الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / ابن الفرات /

فهرس الموضوعات

ابن الفرات

ابن الفرات

المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/29 ۱۹:۰۳:۱۸ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ الفُرات، كنیة عدد من رجال الحكم والوزراء الشیعة المعروفین في العراق ومصر خلال القرنین 3 و4هـ/9 و10م یعود أصلهم إلی بابلي وهي من قری صریفین في النهروان الأعلی (یاقوت، البلدان، 3/386؛ قا: الذهبي، سیر…، 14/474، الذي اعتبرهم عاقولیین نسبة إلی العاقول؛ أیضاً قا: الهمداني، 44).

ورغم صیت هذه الأسرة الذائع والدور المهم لكثیر من أبنائها خلال واحد من أشد عصور تاریخ الإسلام اضطراباً، فإن معلوماتنا عن المكان الذي ظهر فیه أسلافهم متناثرة وأحیاناً متناقضة إلی الحد الذي یمكن معه نسبة بعضهم لبعض عن طریق تشابه أسماء آبائهم وأسلافهم فحسب. وبما أنه لایُعثر في آثار المؤرخین المتقدمین علی أدلة تدعم بعض الكتابات المتأخرة فإن كتابة شجرة نسب هذه الأسرة وتحدید العلاقة بین بعض المنتسبین للأجیال الأولی – طبقاً لبعض المصادر – أمر عسیر للغایة.

إن شجرة النسب التي عرضها سوردل (II/747) قد ضمت أولئك الذین لایشك في صحة انتسابهم لأسرة ابن الفرات، بینما أورد ماسینیون («الأسس الشیعیة…»، 486-487) وزامباور (ص 17) في شجرة النسب التي اقترحها أسماء الجیل الأول من هذه الأسرة وحتی الثالث ممن یشك في صحة انتسابهم لأسرة ابن الفرات. وفي الحقیقة فإن ماسینیون قد اعتبر عمر بن الفرات الكاتب البغدادي الذي كان من أصحاب الإمام الرضا‌(ع)، ثم اتهم بالغلوّ وفساد العقیدة (الطوسي، رجال، 383؛ ابن داود، 489)، عمَّ أو عمَّ والد محمد بن موسی بن الحسن ابن الفرات؛ وأشار إلی فرات بن الأحنف العبدي الكوفي الذي كان هو أیضاً من أصحاب أئمة الشیعة ومتهماً بالغلو والذي ضعّفه علماء الرجال (الطوسي، ن.م، 99؛ ابن داود، 492)، بوصفه الجد الأعلی لهذه الأسرة. ویبدو أن هذا الرأي يفيد بأن فرات بن الأحنف كان له ولد یدعی محمداً (الإسترابادي، 324)، ویبدو علی أقرب الاحتمالات أنه هو نفسه محمد بن فرات الذي ذكره الكشي (ص 221، 222). كما اعتبر زامباور (ن.ص) شخصاً باسم نوفل بن محمد الذي أصبح سنة 141هـ/758م والیاً لمصر وعزل بعد سنة، ثم تولی بعد فترة مرة أخری منصب الولایة (ابن الأثیر، الكامل، 5/508، 510، 512) باعتباره واحداً من أفراد هذه الأسرة وابناً لمحمد بن فرات. لكننا لانجد في المصادر الرجالیة والتاریخیة المتقدمة أي أثر لوجود صلة عائلیة بین عمر بن الفرات وفرات بن الأحنف ومحمد بن موسی بن الحسن بن الفرات ونوفل بن الفرات. لیس هذا فحسب، بل إنه ومع الأخذ بنظر الاعتبار ما قیل من أن عمر بن الفرات قد قُتل علی ید إبراهیم بن المهدي سنة 203هـ/818م (ماسینیون، «آلام الحلاج»، I/463؛ EI2؛ قا: الإسترابادي، ن.ص)، یكون من المستبعد زمنیاً أن یكون نجلَ فرات بن الأحنف، أو عمَّ أبي محمد بن موسی بن الفرات. وفضلاً عن ذلك فإن مجرد وجود شواهد مثل اسم ولقب (فرات) والاتصال بأئمة الشیعة لایمكنه تأیید مثل هذا الانتساب، ذلك أن عدد الذین كانوا یحملون هذا الاسم واللقب من بین الرواة والمفسرین الشیعة لیس قلیلاً (مثلاً ظ: الخطیب، 3/163؛ المامقاني، مادة فرات؛ خوانساري، 5/353؛ التستري، 9/155)، إلا أن یُعثر علی أدلة تثبت انتساب فرات بن الأحنف وعمر بن الفرات إلی أسرة ابن الفرات.

