، فحاول الأخیر أن یرسخ سلطة العباسیین في المنطقة ویوسع نطاقها، ولذا وفضلاً عن إثارة اهتمام ودعم کبار شخصیات القیروان، فقد قام بفتوحات وأسس مدینة العباسیة (البلاذري، 232-233؛ ابن الأثیر، 5/598). إلا أنه و نظراً لعدم ارتیاح البربر من هیمنة العباسیین، فقد أدت إجراءات عمر بن حفص هذه إلی تعاضد الإباضیین و الصفریین ضده. و خلال ذلک ذهب عمر بن حفص بأمر من الخلیفة لإعادة بناء مدینة طبنة الحدودیة و سورها (یاقوت، 3/515؛ ابن الأثیر، 5/598-599)، فانضم بربر طرابلس الإباضیة مع بربر إفریقیة إلی أبي حاتم ونصّبوه في رجب 154، إماماً – کما ورد في المصادر الإباضیة – ومنحوه لقب «إمام الدفاع» (الدرجیني، 1/36؛ الشماخي، ن.ص؛ الباروني، 34؛ الحارثي، 238). وأی ذکر تاریخ رجب 145 في تاریخ أبي زکریا الورجلاني بدلاً من رجب 154 ببعض المتأخرین إلی أن یعتبروا فترة إمامة أبي حاتم – واستناداً إلی صحة هذا الضبط – بعد مقتل أبي الخطاب بسنة. وقد أعلن باسه (ن.ص) عن هذا الرأي وتبعه في ذلک موتیلینسکي (ص 5)، إلا أن موتیلینسکي اعتمد في مقالة «أبو حاتم» (EI1, I/92)، سنة 154هـ/771م لبدایة إمامة أبي حاتم (لاشک في أن الرقم 156 هـ ناجم عن خطأ في الکتابة؛ قا: شتروتمان، 266).

ومهما یکن فبعد بلوغ أبي حاتم الإمامة، أرسل الجنید بن یسار (بشار أو سیار) والي عمر بن حفص علی طرابلس، علی الفور جیشاً لحرب أبي حاتم، لکنه هُزم، ولم تحقق قوات الدعم التي جاء بها خالد بن یزید المهلبي هي الأخری أي تقدم، وسقطت طرابلس بید أبي حاتم، بینما هرب الجنید و خالد إلی قابس (النوبري، ن.ص؛ قا: ابن الأثیر، ن.ص؛ الدرجیني، 1/37-38). فأرسل عمر بن حفص إلی قابس جیشاً آخر بقیادة سلیمان بن عباد المهلبي، فهزم هو الآخر في مواجهة أبي حاتم وهرب إلی القیروان، فحاصر أبو حاتم القیروان النویري، 24/80؛ قا: ابن الأثیر، 5/599). ولایمکن القبول بما ذکره الدرجیني (1/36) من أن مدة مکوثه في طرابلس استمرت 4 سنوات. کما أن المعلومات الواردة في المصادر الإباضیة القائلة إن أبا حاتم کان یرسل لفترةٍ الزکاة لعبدالرحمان بن رستم (ظ: الدرجیني، ن.ص)، ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن إمامة ابن رستم الرسمیة ترجع إلی السنوات التي تک ذلک، لایمکنها، وکما استنتج لفیتسکي في مقالة «الإباضیة» (EI2, III/654)، أن تشکل دلیلاً قاطعاً علی تفوق ابن رستم علیه.

وعلی إثر انتصار أبي حاتم في القیروان، اتجه برفقة بقیة معارضي العباسیین أمثال عبدالرحمان بن رستم إمام تاهرت الإباضي، وأبي قرة الصفري إمام صفریة المغرب، إلی طبنة وحاصر عمر بن حفص هناک، فبادر عمر بن حفص من خلال توزیعه الأموال إلی منع شقیق أبي قرة من القتال، فتخلی الإباضیة عن طبنة بعد حرب لم تحقق شیئاً. ثم عاد ابن رستم إلی تاهرت و أبوحاتم إلی القیروان و حاصرها ثانیة. وبعد عدة أشهر قدم عمر بن حفص لمواجهته، وبعد فترة من القتال قتل عمر أخیراً في منتصف ذي الحجة 154 (قا: الیعقوبي، ن.ص؛ الطبري، 8/42) وسقطت القیروان بید أبي حاتم (البلاذري، 233؛ الطبري، ن.ص؛ الدرجیني، 1/38؛ ابن عذاري، 1/75-77؛ النویري، 24/81-84).

أرسل الخلیفة قبل مقتل عمر شخصاً آخر من آل المهلب یدعی یزید ابن حاتم مع جیش لنصرة عمر، فوصل إفریقیة بعد مقتل عمر وسقوط القیروان (ابن الأثیر، 5/600). وبعد مکوث أبي حاتم مدة شهرین في القیروان هرع لمجابهة یزید حیث دارت رحی الحرب في ربیع الأول 155 حوالي طرابلس (منطقة جبل نفوسة)، حیث قتل أبوحاتم وارتکبت مجزرة بحق کثیر من أنصاره (البلاذري، ن.ص؛ الطبري، 8/46؛ ابن الأثیر، 5/601؛ النویري، 24/85؛ ابن خلدون، 4/414). لکن استناداً إلی المصادر الإباضیة فإن أبا حاتم وبعد سیطرته علی القیروان عاد علی الفور إلی طرابلس واتخذها عاصمة له. وتتحدث المصادر المذکورة عن حرب ضروس دارت في نفس التاریخ بین أبي حاتم و جیش الخلیفة علی الحدود بین مصر و طرابلس في منطقة تدعی مغمداس انتهت بانتصار أبي حاتم. ویبدو أن هذه الحرب کانت قد وقعت قبل الحرب مع یزیدبن حاتم (ظ: الدرجیني، 1/38-39؛ الشماخي، 1/122-123؛ EI2).

وقد ذکرت لقبره في المصادر الإباضیة المتقدمة، کرامات (الدرجیني، 1/40؛ الشماخي، 1/124) و یقول الباروني (ن.ص) إن قبره مایزال مزاراً للإباضیة (للاطلاع علی النقاش الذي دار بهذا الشأن بین الزاوي و معمر، ظ: معمر، 1/67-74). وقد اعتمد في نفس هذه المصادر علی علم أبي حاتم و تسامحه (الدرجیني، 1/37-38).

المصادر

ابن الأثیر، الکامل؛ ابن خلدون، العبر؛ ابن عذاري، أحمد، البیان المغرب، تقـ: کولان ولیفي بروفنسال، لیدن، 1948م؛ الباروني، سلیمان، مختصر تاریخ الإباضیة، تونس، 1357هـ/1938م؛ البلاذري، أحمد، فتوح البلدان، تقـ: دي خویه، لیدن، 1866م؛ الحارثي، سالم، العقود الفضیة، عمان، 1403هـ/1983م؛ الدرجیني، أحمد، طبقات المشایخ بالمغرب، تقـ: إبراهیم طلاي، قسنطینة، 1394هـ/1974م؛ الشماخي، أحمد، السیر، تقـ: أحمد السیایي، مسقط، 1407هـ/1987م؛ الطبري، تاریخ؛ معمر، علي، الإباضیة في موکب التاریخ، القاهرة، 1384هـ/1964م؛ النویري، أحمد، نهایة الأرب، تقـ: حسین نصار، القاهرة، 1403هـ/1983م؛ یاقوت، البلدان؛ الیعقوبي، أحمد، تاریخ، بیروت، دار صادر؛ وأیضاً:

Basset, R., «Les sanctuaires du Djebel Nefousa», JA, Paris, 1899, vol. XIX; EI1; EI2, Motylinski, A de C., introd. Chronique d' Ibn Saghir, Paris, 1907; Strothmann, R., «Berber und Ibāditen», Der Islam, Berlin, 1928, vol. XVII.

قسم التاریخ/ هـ.