اِبْنُ الكتّانيّ، أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الحسین المذحجي القرطبي (تـ ح 420هـ/1029م)، طبیب وأدیب أندلسي. اختلفت المصادر في لقبه واسم أبیه وجده. وقد دعا نفسه بأبي عبد الله محمد بن الكتاني (ص 27)، ولكن المصادر الأخری (مثلاً ابن حزم، 1/21؛ ابن الأبار، 1/383؛ صاعد، 82؛ ابن أبي أصیبعة، 2/45) اختلفت في اسم أبیه أهو الحسن، أم الحسین، غیر أن أصحها فیما یبدو قول ابن الأبار (ن.ص) الذي أورد الاسمین في نسبه فذكر أنه أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الحسین (عباس، 15)، ذلك أن المصادر التي ذكرت اسم أبیه الحسین ترجمت لعمه باسم أبي الولید محمد بن الحسین (صاعد، ابن أبي أصیبعة، ن.ص). ومع الأخذ بنظر الاعتبار أنه عاش نحواً من 80 عاماً (صاعد، ابن أبي أصیبعة، ن.ص)، فلابد أنه ولد في نحو 340هـ. وقد ذكر ابن الأبار (ن.ص) نقلاً عن صاعد أنه توفي قریباً من 420هـ وقد قارب الستین، وهو لیس بصحیح.

أخذ ابن الكتاني الطب والمنطق والفلسفة والأدب في قرطبة عن عمه أبي الولید ومحمد بن عبدون وأحمد بن حفصون ومسلمة بن أحمد المجریطي وعمر بن یونس بن أحمد وغیرهم (صاعد، 81-82؛ ابن الأبار، ن.ص). وبرع فیها ولاسیما الطب (ابن ماكولا، 7/325؛ الحمیدي، 1/89) وخدم به أبا عمر المنصور وابنه أبا مروان المظفر ووزراء آخرین للخلفاء الأمویین بالأندلس (صاعد، 82). وأشار صاعد إلی ثروته الواسعة (ن.ص)، ولكن یبدو أنه لم ینل هذا الغنی الوافر عن طریق الطب أو التدریس، ذلك أن ابن بسام یقول إن ابن الكتاني كان یبیع القیان وأن له أسلوباً خاصاً في ذلك یعلمهن العلم والأدب والفنون ولاسیما الغناء، ثم یبیعهن بأغلی الأثمان ویفخر بعمله هذا ولایری من یضاهیه في ذلك وربما كان لایتورع في هذا العمل عن التحیل والكذب (3(1)/112، 319-320). ویورد ابن بسام حكایة من تعلیقات ابن حزم تؤید حضور ابن الكتاني في بلاط ملك البشكنس ومشاهدته فتیات مسلمات أسیرات منهن ابنة الشاعر سلیمان بن مهران السرقسطي صدیق ابن الكتاني، ویبدو أنه لم یحاول افتكاكها من الأسر، وأنه اكتفی بإظهار جزعه علی حالها (3(1)/318-319).

انتقل ابن الكتاني في صدر الفتنة ضد الخلافة الأمویة (الفتنة البریریة المعروفة (399هـ/1009م) من قرطبة إلی سرقسطة، واستوطنها بقیة حیاته (صاعد، ن.ص). یمكن أن نذكر من تلامذته ابن حزم والمصحفي. وكان أستاذ ابن حزم في المنطق وأثرت تعالیمه في أفكاره (ابن ماكولا، ن.ص؛ الذهبي، 3/1147). فیری ابن حزم أنه من أهل التمكین في علوم الأوائل، ویثبت اعتقاده باستناده إلی رأیه في بطلان الجزء الذي لایتجزأ. ولابن الكتاني كلام في الحكم، ولكن النموذج الوحید الذي بقي له منها روي عن طریق ابن حزم ونقل عنه (الحمیدي، ن.ص).

آثاره

نظراً لتعدد مجالات ابن الكتاني العلمیة فقد عرف بمؤلف كتب ورسائل في الطب والأدب والحكمة (ابن ماكولا، الحمیدي، ن.ص)، وأثنی القدماء من الكتّاب علی مؤلفاته (صاعد، ابن الأبار، ن.ص).

ومن مجموع الكتب المنسوبة إلیه لدینا التشبیهات من أشعار أهل الأندلس. ویحتوي علی نماذج مختارة من تشبیهات مختلفة لشعراء الأندلس في مظاهر الطبیعة كالسماء والأمطار، ومضامین كالخمر والصدغ والفرس والسیف والدواة والقلم والشیب. وقُسم الكتاب علی 66 باباً تناول كل باب موضوعاً. ویری عباس أنه أوفی مجموعة شعریة تمثل عثر بني أمیة والعامریین حتی أواخر الفتنة البربریة في تاریخ الأدب الأندلسي (ص 19). ومع أن شعر ابن الكتاني عادي (ظ: الحمیدي، 1/89-90)، إلا أن هذه المجموعة تنم عن اطلاعه الواسع علی فن الشعر وأقوال الشعراء (فروخ، 4/372). حقق هذا الكتاب، لأول مرة محمد عبد المعین خان ونشره (م.ن، 4/373). وفي 1966م حققه من جدد إحسان عباس وطبع في بیروت (للاطلاع علی مخطوطات هذا الكتاب ظ: GAS,II/670). وترجمه هنر باخ إلی الألمانیة (ن.ص).

وكتابه الأدبي الثاني الذي ورد ذكره في المصادر القدیمة محمد وسُعدی (الحمیدي، ن.ص؛ القفطي، 1/257)، وهو كما یبدو قصة غرامیة، منه نسخة مصورة في دارالكتب بمصر (ضیف، 206). وقد أثنی ابن حزم علی كتب ابن الكتاني في الطب بأنها رفیعة حسان (ظ: المقري، 3/175)، ولیس لدینا الیوم منها شيء. ونسب جنثالث پالثنیا (ص 467) إلیه كتاباً في الأدویة البسیطة، أو الأدویة المفردة ضاع فیما ضاع من كتبه، ولاندري ما اسمه. إلا أن ابن البیطار (166) روی عنه معرفة نوعین من النبات السمي – التریاقي في سرقسطة. ویری أولمان (ص 270) أن ابن البیطار نقل ذلك عن مصنف لابن الكتاني باسم التفهیم (للاطلاع علی نسبة هذا الكتاب له، ظ: GAS, III/320). ویعتقد دي بنیتو أن نسبة هذا الكتاب لابن الكتاني غیرصحیحة (ن.م، VII/389). توجد منه مخطوطة في المكتبة الوطنیة بباریس (ن.ص).

المصادر

ابن الأبار، محمد، التكملة لكتاب الصلة، تقـ: عزت العطار الحسیني، بغداد، 1375هـ؛ ابن أبي أصیبعة، أحمد، عیون الأنباء، تقـ: أغوست مولر، القاهرة، 1299هـ/1882م؛ ابن بسام، علي، الذخیرة في محاسن أهل الجزیرة، تقـ: إحسان عباس، لیبیا/تونس، 1981م؛ ابن البیطار، عبد الله، الجامع لمفردات الأدویة والأغذیة، القاهرة، 1291هـ؛ ابن حزم، علي، الأصول والفروع، بیروت، دار الكتب العلمیة؛ ابن الكتاني، محمد، التشبیهات من أشعار أهل الأندلس، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1406هـ؛ ابن ماكولا، علي، الإكمال، حیدرآباد الدكن، 1406هـ؛ جنثالث پالنثیا، آنخل، تاریخ الفكر الأندلسي، تجـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1955م؛ الحمیدي، محمد، جذوة المقتبس، تقـ: إبراهیم الأبیاري، بیروت، 1403هـ؛ الذهبي، محمد، تذكرة الحفاظ، حیدرآباد الدكن، 1333-1334هـ؛ صاعد الأندلسي، طبقات الأمم، تقـ: لویس شیخو، بیروت، 1912م؛ ضیف، شوقي، حواش علی المغرب لابن سعید، القاهرة، 1953م؛ عباس، إحسان، مقدمة التشبیهات (ظ: همـ، ابن الكتاني)؛ فروخ، عمر، تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1984م؛ القفطي، علي، المحمدون من الشعراء، تقـ: محمد عبد الستارخان، حیدرآباد الدكن، 1385هـ/1965م؛ المقري، أحمد، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1388هـ؛ وأیضاً:

GAS; Ullmann, M., Die Medizin im Islam, Leiden, 1970.

یوسف رحیم ‌لو/ن.