الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن قزمان /

فهرس الموضوعات

ابن قزمان

ابن قزمان

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/30 ۲۲:۵۶:۲۱ تاریخ تألیف المقالة

اِبنُ قُزمان، لقب عدد من أفراد أسرة قرطبیة، كانت تعیش بین القرنین 4-6هـ/10-12م. لایمكن الجزم في اسم جد هذه الأسرة الأول «قزمان»، وربما هو شكل عربي للاسم الإسباني Guzman والذي یعود إلی أصل جرماني، ورغم أن حرف الـ «g» لایستبدل بـ «القاف»، ولكن یمكن العثور علی حالات حدث فیها هذا التغییر مثل «سرقسطة»، ثم إننا نجد اسم قزمان العربي في جزیرة العرب في القرن 1هـ/7م (ظ: ابن حجر، 3/235) والمشتق من مادة «ق ز م». وفي 1910م نشرف. قداره مذكرات رجح فیها احتمال كون هذا الاسم عربیاً علی كونه جرمانیاً (فیزیغوطیاً) (EI2). والجدیر بالذكر أن نسبة الزهري التي أطلقها ابن عبد الملك (2/477) وابن الخطیب (2/494) علی أفراد هذه الأسرة في مصنفیهما یمكن أن تكون نسبة أصیلة تنم عن انتسابهم إلی عرب بني زهرة، إن لم تكن تشیر إلی نوع من العلاقة غیر النسب كما یرجح كولن (EI2). وعلی كل حال یمكن أن نجد في الأندلس أشخاصاً آخرین یحملون اسم قزمان (ظ: ابن حزم، 214؛ ابن بشكوال، ط 1955م، 1/73).

كانت أسرة بني قزمان تتمتع في قرطبة بنفوذ ومكانة كبیرة في القرنین 4 و5هـ/10 و11م، وبرز منهم علماء وسیاسیون وحتی وزیر أیضاً (ظ: ابن سعید، رایات…، 73، المغرب، 1/205؛ ابن بسام، أقسام…، 120)، ثم ما لبثت قدرتهم أن تضاءلت إثر التطورات التي حدثت في الربع الأخیر من القرن 5هـ. أشهر أفراد هذه الأسرة:

 

1. أبو بكر محمد بن عیسی بن عبد الملك القرطبي (تـ ح 555هـ/1160م)

شاعر شهیر وإمام الزجالین بالأندلس. ویظهر من شعر ابن قزمان نفسه (الزجل 38، الغصن 9)، أنه لم یكن قد ولد في 479هـ/1086م (في خضم حرب الزلاقة).

ولعل الذي ساعد علی ضعف بني قزمان السیاسي سقوط السلالة الأفطسیة في بطلیموس عام 487هـ - وكان عم ابن قزمان وزیراً فیها – وزوال ملوك الطوائف واستقرار حكم المرابطین بالأندلس علی ید یوسف بن تاشفین في 489هـ. وعلی كل حال فإن ابن قزمان لم یكن سعیداً بقدرة أسرته حینما كان ینظم أزجاله ویقدمها إلی رجال السیاسة، فكان یدعو بني قزمان أحیاناً عبید ابن زهر الإشبیلي (الزجل 9، الغصن 41)، ویری أحیاناً أخری أن بقاءهم منوط ببركة أبي الولید الزجالي (الزجل 89، الغصن 10)؛ وإذا أمكن اعتبار هذه الدرجة من التذلل نوعاً من المبالغة في المدح، فلابد من أن یكون وراءها حقیقة خافیة.

نشأ ابن قزمان في أحضان أسرة من أهل العلم والأدب ویبدو من خلال أزجاله أنه غدا أدیباً شهیراً یمتاز بمعلومات عامة وتاریخیة وافرة، ولم یكن خالي الوفاض من فن الحدیث (ظ: الزجل 7، الغصن 17، الزجل 13، الغصن 9، وأیضاً: الزجل 79؛ ابن سعید، رایات، ن.ص؛ ابن الخطیب، ن.ص).

