اِبْنُ عَبّاد، أبو عبد الله محمد بن إبراهیم النفزي الحمیري الرُّندي (733-792هـ/1333-1390م)، فقیه وخطیب ومن مشاهیر الصوفیة بالأندلس. ولد في مدینة رُندة، وتعلم القراءة علی والده وكان خطیباً وعالماً، وأخذ علم اللغة عن خاله القاضي عبد الله الفریسي وحفظ القرآن وهو ابن 7 سنین، وحضر في رندة مجلس علي بن أبي الحسن الرندي أیضاً (المقري، 5/341-342). ثم توجه إلی المغرب لإتمام دراسته، وأخذ في تلمسان وفاس علم اللغة والفقه والأصول والكلام والفلسفة عن عدد من الأساتذة مثل أبي عبد الله التلمساني وأبي عبد الله المَقّري وأبي محمد عبد النور العمراني وأبي عمران موسی العبدوسي وغیرهم (م.ن، 5/342؛ ابن قنفذ، 79؛ الغنیمي، «ابن عباد»، 226-227). وبعد أن أنهی العلوم الظاهریة اتجه نحو العلوم الباطنیة فهاجر إلی سلا لملاقاة الصوفي الشهیر أبي العباس ابن عاشر (ن.ع) وأقام معه سنین عدیدة (المقري، ن.ص؛ الغنیمة، ن.م، 229). وغدا من كبار أصحابه ونخبة تلامذته، فقدمه علی سائر أصحابه، وأمرهم بالأخذ عنه والانتفاع منه، وكان یقول فیه: «ابن عباد أمة وحده» (المقري، 5/346-347؛ ابن قنفذ، ن.ص).

لم یتزوج ابن عباد ولم یملك أَمة، وأكثر تمتعه من الدنیا بالطیب والبخور، وكان یتولی أمر خدمته بنفسه، ولباسه في داره مرقعة فإذا خرج سترها بثوب أخضر أو أبیض (ابن قنفذ، 80؛ المقري، 5/344). وقیل عن خصاله المعنویة إنه آیة في التحقق في العبودیة، وعدم المبالاة بالمدح والذم، والإعراض عن الخلق، وذكر الحق والسكون والزهد والصلاح. وكان یتبع في التصوف الطریقة الشاذلیة (م.ن، 5/346). وقد رأی أبو سعید السلوي ثلاثة أبیات من الشعر في الغزل بخط ابن عباد علی حائط جامع القرویین، ولما استشكلت هذه الأبیات علیه لما اشتملت علیه من التغزل، ذاكر أبا القاسم الصیرفي فیها، فقال له: هذه أوصاف ولي الله القائم بأمر الله المهدي (المقري، 5/348).

من أبرز تلامذة ابن عباد یحیی السراج وأبو عبد الله ابن السكاك ولسان ‌الدین ابن الخطیب والخطیب ابن قنفذ (الغنیمي، ن.م؛ ، 243 -244؛ البستاني). توجه ابن عباد إلی فاس بعد أن التقی أبا مروان عبد الملك الصوفي، وجُعل إماماً بجامع القرویین وخطیباً. ثم توفي بعد 15 سنة من الوعظ والإرشاد، ودفن بكدیة البراطل من داخل باب الفتوح (المقري، 5/345)، وذكر یحیی السراج أنه دفن في فاس قرب الباب المسدود المعروف بالحمراء (الغنیمي، ن.م، 242). ویقول المقري: حضر جنازته السلطان أبو العباس أحمد بن أبي سالم وأهل البلدتین فاس الجدیدة والعتیقة، ویضیف قائلاً: زرت قبره مراراً في فاس وهو عند أهلها بمثابة الشافعي عند أهل مصر (5/344، 349).

آثاره

كان لمؤلفات ابن عباد أثر كبیر في نشر الطریقة الشاذلیة بالمغرب والأندلس (الغنیمي، ن.م، 233)، وهي عبارة عن:

1. غیث المواهب العلیة في شرح الحكم العطائیة، وهو شرح علی الحكم لان عطاء الله السكندري (ن.ع)،كتبه – كما یذكر في مقدمة الشرح – بإلحاح من بعض أصحابه (1/49-50) ونقل المقري أنه كتبه تلبیة لطلب صاحبیه یحیی السراج وسلیمان بن عمر (5/345). ویتضمن هذا الكتاب تعالیم في آداب السلوك وشرحاً لما استعصی من المعاني والرموز في الحكم. وقد عرف هذا الكتاب باسم التنبیه أیضاً؛ وذكر حاجي خلیفة خطأً أن التنبیه لعلي بن محمد النفزي والذي بظنه ابناً لابن عباد (1/675)، ولما كان ابن عباد لم یتزوج، فمن المرجح أن هذا الشرح الذي یشیر إلیه حاجي خلیفة هو نفس الشرح الذي ذكرناه آنفاً (ظ: الغنیمي، ن.م، 250-251). طبع غیث المواهب مراراً، أولها في بولاق (1285هـ/1869م). وفي 1970م حققه عبدالحلیم محمود ومحمود ابن الشریف، ونشر بالقاهرة في مجلدین.

