اِبْنُ عَیّاش، أحمد بن محمد بن عبید الله الجوهري (تـ 401هـ/1011م)، محدّث إمامي. لانعلم شیئاً عن تاریخ ولادته، لكن یمكن تخمینه اعتماداً علی تاریخ وفاة أقدم مشایخه. ویؤكد سندان نقلهما ابن عیاش نفسه في مقتضب الأثر (ص 24,3) أنه سمع أبا بكر محمد بن عبد الله الأنماطي (تـ 286هـ، الخطیب، 5/432)، ومن خلال الوصف الذي أورده نخمن أنه ولد في حدود 270هـ. كما یُفهم من خلال استقراء مشایخه وتلامذته أنه أمضی معظم حیاته في بغداد. ولانعرف عنه غیر رحلة واحدة قام بها إلی سامراء حوالي عام 339هـ (ابن عیاش، 12). ولابد أن تلك الرحلة كانت قصیرة لأنه سمع ببغداد علی ما یبدو سهل بن محمد الطرطوسي في 340هـ (م.ن، 18). توفي ببغداد بعد عمر مدید (الطوسي، الفهرست، 33). كان أبوه وجده من وجهاء بغداد في أیام آل حمّاد، وكانت أمه سكینة بنت أبي یعلی الحسین بن یوسف من رجال آل حماد البارزین، وشقیق القاضي أبي عمر محمد بن یوسف (ن.ص؛ النجاشي، 85). وكانت أسرته من أهل العلم سواءً من جهة أمه، أم من جهة أبیه، وكانت كما أشار إلی ذلك علی علاقة بأبي القاسم الحسین بن روح النوبختي أحد النواب الخاصین للإمام المنتظر‌(ع) (الطوسي، مصباح…، 741)، وكان جده عبید الله من علماء الشیعة ببغداد وأول مشایخه (ابن النجار، 2/43-44).

ولایدع كتاب مقتضب الأثر مجالاً للشك في كون ابن عیاش شیعیاً اثني عشریاً، لكنه لم یحظ برضی شیوخ بغداد (ظ: النجاشي، 86). وأشار النجاشي (ص 85) والطوسي (الفهرست، 33، رجال، 449) إلی كثرة روایته وإلی أنه اضطرب في أواخر حیاته. ومن توضیحاته حول طرق تحمل الحدیث (ابن عیاش، 31، 41، 53) والخلافات الدقیقة في روایة حدیث واحد (م.ن، 18-21) والتقطیع في الحدیث لضرورة ما (م.ن، 50، 51)، إلا دلیل علی دقته في تسجیل الحدیث (للاطلاع علی دقته في الروایة، ظ: م.ن، 24).

وتتضح دقته في روایة الحدیث سنداً ومتناً من خلال مقارنة أحادیثه بمثیلاتها في الكتب الأخری (كمثال علی ذلك حدیث جابر بن سمرة، ظ: ابن عیاش، 4؛ قا: البخاري، 1(1)/401؛ ابن أبي زینب، 62) وحدیث سعید بن غزوان (ابن عیاش، 9؛ قا: ابن أبي زینب، 44؛ ابن بابویه، 1/281). بادر ابن عیاش في بعض الحالات إلی نقد الحدیث كما أشار هو إلی ذلك في مقدمة مقتضب الأثر (مثلاً ظ: ص 5؛ الخزاز، 43).

ورغم فقدان أغلب آثاره، فقد وقفنا علی اسم 40 من شیوخه في الحدیث منهم: ابن عقدة الهمداني وأبو علی الصولي وعبد الله بن جعفر الحمیري وأحمد بن محمد بن یحیی العطار وابن حمزة الطبري وابن الجعابي ومحمد بن أحمد المنصوري وسهل بن محمد الطرطوسي والحسین بن علي البزوفري (ابن عیاش، مخـ؛ ابن شاذان، 47، 128؛ الطوسي، مصباح، 736، 759؛ الطبرسي، 349، 370-373). ومن تلامذته ورواة حدیثه ابن شاذان القمي والنجاشي والخزاز القمي وجعفر بن محمد الدوریستي (ابن شاذان، مخـ؛ النجاشي، 63؛ الخزاز، مخـ، ابن أبي الرضا، 168). ونقل الشیخ الطوسي عنه في عدة مواضع (الفهرست، 33، رجال، 449، الغیبة، 183، مصباح، 739) بواسطة «جماعة» أو «جماعة من أصحابنا»، ولابد أنه یرید بهم شیوخه المعروفین كالمفید والحسین بن عبید الله الغضائري (حول باقي تلامذته، ظ: الكراجكي، 256؛ ابن النجار، 2/43-44؛ الطبرسي، 349؛ العلامة الحلي، 11؛ أفندي، الصحیفة…، 12).

بذل ابن عیاش جهوداً كبیرة بصفته حلقة وصل في روایة آثار السف، حتی إن بعض تلك الآثار لم تصل إلا عن طریقه إلی أیدي الخلف، كما أن بعضها ظل محفوظاً بجهوده حتی یومنا هذا مثل طب الأئمة لابني بسطام. ومن آثار الشیعة والسنة التي رواها: الخصال والكمال لابن عنبسة، والتخریج لعبید بن كثیر، وكتب وكیع بن الجراح وموسی بن عیسی المنصوري (ابن عیاش، مخـ؛ النجاشي، مخـ؛ العلامة الحلي، 116-117).

ولابن عیاش معلومات رجالیة واسعة، وفضلاً عن الآثار المستقلة التي صنفها في هذا العلم له بحوث رجالیة أیضاً في مواضع عدیدة من مقتضب الأثر حسب المناسبة. كمثال علی ذلك یحظی توضیحه (ص 8) حول نسب «الطاطري» بالاهتمام، قیاساً إلی توضیح المراجع الأخری كالأنساب للسمعاني (9/6) ومعجم البلدان لیاقوت (3/488). وأفاد النجاشي مراراً في رجاله من ابن عیاش، لكنه لم ینقل عنه – لسبب أو لآخر – المواضیع ذات الصلة بالجرح والتعدیل.

وبإلقاء نظرة علی عناوین آثار ابن عیاش المفقودة والقطع المبعثرة الباقیة منها یتبین أنه لعب دوراً كبیراً في تسجیل تاریخ أئمة الشیعة المتأخرین وكذلك تاریخ الغیبة الصغری (260-329هـ/874-941م) وهو أمر یحظی بأهمیة بالغة نظراً لكونه قد أدرك الغیبة الصغری، وتورّط في المسائل ذات الصلة بها كادعاء أبي بكر البغدادي (ظ: الطوسي، الغیبة، 255)، وعدا ذلك فقد نقلت عنه أیضاً مواضیع بشأن تاریخ الأئمة المتقدمین (ظ: م.ن، مصباح، 749، 759؛ ابن شهرآشوب، مناقب…، 4/379).

كان ابن عیاش بارعاً في الأدب وطیب الشعر كما یقول تلمیذه النجاشي (ص 86). وتشیر بعض عناوین فهرس آثاره إلی تضلعه من التاریخ والأدب العربي.

ویبدو أنه كان یمتهن صناعة الجواهر؛ ولم یُلقّب وحده بالجوهري، بل إن جده عبید الله لقب بالجوهري أیضاً (ابن النجار 2/43). مما یعني أنها حرفة أسرته أیضاً. وكان ماهراً في هذه الصنعة حتی إنه ألف فیها.

آثاره

ألف- المطبوعة

مقتضب الأثر في النص علی الأئمة الاثني عشر، طبع بالنجف في 1346هـ، ثم بقم في 1379هـ. ویضم مجموعة من الأحادیث التي وردت بشكل رئیس عن طریق أهل السنة في إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر وهو من كتب الإمامیة الأولی في هذا الشأن، وكان أكثر تلامیذه تأثراً به الخزاز القمي، وما كتابه كفایة الأثر إلا مجهود قصد به إكمال العمل الذي بدأه أستاذه. ولما كان المؤلف قد نقل في مقتضب الأثر عن ابن حمزة الطبري، وبما أن ابن حمزة قد دخل بغداد في 356هـ/967م (ظ: ن.د، ابن حمزة)، فلابد أن تألیف هذا الكتاب یعود إلی ما بعد السنة المذكورة.

ب- المفقودة

1. الأغسال، یتناول هذا الكتاب، كما تتحدث المصادر، الأغسال المندوبة ومن المحتمل الواجبة أیضاً، كانت نسخته موجودة حتی القرن 9هـ/15م وقد نقل عنه الكفعمي (الطوسي، الفهرست، 33؛ النجاشي، 86؛ ابن طاووس، إقبال، 21؛ أفندي، ریاض…، 6/31؛ النوري، 1/152-154؛ آقابزرگ، 2/252).

2. أخبار أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري (الطوسي، النجاشي، ن.ص)، ویستشف من المصادر أن هذا الكتاب یحتوي علی الروایات التاریخیة الخاصة بالأئمة المتأخرین. وكانت نسخة هذا الكتاب موجودة حتی القرن 7هـ/13م، وقد نقل عنها الطبرسي (ص 349، مخـ) وابن شهرآشوب (مناقب، 4/390) والإربلي (3/221). ورواه العلامة الحلي أیضاً في إجازته لبني زهرة (ص 110).

3. عمل رجب، شعبان وشهر رمضان (الطوسي، النجاشي، ن.ص). وقد أفاد منه ابن طاووس في مهج الدعوات (ص 46).

4. مسائل الرجال، وهو عبارة عن أسئلة طرحت علی الإمام الهادي‌(ع) وأجوبتها. كانت نسخة هذا الكتاب موجودة حتی القرن 7 هـ/13م، ونقل عنها ابن إدریس في مستطرفات السرائر (ص 479) وابن طاووس في الأمان (ص 45).

وباقي آثار ابن عیاش التي لم یعثر علی أي نسخة منها حتی الآن عبارة عن: كتاب في ذكر الشجاج؛ أخبار جابر الجعفي؛ أخبار السید (إسماعیل الحمیري)؛ شعر أبي هاشم الجعفري؛ ما نزل من القرآن في صاحب الأمر (الزمان)‌(ع)؛ الاشتمال علی معرفة الرجال، وهو كتاب صغیر ذكر فیه رواة كل إمام؛ ذكر من روی الحدیث من بني ناشرة (أو بني عمّار بن یاسر)؛ أخبار وكلاء الأئمة الأربعة، وهو كتاب وجیز. وإضافة لما سبق فقد ذكر له كتاب یدعی اللؤلؤ وصنعته وأنواعه (الطوسي، النجاشي، ن.ص؛ ابن شهرآشوب، معالم…، 20).

المصادر

آقابزرگ، الذریعة؛ ابن ابي الرضا، محمد، «الإجازة الكبیرة»، بحار الأنوار للمجلسي، بیروت، 1403هـ، ج 104؛ ابن أبي زینب النعماني، محمد، الغیبة، بیروت، 1403هـ/1983م؛ ابن إدریس، محمد، السرائر، طهران، 1390هـ؛ ابن بابویه، محمد، كمال‌ الدین، تقـ: علي أكبر الغفاري، طهران، 1390هـ؛ ابن شاذان، محمد، مائة منقیة، قم، 1407هـ؛ ابن شهرآشوب، محمد، معالم العلماء، النجف، 1380هـ/1961م؛ م.ن، مناقب آل أبي طالب، قم، انتشارات علامة؛ ابن طاووس، علي، إقبال الأعمال، طهران، 1390هـ؛ م.ن، الأمان من أخطار الأسفار والأزمان، النجف، 1370هـ/1951م؛ م.ن، مهج الدعوات، بومباي، 1299هـ؛ ابن عیاش، أحمد، مقتضب الأثر، قم، 1379هـ؛ ابن النجار، محمد، ذیل تاریخ بغداد، تقـ: قیصر فرح، حیدرآباد الدكن، 1401هـ/1981م؛ الإربلي، علي، كشف الغمة، بیروت، 1401هـ/1981م؛ أفندي الأصفهاني، عبد الله، ریاض العلماء، تقـ: أحمد الحسیني، قم، 1401هـ؛ م.ن، الصحیفة الثالثة السجادیة، قم، 1400هـ؛ البخاري، محمد، التاریخ الكبیر، حیدرآباد الدكن، 1402هـ/1982م؛ الخزاز القمي، علي، كفایة الأثر، قم، 1401هـ؛ الخطیب البغدادي، أحمد، تاریخ بغداد، القاهرة، 1349هـ؛ السمعاني، عبدالكریم، الأنساب، حیدرآباد الدكن، 1398هـ/1978م؛ الطبرسي، الفضل، إعلام الوری، النجف، 1390هـ/1970م؛ الطوسي، محمد، أمالي، بغداد، 1384هـ/1964م؛ م.ن، رجال، النجف، 1380هـ/1961م؛ م.ن، الغیبة، النجف، 1385هـ؛ م.ن، الفهرست، تقـ: محمد صادق آل بحر العلوم، النجف، مكتبة المرتضویة؛ م.ن، مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، طهران، 1338-1339هـ؛ العلامة الحلي، الحسن، «الإجازة الكبیرة»، بحار الأنوار للمجلسي، بیروت، 1403هـ، ج 104؛ الكراجكي، محمد، كنز الفوائد، تبریز، 1322هـ؛ النجاشي، أحمد، رجال، تقـ: موسی شبیري زنجاني، قم، 1407هـ؛ نوري، میرزا حسین، مستدرك الوسائل، طهران، 1318-1321هـ؛ یاقوت، البلدان.

أحمد پاكتچي/ت.