الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / أبو إسحاق الشیرازي /

فهرس الموضوعات

أبو إسحاق الشیرازي

أبو إسحاق الشیرازي

تاریخ آخر التحدیث : 1442/12/19 ۱۵:۲۷:۰۴ تاریخ تألیف المقالة

أَبْوإسْحاقَ الْشّیرازيّ، جمال‌الدین إبراهیم بن علي بن یوسف الفیروزآبادي (393-476هـ/1003-1083م)، فقیه شافعي شهیر و أستاذ معروف في المدرسة النظامیة ببغداد. کان مسقط رأسه بمدینة جور في فارس التي أصبح اسمها علی عهد عضدالدولة الدیلمي (حکـ 338-372هـ) وبأمر منه فیروزآباد (المقدسي، 432؛ السمعاني، 10/278). وقد ذکر بعضهم أن تاریخ ولادته کان في إحدی السنوات 395 و 396 و 397 هـ أیضاً (الصریفیني، 162؛ ابن خلکان، 1/31)، إلا أن أغلب المصادر تتفق علی سنة 393هـ.

لیست لدینا معلومات عن أسرته وأعقابه، وقد ادعی الفیروزآبادي (تـ 817هـ) مؤلف القاموس أنه ینتسب إلی أبي إسحاق، لکن مع الأخذ بنظر الاعتبار أن أبا إسحاق لم یخلّف ولداً وحتی لم یکن قد تزوج، فإن الشک یحوم حول هذه النسبة (السخاوي، 10/85).

 

دراسته وأساتذته

أورد أبوإسحاق نفسه بشکل واضح أسماء بعض أساتذته في فیروزآباد و غندجان و شیراز، وعدداً أکبر منهم ببغداد. وکما سیدتي فقد ذکر أسماء بعضهم أیضاً کتّاب التراجم بعده. درس مقدمات العلوم بفیروزآباد لدی أبي عبدالله محمد بن عمر الشیرازي الإي کان من أصحاب أبي حامد الإسفراییني (أبو إسحاق، 141)، وتعلم لفترة في غندجان من مدن فارس لدی أبي عبدالرحمان ابن الحسن الغندجاني (ن.ص). وفي 410 هـ حینما کان في السابعة عشرة من عمره توجه إلی شیراز لمواصلة الدراسة (ابن خلکان، ن.ص) و شارک في مجلس درس القاضي أبي عبدالله الجلاب خطیب المدینة وفقیهها المعروف. وکان في سنوات شبابه تلک یحضر مجلاس درس القاضي أبي الفرج الفامي الشیرازي أبرز علماء المذهب الظاهري في فارس ویناظره (أبوإسحاق، 140، 178-179). وقد أبدی براعته و قدرته في المناظرات الفقهیة منذ البدایة. وفي شیراز وفي نفس الوقت الذي کان یدرس فیه أبوإسحاق وقبله کانت مذاهب أصحاب الحدیث و أصحاب أبي حنیفة والشافعي رائجة، کما کان لأصحاب المذهب الظاهري من أتباع داود الأصفهاني (تـ 270هـ) في شیراز أنصار و مجالس درس کثیرة، و کانت مقالید القضاء بأیدیهم (المقدسي، 439).

رغم أنه لم یرد في کتابات أبي إسحاق إشارة إلی مکثه في البصرة و دراسته فیها، فقد أشیر ألی الجزري و هو الاسم الذي کتب باختلاف: الخوزي أو الخرزي أیضاً ضمن قائمة أساتذته في البصرة، کما یبدو أنه خلال رحلته إلی بغداد، مکث في البصرة، وأفاد في تلک البرهة من مجلس ذلک الأستاذ (السمعاني، ن.ص؛ ابن الجوزي، عبدالرحمان، المنتظم، 9/7؛ الذهبي، 18/453). ویحتمل أن یکنون من بین أساتذته في البصرة أبو أحمد ابن رامین البغدادي الذي أشار إلیه أبو إسحاق في عداد أساتذته، رغم أنه لم یشر إلی المکان الذي أفاد فیه من درسه (ظ: أبوإسحاق، 133)، لکن کتّاب التراجم ذکروه ضمن أساتذة أبي إسحاق في شیراز (السبکي، 3/89؛ الإسنوي، 2/84). ومهما یکن، فإن أباإسحاق الذي رأی نفسه في غنیً عن مدرّسي وفقهاء فارس، ذهب ووفي سبیل إکمال دراسته إلی بغداد التي کان ازدهارها لفترة طویلة بوصفها من مراکز الشیعة التعلیمیة علی إثر سیطرة الحکام البویهیین الشیعة من جهة، وتفوق أصحاب المذهب الحنبلي من جهة أخری، قد أضعف إلی حدّ ما أتباع المذهب الشافعي فیها.

وفي 415هـ وصل أبوإسحاق إلی بغدادو حضر مجلس درس القاضي أبي الطیب الطبري (تـ 450هـ) أستاذ و إمام الشافعیة في مقر الخلافة العباسیة، وأصبح من طلابه البارزین و معیداً في مجلس درسه. وقد مدح أبوإسحاق أستاذه هذا کثیراً وقال إنه لایم مجلسه عشر سنوات ونیفاً، کما أفاد أیضاً منه ومن أستاذه الآخر أبي حاتم الطبري أکثر من الآخرین. والجدیر بالذکر أن أبا إسحاق قد درّس لمدة سنتین في مسجد أبي الطیب بإذن منه (أبوإسحاق، 135، 137).

وکان من بین أساتذته ببغداد أیضاً أبوالحسن الشیرجي الفرضي الحاسب و أبو محمدعبدالهاب بن علي بن نصر و أبوالقاسم منصور بن عمر الکرخي و القاضي أبوعلي محمد بن أحمدالهاشمي الحنبلي (تـ 428هـ) من کبار الهاشمیین و إمام الحنابلة ببغداد و من المقربین لدی الخلیفة القادر العباسي (م.ن، 128، 137، 170، 174-175)، وأبوبکر الخوارزمي البقني وأبوعلي ابن شاذان و أبوالفرج محمد بن عبدالله الخرکوشي و في الحدیث، وأبوعلي الزجاجي في الفقه والأصول وأبوحاتم القزویني تلمیذ الباقلاني في الکلام (ابن خلکان، 1/29؛ الذهبي، 18/458). ومن أساتذته الآخرین أبوعبدالله محمد بن عبدالله البیضاوي، ورغم أنه کان مقیماً ببغداد طبقاً لقول أبي إسحاق نفسه (ص 134)، إلا أن ابن النجار ذکر بشکل صریح أن البیضاوي هو أستاذه في الفقه بشیراز (ظ: ابن خلکان، 1/30).

بلغ سعي أبي إسحاق الحثیث في الانهماک بکسب العلم و ترسیخ أسسه حداً أن قال معه: کنت أعید کل درس مائة مرة و کل قیاس ألف مرة، وإذا کان في المسدلة بیت یُستشهد به، حفظت القصیدة کلها لأجله. وقد لقبه أستاذه أبوالطیب الطبري بـ «حمامة المسجد» للزومه المسجد واشتغاله الدائم في مجالس درسه (ابن الجوزي، عبدالرحمان، صفة …، 4/66؛ ابن الدمیاطي، 45). ولم یمض طویل وقت علی أبي إسحاق مع ماکان علیه من ضیق ذات الید و تحمل أنواع المشاق، حتی بلغ الغایة من المهارة في علوم مثل الفقه والأصول والکلام والخلاف و الجدل والحدیث و کذلک التصوف، وبلغ من الاطلاع علیدقائق المسائل والمباحث و خلاصات المواضیع حداً اعترف له معه برئاسة المذهب الشافعي و أصبح مجلسه مجمعاً لرجال الفقة و التوی و المتصوفة والسالکین من شتی أقطار العلام الإسلامي و بقاعه (ظ: النووي، 1(2)/172-173).

وفي 430 هـ طلب إلیه أبوالطیب الطبري الذي کان أبوإسحاق معیداً لدرسه طیلة سنوات، أن یدرّس في مسجده بباب المراتب بدلاً منه (أبوإسحاق، 135؛ ابن الدمیاطي، 43). ومنذ ذلک الحین جلس علی کرسي التدریس بوصفه فقیهاً ملماً وأستاذاً عالماً. ومنذ 459 هـ عندما انتقل إلی المدرسة النظامیة التي کانت قد أسست حدیثاً آنذاک وحتی آخر لحظات حیاته، قضی عمره بالتدریس (الصریفیني، ن.ص).

 

التدریس في المدرسة النظامیة ببغداد

کانت هذه المدرسة التي افتتحت في 459هـ، من أقدم و أکبر مؤسسات تدریس المذهب الشافعي ببغداد و عندما تسنّم الخواجه نظام الملک الطوسي مؤسس هذه المدرسة منصب الوزارة في بلاط السلاطین السلاجقة، قرر أن یهب لنصرة مذهبه الذي کان یتعصب له کثیراً من خلال تأسیس مدارس لأتباع المذهب الشافعي (ظ: کسائي، 111، 116-117). وکان أکثر الوجوه المعروفة لیاقة للاستفادة من وجوده بوصفه أعلم أئمة مذاهب أهل السنة، والأستاذ الذي لامثیل له للتدریس في هذه المدرسة، هو أباإسحاق الذي کان الخواجه نظام الملک منذ فترة طویلة علی علم بمرکزه العلمي والاجتماعي السامي. ولذا فقد وجّه إلیه الدعوة لیبدأ التدریس في 10 ذي القعدة 459 بوصفه أول أستاذ للنظامیة، تزامناً مع إقامة المراسم المهیبة لافتتاح المدرسة. وفي صباح ذلک الیوم، و عندما کان أبا إسحاق في طریقه إلی المدرسة سمع أن قسماً من أراضي وآلات المدرسة، مغصوب، فغیّر خطّ سیره غیر مبالٍ بکل تلک التشریفات وحشود الحاضرین الذین انوا یتطلعون إلی وصوله والمشارکة في مجلس درسه، واختبأ في أحد الأماکن. ولما لم یعثروا علیه اضطر الشیخ أبومنصور بن یوسف أحد الشخصیات الحاضرة في المدرسة إلی أن یطلب إلی أبي نصر ابن الصباغ الفقیه الشافعي الکبیر والذي یأتي في المرتبة الاثنیة بعد أبي إسحاق في علوم المذهب، أن یبدأ التدریس، حیث أقیمت مراسم افتتاح النظامیة بتدریسه. وحین بلغ نظامَ الملک هذا النبأُ تأثیر کثیراً وطلب إلی العمید أبي نصر أن یقنع أبا إسحاق بأي وسیلة بالحضور والتدریس في المدرسة. وأخیراً وبإصرار من ممثله و طلاب العلم الذین کانوا یطالبون بحضوره مجلس الدرس، وافق علی التدریس في النظامیة حیث بدأ بذلک في الأول من ذي الحجة من نفس السنة، وظل یدرس فیها إلی آخر حیاته، وأصبحت نظامیة بغداد بوجوده ووجود خیرة طلاب المذهب الشافعي الذین أصبح أغلبهم من بعده من المعیدین والمدرسین في النظامیة، من أکبر مراکز تعلیم الفقه الشافعي والأدب العربي، و موئلاً لتبادل الأفکار والآراء و الوعظ و التذکیر و المناظرات الفقهیة و حل القضایا السیاسیة في الشرق الإسلامي (ظ: ابن خلکان، 2/129، 3/217-218؛ کسائي، 111 و مابعدها).

 

طلابه والرواة عنه

انهمک أبو إسحاق بالتدریس أکثر من 30 سنة وبالإفتاء 50 سنة (الصریفیني، ن.ص). وقد ددی حضور أبي إسحاق في النظامیة واهتمام نظام الملک الخاص بها، إلی أن تحظی تلک المدرسة منذ البدایة بشهرة و منزلة جعلت الکثیرین یعتقدون أن کل طالب علم تطأ قدمه أرضها، یرزقه الله تعالی نصیباً من العلم (هندوشاه، 270). ولذا فإن کثیراً من تلامیذ أبي إسحاق و بعد فراغهم من الدراسة في النظامیة بلغوا أرقی الرت العلمیة و الاجتماعیة في ذلک العصر، أي مناصب القضاء والإفتاء والإمامة والتدریس والوعظ في المراکز الکبری في البلاد الإسلامیة (الذهبي، 18/456؛ الإسنويف 2/83؛ السبکي، ن.ص)، ونورد هنا أسماء بعض مشاهیرهم: أبوالولید سلیمان ابن خلف الباجي (یاقوت، الأدباء، 11/248) والوزیر أبوشجاع الروذراوري (ابن خلکان، 5/134) وأبوعبدالله الحسین بن محمد الطبري (ابن الأثیر، 10/352) وأبوالفرج عبیدالله بن الحسن قاضي البصرة (م.ن، 10/415) وأبونصر المؤتمن بن أحمد الساجي (م.ن، 10/500) وأبوبکر محمد بن الحسین الشاشي (ابن خلکان، 4/219-221) وأبوسعد یحیی بن علي الحلواني (ابن الجوزي، یوسف، 8(1)/124). کما أخذ عنه الحدیث و الفوائد العلمیة الأخری مشاهیر أمثال الخطیب البغدادي و أبي زکریا الخطیب التبریزي وبعبد الغافر الفارسي وأبي نصر الحمیدي و شیرویه الدیلمي و أبي بکر ابن الشهرزوري في بغداد أو المدن التي مرّ بها أبوإسحاق خلال سفره إلی خراسان (ظ: عمادالدین، مادة «أبوإسحاق الشیرازي»؛ السمعاني، 10/278؛ الذهبي، 18/453-454، 460؛ للاطلاع علی فهرست بتلامیذ أبي إسحاق، ظ: هیتو، 136-157).

 

المتغیرات السیاسیة – الاجتماعیة في عصر أبي إسحاق

بعد مضي فترة تزید علی 60سنة – منذ أن سس أبونصر سابور بن أردشیر وزیر بهاءالدولة دار العلم و مکتبة الشیعة المعروفة ببغداد حتی حکم السلاجقة – کانت بغداد ماتزال من مراکز التعلیم الشیعیة المهمة. وأخیراً وبعد سنتین من سیرة جیش طغرل علی بغداد (447هـ) و حمایته للخلیفة العباسي وانتهاء سلطة البویهیین، أحرقت دار العلم هذه وبیت ومکتبة فقیه الإمامیة الشهیر الشیخ الطوسي، وخبا نور مؤسسات التعلیم الشیعیة (ابن الأثیر، 9/101، 111، 350، 637). ومن جهة أخری کان تأسیس المدرسة الحنفیة إلی جانب مقبرة أبي حنیفة بواسطة أبي سعد المستوفي ممثل ألب أرسلان، وافتتاح النظامیة الشافعیة ببغداد في 459هـ تزامناً معه، نقطة البدایة لتعزیز أسس مذاهب أهل السنة ببغداد وازدهارها و قوتها (ظ: م.ن، 10/54؛ کسائي، 108).

لعب أبوإسحاق الذي کان قد رفض في 447هـ وبعد موت القاضي أبي عبدالله الحسین بن ماکولا، طلب الخلیفة بتولي منصب القضاء (السبکي، 3/99) و من خلال قبوله أخیراً بمنصب التدریس في نظامیة بغداد و الدعم اللامتناهي الذي وفره له الخواجه نظام‌الملک وزیرالسلاجقة القوي، دوراً ملحوظاً ومهماً في الحوادث السیاسیة –‌الدینیة ضمن نطاق تلک الرقعة الشاسعة؛ وذلک مثلما حدث سنة 465-466هـ عندما وُفق وبدعم من أبي جعفر الهاشمي رئیس حنابلة بغداد إلی دفع الخلیفة القائم للوقوف بوجه انتشار الفحشاء و شرب الخمور ببغداد (ابن الأثیر، 10/91)، وأصبح أخیراً شخصاً بشار إلیه بالبنان إلی الحد الذي رضي معه البغدادیون سنة 467هـ القبول برأیه في اختیار الخلیفة الجدید، وکان – وقد اختار المقتدي لهذا المنصب- أول من بایعه من أئمة المذاهب (الجعدي، 129؛ السبکي، 3/92).

وخلال الصراع العقائدي الذي نشب بین أبي نصر القشیري الأشعري و بین حنابلة بغداد في 469-470هـ، استخدام أبوإسحاق کل مالدیه من نفوذ في الدفاع عنه (ظ: ابن الأثیر، 10/104-111؛ السبکي، 3/98-99). وکان احترام الخلفة المقتدي والوزیر السلجوقي نظام الملک لأبي إسحاق بدرجة کانا معها یستعینان بمکانته المعنویة في المواقف الصعبة وحل الخلافات، کما حدث في ذي الحجي 475 عندما ترأس بطلب من الخلیفة و فداً توجه إلی خراسان بهدف تقدیم شکوی إلی ملکشاه و نظام الملک ضد أبي الفتح ابن أبي اللیث عمید السلاجقة في العراق. وقد رافقه في هذه الرحلة عدد من شخصیات العراق أیضاً کان أغلبهم من تلامیذه وأتباعه مثل أبي عبدالله الطبري وفخر الإسلام الشاشي.

وذکر أنه استقبل في طریق سفره إلی نیسابور استقبالاً لم یسبق له مثیل من قبل أئمة المذاهب و المتصوفة و کبار الشخصیات، وکان الناس یخرجون إلیه بنسائهم وأولادهم وینثرون علی محفّته کل مالدیهم (الصریفیني، ن.ص؛ ابن الأثیر، 10/125-126؛ ابن خلکان، 5/287-288). کما استقبله إمام الحرمین أبوالمعالي الجویني (تـ 478هـ) الذي کان نفسه إمام شافعیة خراسان و رئیس وأستاذ النظامیة بنیسابور وبمثابة منافس أبي إسحاق في تلک الدیار، بحفاوة وتواضع خارج المدینة و ناظره بمحضر مننظام المکل (البنداري، 69؛ ابن خلکانف 5/287).

کان سفر أبي إسحاق هذا إلی خراسان والاحترام والتکریم اللذین قابله بهما الملک والوزیر نصراً کبیراً للعراقیین، ذلک أنه إضافة إلی کفّه یدَ ممثل السلاجقة عن التدخل في شؤون بغداد – الأمر الذي کان مطلب عامة الناس – استطاع أن یخطب ابنة السلطان للخلیفة ویعود إلی بغداد منتصراً بتقویته أواصر الصداقة والقرابة بین السلطنة السلجوقیة و الخلافة (م.ن، 5/287-288).

توفي أبو إسحاق بعد عودته إلی بغداد بحوالي ثلاثة أشهر، و غسله أبوالوفاء ابن عقیل من کبار حنابلة بغداد وصلی علیه الخلیفة المقتدي ووري الثری في باب أبرز (ابن الجوزي، عبدالرحمان، المنتظم، 9/8).

کان أبوإسحاق بسیطاً وزاهداً في تدبیر شؤون معیشته ولم یکن یتسلم راتباً إلی أن اشتغل بالتدریس في النظامیة (ظ: ابن خلکان، 2/74؛ الذهبي، 18/458)، وکان من أئمة المذاهب القلة الذین لم یحجوا بسبب عدم استطاعتهم المالیة (السبکي، 3/95). وکان استقلاله الفکري وتحرره و ضبطه لنفسه قد بلغ حداً وصف معه نظامَ الملک أکبر رجل سیاسي في ذلک العصر بقوله إنه خیر الظلمة، رغم الاحترام الکبیر الذي کان یکنه له نظام الملک. وفي الاستشهاد الذي طلب فیه نظام الملک إلی بعض الزهاد أن یکتبوه في تأیید عدالته ونقاء عقیدته لیأخذه معه إلی القبر، کان أبوإسحاق الوحید الذي کتب: «حسن خیر الظلمة». وحین رأی نظام الملک ذلک، اعترف أنه لم یکتب أحدٌ أصدق من أبي إسحاق (هندوضاه، 277).

وکان حضور أبي إسحاق في مجالس عظ أبي نصر القشیري الواعظ والصوفي النیسابوري المشهور، والتزامه جانب أبي نصر في صراعه مع حنابلة بغداد (ظ: السطور السابقة)، قد زاد منذ سنوات في حب صوفیة خراسان لأبي إسحاق، کما حدث خلال سفره إلی خراسان، ووصوله إلی بسطام أن هرع إلیه الشیخ السهلکي الصوفي الهرم في تلک الولایة وقبّل یده، کما أن أبا إسحاق أیضاً قد بالغ في إکرامه (ابن الأثیر، 10/126؛ السبکي، 3/91).

وعن مکانة أبي إسحاق العلمیة، فقد قال قاضي القضاة أبوالحسن الماوردي الذي کان من رجال السیاسة والدین المعاصرین له:ما رأیت کأبي إسحاق في المذهب (الذهبي، 18/459؛ السبکي، 3/95). ووصفه الموفق الحنفي إمام أصحاب الرأي في عصره بأنه إمام المؤمنین في الفقهاء، کما أید عمید الدولة ابن جهیر وزیر العباسیین و القاضي محمد ابن محمد الماهاني و شجاع الذهلي من معاصري أبي إسحاق إمامته وتفوقه العلمي و شدة زهده ونقاء سریرته (الذهبي، 18/460؛ السبکي، ن.ص).

وفي العقائد کان أبوإسحاق من أتباع المدرسة الأشعریة. ورغم أن البعض کان یتصور أن دفاعه عن آراء الأشعري مخالف لرغبته الباطنیة وفُرض علیه بسبب منصبه في الأستاذیه و رئاسة المدرسة النظامیة الشافعیة، إلا أن هذا الادعاء قد دحضه کبار الشافعیة – الأشعریة القریبین من عصره واستندوا لإثبات کلامهم إلی إحدی فتاواه التي اعتبر فیها مخالفي الأشعریة مبتدعین (ابن عساکر، 277؛ أیضاً ظ: هیتو، 121-123).

 

آثاره

خلّف أبوإسحاق آثاراً في الأصول والفروع و الخلاف والجدل و تراجم الفقهاء و هي کما یلي:

 

ألف- المطبوعة

1. التبصرة، ویعد من النصوص المهمة في أصول الفقه الشافعي، طبع بتحقیق محمدحسن هیتو عام 1400هـ/1980م بدمشق.

2. التنبیه، مختصر في الفقه للمبتدئین و المتعلمین، بدأ تألیفه في 452 انتهی منه في 453هـ. وهذا الکتاب أحد النصوص الفقهیة الشافعیة الأساس الذي قام جمع بشرحه و تلخیصه أو نظمه (ظ: هیتو، 168-177). طبع النص العربي للتنبیه لأول مرة بتحقیق جوینبول مع النص الکامل للترجمة اللاتینیة في 1879م بلیدن، ثم طبع بعد ذلک مراراً.

3. رسالة في علم الأخلاق، طبعت بتحقیق عبدالعلیم صالح في القاهرة سنة 1319هـ.

4. الطب الروحاني، في المواعة، طبع في 1299هـ.

5. طبقات الفقهاء، شرح مختصر لتراجم الفقهاء من الصحابة والتابعین والدجیال التي تلتهم من أتباع مذاهب أهل السنة حتی عصر المؤلف. طبع عدة مرات من بینها طبعة بتحقیق إحسان عباس ببیروت 1401هـ/1980م.

6. عقیدة أبي إسحاق الشیرازي، رسالة صغیرة جداً، کانت مخطوطتها موجودة في المکتبة الملکیة ببرلین و مکتبة غوتا (آلوارت، رقم 1946؛ پرچ، رقم 661). وقدطبع عبدالمجید ترکي نص مخطوطة برلین في مقدمته علی شرح اللمع (1/88-89). ویمکن مقارنة هذا النص مع مخطوطة بعنوان معتقدات أبي إسحاق الشیرازي موجودة في مکتبة حاجي محمود أفندي بإستانبول (ظ: م.ن، 1/54-55).

7. اللمع، مختصر في أصول الفقه، کتبت علیه شروح من بینها شرح ضیاء‌الدین الهذباني في مجلدین، وشرح طاهر بن یحیی بن أبي الخیر السیري، و کتاب الأمثال في شرح أمثال اللمع للقاضي مسعود بن علي الأشرفي (ظ: یاقوت، البلدان، 3/214؛ حاجي خلیفة، 2/1562).

8. الملخص في الجدل، الذي کان تحقیقه موضوع رسالة جامعیة تقدم بها محمدیوسف آخندجان نیازي، وطبعت بجزأین في مکة (1407هـ/1987م).

9. المهذب، في الفقه الذي أظهر أبوإسحاق بتألیفه إیاه قدرته في علم الفقه (لمعرفة الدافع لتألیفه، ظ: السبکي، 3/92). بدأ تألیفه سنة 455هـو تم في 469هـ (م.ن، 3/95)، وقد طبع مرات منها 1323 و 1329 هـ و 1976م في القاهرة. و یعتبر المهذب أیضاً مثل التنبیه من أمهات النصوص في الفقه الشافعي، وحتی في عصر المؤلف فقد کان من النصوص الدراسیة (ظ: القفطي، 2/287). کتبت شروح کثیرة علی هذا الکتاب أشهرها شرح النووي الذي عنوانه المجموع (لمزید من التفصیل، ظ: هیتو، 164-167).

10. الوصول إلی علم الأصول، أو شرح اللمع، طبع بتحقیق عبدالمجید ترکي بیروت/ الجزائر سنة 1979م.

 

ب- المخطوطة

1. الإشارة إلی مذهب أهل الحق، توجد مخطوطة منه في مکتبة بلدیة الإسکندریة (ظ: GAL, I/480؛ الفهرس…، 122)؛ 2. عقیدة السلف، ذکر دوسلان أن مخطوطته موجودة في المکتبة الوطنیة بباریس (دوسلان، رقم 1396(3))؛ 3. علل الفقه، یوجد ملخص له في المکتبة الوطنیة ببرلین (آلوارت، رقم 4980)، ولایعرف الشخص الذي لخصه؛ 4. ملخص في الحدیث، یوجد مختار من مقدمته یتعلق بالصلاة في المکتبة الوطنیة بباریس (دوسلان، رقم 1395(4))؛ 5. النکت في المسائل المختلف فیها بین الإمامین أبي حنیفة و الشافعي، توجد مخطوطات منه في مکتبة جامعة لیدن و مکتبة وهبي بإستانبول و توجد نسخة منه في مکتبة أحمد الثالث بإستانبول تحمل عنوان اختلاف الفقهاء (ترکي، 1/56؛ ورهوفه، GAL, S, I/670; 160). کان تحقیق قسم المعاملات من هذا الکتاب موضوع رسالة جامعیة تقدم بها زکریا عبدالرزاق المصري، وطبع في 1405 هـ بمکة.

 

المصادر

ابن الأثیر، الکامل؛ ابن الجوزي، عبدالرحمان، صفة الصفوة، تقـ: محمود فاخوري، بیروت، 1406هـ/1986م؛ م.ن، المنتظم، حیدرآبادالدکن، 1359هـ؛ ابن الجوزي، یوسف، مرآة الزمان، حیدرآبادالدکن، 1370هـ/1951م؛ ابن خلکان، وفیات؛ ابن الدمیاطي، أحمد، المستفاد من ذیل تاریخ بغداد، تقـ: قیصر أبوفرح، بیروت، 1399هـ/ 1978م؛ ابن عساکر، علي، تبیین کذب المفتري، دمشق، 1347هـ؛ أبوإسحاق الشیرازي، إبراهیم، طبقات الفقهاء، تقـ: خلیل المیس، بیروت، دارالقلم؛ الإسنوي، عبدالرحیم، طبقات الشافعیة، تقـ: عبدالله الجبوري، بغداد، 1391هـ/1971م؛ البنداري الأصفهاني، الفتح، زبدة التواریخ، اقاهرة، 1974م؛ ترکي، عبدالمجید، مقدمة و تعلیقات علی شرح اللمع لأبي إسحاق الشیرازي، بیروت، 1408هـ/1988م؛ الجعدي، عمر، طبقات فقهاء الیمن، تقـ: فؤاد سید، القاهرة، 1957م؛ حاجي خلیفة، کشف؛ الذهبي، محمد، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط ومحمد نعیم العرقسوسي، بیروت، 1405هـ/1984م؛ السبکي، عبدالوهاب، طبقات الشافعیة الکبری، القاهرة، 1324هـ؛ السخاوي، محمد، الضوء اللامع، القاهرة، 1355هـ؛ السمعاني، عبدالکریم، الأنساب، حیدرآباد الدکن، 1399هـ/1979م؛ الصریفیني، إبراهیم، تاریخ نیسابور (منتخب السیاق لعبد الغافر الفارسي)، تقـ: محمدکاظم المحمودي، قم، 1403هـ؛ عمادالدین الکاتب، خریدة القصر (قسم شعراء إیران)، النسخة المصورة الموجودة في مکتبة المرکز؛ الفهرس التمهیدي للمخطوات المصورة، القاهرة، 1948م؛ القفطي، علي، إنباه الرواة، القاهرة، 1371هـ/ 1952؛ کسائي، نورالله، مدارس نظامیه وتأثیرات علمي واجتماعي آن، طهران، 1363ش؛ المقدسي، محمد، أحسن التقاسیم، لیدن، 1906م؛ النووي، یحیی، تهذیب الأسماء و اللغات، القاهرة، إدارة الطباعة المنیریة؛ هندشاه بن سنجر، تجارب السلف، تقـ: عباس إقبال، طهران، 1357ش؛ هیتو، محمدحسن، الإمام الشیرازي حیاته وآراؤه، الأصولیة، بیروت، 1400هـ/1980م؛ یاقوت، الأدباء؛ م.ن، البلدان؛ وأیضاً:

Ahlwardt; De Slane, GAL; GAL, S; Pertsch; Voorhoeve.

نورالله کسائي/ هـ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: