أَبو الحارِث، اللیث بن خالد البغدادي (تـ 240هـ/854م)، أحد راویي قراءة الکسائي من القراء السبعة. وخلط بعض أصحاب القراءة أمثال أحمد بن الحسن البطّي وأحمد بن نصر الشذائي و الأهوازي بینه و بین أبي بکر اللیث بن خالد المروزي المحدث المعاصر له والذي کان من تلامذة مالک (ظ: الخطیب، شرف...، 69؛ الذهبي، معرفة...، 1/173؛ ابن الجزري، غایة...، 2/34). لانعلم شیئاً عن تفاصیل حیاته، وحتی لم نجد تاریخ وفاته سوی في المصادر المتأخرة کمصنفات الذهبي (ن.ص، قا: العبر، 1/341) و ابن الجزري (ن.ص، النشر، 1/172).

کان الکسائي أهم أساتذته وقد قرأ أبوالحارث علیه عرضاً، إلا أنه قرأ علی أساتذة آخرین أمثال یحیی بن مبارک الیزیدي من أصحاب القراءات الأربع عشرة و حمزة بن قاسم الأحول (الذهبي، معرفة، ن.ص؛ ابن الجزري، ن.ص). والجدیر بالذکر أن روایة أبي الحارث وروایة أبي حفص الدوري قد انتشرت کروایتین أصلیتین من بین روایات أصحاب الکسائي (م.ن، النشر، 1/167-172) وقد راجت روایته أکثر من روایة قرینه الدوري إلی حدّ جمع ابن الجزري في النشر (ن.ص) روایة أبي الحارث من أربعین طریقاً و روایة الدوري من أربعة و عشرین طریقاً. ولعل أهم عامل أدی إلی انتشار روایة أبي الحارث أکثر من روایات سائر أصحاب الکسائي أمثال أبي عبید و نُصیر بن یوسف وأحمد بن جبیر الأنطاکي، والتي کانت رائجة فترة من الزمن و قد تعتبر أحیاناً أهم من روایة أبي الحارث، هو أن الأخیر کان خلافاً لبعض هؤلاء الأصحاب لم یفرض رأیه الشخصي، و کان یتجنب معارضة الکسائي (ابن مجاهد، 98؛ ابن مهران، 69-76؛ ابن الندیم، 32؛ الأندرابي، 120-129).

وإن هذه الصفة، والتي کانت علی مایبدو مشترکة بین أبي الحارث والدوري، أدت إلی حصر الخلاف بینهما في نقاط یسیرة في النقل عن الکسائي، و کان الخلاف الجدي قائماً علی الأغلب في مسائل التجوید، کالاختلاف في الإمالة في عدد من المواضع، حیث کان أبوالحارث لایمیل فیها (ظ: ابن مجاهد، 143، 148؛ ابن مهران، 112، 115؛ أبوعمرو الداني، 51-52). وفي موضع إمکان إدغام اللام الساکنة للجزم في الذال في قوله تعالی: «وَمَن یَفعَل ذلِکَ» (البقرة/ 2/231) اختار أبوالحارث الإدغام (ابن مجاهد، 123؛ ابن مهران، 97). و في شواذ القراءات یلاحظ أیضاً موضع واحد رجّح فیه أبوالحارث الإمالة خلافاً للدوري (ظ: ابن خالویه، 137). أما عن بعض الاختلافات المنقولة في مسائل دون التجوید، کالاختلاف في حرکة المیم في «یَطمِثهُنَّ» في الآیتین 56 و 74 من سورة الرحمن (55) بضم المیم و کسرها، فلم یکن الاختلاف جدیاً، ذلک لأن الکسائي نفسه أجاز اختیار القراءتین في الموضعین (ابن مجاهد، 621، 644، 671؛ ابن مهران، 424-425، 441، 460؛ أبوعمرو الداني، 207؛ ابن الجزري، ن.م، 2/217، 381-382، 397-398).

وکان محمد بن یحیی الکسائي الصغیر أهم تلامذة أبي الحارث الذي قرأ علیه ابن مجاهد و أبوبکر ابن کامل و أحمد بن الحسن البطي و آخرون قراءة الکسائي (ابن مجاهد و أبوبکر ابن کامل و أحمد بن الحسن البطي وآخرون قراءة الکسائي (ابن مجاهد، 98؛ ابن مهران، 71-72؛ الأندرابي، 122-123؛ أبوعمرو الداني، 16؛ ابن اجزري، ن.م، 1/167-168). وتلمیذه الآخر سلمة بن عاصم البغدادي الذي روی عنه ثعلب و محمد بن فرج الغساني قراءة أبي الحارث (ابن مجاهد، ن.ص؛ ابن الجزري، ن.م، 1/169-170). کما أخذ الفضل بن شاذان الرازي و یعقوب بن أحمد الترکماني القراءة عنه أیضاً (م.ن، غایة، 2/34).

کان له نشاط محدود في الحدیث أیضاً. سمع الحدیث من أستاذه الیزیدي و روی عنه تلمیذه الکسائي الصغیر (الخطیب، تاریخ، 13/16، شرف، ن.ص).

المصادر

ابن الجزري، محمد، غایة النهایة، تقـ: ج. برجستراسر، القاهرة، 1351هـ/ 1932م؛ م.ن، النشر، تقـ: علي محمد الضباع، القاهرة، مکتبة مصطفی محمد؛ ابن خالویه، الحسین، مختصر في شواذ القرآن، تقـ: ج. برجستراسر، القاهرة، 1934م؛ ابن مجاهد، أحمد، السبعة، تقـ: شوقي ضیف، القاهرة، 1972م؛ ابن مهران، أحمد، المبسوط، تقـ: سبع حمزة الحاکمي، دمشق، 1407هـ/1986م؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبو عمرو الداني، عثمان، التیسیر، تقـ: أوتوبرتزل، استانبول، 1930م؛ الأندرابي، أحمد قراءات القراء المعروفین، تقـ: أحمد نصیف الجنابي، بیروت، 1407هـ/1986م؛ الخطیب البغدادي، أحمد، تاریخ بغداد، القاهرة، 1349هـ؛ م.ن، شرف أصحاب الحدیث، تقـ: محمد سعید خطیب أوغلي، أنقرة، 1971م؛ الذهبي، محمد، العبر، تقـ: محمد السعید بن بسیوني زغلول، بیروت، 1405هـ/1985م؛ م.ن، معرفة القراء الکبار، تقـ: محمدسیدجاد الحق، القاهرة، 1387هـ/1967م.

قسم الفقه و علوم القرآن و الحدیث/ ت.