أما من حیث مكانته السیاسیة یمكن القول إنه كان علی علاقة برؤساء قرطبة وسائر مدن الأندلس، یدل دیوانه علی هذه العلاقات بوضوح. وقد اقترح مراراً علی أصحاب المناصب في دولة المرابطین التعاون معهم، ولفت أنظارهم إلی قدرته علی تولي منصب الكتابة والإنشاء (ظ: الزجل 2، الغصن 4، الزجل 7، الغصن 17، الزجل 9، الغصن 36، الزجل 13، الغصن 9، الزجلان 22 و95). وإن لقب «الوزیر» الذي ورد علی صفحة عنوان مخطوطة دیوانه الفریدة يأتي علی أكبر الظن من الخلط بین شاعر الزجل وبین عمه الذي یشاركه في الاسم والكنیة، وإن كان یتبادر إلی الذهن أن منحه هذا اللقب هو مجرد عنوان عمل شرفي لایدل علی منصب خاص (ظ: دوزي، EI1, S; II/807).

اقترنت فترة حیاة ابن قزمان بالنزاع بین مسلمي الأندلس والمسیحیین وانعكس هذا الجو بوضوح في شعره، ولم یكن لیكتفي بإظهار استیائه من قادة المسیحیین المعتدین (ظ: الزجل 47، الزجل 86، الغصن 5، الزجل 130، الغصن 1) والثناء علی جهاد المسلمین ضدهم فحسب (ظ: الزجل 86، الغصن 7، مخـ)، بل كانت نظرته للمسیحیین غیر ودیة بصورة عامة (الزجل 38، الغصن 14، الزجل 86، الغصن 9، الزجل 137، الغصن 5).

كان ابن قزمان یقضي أیامه بمدح رجال قرطبة الأقویاء كبني حمدین وأبي الولید ابن رشد الجد وأبي یونس ابن المغیث وابن أبي الخصال، وكان مقرباً جداً من قاضي قرطبة أبي القاسم أحمد بن حمدین، فنظم فیه أبدع مدائحه (الزجل 79)، والرثاء الوحید في دیوانه یختص به (الزجل 83)، حتی إنه نظم زجلاً في ذكری وفاته (الزجل 38، الأغصان 36-38).

ویبدو أن اهتمام رؤساء قرطبة بابن قزمان لم یكن إلی الحد الذي یوفر له حاجاته، واضطرته قسوة الحیاة إلی تحمل مشتقات الرحلة مراراً، فلقي في رحلاته إلی إشبیلیة عطف أبي العلاء ابن زهر وابن القرشي الزهري، كما رعاه في غرناطة عدد من أصحاب المناصب كالوزیر أبي عبد الله ابن سعادة والوزیر أبي الحكم بن أبي عیشون وأبي بكر محمد بن سعید (ظ: ابن قزمان، مخـ). وكان التقاؤه الشاعرة نزهون، عند أبي بكر هذا (ابن سعید، ن.م، 91، المغرب، 2/121؛ ابن الخطیب، 2/504). كما نظم ابن قزمان زجلاً في مدح وزیر جیاني ویبدو أنه قصده لتقدیمه إلیه (ظ: الزجل 21، الغصن 14). وكان شعور ابن قزمان بالغربة والتعب من هذه الرحلات ینعكس في شعره باستمرار (مثلاً الزجلان 78 و124).

وبعد قضاء الموحدین علی أسرة المرابطین بالمغرب في 539هـ/1145م امتد نفوذهم إلی الأندلس، وأدی انتقال السلطة إلی ظهرو الاضطرابات في الأوضاع السیاسیة، حتی لیبدو الخوف من الملاحقة والسجن قبل هذا الانتقال في مواضع من دیوان ابن قزمان (الزجلان 39 و137)، ویظهر أن إحدی المشاكل التي تعرض لها، أن أحد أمراء بني مناصف شك فیه، وألقی به في السجن بتهمة أنه «منافق» و«مخالف». ولم یتخلص من الإعدام إلا بوساطة الأمیر محمد بن سیر (ظ: الزجل 41).

توفي ابن قزمان في موطنه قرطبة في اللیلة الأخیرة من رمضان 555 (ابن الخطیب، 2/505) أو في 554 هـ (ابن الأبار، تحفة…، 56).

لاتتوفر في المصادر التاریخیة عامة معلومات مهمة عن حیاة ابن قزمان وترجمته، والمصدر الوحید الذي أورد أكثر المعلومات عنه هو الإحاطة لابن الخطیب، والذي یخلط بینه وبین عمه الوزیر أبي بكر محمد ابن عبد الملك. ویشاهد في البحوث التي تمت خلال السنوات الـ 100 الأخیرة خلطاً بین هذین الاثنین لعشرات السنین وذلك لتأثیر بعض المصادر القدیمة، والاسم الغامض الذي ذكر في مخطوطة الدیوان، ویبدو هذا الخلط بوضوح لیس في المقالات التي أوردها زایبولد في الطبعة الأولی من «دائرة المعارف الإسلامیة»، ونیكل في مقدمة تصحیحه للدیوان، وبایر اكتارفتش في ذیل الطبعة الأولی من دائرة المعارف هذه فحسب، بل یبدو واضحاً أیضاً في المقالة التي نشرها نیكل في 1939م باسم «قطع من ترجمة ابن قزمان». ولیس من شك في أن كلاً من لیفي بروفنسال ومن بعده كولن ونیكل أدركوا منذ ذلك الوقت وجوب التفریق بین هاتین الشخصیتین (ظ: نیكل، «الشعر…»، 268-267). وبعد 5 سنوات أثبت لیفي بروفنسال هذا الفرق بنشره نتیجة أبحاثه في مقالة بعنوان «معلومة جدیدة عن ابن قزمان» (ص 369-347). وسعی بعض الباحثین المعاصرین إلی ملء الفراغ الموجود في ترجمة ابن قزمان بالرجوع إلی شعره، ولكن فهمهم الخاطئ لكلمةٍ أحیاناً أو جملة كثیراً ما أدی بهم إلی إصدار أحكام متسرعة، منها قول بروكلمان إن ابن قزمان كان یصحب في رحلاته قرداً (GAL, S, I/481)، ویبدو هذا لعدم درك كلمة «قرد» في الزجل 7 (الغصن 2) والزجل 121 (الغصن 2)، فهي في هذین الزجلین بمعنی النحس مقابل السعد كما یقول كولن (EI2). وكذلك استنباط بایر الكتارفتش ومن بعده بروكلمان وكولن أن ابن قزمان «لم یر البحر أبداً» وأنه «كان لفترة إماماً في أحد المساجد» من الزجل 145 (الغصن 10) والزجل 147 (الغصن 5) (GAL, S، ن.ص؛ EI1, S; EI2)، وبنظرة علمیة دقیقة إلی هذه الأغصان ربما یتبین أن ما أدركاه كان سطحیاً.

 

شعره

ذكر الحجاري أن ابن قزمان كان في أول شأنه مشتغلاً بالنظم بالمعرب، فرأی نفسه تقصر عن أفراد عصره كابن خفاجة، فعمد إلی نظم الزجل (ابن سعید، المغرب، 1/100). ولم یكن ابن قزمان ینوه بشعره المعرب فحسب، بل كان یتحدث مراراً عن نظمه الموضح إلی جانب التذكیر بقدرته علی نظم الزجل (ظ: الزجل 7، الغصن 17، الزجل 24، الغصن 10، الزجل 94، الغصن 17، مخـ)، ویمكن مشاهدة نماذج عدیدة من شعر ابن قزمان غیر الزجلي في الكتب الأدبیة مثل تحفة ابن الأبار (ص 56-57) والمغرب لابن سعید (ن.ص) والإحاطة لابن الخطیب (2/495-497) ونفح السحر للتجیبي (ص 132).

ولیس من شكل في أن ما خلد اسم ابن قزمان أزجاله البدیعة بكلام العامّة، فقد برع في هذه الطریقة الشعریة إلی الحد الذي أهله لنیل لقب إمام الزجالین بالأندلس (ابن خلدون، 1460؛ ابن سعید، ن.م، 1/100، 167). والحقیقة فإن ابن قزمان لم یكن كما ذكر في مقدمة دیوانه المسجوعة أول من نظم الزجل بالأندلس، فقد عرفت هذه الطریقة قبله بسنین، ولكنه أظهر حلالها ورشاقتها بابتكاراته فیها (ظ: ابن خلدون، ن.ص؛ ابن الأبار، ن.م، 56؛ ابن حجة، 52؛ وأیضاً الزجل 59، الغصنان 9-10). وقد قارن بعض أهل الأدب بین قدرة ابن قزمان في انتخاب المعاني الرشیقة وبین المتنبي في شعره المعرب (ظ: المقري، 3/385).

ومن مظاهر فن ابن قزمان في انتخاب المعاني مهارته في استعمال التشابیه فهو یأتي إلی جانب التشابیه الیومیة الدارجة (مثلاً الزجل 136، الغصن 6) بتشابیه خیالیة رغم بساطتها (مثلاً الزجل 142، الغصن 4، الزجل 140، الغصن 5).

ولم یسحر جمال أزجال ابن قزمان أهل الأدب في المغرب فحسب، بل وجدت لها في المشرق معجبین كثیرین لم یكونوا علی معرفة تذكر بلهجة تلك الأشعار؛ یقول ابن سعید: لم یكن قد مضی علی وفاة الشاعر في القرن 7هـ/13م وقت طویل حتی اشتهر دیوانه بالمشرق والمغرب (المغرب، 1/167)، ونال اهتماماً كبیراً ببغداد.

للخمرة والمرأة في شعر ابن قزمان مظهر خاص، ولابد من الإشارة إلی أن الشاعر عانی فيشبابه من زواج فاشل، وكان لفشله فیه تأثیر لاینكر علی نفسه (ظ: الزجل 2)، وكانت ثمرة هذا الزواج أولاد انشغل بمستقبلهم (الزجل 11، الغصن 10)،كما ترتب علیه تشاؤمه بوفاء المرأة، فلم یكن یشكو من زوجته فحسب، بل ومن أخته أیضاً، وكان ینظر إلی جنس المرأة بعین الشك والحذر (ظ: الزجل 89).

ولعل مقارنة هذا التشاؤم بما یضفي علی المرأة من جمال في شعره یدعو الإنسان إلی التعجب في البدء، ولكن ربما أن الأحبة اللاتي كان ابن قزمان یدعوهن بأسماء زهرة ومریم وعائشة هن شخصیات خیالیة لا واقعیة یبحث فیهن الشاعر عن الحب، إلا أنه طالما یشكو من خیانتهن وعدم وفائهن، وهو یعتبر الحب خذلاناً للإنسان ویتحدث عن خذلانه طول حیاته (ظ: الزجل 4، الغصن 3)، وقد مثل الشاعر العلاقة بین المحب والحبیب بالمولی والعبد (الزجل 130، الغصن 1) ویخاطب حبیبته بـ «یاستّي» (الزجل 145، الغصن 7).

ویشاهد في شعر ابن قزمان الغزل بالمذكر إلی جانب الغزل بالمؤنث فحبه لشخص باسم إبراهیم الوشكي الذي یبدو في مواضع من دیوانه سیطر كما یقول الشاعر علی فكره. ودجج النار في قلبه (الزجل 108، الغصن 2). وهنا لابد من الإشارة إلی أن بعض الباحثین كبایر اكتارفتش ومن بعده بروكلمان یقولون إن حب الجنس للجنس المماثل یتغلب في شعر ابن قزمان علی حب الجنس للجنس المقابل (GAL, S; EI1, S، ن.ص)، ولكن لابد من الالتفات إلی أن ابن قزمان لایتقید في لغته بالتفریق بین المذكر والمؤنث في صرف الأفعال والضمائر وهي نقطة یجب أن لاتغیب عن البال في تفسیر أزجاله الغرامیة.

وإذا أردنا أن نحكم علی شخصیة ابن قزمان الأخلاقیة الحقیقیة من خلال شعره وجب علینا أن نأخذ دائماً بنظر الاعتبار بعض العوامل كالمبالغة والتخیل وحاجة مخاطبیه. وإذا كان قد وصف نفسه مراراً بالخلیع، وفي موضعین بالزاني، وفي موضع باللوَاط (الزجل 11، الغصن 10، الزجل 30، الغصن 3)، فلایمكن أن یعتبر هذا اعترافاً جریئاً منه، وإذا كان بایر اكتارفتش ومن بعده كولن قد اعتبرا هذه العبارات الشعریة بمثابة اعتراف منه ووصفاه بالفاجر المستهتر والفاسق (EI1, S; EI2) فإن بالإمكان فهم هذه العبارات بنظرة أخری علی أنها نوع من التظاهر، كما یمكن اعتبار كثیر من مشاهد غزله بالنساء والتي یصورها في أزجاله، نوعاً من اللعب بالألفاظ والمعاني، وغزلاً یراه مناسباً یسبق به المدح، لاسیما وأن الجو الشعري في أزجال ابن قزمان لیس جو المجون واخلاعة، ویخاصة في حبه للمذكر فقد كان الشاعر یری أن غایة مایتمناه هو رؤیه المحبوب ومصاحبته (ظ: الزجل 108).

ومما یدعو إلی التفكیر والنظر فراره الذي تحدث عنه مراراً من الفقهاء (ظ: الزجل 22، الغصن 4، الزجل 23، الغصن 4)، مع ذكر حقیقة أنه كان علی صلة وثیقة بجماعة من الفقهاء كأبي الولید ابن رشد الجد وأنه أكثر من مدحهم، وعلی كل حال فإن اعترافات ابن قزمان في أشعاره وإن أمكن أن تكون في الواقع صادقة أو كاذبة غیر أنه یجب أن لاتؤخذ علی محمل الجد في لغة الشعر. فلربما یكون «العود» الذي یوصي به بولع واشتیاق ولم یصل إلیه هو ابن قزمان نفسه (ظ: الزجل 139، الغصنان 4-5).

وللخمرة في شعر ابن قزمان مكانة خاصة أیضاً ودیوانه كله مشحون بشوق الشاعر إلیها، حتی إنه وجه إهانة شدیدة في موضع إلی من یستنكف عن الشرب (الزجل 22، الغصن 4). فهو یعتبر حب الخمرة رزقهُ من الله (الزجل 148، الغصن 5) وله وصیة سائدة بین الشعراء هي أن یدفن بعد موته بین الكروم (الزجل 90، الغصن 5). ولابد من الإشارة إلی أن في الإحاطة لابن الخطیب روایة تنم عن شرب ابن قزمان للخمرة (2/505). ویمكن أن یشاهد إلی جانب الحبیب والخمرة شوق ابن قزمان في شعره إلی الموسیقی والمناظر الطبیعیة أیضاً (مثلاً ظ: الزجل 52، الغصن 8).

والصورة في أزجال ابن قزمان تدل علی رجل أدرك معنی حیاة الرفاهیة ولكن طالما یؤلمه الفقر الذي لایستحقه فكان دائم الشكوی من الطعام غیر المناسب والمسكن المستأجر وارتفاع الأسعار (ظ: الزجل 63، الغصن 2، الزجل 68، الغصن 5، الزجل 87، الغصن 5)، وبعبارة أخری فإن الفقر یبدو في كل دیوانه، وهنا ربما یتبادر إلی الذهن أن ناظم هذا الشعر یسعی بذكر مشاكله لاستدرار كرم الممدوح أو تسهیل تحمله للصعاب، ولكن الشاعر رغم ذلك كان یحافظ في أشعاره علی روح سعیدة ولایسمح للمشاكل أن تسلبه لذة الحیاة.

ویأمل الشاعر بمستقبل مشرق ویعتقد اعتقاداً راسخاً بالفرج بعد الشدة (الزجل 68، الغصن 2، الزجل 130، الغصن الأول). وإذا كانت الضرورة تحمله أحیاناً علی أن یقدم زجلاً إلی كریم طمعاً بصلة (الزجل 51، الغصن 4)، لكنه لایتجاوز حد رفع الحاجة. ولایفرط في إهداء شعره (الزجل 42، الغصنان 3-4). فهو یرید الدرهم والدینار لحاجة عاجلة ولایطمع بالمستقبل ویشبه أخلاقه هذه بأخلاق الأسد (الزجل 102، الغصن 8، الزجل 105، الغصن 9). وكان یری الصلة من حقه ویشاهد متفاخراً أحیاناً بنفسه علی الممدوح بشعره (ظ: الزجل 8، الغصنان 5-6، الزجل 77، الغصن 8، الزجل 105، الغصن 6). ویری نفسه إمام الزجل الأوحد ویعتبر أزجاله سحراً (الزجل 134، الغصن 10، الزجل 148، الغصن 7، مخـ).

ورغم أن ابن قزمان كان یعیش في المغرب إلا الثقافة التي تغلب علیه شرقیة، یدل علی ذلك بوضوح ما أورد في شعره من معان ومضامین. وقد بلغت معرفته الشرق أن ضرب مثلاً بالسروال الأصفهاني (الزجل 103، الغصن 6)، ثم إن رؤیته أن الطبع الإشبیلي طبع البخل والطبع العراقي طبع العطاء یدل علی نوع من علاقته بالشرق (الزجل 93، الغصن 8).

ولكن لابد من القول بصورة عامة: إن أكثر أزجال الدیوان مما أهداه للآخرین، ولكن بعضها لم یهدها لأحد وأكثرها في وصف الخمرة ومجالس الطرب. ویقال إن مثل هذه الأزجال أقرب إلی الموشح (ظ: سترن، 171). والمدائح المهداة تشبه المدیح التقلیدي، فهي تبدأ بالغزل وبعد مرحلة انتقالیة قصیرة یدخل في مدح مبالغ فیه للممدوح. وقد لفتت مزایا أزجال ابن قزمان الفنیة أنظار عدد من الباحثین في العروض والقافیة والخرجة (ظ: ن.د، الزجل).

 

الدیوان

النسخة الوحیدة الباقیة من دیوان ابن قزمان دونت في صفد بفلسطین قبل 683هـ/1284م. وربما نقلت فیما بعد إلی بغداد فملكها القنصل الفرنسي روسو، ثم نقلت إلی المتحف الآسیوي بسان بطرسبورغ وفي 1881م تحدث روزن بإسهاب عن هذه المخطوطة أثناء فهرسته لمخطوطات تلك المكتبه، مما أثار انتباه العلماء في أنحاء العالم إلی هذا الكتاب القیم، وكان ذلك بدایة دراسات واسعة قام بها الباحثون حولها من وجهات نظر مختلفة (ظ: كراتشكوفسكي، «مع المخطوطات العربیة»، I/67-70).

وهذه المخطوطة من الدیوان التي أطلق علیها الشاعر في المقدمة اسم إصابة الأغراض في وصف الأعراض والتي یبدو أنه جمعها بنفسه لاتخلو من أوراق ساقطة، ولكن لحسن الحظ یمكن ترمیم هذه النواقص بالرجوع إلی الأزجال التي وردت في النصوص الأدبیة، كما یمكن إكمال أحد النواقص من مخطوطة الجیزة بالفسطاط (ظ: سترن، 192). ولابن قزمان أزجال أخری في الآثار الأدبیة ولاسیما العاطل الحالي لصفي‌ الدین الحلي والسفینة لابن مباركشاه والتي قیل إنها أخذت من الدیوان الكبیر لابن قزمان (ظ: هونرباخ، «معلومة جدیدة …»، 204-205). وقد جمع غارثیا غومت الأزجال التي لم ترد في دیوان إصابة الأغراض وطبعها مع الدیوان (الأزجال 150-193). وتجدر دراسة أزجال ابن قزمان من ناحیتين: 1. لمعرفة العربیة، فهذه الأشعار إحدی المصادر المهمة جداً لدراسة اللهجات العربیة بإسبانیا. وكذلك لدراسة الأسلوب غیر التقلیدي في العروض والمعلومات المتعلقة بتاریخ الأدب وثقافة إسبانیا الإسلامیة في تلك الفترة. 2. لمعرفة اللغات الرومانسیة، فهذه الأزجال تلفت النظر لاحتوائها علی ألفاظ وجمل رومانسیة، وكذلك من حیث أثرها علی طریقة الشعر الغنائي الأوروبي في القرون الوسطی ولاسیما في اللغة البروفنسالیة (ظ: غارثیا غومث، «ابن قزمان …»، 453-455). ومن البحوث الأولی التي تمت لابد من الإشارة إلی أعمال سیمونیه الذي درس في مصنف «وصف الخمرة» في أشعار الدیوان قبل أن یطبعه في 1885م. وفي 1896م نشر غونتسبورغ طبعة مصورة من مخطوطة سان بطرسبورغ ببرلین. وفي 1912م حقق هذا الدیوان خولیان ریبرا وطبع بمدرید وألقی في هذه السنة كلمة قیمة بمناسبة قبول عضویته في الأكادیمیة الملكیة بإسبانیا عنوانها «دیوان ابن قزمان والثقافة العربیة الإسبانیة» (ظ: EUE, LI/348). وقد نشر ریبرا نص الدیوان عند تنقیحه له مكتوباً بالحروف اللاتینیة، وبحث إلی حدما في اللهجة والعروض في الأزجال (غارثیا غومت، ن.م، 454). وكانت آراء ریبرا ذات أهمیة للباحثین في مجال اللغة العربیة واللغات الرومانسیة أیضاً، وقد شغل أفكارهم لسنوات طویلة، فقد أید أو نقد آراءه مثلاً كل من نالینو في 1919-1920م في مقالة «ابن رشد…» (ص 670) ومولرت في 1923م في نقده (ص 170 وما بعدها) وزایبولد في 1927م في الطبعة الأولی من «دائرة المعارف الإسلامیة» وجنثالث پالنثیا في 1928م في «تاریخ الآداب العربیة الإسبانیة» وكراتشكوفسكي في 1930م في «نصف قرن من البحث حول عرب إسبانیا» (V/313-323).

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: