اِبْنُ المُجاوِر، أبوالفتح نجم‌الدین یوسف بن یعقوب بن محمد بن علي الشیباني الدمشقي (601-690هـ/ 1205-1291م)، مؤرخ و جغرافي. لاتتوفر معلومات وافیة عن حیاته. ولد بدمشق وأمضی فترة طفولته وصباه في بغداد، ثم سافر إلی الهند، وأقام بعض الوقت في ملتان، ثم غادر إلی عدن عبر البحر في 618هـ/ 1221م و أمضی الفترة بین 619-627هـ في السفر والترحال وزار مدن زبید و مکة وجدة، وأقام مدة في میناء غُلافقة الیمني و سائر مناطق جزیرة العرب (کراتشکوفسکي، 1/349؛ EI2). درس علی أبي الیمن الکندي و عبدالجلیل بن مندویه وآخرین (الذهبي، 3/375؛ ابن تغري بردي، 8/33).

والأثر المهم الوحید المنسوب إلیه هو تاریخ المستبصر، في تاریخ جنوبي و غربي الجزیرة العربیة و جغرافیتها و أعراقها و تقالیدها و آخر تاریخ أشار إلیه هذا الکتاب هو ذو الحجة 626. ویشاهد في بعض المصادر والکتابات اختلاف في اسم هذا الأثر. إذ أسماه شبرنغر تاریخ المستنصر، ویؤیده درنبورغ في هذه التسمیة، و یری أن المؤلف قد أهداه إلی الخلیفة العباسي المستنصر بالله. أما مایلز فیعتقد أن تاریخ المستبصر هو الاسم الصحیح للکتاب (فران، 469).

وهناک اختلاف في وجهات نظر الباحثین حول مؤلف الکتاب، فالبعض یرفض بشکل قاطع نسبة هذا الکتاب إلی ابن المجاور الشیباني الدمشقي، ویورد أدلة علی ذلک مثل: إن المؤلف ذکر أن أباه محمد بن مسعود بن علي بن أحمد بن المجاور البغدادي النیسابوري، و أن أخاه أحمد بن محمد بن مسعود، أوأنه کان یردد الأشعار الفارسیة کثیراً و یستخدم المصطلحات الفارسیة و …، و ینسب هؤلاء الکتاب إلی محمد ابن مسعود … ابن المجاور البغدادي النیسابوري، و یعجبون من غفلة الباحثین القدامی وأعلام المحققین مثل فران وبروکلمان عن ذلک (الحسني، 384-385)؛ وشک جواد أیضاً في انتسابه إلی أبي الفتح یوسف بن یعقوب، و قال بعد إشارته إلی عدم تخطّي موضوعات و حوادث الکتاب لعام 626 هـ إن من الصعوبة التصدیق بأن المؤلف قام بکل هذه الرحلات قبل الخامسة و العشرین من عمره، کما أن کتابةمثل هذا الأثر الذي یضم بین دفتیه معلومات واسعة تستلزم عمراً طویلاً حافلاً بالتجربة (ص 286).

وهذا أبومخرمة ینقل في تاریخه حول جنوب الجزیرة العربیة (تاریخ ثغر عدن) – و هو نُخَب من تواریخ ابن المجاور و الجَنَدي و الأهدَل – موضوعات مهمة من تاریخ المستبصر، لکنه یقتصر تقریباً في کافة المواضع علی ذکر اسم الکتاب، و نادراً مایشیر إلی المؤلف بـ «ابن المجاور»، دون ذکر اسمه و کنیته و أوصافه (ظ: 1/8-12، 2/10، 118، 237، مخـ). وعلی أي حال، فالمقبول هو انتساب هذا الکتاب إلی یوسف بن یعقوب … الشیباني الدمشقي. وأول باحث أدرک أهمیة هذا الأثر وقیمته، و عرّف بمؤلفه هو شبرنغر. وقد اعتمد غالباً علی هذا لاکتاب في تألیف أثره المسمی «طرق التجارة في الشرق» الذي تناول فیه طرق الجزیرة العربیة (EI2). وأشار هنتر في أثره عن عدن أنه اقتبس الجزء الأکبر منه عن تاریخ المستبصر لابن المجاور الذي ترجمه مایلز المندوب السیاسي و قنصل بریطانیا في مسقط. واتفق فران معه في هذا الرأي ورأی أن أي کاتب عربي آخر – عدا المقدسي – لایرقی إلی ابن المجاور، کما عدّ الأخیر أفضل من المقدسي في وصف التفاصیل (470-472).

ویتألف تاریخ المستبصر الذي یتناول بلاد الحجاز و مکة والیمن والأخبار المتعلقة بها من جزأین ضمن مجلد واحد. ویبدأ الکتاب بمکة، وینتهي بنبذة مختصرة عن البحرین (مجلة معهد …، 17(2)/211)، وینفر جزء کبیر من الکتاب – ینوف علی الخمس – بوصف مدینة عدن (کراتشکوفسکي، ن.ص). وانبری المؤلف غالباً إلی وصف مناطق سافر إلیها بنفسه، و شرح المنازل و المغاني و مقادیر المسافات و البقاع والجبال و الودیان و الصحاری و المقار (مجلة معهد، ن.ص)، کما وصف بإسهاب أخلاق و عادات الناس وطقوس الدعراس، والأوزان و المقاییس و النقود و الملابس و الضرائب الجمرکیة (سید، 124)، و فصّل القول أیضاً في الروایات و الأدب الشعبي و الأساطیر المحلیة التي یطغی علیها في الغالب جانب الغرابة، و رسم خرائط بسیطة لمدن جدة وزبید و عدن، فضلاً عن أشکال البقاع (فران،ن.ص؛ کراتشکوفسکي، 1/350). وقد اعتمد ابن المجاور في معلوماته علی کتابات المؤلفین الذین سبقوه کالفاکهي مؤلف تاریخ مکة و عُمارة صاحب تاریخ زبید و ابن حوقل (EI2)، و علی معلومات ذوي الخبرة من أخل المنطقة و سکان البادیة مع الإشارة أحیاناً إلی المصدر (فران، 469)، وکان علی معرفة دقیقة بخطوط الملاحة وکل ما یتّصل بها، و ترک في ذلک وثائق مهمة، حتی إن فران (ص 481) اعتمد علی هذه الوثائق في إثبات قوة أسطول مدغشقر الهائلة في القرن 7 هـ.

ویعد هذا الدثر من المصادر المهمة حول المدن المذکورة في دوائل القرن 7 هـ 13م، حیث وردت فیه معلومات غزیرة حول تاریخ الفترة الأخیرة من سیطرة الأیوبیین علی الجزیرة العربیظ و أوائل ملوک بني رسول في الیمن و أشراف بني قتادة في مکة، وجمیع هذه المعلومات أیدها الرحالة فیما بعد (کراتشکوفسکي، ن.ص).

طبع لاندبرغ جزءاً من النص العربي لهذا الأثر مع ترجمته الفرنسیة، غیر أن طبعته الکاملة نشرت باسم صفة بلاد الیمن و مکة و بعض الحجاز المسماة تاریخ المستبصر بلیدن (1951-1954م) في مجلدین، تحقیق أسکار لوفغرن، و طبع قبل ذلک بلیدن عام 1936م مختار من أخبار عدن إلی جانب الجزء الأول من تاریخ ثغر عدن (1/24 و ما بعدها)، تألیف أبي مخرمة.

المصادر

ابن تغري بردي، النجوم؛ أبومخرمة، الطیب، تاریخ ثغرعدن، لیدن، 1936م؛ الحسني، جعفر، «تاریخ المستبصر …»، مجلة مجمع العلمي العربي، دمشق، 1376هـ/ 1957م، ج 32، عد 2؛ الذهبي، محمد، العبر، بیروت، 1405هـ/1985م؛ سید، فؤاد، مصادر تاریخ الیمن، اقاهرة، 1974م؛ کراتشکوفسکي، إ.، تاریخ الأدب الجغرافي العربي، تجـ: صلاح‌الدین عثمان هاشم، القاهرة، 1965م؛ مجلة معهد المخطوطات العربیة، القاهرة، 1391هـ/ 1971م؛ وأیضاً:

EI2; Ferrand, G., «Le K’ouen- Louen», JA, Paris, 1919, vol. XIII; Jawad, M., «Petites découvertes dans les manuscrits arabes...», Revue des études islamiques, Paris, 1938, vol. I.

أبوالحسن دیانت/ ت.