عُرف من أسرة ابن الفرات، الشخصیات التالیة:

 

1. أبو جعفر محمد بن موسی بن الحسن بن الفرات

لدینا معلومات قلیلة عن حیاته، وطبقاً لما قاله النوبختي (ص 87) في فرق الشیعة فقد كان نصیراً ومؤیداً قریباً لمحمد بن نُصیر النمیري (قا: ماسینیون، ن.ص، حیث اعتبر عمر بن فرات باب النصیریة). وكان ابن نصیر قد قال بألوهیة الإمام العاشر علي النقي‌(ع) واعتبر نفسه رسوله. وبعد استشهاد الإمام الحسن العسكري ادعی مقام بابیة محمد بن عثمان العمري (الطوسي، الغیبة، 244؛ قا: المامقاني، 3/193). وطبقاً لما قاله أبو علي مسكویه (1/15) فإنه كانت له علاقة صداقة بالحسن بن مخلد ابن الجراح (تـ 263هـ) وزیر الخلیفة المعتمد، وقد شغل مناصب في جهاز الحكم (الهمداني، 46)، ویقال إنه أصبح عامل ماسبذان ونهاوند (ماسینیون، ن.ص). ویبدو أنه توفي بعد وفاة الإمام الحسن العسكري‌(ع) (260هـ/874م) وقبل موت محمد بن نصیر (تـ 270هـ/883م) (قا:م.ن، «الأسس الشیعیة»، 487). وكان له أبناء تسنم بعضهم رئاسة الدواوین والوزارات (ظ: الأعداد 2، 5، 7 في هذه المقالة).

وكان أبو عيسی ابنه الآخر من زهاد عبّاد زمانه، وقد آثر المجاورة بمكة، وتوفي علی عهد وزارة أخیه أبي الحسن علي (الهمداني، ن.ص).

 

2. أبو العباس أحمد بن محمد بن موی بن الحسن بن الفرات

(236-291هـ/850-904م، القلقشندي، صبح الأعشی، 13/57-58؛ قا: ماسینیون، «آلام الحلاج»، I/463).

وطبقاً لما ذكره الأشعري القمی (ص 101) فقد كان كاتباً وراویاً وصاحباً للإمام الحسن العسكري‌(ع) ویری البعض أن محمداً بن نصیر النمیري قد اختار عند وفاته أحمد بن محمد هذا لیكون خلیفة له من بعده. وقد أشیر إلی اسم أحمد بن موسی في كلام النوبختي، ویمكن أن نحتمل أن یكون اسم محمد قد سقط خلال ذلك. ویبدو أن أبا العباس أحمد قد شق طریقه للمنصب الدیواني عن طریق أبیه الذي كانت له صلة صداقة بالحسن بن مخلد الوزیر، وظل في هذا المنصب حتی شهر صفر 278/أیار 891. وفي هذا التاریخ ألقي به في السجن بعد عزل أبي الصقر إسماعیل بن بلبل وزیر المعتمد (الطبري، 10/22-23؛ ابن الأبار، 180-181). وقد ظل – كما یبدو – هو وأخوه أبو الحسن علي في السجن لسنة تقریباً حتی خلافة المعتضد (279هـ)؛ ففي هذه السنة تشفع لهما الوزیر عبید الله بن سلیمان الذي كان قد واجه خزانة خالیة ونفقات باهضة وبإشارة من أبي الفضل ابن عبد الحمید الكاتب، لدی الخلیفة المعتضد وتحدث عن مهارة وبراعة أبي العباس أحمد وأخیه أبي الحسن في الشؤون المالیة وخراج المدن، ونال موافقته في الإفراج عنهما. وقد نجح أبو العباس خلال فترة قصیرة في تحسین الأوضاع المالیة للدولة، وعُین من قبل الوزیر رئیساً لدیوان الخراج والضیاع (الصابي، 13، 14، 87). وطبقاً لروایة ابن خلكان (3/422)، فإن الوزیر قد أمهل فریقاً من الدیانیین شهراً لمراجعة حسابات خراج المدن، لكن أبا العباس أحمد وأبا الحسن علیاً بن الفرات قد أنجزا خلال یومین حسابات خراج جمیع بلدان الخلافة وأرسلا ما تمّ من حسابات، مما كان سبباً في إطلاق سراحهما من السجن واشتغالهما مرة أخری في المناصب الدیوانیة. ویبدو أن أبا العباس هو الذي أسس دیوان الدار بدمجه دواوین الولایة المشتملة علی دواوین المشرق والمغرب والسواد، وأخذ علی عاتقه رئاسته وأناب أبا الحسن علیاً بن الفرات عنه فیه (الصابي، 148). كما كان كل من محمد بن داود بن الجراح وعلي بن عیسی بن الجراح (ظ: ن.د، ابن الجراح) یعملان في هذا الدیوان تحت إشراف ابن الفرات. وفي الحقیقة فإن ابن الفرات قد رقّی هذین الاثنین حتی أصبحا في النهایة وبأمر الخلیفة رئیسین لقسمین من دیوان الدار هما دیوان خراج المغرب ودیوان خراج المشرق (الطبري، 10/73). ومن هنا بدأت المنافسة التي نشبت بین أسرتي ابن الفرات وابن الجراح واستمرت لسنوات.

وبسبب الدقة التي امتاز بها أبو العباس أحمد خلال فترة رئاسته لدیوان الخراج في حسابات الواردات الآتیة من المدن وفضحه بعض حالات الاستغلال التي كان یقوم بها الموظفون الحكومیون مثل أسرة النرسي، إضافة إلی حذقه في الأمور المالیة، فقد أثار أعداء كثیرین ضده (الصابي، 191-193)، حتی إن عبيد الله بن سلیمان الوزیر عند ما ذهب إلی بلاد الجبل سنة 285هـ/898م، وسلم مقالید الأمور لابنه القاسم، وأطلع الخلیفة علی سیطرته علی أمور دیوان الخلافة وذلك بعد لقائه بأبي العباس أحمد، أمر رئیس بیت المال العام بعدم قبول أیة حوالة من القاسم بن عبيد الله إلا أن تكون موقعة من أحمد بن الفرات (م.ن، 207-208). وقیل إن الخلیفة أراد بعد موت عبيد الله بن سلیمان (288هـ) أن یعین أحمد بن الفرات وزیراً، لكنه عند ما قوبل بمعارضة بدر رئیس الشرطة، أعطی هذا المنصب للقاسسم بن عبيد الله (ابن كثیر، 11/91)، فقام الوزیر الجدید بادئ الأمر وبمعونة أحمد بن الفرات بعزل أعدائه ونكبهم (التنوخي، نشوار…، 3/378-269)، لكن حدث بعد ذلك أن اتهم أحمد من قبل إبراهیم ابن الجراح رئیس ديوان خراج الراذانین بالانتفاع غیر المشروع من الأملاك الخاصة وبیت المال، فعزل وحكم علیه بدفع غرامة مالیة باهضة وخلال ذلك انهمك الوزیر الذي كان یرید إلقاءه في السجن بمحاربة الحسین بن كردویه الذي كان قد تمرد في الشام فتخلی عن ذلك.

ظل أبو العباس أحمد بن الفرات رغم الاتهامات التي وجهت إلیه، دقیقاً في حساباته المالیة وصارماً، وكان یمتنع عن التوقیع علی الإقطاعات التي لامسوّغ لها والتي كان الخلیفة والوزیر والأمراء یمنحونها لحاشیتهم، وكان دائماً یخشی أن تتسبب هذه العطایا في تقلیل موارد الدولة وتأخیر دفع رواتب الجنود مما یؤدي إلی حدوث الاضطرابات، حتی إنه امتنع عن التوقیع علی الضیاع التي كان الخلیفة قد منحها لجاریته الأثیرة لدیه (الصابي، 199-202).

وقد قیل إن الخراج الذي كان یجبی من العراق علی عهده لم یكن له مثیل إلا علی عهد عمر بن الخطاب (م.ن، 209). والقصة التي أوردها الصابي (ص 83) عن لامبالاته بوشایات المنافسین والأعداء، تدل علی نقاء سریرته الذي أثار إعجاب الوزیر أیضاً. وكان أسلوبه هذا سبباً في أن یثني عبيد الله بن سلیمان الوزیر علیه لحسن كتابته وكفاءته، وینقل الصابي حكایات عن صرامته ودقته (ص 205-208).

كان أبو العباس أحمد فقیهاً أدیباً محباً للشعر، وقد عُدّ أعلم الناس بفقه المذاهب الإسلامیة، كما كان ینظم الشعر أیضاً، وقد أثنی عبد الله بن المعتز علیه في قصائده (الصابي، 86، 87، 222، 244)، وقد تحدث البحتري في قصیدة له مشهورة عن صفاته وأثنی علیه (1/569).

توفي أواخر سنة 291هـ (الصابي، 152). وطبقاً لورایة التنوخي (نشوار، 3/271-272)، فإن محمداً بن فراس منافس أبي العباس أحمد قد حرّض القاسم بن عبيد الله الوزیر علی قتله، فدس إلی ابن الفرات السم فمات به. وقد خلف أبو العباس أحمد ثلاثة أولاد، هم: أبو الخطاب العباس وأبو محمد الفضل وأبو جعفر محمد (الصابي، 249). ولیس لدینا اطلاع عن الاثنین الأخیرین.

 

3. أبو الخطاب العباس بن أحمد بن محمد

(جمادی الآخرة 258-أواخر رجب 338/نیسان 872-23 كانون الثاني 950)، محدث. یبدو أنه نشأ ببغداد ودرس فیها العلوم وروی عن أمثال أبي سعید السكري وأحمد ابن الفرج المقري ومحمد بن موسی البربري وعلي بن سراج المصري (الخطیب، 12/159). وقد قیل إنه رشح مرة للوزارة لكنه امتنع عن قبولها (ن.ص). ویبدو أنه كانت له علاقة وثیقة بعمه الوزیر أبي الحسن علي، وكان یبلغه بالإشاعات المنتشرة بین الناس ضده بسبب تحریض ووشایات ابن مقلة (أبو علي مسكویه، 1/52).

 

4. أبو الحسن محمد بن العباس بن أحمد

(319- شوال 384هـ/931- تشرین الثاني 994م)، محدث. قضی عمره في جمع الحدیث وتدوین التفسیر والتاریخ. سمع الحدیث من ابن البَختري وطبقته (الذهبي، تذكرة…، 3/1015)، ومن أبیه أبي الخطاب العباس (الخطیب، 12/159)، ومن أمثال القاضي أبي عبد الله المحاملي ومحمد بن مخلد الدوري وحمزة بن القاسم الهاشمي. وبدأ الكتابة حوالي سنة 330هـ، ولم یتوقف حتی وفاته عن جمع وتدوین الحدیث. قیل إنه كان یحتفظ بالصنادیق المكتظة بالكتب التي كان قد دوّن أغلبها، ومنها مائة جزء في التفسیر ومائة في التاریخ (الخطیب، 3/122-123). روی عنه أمثال أحمد بن علي البادي ومحمد بن عبد الواحد بن رِزمة وإبراهیم بن عمر البرمكي وآخرون (الذهبي، سیر، 16/495). دعاه الذهبي بالإمام الحافظ (تذكرة، ن.ص)، وأثنی الخطیب علی صحة نقله وجودة ضبطه للروایات ووثّقه (ن.ص). وكان له أخ یدعی عبيد الله كان هو الاخر من الرواة (الخطیب، 12/159).

 

5. أبو الحسن علي بن محمد بن موسی

(241- مقـ 312هـ/855-924م)، الوزیر الشهیر للخلیفة المقتدر العباسي وأول من نال الوزارة من أسرة الفرات. وكما مرّ بنا آنفاً، فقد بدأ العمل في الدیوان تحت إشراف أخیه أبي العباس أحمد الذي كان یشغل منصب رئیس دیوان الخراج والضیاع. وبعد وفاة أخیه عین رئیساً لدیوان الخراج (الصابي، 28). وعند وفاة الخلیفة المكتفي سنة 295هـ، كان هو واحداً من رؤساء الدواوین الذین استشارهم العباس بن الحسن الجرجرائي الوزیر بشأن من یخلف المكتفي. وقد أید أبو الحسن ابن الفرات خلافة المقتدر جعفر بن المعتضد الطفل من خلال اقتراحه بأن یُختار للخلافة من لیس له رأي أوأمر ونهي، بینما مالت أسرة ابن الجراح إلی ابن المعتز. وأخیراً رجع رأي ابن الفرات فتولی الحكم المقتدر ذو الثلاث عشرة سنة. لكن وبعد فترة وجیزة عزل مؤیدو ابن المعتز، المقتدرَ، فاختفی ابن الفرات وحاشیة الخلیفة المعزول (أبو علي مسكویه، 2/1 -8؛ ابن الجوزي، 6/67-68).

وقد تسنم أبو الحسن علی منصب الوزارة ثلاث مرات:

1. الفترة الأولی (296-299هـ/ 908-912م). عندما ألغیث خلافة ابن المعتز التي استمرت یوماً واحداً، أرسل الخلیفة المقتدر خاتمه إلی أبي الحسن علي الذي كان یعیش مختفیاً ودعاه إلی الوزارة، حیث تسلم منصبه رسمیاً في 8 أو 21 ربیع الأول سنة 296 (الصابي، ن.ص؛ القرطبي، 28؛ ابن خلكان، 3/421)، وقد أقطع الأملاك التي كان الخلیفة المكتفي قد منحها للعباس بن الحسن الوزیر والتي كانت تدرّ وارداتها خمسین ألف دینار وعُین له راتب شهري قدره 5 ألاف دینار (الصابي، 28-29).

عامل ابن الفرات منذ بدایة وزارته، من بقي من مؤیدي ابن المعتز – الذین نافسوه حقاً – معاملة حسنة، وأطلق سراح بعضهم من السجن (القرطبي، 29)، فقد توسط لعلي بن عیسی ابن الجراح عند الخلیفة، وبرّأه من واقعة ابن المعتز وأرسله إلی واسط باحترام وأعطی من ماله لسوسن الحاجب كي لایذكر شیئاً عن ابن الجراح أمام الخلیفة. بل إنه سعی إلی كف أیدي المنتقمین عن محمد بن داود ابن الجراح وزیر ابن المعتز (الصابي، 29-30؛ أبو علي مسكویه، 1/8). وقد أدی تفوق ابن الفرات السریع في أعماله بسبب علمه ومهارته إلی أن تكف أیدي سوسن الحاجب عن الأعمال، فقام سوسن بإثارة الخلیفة ضد الوزیر، ثم تحدث مع المقتدر بشأن تعیین محمد بن عبدون الذي كان قد نفي إلی واسط، وزیراً، حتی إنه أرسل من یجلب ابن عبدون من واسط إلی بغداد (م.ن، 1/12). وبالمقابل قام ابن الفرات بتحذیر الخلیفة من سوسن واتهمه بالتواطؤ مع ابن المعتز، إلی أن قتل سوسن أخیراً بأمر من الخلیفة (الصابي، 32؛ ابن الأثیر، الكامل، 8/55). كما اعتقل ابن عبدون في الطریق ثم قتل ببغداد (أبو علي مسكویه، 1/13). وبعد هذه الواقعة استأذن علي بن عیسی ابن الجراح الذي كان یعیش في واسط وخوفاً من اتهامه بالتواطؤ مع ابن عبدون، بالذهاب إلی مكة، فوافق ابن الفرات وأرسله إلیها (ن.ص).

ومن الحوادث المهمة في تلك الفترة، هجوم القرامطة علی البصرة (299هـ)، حیث أرسل الوزیر جیشاً لصدهم (م.ن، 1/33-34)، لكنه عزل عن الوزارة بعد فترة وجیزة. وقد قال عریب بن سعد القرطبي (ص 37) في سبب عزله أن الوزیر طلب من أعراب البادیة أن یهاجموا بغداد، لكن الصابي (ص 34) قال إنه عند اقتراب عید الأضحی سنة 299هـ وكان ابن الفرات قد أفرغ الخزانة، بسبب إسرافه في البذل والعطاء علی ما یبدو (ظ: القرطبي، 29؛ أبو علي مسكویه، 3/13)، أو أنه تظاهر بذلك أمام الخلیفة، فقد طلب إلی المقتدر أن یدفع نفقات العید من الخزانة الخاصة، فامتنع الخلیفة عن ذلك، ووجد أعداء ابن الفرات الفرصة سانحة لتحریض الخلیفة ضد الوزیر، حتی عزل أخیراً من منصبه في الرابع من ذي الحجة من تلك السنة (الطبري، 10/145). وفي الحقیقة فإن اضطراب الأوضاع السیاسیة ببغداد بسبب عجز الخلیفة خاصة لاعتماده علی الأمراء والحجاب وحاشیة البلاط الذین لم تكن تروق لهم هیمنة ابن الفرات، والمنافسات الشدیدة التي نشبت فیما بینهم علی السلطة، قد شكلت العوامل الرئیسة في عملیات العزل والتنصیب المتتالیة للوزراء والأمراء وعمال الدولة. فقد نهب أعداء ابن الفرات بعد ذلك بیت الوزیر وبیوت من لهم علاقة بجهاز الوزارة، فاختفی بعض أعوان وأقارب أبي الحسن علي، وألقي به في السجن، واختیر لمحاكمته أبو الحسن أحمد بن أبي البغل الذي لم یتمكن من إلحاق الضرر به، لكن الوزیر المعزول اعترف بمكان بعض أمواله؛ ثم إن أبا علي الخاقاني الوزیر الجدید سلّم منصب رئاسة دیوان المصادرین إلی العباس بن محمد ابن توابة وعیّنه لمحاكمة ابن الفرات. فبالغ ابن ثوابة – بأمر من الخلیفة – في إیذاء ابن الفرات وذوي العلاقة به، لكنه لم یتمكن من الحصول علی مال منه (أبو علي مسكویه، 1/20-22؛ قا: القرطبي، 37، الذي یقول: صودرت من أموال ابن الفرات سبعة ملایین دینار)، وأخیراً وبوساطة أبي الخیر بدر الحُرمي الخادم الموثوق به لدی الخلیفة والذي كان یكن الود لابن الفرات، تخلص هذا من الأذی والعذاب، وسجن في سجن دار الخلافة المخصص للوزراء ورجال الحكم المعزولین، الذي كان یدار بإشراف زیدان القهرمانة التي كانت من النساء الشهیرات والمشرفة والمتولیة لأمور نفقات بلاط الخلیفة، وكانت تلتزم جانب ابن الفرات بشدة (التنوخي، الفرج…، 2/43-49).

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: