اِبْنُ عَبدَك، أبو أحمد محمد بن علي بن عبدك الجرجاني (تـ بعد 360هـ/971م)، متكلم ومحدث شیعي. عرف بالعبدكي أیضاً نسبة إلی جده عبد الكریم، المعروف بعبدك.

لاتعرف سنة ولادة ابن عبدك بدقة، وما نعرفه أنه أفاد من محمد بن داود الأصفهاني (تـ 297هـ) (ظ: الحسكاني، 1/94). استوطن جرجان وتوفي فیها (السمعاني، 9/195). وأقام فترة في نیسابور، وحضر مجلسه فیها الحاكم النیسابوري (ظ: خلیفة، 108؛ السهمي، 451؛ السمعاني، ن.ص)، ونعلم أیضاً أن ابن عبدك أفاد من أبي هاشم الجُبائي في عسكر مُكرَم قبل 314هـ (ظ: ابن الندیم، 222). وقصد أثناء عودته أصفهان، ثم اختلف في بلخ إلی أبي القاسم البلخي (تـ 317 أو 319هـ)، وأفاد من درسه (القاضي عبد الجبار، 323، 331؛ ابن المرتضی، 65). ویقول القاضي عبد الجبار إن أبا القاسم كان یقبل كثیراً من الإشكالات التي یوردها علی كلامه، ویعدل عن رأیه (ص 331). ویستشف من رسالة أبي القاسم البلخي لأبي سهل محمد بن عبد الله أن ابن عبدك كان بارعاً في دراسة علم الكلام. وتحدث أبو القاسم البلخي في هذه الرسالة عن لقائه بفتی یعرف بابن عبدك وصرح بأنه ما رأی رجلاً أعرف بدقیق الكلام وجلیله منه (ابن المرتضی، ن.ص). ویظهر مما قیل إنه كان عالماً بالآراء الكلامیة في مدرسة الاعتزال بالبصرة وبغداد.

ولاشك في أنه كان شیعیاً وله منزلة خاصة بین شیعة جرجان، كما ورد عن تشیعه في بعض المصادر (ظ: السهمي، ن.ص؛ ابن القیسراني، 84-85؛ السمعاني، 8/242). وفیما أورده الحاكم النیسابوري (ظ: ابن الجوزة، 1/347-348؛ السیوطي،1/327) وتبعه في ذلك بعض علماء الرجال (ظ: ابن القیسراني، السمعاني، ن.ص؛ ابن نقطة، 1/519) أنه كبیر ومقدّم الشیعة، ووصفوه بـ «إمام أهل التشیع في عصره»، إلا أننا لانعرف بدقة من أي فرق الشیعة كان، ولكن یمكن معرفة بعض میوله من معلومات وردت عنه، فالنجاشي الذي ربما ذكر أن كنیته أبو جعفر لأن له ابناً باسم جعفر (ص 327) صرح بإمامیته، ووصفه بـ «جلیل القدر» ضمن قوله بأنه فقیه ومتكلم (ص 328). كما ذكره الطوسي في الفهرست (ص 193-194) واعتبره من كبار متكلمي الإمامیة (قا: ابن شهر آشوب، معالم…، 143). ویمكن بدراسة روایات أبي طالب الحسني أحد تلامذة ابن عبدك عنه، احتمال نزوعه إلی بعض أفكار الزیدیة، ومن تلك الروایات التي تجدر الإشارة إلیها، روایات تؤید الوعید والمنزلة بین المنزلتین، وكذلك روایة في الإمام زین العابدین‌(ع) لاتتفق مع عقائد الإمامیة في عصمة إلإمام (ط: أبو طالب، تیسیر…، 102، 316، 403-404، مخـ)، وكذلك فإن نقل ابن عبدك حكایتین في مدح محمد بن زید الداعي وإمامة الناصر الكبیر (الأطروش) یدل علی رأیه بالزیدیة والأئمة الزیدیة (ظ: م.ن، «الإفادة…»، 87؛ ابن كرّامة، 122).

ویمكننا الاستعانة بكلام القاضي عبد الجبار الذي قال عنه: «إنه خلط فیما یتصل بالإمامة، وتنقل فیها من قول إلی قول» (ص 331) لمعرفة اتجاهه المذهبي. ویمكن القول في المباحث الكلامیة الأخری غیر الإمامة إنه كان ینزع علی الأكثر إلی أفكار الاعتزال، ففي مسألة الوعید مثلاً حیث إن الاعتقاد بها یخالف قول الإمامیة المشهور (النجاشي، 381؛ قا: المفید، 53؛ الشریف المرتضی، 1/131)، اعتبره الشیخ الطوسي قائلاً بالوعید كأبي منصور الصرّام (ن.ص).

ومن مشایخ ابن عبدك عدا من ذكرنا: محمد بن یزداد الجرجاني وعمران بن موسی بن مجاشع الجرجاني وأبو جعفر محمد بن جعفر الموسوي وإسحاق بن عباس بن إسحاق بن موسی بن جعفر‌(ع) وعلي ابن یحیی الآملي ومحمد بن موسی الرصاصي وأبو سعید عبد الرحمن ابن سلیمان النقاش وعبدان الجوالیقي وجعفر بن علي الجابري (أبو طالب، تیسیر، 52، 102، 141، 148، 170، 173، 179؛ السهمي، 451؛ ابن القیسراني، ن.ص). وممن روی عنه ابن بشت الخزفي وأبو منصور الحسیني وبشر بن محمد الخطیب المیهني (الحسكاني، 1/93-94؛ الفارسي، 34، 245).

ومن حیث آراء الرجالیین فیه، فقد وصفه الحاكم النیسابوري بالعقل والكمال وحسن النظر فحسب، دون أي توثیق (ظ: السمعاني، 9/185). ویری ابن الجوزي (1/349)، وبعده السیوطي (1/327-328) أنه متهم وحدیثه من الموضوعات، أما النجاشي (ص 382) والطوسي (ن.ص) فقد اكتفیا بالثناء علیه. وقد تمّ الخلط في بعض المصادر (ظ: ابن قطلوبغا، 64؛ الغزي، 794) بین ابن عبدك وأبي محمد ابن عبدك (تـ 347هـ) وكان حنفي المذهب (للاطلاع علی ترجمته، ظ: التنوخي، 3/53؛ الصیمري، 163-165؛ أبو إسحاق، 149؛ عبد القادر القرشي، 2/265)، وظنوهما شخصاً واحداً. وأورد عبد القادر القرشي ابن عبدك بین الحنفیین (2/94). ورغم أن مذهب أكثر أهالي جرجان هو الحنفیة في القرن 4هـ/10م (المقدسي، 365) وربما كان هذا سبباً في سماع ابن عبدك من بعض كبار الحنفیة كعلي بن موسی القمي (ابن الجوزي، 1/348؛ أیضاً ظ: الصیمري، 159)، غیر أن ما نعلمه من عقائد ابن عبدك لایثبت أنه حنفي بوجه من الوجوه. ویری بعضهم كابن القیسراني (ص 85) والسمعاني (8/242، 9/185) أن جده من تلامذة محمد بن الحسن الشیباني، ولكن بالنظر إلی سنة وفاة الشیباني (189هـ) وابن عبدك، یبدو أن هذا القول لیس صحیحاً. ومن المحتمل أن هذا الخطأ نشأ من الخلط بین جده عبد الكریم وبین عبد الكریم بن عبید الله الجرجاني الذي ذكره السرخسي (16/162) والخوارزمي (2/517).

آثاره

رغم أنه لم یرد ذكر لمصنفاته في أكثر المصادر، ولكن ورد في فهارس الإمامیة عدد منها لا أثر لها الیوم، وهي عبارة عن: 1. تفسیر القرآن، ذكره النجاشي (ص 382)، غیر أن الشیخ الطوسي رغم وصفه له في الفهرست بالكبر والحسن (ص 194)، لم یذكره في مقدمة التبیان في عداد التفاسیر المختلفة التي ذكرها (1/1-2). وذكر ابن شهرآشوب أیضاً هذا الكتاب في المعالم وقال إنه في 10 أجزاء (ص 143)، ولكنه لم یتحدث عنه في متشابه القرآ« حیث أفاد من تفاسیر كثیرة (ظ: 1/21، 2/99-100، مخـ)؛ 2. ردّ علی الباطنیة، ذكره المسعودي (ص 395-396) وربما هو الرد علی الإسماعیلیة الذي أورد الطوسي اسمه (الفهرست، ن.ص)، ویبدو أنه كان لهذا الكتاب ومؤلفه من الشهرة ما دعا المسعودي إلی ذكره في التنبیه والإشراف الذي أنهی تألیفه في 345هـ/956م؛ 3. الكلام علی الفرقة المثبتة لرؤیة الله تعالی؛ 4. مطالع الهدایة (ابن شهر آشوب، معالم، ن.ص، أیضاً ظ: مناقب…، 1/11-12، 2/65).

المصادر

ابن الجوزي، عبد الرحمن، الموضوعات، تقـ: عبد الرحمن محمد عثمان، القاهرة، 1386هـ؛ ابن شهرآشوب، محمد، متشابه القرآن ومختلفه، طهران، 1328هـ؛ م.ن، معالم العلماء، النجف، 1380هـ/1961م؛ م.ن، مناقب آل أبي طالب، قم، مطبعة العلمیة؛ ابن قطلوبغا، قاسم، تاج التراجم، بغداد، 1962م؛ ابن القیسرانی، محمد، الأنساب المتفقة، تقـ: دي یونغ، لیدن، 1865م؛ ابن كرامة الجشمي، المحسّن، «جلاء الأبصار»، أخبار أئمة الزیدیة، تقـ: مادیلونغ، بیروت، 1987م؛ ابن المرتضی، أحمد، باب ذكر المعتزلة من كتاب المنیة والأمل، تقـ: آرنولد، حیدرآباد الدكن، 1316هـ؛ ابن الندیم، الفهرست؛ ابن نقطة، محمد، الاستدراك، النسخة المصورة الموجودة في مكتبة المركز؛ أبو إسحاق الشیرازي، إبراهیم، طبقات الفقهاء، تقـ: خلیل المیس، بیروت، دار القلم؛ أبو طالب الحسني، یحیی، «الإفادة في تاریخ أئمة السادة»، أخبار أئمة الزیدیة، تقـ: مادیلونغ، بیروت، 1987م؛ م.ن، تیسیر المطلوب، بیروت، 1395هـ/ 1975م؛ التنوخي، المحسّن، نشوار المحاضرة، تقـ: عبود الشالجي، بیروت، 1391هـ/ 1971م؛ الحسكاني، عبد الله، شواهد التنزیل، بیروت، 1393هـ/1974م؛ خلیفة النیسابوري، أحمد، ترجمة وتلخیص تاریخ نیسابور للحاكم النیسابوري، تقـ: بهمن كریمي، طهران، 1339ش؛ الخوارزمي، محمد، جامع مسانید الإمام الأعظم، حیدرآباد الدكن، 1332هـ؛ السرخسي، محمد، المبسوط، مطبعة السعادة؛ السمعاني، عبد الكریم، الأنساب، حیدرآباد الدكن، 1397هـ/1977م؛ السهمي، حمزة، تاریخ جرجان، بیروت، 1407هـ/1987م؛ السیوطي، اللآلئ المصنوعة، بیروت، 1403هـ/1983م؛ الشریف المرتضی، علي، «جوابات المسائل الرازیة»، رسائل الشریف المرتضی، تقـ: أحمد الحسیني ومهدي رجائي، قم 1405هـ؛ الصیمري، الحسین، أخبار أبي حنیفة وأصحابه، حیدرآباد الدكن، 1394هـ/1974م؛ الطوسي، محمد، التبیان في تفسیر القرآن، بیروت، دار إحیاء التراث العربي؛ م.ن، الفهرست، تقـ: محمد صادق بحر العلوم، النجف، المكتبة المرتضویة؛ عبد القادر القرشي، الجواهر المضیة، حیدرآباد الدكن، 1332هـ؛ الغزي، تقي ‌الدین، الطبقات السنیة، النسخة المصورة الموجودة في مكتبة المركز؛ الفارسي، عبد الغافر، تاریخ نیسابور (انتخاب الصریفیني). تقـ: محمد كاظم المحمودي، قم، 1403هـ؛ القاضي عبد الجبار، «طبقات المعتزلة»، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، تقـ: فؤاد السید، تونس/الجزائر، 1406هـ/1986م؛ المسعودي، التنبیه والإشراف، تقـ: دي خویه، لیدن، 1893م؛ المفید، محمد، أوائل المقالات، تقـ: الزنجاني وچرندابي، تبریز، 1371هـ؛ المقدسي، محمد، أحسن التقاسیم، تقـ: دي خویه، لیدن، 1906م؛ النجاشي، أحمد، الرجال، تقـ: موسی الشبیري الزنجاني، قم، 1407هـ.

حسن أنصاري/ ن.