اِبْنُ مِسْجَح، أبوعثمان (أو أبوعیسی) سعید بن مسجح مؤسس الموسیقی والغناء المتقن العربي، وأحد أکبر الموسیقیین و المطربین في القرن 1هـ/ 7م. أشهر ضبط لأسمائه – کما ذکرنا – هو «ابن مسجح»، ولکنه ورد أیضاً بصور أخری (فارمر، «تاریخ …»، 77؛ کوسن دي برسوال، 414). لاتعرف سنة ولادته علی وجه الدقة، لکن یبدو أنه ولد بمکة في حوالي النصف الأول من القرن 1 هـ / 7م اعتماداً علی ماقیل من أن وفاته في حوالي 85هـ/704م (الزرکلي، 3/101) أو 87هـ (فروخ، تاریخ العلوم …، 182) و 96 أو 97هـ (فارمر، ن.ص).

وابن مسجح من موالي بني جُمح، وقیل من موالي بني نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب أو بني مخزوم. وکان أسود أو أصفر حسن اللون فطناً ذکیاً (أبوالفرج، 3/84-86). امتاز بموهبة صوتیة رائعة، فتغنی یوماً بشعر ابن الرقاع العاملي و هو من الثقیل الأول بالسبابة في مجری الوسطی، فکان ذلک سبباً في أن ینال حریته (م.ن، 3/85).

تفتقت موهبته الفنیة في الموسیقی عندما ثار عبدما ثار عبدالله بن الزبیر علی یزید بن معاویة وأمسک بمام الأمور لفترة وجیزة، فقد قرر ترمیم الکعبة في 64هـ (الفاکهي، 2/169)، وکان بین العمال عدد من الإیرانیین الذین کانوا یتغنون أثناء العمل حسب عادة البنائین الإیرانیین، فاسترعی غناؤهم اهتمام ابن مسجح فقلبه في شعر عربي وفق تلک الألحان (أبوالفرج، 3/84-86). وقد عدّ عمله هذا نوعاً من التجدید والإبداع الفني، وأثار اهتمام الآخرین حتی حذا حذوه في ذلک موسیقیون کبار أمثال الغریض وابن سریج (م.ن، 3/84). وسافر ابن مسجح بعد ذلک إلی الشام، وإثر وقوفه علی موسیقی الروم (الروم الشرقیة أو بیزنطة) واستخدامه أسلوب فناني الأسطوخوسیة – ویرادبهم قوم آخرون من أسطوخوس (أسطوخادس) و هي جزیرة في جنوبي فرنسا کان أهلها معروفین بالقصف والغناء (النویري، 4/239، ها 1) – فقد استطاع أن یبتدع أسلوباً جدیداً عُرف بـ «الغناء المتقن» من خلال الجمع بین محاسن الموسیقی الإیرانیة والرومیة وحذف ما استقبحه من النبرات وکل ما خرج عن غناء العرب (أبوالفرج، 3/84، 87). والسمة البارزة في أسلوب ابن مسجح هي حریته في التصرف، أي أنه و خلافاً لنمط الغناء العربي القدیم، ودون الاعتماد علی عروض الشعر وذوق المغني (ضیف، 51) فقد ابتدع استخدام الضروب الثقیلة بقدرته الفنیة (أبوالفرج، ضیف، ن.صص). وکان یستخدم في العود، الأصابع أو المقامات الثمانیة الإصبعیة بحیث یقع کل مقام منها في مجری الوسطی، والبنصر (الإصبع الثالث علی العود = إصبع الید الرابع)، عارضاً بذلک نغمة البعد ذي الثلاث الأصغر والبعدذي الثلاث الأکبر (فارمر، «دراسات …»، 448). ومن هنا فقد تسرب الکثیر من المصطلحات الموسیقیة الإیرانیة إلی اللغة العربیة مثل: الدستان بمعنی عقب العود أو القیثارة، والزیر والبَم و هما الوتران الأول والرابع في العود، و کذلک تغییر الدستان العربي القدیم للعود من C-D-G-a (دو –ر- صول ماجور) إلی A-D-G-c (لا- ر- صول مینور) (م.ن، «تاریخ»، 70).

وبهذا فقد اشتهر ابن مسجح لإبداعه، و لما أحدثه من تطور فني رائع في الموسیقی العربیة. وقد بلغ الأمر بحسّاده أن اتهموه بإفساد فتیان قریش، فحبس عامل مکة أمواله وسیرّه إلی الشام بأمر من الخلیفة (أبوالفرج، 3/86-87). وعند دخوله إلی الشام أمضی لیلة في دارشاب محب للفن – ربما کان من أبناء عمومة الخلیفة – فغنی في تلک اللیلة نزولاً عند رغبة مضیفه، فوصل صوته العذب إلی سمع الخلیفة عبدالملک الذي کان یسکن في المنزل المجاور، فأرسل إلیه وطلب منه أن یغني له أولاً غناء الرکبان (نوع من النصب)، ثم «الغناء المتقن»، فتغنی، فاهتز الخلیفة طرباً، ثم أمنه ووصله و کتب إلی عامله برد ماله علیه (م.ن، 3/87-88). وعاد ابن مسجح بعد ذلک إلی مکة مسقط رأسه، وعاش فیها حتی لقیه معبد – الموسیقي الکبیر – في أیام الولید بن عبدالملک (م.ن، 3/86).

وظل ابن مسجح معروفاً لفترة طویلة بعد وفاته، ذلک لأن ابن الندیم وخلال استعراضه الآثار المنسوبة لأبي أیوب المدیني ذکر کتاباً عنوانه ابن مسجح (ص 148). کما نلاحظ أن الموسیقي الکبیر إسحاق المصولي أحیا ذکر هذا الفنان البارع في کتابه أخبار سعید بن مسجح (م.ن، 141).

وأخیراً یمکن الإشارة إلی شعر إسماعیل بن عمار (تـ 165هـ) الذي تطرق فیه إلیه غناء ابن مسجح بوصفه غناءً یشیع البهجة في النفوس (فروخ، تاریخ الأدب …، 289). کما یجب أن نلفت الانتباه إلی أن الکثیر من الموسیقیین المعروفین الکبار آنذاک أمثال ابن مُحرز و ابن سریج والغریض و معبد و یونس الکاتب – و کلهم من تلامذته – مدینون له في بلوغهم ذروة الفن (EI2).

المصادر

ابن الندیم، الفهرست؛ أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني، بولاق، 1285هـ؛ الزرکلي، الأعلام؛ ضیف، شوقي، الشعر و الغناء في المدینة و مکة لعصر بني أمیة، بیروت، دارالمعارف؛ الفاکهي، محمد، أخبار مکة، تقـ: فردیناند ووستنفلد، غوتینغن، 1859م؛ فروخ، عمر، تاریخ الأأب العربي، الأعصر العباسیة، بیروت، 1981م؛ م.ن، تاریخ العلوم عندالعرب، بیروت، 1984م؛ النویري، أحمد، نهایة الأرب، القاهرة، وزارة الثقافة والإرشاد القومي؛ وأیضاً:

Caussain de Perceval, A., «Les musiciens arabes», JA, Paris, 1873, S. 7, vol. II; EI2; Farmer, H. G., A History of Arabian Music, London, 1964; id, Studies in Oriental Music, Frankfurt, 1986.

تقي بینش/ ت.