2. الرسائل الكبری، وتتضمن هذه المجموعة التي أهداها ابن عباد لتلمیذه یحی السراج 38 رسالة في آداب السلوك إلی الله (ن.م، 252-253؛ البستاني). طبع هذا الكتاب طبعة حجریة بفاس في أربعة أجزاء عام 1320هـ/1902م.

3. الرسائل الصغری، ویضم 16 رسالة، وجه الستة الأولی إلی محمد ابن أدیبة والتسعة التالیة لیحیی السراج والرسالة الأخیرة لأبي إسحاق إبراهیم الشاطبي، وتتضمن وصایا وأسئلة أجوبة في آداب التصوف ومقامات السلوك، حققه بولس نویا وطبع ببیروت مع مقدمة باللغة الفرنسیة سنة 1957م. وفي 1974م أعید طبعه مع إضافات علیه.

4. أدعیة مرتبة علی أسماء الله الحسنی، ویسمی أیضاً شرح أسماء الله الحسنی. وقد نشر مع طبعة الرسائل الصغری الأخیرة.

5. نظم الحكم العطائیة، ذكر أحمد زروق في شرحه الحادي عشر علی الحكم أنه أرجوزة عدد أبیاتها 801 (ظ: الغنیمي، ابن عطاء الله، 97). ویقول أبو یحیی ابن السكاك عن هذا الكتاب إن ابن عباد شرح الحكم عقد درر منثورها في نظم بدیع (المقري، 5/345-346). وذكر الزركلي، أن لدیه نسخة منه باسم بغیة المرید (5/299)

6. تحقیق العلامة في أحكام الإمامة، رأی أحمد زروق نسخة منه، وذهب الشیخ القوري إلی الظن بأنها من تألیف والد ابن عباد (المقري، 5/345؛ الغنیمي، «ابن عباد»، 253-254).

7. مجموعة خطب، وتتضمن خطب ابن عباد في جامع القرویین بفاس (ن.م، 254). ویقول المقري إن لابن عباد خطب مدونة مشهورة یقرؤون منها مایتعلق بالمولد النبوي الشریف بین یدي السلطان تبركاً بها، وكذا یقرؤونها في المجتمعات في المواسم (5/349-350).

8. رسائل علی قوت القلوب، منها مخطوطتان في مكتبتي إسكوریال (ESC2، رقم 740(2)) والأزهریة (الأزهریة، 3/568).

9. فتح التحفة وإضاءة الشرفة (السدفة)، و هو في علم الحدیث، منه مخطوطات في مكتبتي إسكوریال (ESC2، رقم 740(3)) ورباط التفح (علوش، رقم 784). ویصنفها ابن عباد من حیث موضوعاتها تحت 50 عنواناً ویشرحها بشروح مختصرة (الغنیمي، ن.م، 255-256). وذكر الزركلي كتاباً باسم فتح الطرفة (ن.ص)، یبدو أنه هذا الكتاب.

10. أجوبة في مسائل العلوم، ذكر المقري أنه في مجلدین (5/342).

وذكر له كل من البستاني والزركلي (ن.ص) كتاباً باسم كفایة المحتاج. وأورد ابن الخطیب بعض أشعاره (ص 41-44).

المصادر

ابن الخطیب، محمد، الكتیبة الكامنة، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1963م؛ ابن عباد الرُّندي، محمد، غیث المواهب العلیة في شرح الحكم العطائیة، تقـ: عبد الحلیم محمود ومحمود بن الشریف، القاهرة، 1390هـ/1970م؛ ابن قنفذ، أحمد، أنس الفقیر، تقـ: محمد الفاسي وأدولف فور، الرباط، 1965م؛ الأزهریة، الفهرست؛ البستاني؛ حاجي خلیفة، كشف؛ الزركلي، الأعلام؛ علوش، ي. س. وعبد الله الرجراجي، فهرس المخطوطات العربیة، الرباط، 1954م؛ الغنیمي التفتازاني، أبو الوفاء، «ابن عباد الرندي، حیاته ومؤلفاته»، صحیفة معهد الدراسات الإسلامیة في مدرید، مدرید، 1378هـ/1958م، ج 6؛ م.ن، ابن عطاء الله السكندري وتصوفه، القاهرة، 1389هـ/1969م؛ المقري، أحمد، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1388هـ/1968م؛ وأیضاً:

ESC2.

حسین لاشيء/ن.