اِبْنُ عَبدون، محمد بن أحمد بن عبدون التُجیبي، كاتب أندلسي لرسالة في الحسبة في القرن 5هـ/11م، وما لدینا من معلومات عنه استقیت منها بعد نشرها. ورد نسبه في الصفحة الأولی من رسالته مع شيء من الاختلاف بشكل محمد بن عبد الله النخعي عبدون (لیفي بروفنسال، 178). ویبدو من بعض الأسماء التي ذكرت في الرسالة أنه عاش في النصف الثاني من القرن 5هـ. ویدل تأكیده علی موقع إشبیلیة ومعلوماته الدقیقة عنها أنه من أهلها (م.ن، 180). أدرك أول دولة المعتمد بن عباد (حكـ 461-484هـ/1068-1091م) آخر سلاطین بني عباد بإشبیلیة (ابن عبدون، 24). وإذا لم یشر ابن عبدون في رسالته مباشرة إلی مركزه الاجتماعي وعمله، غیر أن كتابته في موضوع الحسبة ومعلوماته الدقیقة عنها واقتراحاته الإصلاحیة حولها ینمّ عن أنه ربما كان في وقت ما في جهاز الاحتساب أو القضاء، كما یدل كلامه علی أنه لم ینل قسطاً وافیاً من التربیة العلمیة العالیة، ولم یتول منصباً سامیاً (لیفي بروفنسال، ن.ص). وهذا المركز الذي هو من الدرجة الثانیة جعل مؤلف الرسالة كمعاصره المالقي السقطي الذي دون مثلها في موضوع الحسبة، من المجهولین في تاریخ الأندلس، ولایمكن العثور علی شيء من حیاتهما في كتب التراجم المتعلقة برجال الأندلس والمغرب (م.ن، 178).

وتعتبر رسالة ابن عبدون كغیرها من الرسائل في هذا الموضوع من المصادر التي تزخر بالمعلومات عن حیاة المسلمین المدنیة في شرق العالم الإسلامي و غربه منذ القرن 5هـ، وفي بعضها منذ أزمنة متأخرة كابن الإخوة، كما یبدو في هذه الرسالة كأمثالها قلق المؤلف من تفشي الفساد والبدع في العلاقات الاجتماعیة بین المسلمین وضیاع السنن والأصول، حتی لیری الكاتب في عصره علامات آخر الزمان ویری ككل محتسب أن من واجبه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه یؤدي دَینه بكتابة هذه الرسالة المختصرة (ابن عبدون، 59-60؛ قا: ابن الإخوة، 7).

وإذا كانت رسالة السقطي تدور حول محور واجبات المحتسب، وتعتبر صورة لكل المدن الإسلامیة، فإن رسالة ابن عبدون تتحدث عن بعض المؤسسات المدنیة ولاسیما في إشبیلیة بالإضافة إلی أهل المهن والسوق (لیفي بروفنسال، 180-179). وتشاهد المواضیع المتعلقة بالحیاة المدنیة في إشبیلیة علی الأغلب في القسم الأول من الرسالة (ابن عبدون، 1-29)، وترد المواضیع المتعلقة بالحسبة وأهل الحرف في القسم الثاني منها (م.ن، 30-59). ولیس يخاف أن مواضیع الرسالة الكتاب لیست مرتبة ترتیباً دقیقاً. ففي القسم الثاني معلومات مكررة، ولم یكتف الكاتب في بیان معلوماته بعرض الصورة المطلوبة، بل إنه أوفي الوضع القائم حقه من الوصف وانتقاد بعض الأخطاء والمفاسد: الجاریة وإظهار تبرمه منها (علی سبیل المثال: ص 11 عن المحامین، وص 23-25 عن المعلمین والمقابر)، ویبدو التكوین الاجتماعي المختلط بمدنیة إشبیلیة في مواضع عدة من رسالة ابن عبدون، ویدل علی أن تسلط المرابطین البربر الذین معهم وإقامتهم مع أهل الأندلس الأصلیین قد خلق الكثیر من المشاكل وأوجد إزدواجیة في أخلاق الناس وسلوكهم هناك، منها استغلال غیر المرابطین أو غلمانهم اللثام الخاص بأهل صنهاجة ولمتونة، وإرعاب المواطنین الأصلیین بعلامة الفاتحین هذه. ویقترح ابن عبدون أن لایتلثم إلا المرابطون (ص 26)، كما یری أن یكون صاحب المدینة وصاحب المواریث والقاضي والحاكم والمحتسب من الأندلسیین، فإنهم أعرف بأمور الناس وطبقاتهم، وهم أیضاً أعدل في الحكم وأحس سیرة من غیرهم، وأنفع للسلطان وأوثق (ص 14). ویبدو من بعض عبارات المؤلف تمسكه بالشریعة، وتفضیل المسلمین علی غیرهم وعدم ثقته بالقساوسة ویعتقد بأنه یجب ألا یحك مسلم الیهودي ولا النصراني، ولایرمي زبله ولاینقي كنیفه، فالیهودي والنصراني أولی بهذا الصنع لأنه صنع الأرذلین (ص 46). ویری أن یؤمر القساوسة بالزواج كما في دیار المشرق أو یجبروا علی الختان كما كان یفعل بهم المعتضد العبادي (حكـ 434-461هـ/1042-1068م) لكفهم عن الضلال (ص47).

حقق رسالة ابن عبدون لیفي بروفنسال بالاعتماد علی مخطوطتین ونشرها في «المجلة الآسیویة» (1934م) مع مقدمة في التعریف بالمؤلف ورسالته وخاتمة في شرح الألفاظ والمصطلحات التي وردت فیها. ترجمها غابریلي إلی الإیطالیة، ولیفي بروفنسال إلی الفرنسیة، كما اشترك الأخیر مع غارثیاغومث في ترجمتها إلی الإسبانیة (EI2).

المصادر

إبن الإخوة، محمد، معالم القربة في أحكام الحسبة، تقـ: روبن لیفي، كمبردیدج، 1937م؛ ابن عبدون، محمد، «رسالة» (ظ: ملـ، لیفي بروفنسال)؛ وأیضاً:

EI2; Lévi- Provençal, E., «Un document sur la vie urbaine et les corps de métiers à Séville au début de XIIe siècle: Le tratié d’ IbnʿAbdūn», JA, 1934, vol. CCXXIV.

یوسف رحیم ‌لو/ن.