اِبْنُ الفاخِر، أبو الكرم المبارك بن الفاخر بن محمد (431 أو 448- 14 ذو القعدة 500هـ/1040 أو 1056-8 تموز 1107م)، نحوي ولغوي كبیر ببغداد، وعرف في بعض المصادر بابن الدبّاس أو الدبّاس (ابن الأنباري، 265، الهامش؛ یاقوت، 17/55؛ ابن خلكان، 3/103؛ الذهبي، العبر، 2/380). لیس لدینا علم بمهنة أبه، أو هل كان حقیقة دباساً أم لا. ولكننا نعلم أن أخاه لأمه أبا عبد الله الحسین كان یعرف بالبارع بن الدباس، أو بابن الدباس (ابن الأنباري، 265؛ ابن الجوزي، 10/16-19؛ القفطي، 3/257). وبالنظر إلی التشابه بین الأخوین في المجالات العلمیة والأدبیة فلا یستبعد أن یكون المؤلفون قد أخطؤوا في تسمیة ابن الفاخر بابن الدباس.

ولد ابن الفاخر ببغداد، ویبدو أنه عاش فیها حتی آخر حیاته، ولكنه كان یسافر إلی الحجاز والیمن وذل كي یأخذ كما یبدو اللغة عن العرب الخلَّص في تلك الدیار، ولكن «أهل الیمن نقلوا عنه علماً كثیراً» (القفطي، 3/256).

ومبلغ علمنا أن ابن الفاخر كان یمارس النحو واللغة وكذلك الحدیث. وقد بلغ في النحو واللغة شهرة واسعة، وغدا إماماً فیهما (ابن الجوزي، 9/154؛ ابن الأثیر، 10/439). وكان في النحو علی سنن أبي علي الفارسي ومدرسة البصرة (القفطي، 3/257)، ویدرّس الكتاب لسیبویه وشرح أبي سعید السیرافي علیه (ابن الأنباري، 267، 282). أخذ ابن الفاخر النحو عن أستاذه الكبیر عبد الواحد ابن برهان العكبري (م.ن، 244، 266؛ یاقوت، 17/54)، كما أخذه عن عدد من الأساتذة كأبي القاسم الرقي وعیسی بن عمر بن الأصفر، وأبي الحسین ابن شاهویه وهلال الصابئ وأبي القاسم التنوخي (الذهبي، سیر، 19/302).

وسمع الحدیث من القاضي أبي الطیب طاهر بن عبد الله الطبري وأبي محمد الحسین بن علي الجوهري، وروی عن أبي الطیب (ابن الجوزي، ن.ص؛ القفطي، 3/256؛ الذهبي، العبر، ن.ص)، لكن بعض الشیوخ كالشیخ أبي الفضل ابن ناصر – من مشایخ ابن الجوزي – وأبي منصو ابن خیرون، رموه بالكذب والتزویر في الروایة، وقالوا إنه كان یدعي سماع ما لم یسمعه من التنوخي وأبي الطیب وغیرهما (ابن الجوزي، ن.ص؛ قا: یاقوت، ن.ص؛ الذهبي، العبر 2/380، سیر، 19/302-303).

أكبر تلامذة ابن الفاخر أبو محمد عبد الله بن علي، المعروف بابن بنت الشیخ أبي منصور الخیاط أو سبط الخیاط (ابن الأنباري، 266، 282؛ الذهبي، سیر، ن.ص). وكان ممن حضر درسه وأخذ عنه أیضاً والد السمعاني (یاقوت، 17/55)، وأبو طاهر السلفي وأبو العمر الأنصاري وأبو طالب محمد بن علي الكتاني (الذهبي، ن.م، 19/302).

وكان لابن الفاخر في مجالس درسه طریقة خاصة أدت إلی انتقاده أحیاناً، فقد كان مثلاً یكرم المترددین إلیه لطلب العلم بالقیام لهم في مجلسه، وكان بعض الشیوخ كالخطیب التبریزي یأبون ذلك وینكرونه علیه ویرون أنه إزراء بالعلم، حتی إنه كان ینشد فیه بیتاً من الشعر یتضمن هذا المعنی:

قصر بالعلم وأزری به من قام في الدرس لأصحابه

(یاقوت، ن.ص؛ الصفدي، 52).

وما نعرفه عن أسلوبه في الكتابة هو ما قاله ابن مكتوم، إنه نثر فیه تكلف ویمتزج بالصناعات اللفظیة، ولكنه بلیغ. وله خط حسن «مرغوب فیه له قدر عند العملاء بهذا الشأن» (ظ: القفطي، 3/257).

نسب إلی ابن الفاخر عدد من الكتب، لم یعثر علی أي منها: هي: 1. جواب المسائل؛ 2. شرح الألف واللام للمازني؛ 3. شرح خطبة أدب الكاتب لابن قتیبة، ویقول القفطي (3/256) إنه صنفه في الیمن، ثم «صنف في العراق بعد ذلك شرحاً مختصراً أحال فیه علی الأول»؛ 4. المعلم في النحو؛ 5. نحو العُرف (ابن الأنباري، 266؛ یاقوت، 17/54؛ القفطي، 3/256-257). ویقول القفطي إنه أودع هذا الكتاب رغم صغره غوامض النحو، كما أن ابن الفاخر شرع في تألیف كتب أُخَر، ولكن یظن أنه مات ولم یتمها (ن.ص).

توفي ببغداد ودفن فیها بباب حرب (ابن الأنباري، 267؛ ابن الجوزي، 9/154؛ القفطي، یاقوت، ن.ص). وذكر بعضهم أنه توفي في 505هـ (ابن خلكان، 3/103؛ الذهبي، سیر، 19/303).

المصادر

ابن الأثیر، الكامل؛ ابن الأنباري، عبد الرحمن، نزهة الألباء، تقـ: إبراهیم السامرائي، بغداد، 1959م؛ ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم، حیدرآباد الدكن، 1359هـ؛ ابن خلكان، وفیات؛ الذهبي، محمد، سير الأعلام النبلاء، تقـ؛ شعيب الأرنؤوط، بيروت، 1405هـ؛ م.ن، العبر، تقـ، السعید زغلول، بیروت، 1405هـ/1985م؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، النسخة المصورة الموجودة في مكتبة المركز؛ القفطي، علي، إنباه الرواة، تقـ: محمد أبو الفضل إبراهیم، القاهرة، 1374هـ؛ یاقوت، الأدباء.

نوري السادات شاهنگیان/ ن.