اِبْنُ الْمِطْران، أبونصر موفق‌الدین أسعد بن أبي التفح إلیاس بن جرجیس المطران (تـ 587هـ/ 1191م)، طبیب عالم بالأدویة مسیحي الأصل. لاتتوفر معلومات تذکر عن حیاته قبل ممارسته الطب، فلم یشر ابن الجوزي و هو أقدم مصادرنا عنه إلی هذه التفة من حیاته، ویمکن أن نجد أوفی معلومات عن نشاطه العلمي و نشاط والده في کتاب ابن أبي أصیبعة الذي أفاد الکثیر من کتب ابن المطران (ظ: بقیة المقالة). قام إلیاس والد موفق‌الدین برحلات کثیرة طلباً للعلم، و قصد روما لمدة لمدة من أجل تعلم أصول المسیحیة و مذاهبها، ولکن یبدو أن لقب «المطران» کان لجرجیس والد إلیاس ومن المحتمل أنه منصب کنسي. لازم إلیاس لما جاء إلی العراق الطبیب الشهیر أمین الدولة ابن التلمیذ وقرأ علیه الکثیر من الکتب حتی اشتهر بالطب أیضاً، ثم أقام بدمشق وقضی حیاته فیها بممارسة الطب إلی أن توفي.

ولد ابن المطران بدمشق، وفیها نشأ. لانعلم من أساتذته سوی الطبیب مهذب‌الدین ابن النقاش، ولکن یمکن الحدس بأنه تلقی علمه أولاً من أبیه، وماقیل من أنه تلقی النحو واللغة والأدب العربي من تاج‌الدین زید بن حسن الکندي (ابن أبي أصیبعة، 2/175)، فلابد أنه یتعلق بفترة أواسط حیاته حینما کان في خدمة صلاح‌الدین الأیوبي (قا: م.ن، 2/176). ولانعلم کیف اتصل ابن المطران بصلاح‌الدین، ولکنه نال عنده منزلة سامیة، وکان السلطان الأیوبي الذي یقضي وقته في قتال الصلیبیین یصطحبه في أسفاره. وینال الطبیب من هباته الکبیرة. وقد أدت طبابة ابن المطران لأمراء الدولة وتنافسهم في إعطائه المال والتقرب منه إلی ازدهار عمله و جری الحدیث عن وزارته (م.ن، 2/175-176). ویبدو مما أورده ابن أبي أصیبعة (2/176) نقلاً عن القفطي أن ابن المطران أسلم في هذه الفترة بتشجیع من صلاح‌الدین (ابن الجوزي، 8(1)/411) وأنه زوّجه جوزة (جورة؟) وکانت جاریة زوجته المفضلة. وبناء علی ذلک فلا صحة للتاریخ الذي ذکره ابن أبي أصبیعة (2/180) للقصیدة التي مدح بها الشاعر ابنُ العامري ابنَ المطران بعد إسلامه في 585هـ/ 1189م أي قبل سنتین من وفاته.

وکان ابن المطران یعمل بالإضافة إلی کونه طبیب السلطان الخاص في البیمارستان النوري بدمشق طبیباً و مداویاً للمرضی، وکان له تلامذة کثیرون أهمهم مهذب‌الدین الدخوار الذي کان یلازم أستاذه في کثیر من حروب صلاح‌الدین و ینقل قصصاً عن طرق معالجة ابن المطران في البیمارستان المذکور (م.ن، 2/179).

توفي ابن المطران بدمشق، دفن بقاسیون، فبنت له زوجته جوزة تربة وإلی جانبها مسجداً، وکانت هذه التربة تعرف في زمن ابن الجوزي الذي رأی جوزة بالشام في 603هـ/1207م بتربة جوزة (8(1)/412). وذکر أن وفاة ابن المطران کانت في 588هـ أیضاً (ابن الفرات، 4(2)/46). ورغم أنه لم یخلف ولداً، غیر أن ابن أبي أصیبعة (2/179، 180) یذکر أنه کان له أخوان اشتغلا بصناعة الطب.

کان ابن المطران ذکیاً، ورغم ملازمته للسلطان في الحل و الترحال فقد کان نشیطاً في العمل. وقد وصفه ابن أبي أصیبعة بسید الحکماء وأوحد العلماء و أنه أمیز أهل زمانه في صناعة الطب و عملها (2/175). وکان شدید الاهتمام بتلامذته و طلاب العلم و الطبابة، ویشارکهم في عطایاه و هباته، کما کان یعود المرضی من الفقراء و یحسن إلیهم. ویبدو من القصص التي رویت عنه أنه کان ذا مروءة و فتوة وأنه کان یتخذ من منزلته عند صلاح‌الدین وسیلة لقضاء حاجات الناس (م.ن، 2/175-178)، ومع ذلک فقد کان یتکبر و یعجب بنفسه (م.ن، 2/176). وذکر کل من ابن الجوزي (8(1)/411) وابن الفرات (ن.ص) أنه کان شیعیاً محباً لأهل البیت (ع). ولیس من شکل في أن هذا القول لایتفق مع ملازمته لسلطان معاد للشیعة مثل صلاح‌الدین. غیر أن الشاعر الهجاء ابن عنین المعروف ببذاءة اللسان والذي شجع ابن المطران مراراً السلطان علی إبعاده، دعاه في بیتین له بالرافضي (ابن الجوزي، 8(1)/411-412). وکان ابن المطران یعاشر الصوفیة أیضاً ویشترک في سماعاتهم (م.ن، 8(1)/412). ومن أهم صفاته علاقته الشدیده بالقراءة المطالعة و جمع الکتب وقیل إنه کان لایفارق أبداً في کمه مجلداً یقرأه في أوقات الفراغ ولاینشني عن ذلک حتی علی باب دار السلطان. و کتب ابن المطران بخطه کتباً کثیرة رأی ابن أبي أصیبعة بعضها و أثنی علی حسن الخط والصحة والإعراب فیها، واتخذ بالإضافة إلی ذلک ثلاثة نساخ یکتبون له أبداً، ولهذا ترک حین توفي نحو 10,000 مجلد في الطب و غیره بیعت جمیعها (ابن أبي أصیبعة، 2/178-179).

آثاره

1. آداب طب الملوک (ابن أبي أصیبعة، 2/181)؛ 2. اختصار کتاب الأدوار لابن وحشیة (ن.ع) مؤلف الفلاحة النبطیة (ابن أبي أصیبعة، ن.ص؛ قا: حاجي خلیفة، 2/1388)، یبدو أنه ألف في السحر وطلاسم الأنباط (ابن الندیم، 311-312؛ قا: لکلر، II/45) اختصره ابن المطران في 581هـ/1186م؛ 3. الأدویة المفردة، لم یتم (ابن أبي أصیبعة، ن.ص)؛ 4. بستان الأطباء و روضة الألباء، مجموعة من المعلومات المختلفة في الطب مثل تعریف بعض الألفاظ والأمراض (ابن المطران، 1/32، 320) والأدویة (م.ن، 1/147) وطرق العلاج وطبع الطبیب (م.ن، 1/32، 320) والأدویة (م.ن، 1/147) وطرق العلاج و طبع الطبیب (م.ن، 1/2-3) والعملیات الجراحیة (م.ن، 1/206)، ومعلومات لیست في الطب قرأها الکاتب أو سمعها (م.ن، 1/2)، وقد اعتذر ابن المطران لوجود مسائل لاتتعلق بالطب في الکتاب (1/158). واستقی في تألیفه له من مصادر کثیرة (نحو 150 کتاباً) وأورد أسماءها في طیاته. وکتاب بستان الأطباء من أهم مصادر ابن أبي أصیبعة ولاسیما في قسم «صناعة الطب» في عیون الأنباء (1/5-7) مع ذکر اسم ابن المطران و کتابه، وکذلک في قسم طبقات المترجمین الیونایین إلی العربیة (1/203-206) بدون ذکر مصدره. کما أفاد من هذا الکتاب عبداللطیف البغدادي في کتاب في المرض المسمی دیابیطس (محقق، 1/5)، توجد مخطوطات عدیدة من هذا الکتاب (ملک، 1/94؛ شوری، 10/1846؛ GAS, III/273; GAL, S, I/892). طبعت مخطوطة مکتبة ملک بطهران في 1368ش طبعة مصورة؛ 5. الحکایات الطبیة، ذکره المؤلف في بستان الأطباء (1/45)؛ 6. المقالة الناصریة في حفظ الأمور الصحیة، باسم الناصر صلاح‌الدین الأیوبي (ششن، 90)، وهو کتاب موجز في الطب رآه ابن أبي أصیبعة (2/181) بخط ابن الجمالة کاتب ابن المطران؛ 7. المقالة النجمیة في التدابیر الصحیة، قیل إنه ألف في الأصل لنجم‌الدین أیوب والد صلاح‌الدین. وله بالإضافة إلی ذلک مصنفات مستقلة أخری أو تعالیق علی کتب الآخرین انتقلت مسوداتها بعد وفاته إلی أخویه، ویقول ابن أبي أصیبعة إنها تلفت (ن.ص).

المصادر

ابن أبي أصیبعة، أحمد، عیون الأنباء، تقـ: أغوست مولر، القاهرة، 1299هـ؛ ابن الجوزي، یوسف، مرآة الزمان، حیدرآبادالدکن، 1370هـ/1951م؛ ابن الفرات، محمد، تاریخ، تقـ: حسن محمد الشماع، بغداد، 1389هـ/1969م؛ ابن المطران، دسعد، بستان الأطباء، تقـ: مهدي محقق، طهران، 1368ش؛ ابن الندیم، الفهرست، تقـ فلوغل، لایبزک، 1871م؛ حاجي خلیفة، کشف؛ ششن، رمضان، فهرس مخطوطات الطب الإسلامي في مکتبات ترکیا، إستانبول، 1404هـ/1984م؛ شوری، المخطوطات؛ محقق، مهدي، مقدمة بستان الأطباء (ظ: همـ، ابن المطران)؛ مالک، المخطوطات؛ وأیضاً:

GAL, S; GAS; Leclerc, L., Histoire de la médecine arabe, Paris, 1879.

قسم العلوم/ ن.