الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / ابن طفیل /

فهرس الموضوعات

ابن طفیل

ابن طفیل

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/21 ۰۸:۳۲:۵۵ تاریخ تألیف المقالة

والجدیر بالذكر أن ابن طفیل تأثر في كتابة حي بن یقظان بعدد من المدارس الفكریة، واعتمد علی آراء كثیر من الحكماء. وتشكل الفلسفة الأفلاطونیة الحدیثة العناصر الأصلیة لهذه القصة. كما تلاحظ فیها عناصر من مدرسة فیثاغورس، وحتی الیانیة التي هي من الأدیان الهندیة، والزرادشتیة. فامتناع حي بن یقظان عن أكل اللحوم وإصراره علی الطعام النباتي ونزوعه نحو التقوی وحفظه لطهارة البدن وتنسیق كافة حركاته مع حركات الأجرام السماویة، إنما هي أمارات من المدرسة الفلسفیة الفیثاغوریة فهو مثل الیانیین والبوذیین نباتي المأكل لایكن احتراماً كبیراً للحیاة الحیوانیة فحسب، بل حتی الحیاة النباتیة أیضاً. فیأكل الفاكهة الناضجة فقط ویرع البذور بعقیدة خالصة كي لاینقرض أي نوع نباتي بطمعه. وظهرت أولی علامات الحیرة والأحاسیس الدينیة لدی حي بن یقظان عند مشاهدة النار، ولهذا كان یحافظ علیها مشتعلة، وهذا ما یوحي بعقیدة الفرس القدماء حیال النار. وهذه الأمور تكشف في الوقت نفسه عن اطلاع ابن طفیل علی مختلف الأدیان والعقائد وقوفه علی أنواع المدارس الفلسفیة (الشیخ، 226-227).

 

بقاء النفس والمعرفة

یورد ابن طفیل أن حي بن یقظان اقتطع قلبه عن العالم المحسوس واتصل بالعالم المعقول، وعرف بموجود رفیع ثابت الوجود، وجوده بلاسبب وأنه سبب وجود كل شيء. ثم أراد أن یعرف كیف حصل علی هذا العلم وبأي قوة أدرك هذا الوجود. فأمعن في كافة حواسه السمعیة والبصریة والشمیة والذوقیة واللمسیة، وأدرك أنها لاتستطیع إدراك شيء إلا الجسم وعوارض الجسم، كما أن السامعة إنما تسمع المسموعات، والباصرة تبصر الألوان، والشامة تشم الروائح والذائقة تذوق المذاقات واللامسة تلمس الخشونة والنعومة. وكذلك لیس بإمكان قوة الخیال إلا إدراك الأشیاء التي لها طول وعرض وعمق، وكل هذه الصفات من صفات الأجسام، ولیس بإمكان هذه الحواس إلا إدراك هذه الصفات، لإن الحواس عبارة عن قوی موزعة في الأجسام وهي تنقسم بانقسامها، فلذا هي غیر قادرة إلا علی إدراك الجسم القابل للتقسیم، لأنه بافتراض توزیع هذه القوة في الجسم القابل للتقسیم، فمتی ما أدركت هذه القوة شیئاً ما، فإن ذلك الشيء سیصبح قابلاً للانقسام أیضاً. ولهذا فإن أیة قوة موجودة في الجسم لیس بمقدورها أن تدرك سوی الجسم وعوارضه، وقد ثبت أن هذا الموجود واجب الوجود منزه عن صفات الأجسام من كل ناحیة. إذن لیس هناك من سبیل لإدراكه إلا بوساطة شيء لیس بجسم، وقوة غیر موزعة في الجسم، ولا اتصال لها بالأجسام أبداً، ولیست داخل الجسم وخارجه، ومتصلة به أو منفصلة عنه. وكان قد عرف من قبل أنه أدرك واجب الوجود بذاته، وحصلت له معرفة واجب الوجود عن هذا الطریق، واتضح له أن ذاته التي أرتكت واجب الوجود هي شيء غیر جسماني ولاتتصف بأي صفة من صفات الأجسام. كما عرف أن هذه الأمور الجسمانیة التي یدركها من ظاهر وجوده، لیست حقیقة ذاته أبداً، وحقیقة ذاته إنما هي ذلك الشيء الذي أدرك به الموجود المطلق الواجب الوجود. وعندما عرف أن ذاته لیست هي هذا الكائن الجسماني الذي یِدرك بالحواس ویِحاط بالجلد، نظر إلی الجسم نظرة احتقار وأخذ یفكر في الذات الشریفة التي أدرك بها الموجود الشریف لواجب الوجود، وأخذ یتساءل: هل یمكن أن تفنی أو تنعدم الذات الشریفة، أم أنها تبقی إلی الأبد خالدة ثم فطن إلی أن الفتاء والانعدام من صفات الجسم الذي یتحول من صورة إلی صورة؛ كالماء الذي یتحول إلی هواء، والهواء الذي یتحول إلی ماء، والنبات الذي یتحول إلی تراب أو رماد، والتراب الذي یتحول إلی نبات، وهذا هو معنی الفساد والفتاء ولهذا لایمكن أن یفنی أو یفسد كل ما لیس بجسم، ولایحتاج في وجوده إلی جسم، ومنزه عن صفات الجسم (ابن طفیل، 65-67). كما تحدث ابن طفیل عن السعادة والشقاء الأبدیین، والثواب والعقاب الأخرویین، عن طریق إثبات بقاء النفس بالشكل الذي ینطبق مع الروایات الدينیة وینسجم مع الشرع والعقل (ص 67-68).

وهو یری أن المعرفة تحصل للإنسان عن طریقین: ففي الطریق الأول أساس العمل هو التأمل والتجربة والقیاس، وهي من شؤون العقل، وفي الطریق الثاني فإن منشأ ظهور المعرفة هما الحدس والإشراق. یدّعي أنه قد استقام له الحق أولاً بطریق البحث والنظر، ثم عن طریق الكشف والمشاهدة. ولهذا یری نفسه أهلاً للتحدث عن الحقائق في الحكمة المشرقیة، لكنه یحذّر القارئ في الوقت نفسه من أنه لو ألقی إلیه بغایات ما انتهی إلیه من قبل أن یحكم مبادیها، لم یفده ذلك شیئاً أكثر من أمر تقلیدي مجمل (ص 24). ویشیر ابن طفیل هنا إلی نقطة مهمة جداً یجب الالتفات إلیها، وهي أن تعلّم مثل هذه العلوم والتوصل إلی الحقیقة مشروط بحسن الظن. ومعنی هذا أن من ینظر إلی هذه القضایا بسوء الظن، سیبقی باب الحقیقة موصداً بوجهه (ص 24-25).

ویری ابن طفیل أن المعرفة الناتجة عن العقل والفكر أفضل من المعرفة عن طریق الدين، ولهذا اعتبر مكانة حي بن یقظان أسمی من مكانة «أبسال»، لأن حي بن یقظان نال مقام المعرفة بواسطة العقل والفكر، في حین نال «أبسال» عن طریق الدين.

 

الجمع بین العقل والدين

طرح ابن طفیل خلال قصة حي بن یقظان أهم المسائل التي تختلف فیها الفلسفة والكلام، وتحدث حول ما تطاحن فیه الفلاسفة والمتكلمون لسنوات مدیدة. فالجمع بین‌ الدين والفلسفة، أو التوفیق بین العقل والنقل، یعد أهم المسائل وأكثرها جدلاً بین أصحاب الفكر، ولاتفقد حرارتها في أي عصر أو زمان، وتتجلی أهمیة العمل الذي قام به ابن طفیل ورعة أثره في أنه طرق باب هذه المسدلة وعبّر عن موقفه في قالب قصصي.

وهذه القصة كما قلنا ذات علاقة بقضایا عصر الموحدین في المغرب الإسلامي. فالموحدون أولاً اشتهروا باعتقادهم الخاص في وحدانیة الله، واعتبارهم عقائد المشبهة كفراً صریحاً. ثانیاً كانوا – وتأثراً منهم بأفكار ابن تومرت – من أنصار الاهتمام الدقیق بالظواهر والشعائر الدينیة، وقد شكل الفقه الظاهري أساس مذهبهم الرسمي. وثالثاً كانوا یرون تبعاً لابن باجة أن الفلسفة نوع من الحقیقة الباطنیة الخاصة بالخواص وأهل البصیرة. كما كانوا یعتقدون بأن عامة الناس یعجزون عن نیل المعرفة الخالصة، ولهذا یجب ألاتعرف أكثر من المعاني اللفظیة للآیات الخاصة بالقیامة (تاریخ، 1/755).

والیوم لو أُمعن النظر في النقاط التي وردت في قصة حي بن یقظان، لوُجد فیها بعض عقائد الموحدین وآرائهم. وعلی أي حال فإن الجمع بین العقل والدین من أهم الأهداف التي أرید تحقیقها من خلال رسالة حي بن یقظان. ویبدو أن هناك غایتین من تناول المواضیع الدينیة والتوفیق بینها وبین المبادئ العقلیة: الأولی هي أن یعرف عامة الناس الذین ذعروا من الفلسفة ونظروا إلی الحكماء نظرة احتقار وأنهم مخالفون للدین، أن لیس في الحقیقة من تعارض بین الشرع والعقل، وأنّ العقل النیّر لابد أن یصل إلی نفس النتیجة التي یمكن الوصول إلیها عن طریق الشرع والدين، وأن كافة الأعمال الدينیة مرتكزة علی نقاط وأمور تؤیدها الحكمة أیضاً، مع فارق أن الحكمة خاصة بالخواص. ولهذا فالحقائق في التعالیم الفلسفیة تبیّن بشكل صریح وواضح، في حین أن خطابات الشرع یُراد فیها كافة الطبقات، وأنها جاءت في رداء التشبیه والمجاز والمثل رعایة للعامة التي تمتاز بقصور الفهم. والثانیة أن تلك الفئة من الباحثین في الحكمة الذین لایخرجون عن إطار علومهم ویغفلون عن القضایا الأخری، بل إنهم یشغفون بآراء الحكماء حتی یقصروا الحقیقة علی آرائهم ویثیرون الاعتراضات علی طریقة أهل السلوك والریاضة والكشف، تكسر طوق تصوراتها هذه وتعود إلی العقل وتنظر بتأمل في كلام خواص الحق وتعالیمهم، وأن تدرك أن التربیة العامة لاتتحقق إلا عن هذا الطریق الذي لایتعارض مع الأصول العقلیة. ویبدو أن ابن طفیل تحدّث بإخلاص عن الجمع بین العقل والشرع، وسطّر بصدق سیره وسلوكه وثمار سعیه وطلبه في إطار هذه القصة. وأورد المراكشي: أنه صرف عنایته في آخر عمره إلی العلم الإلهي ونبذ ما سواه، وكان حریصاً علی الجمع بین الحكمة والشریعة، معظماً لأمر النُبوّات ظاهراً وباطناً (ص 240).

وكان ابن طفیل یرتب الناس علی أربع مراتب: الأولی وهي أعلاها مرتبة الفیلسوف، والثانیة مرتبة عالم‌ الدين البصیر بالمعاني الروحانیة، وینتمي إلیها أهل العرفان أیضاً، والثالثة مرتبة المتعلقین بالدين والمعرفة لهم بعمقه وباطنه كالففهاء، والرابعة مرتبة الجمهور من الناس وهي أدنی المراتب (بدوي، 1/75).

 

الأخلاق

یری ابن طفیل أنّ الأخلاق تنبع من العقل قبل أن تنشأ من النقل، وأنها متصلة بالطبیعة قبل أن تكون معتمدة علی المجتمع. ومن بین مظاهر الأخلاق الحمیدة والمحبّذة من وجهة نظره أن لایعتدي الإنسان علی الطبیعة خلال مسیرة حیاته. كما أنه یری أن أیاً من كائنات هذا العالم نباتاً وحیواناً ذات غایة خاصة تمتاز بها علی سائر المخلوقات. فطبیعة الفاكهة مثلاً أن تصل إلی مرحلة الفعلیة والنضج بعد النمو، ثم تستقر نواها في أرض ملائمة لتعطي من جدید شجرة جدیدة وفاكهة جدیدة. وعلی هذا فالإنسان الذي یقطف تلك الثمرة قبل وصولها إلی مرحلة النضج یكون قد ارتكب عملاً قبیحاً، لأن عمله سیمنع الثمرة من الوصول إلی غایتها الأصلیة، ویتطبق هذا أیضاً علی من یأكل الفاكهة الناضجة ثم یلقی بنواتها في أرض غیر ملائمة أو في البحر، لأن هذا العمل سیحول أیضاً دون وصول الفاكهة إلی غایتها. ومن بین الأعمال القبیحة والمتعارضة مع الأخلاق هو أن یتفنن الإنسان في غذائه باستخدام النباتات والثمار النادرة، فعمل مثل هذا لابد وأن یؤدي إلی انقراضها. ومن الواجبات الخلقیة أن یبادر الإنسان إلی إزالة أي مانع في طریق النباتات والحیوانات یحول دون وصولها إلی غایتها الوجودیة (ص 75). وعلی ضوء ذلك نری أن ابن طفیل یختلف في مفهوم الأخلاق مع كثیر من الحكماء والفلاسفة، ویوجّه كل اهتمامه نحو الأخلاق الطبیعیة والانفعالات الوجودیة. ومن وجهة نظره لیست الأخلاق الوضعیة غایة في حدّ نفسها، بل واسطة ومقدمة لأغراض وغایات أخری.

وانطلاقاً مما ذُكر، یمكن القول إن الأخلاق من منظار ابن طفیل أمر معقول یتحقق في غایة وجود الأشیاء، لهذا فالإنسان یصل إلی الأخلاق عن طریق العقل، ولیس هناك من انفصال بین العقل والأخلاق.

 

التخیّل

یحظی التخیل وعالم الخیال عند ابن طفیل بأهمیة خاصة وكان هنری كربن من بین مَن أحسّ بأهمیة قوة التخیل لدی ابن طفیل. یقول كربن: فأصحاب المدارس اللاتینیة یعرفون ابن طفیل من خلال ردّ ابن رشد علیه فحسب، وسببه أن ابن طفیل یعتبر العقل الممكن للإنسان هو نفس القوة المتصورة أو المتخیلة؛ فهو یری أن بإمكان القوة المتخیلة إدراك المعقولات فیما لو استخدمت بالشكل المطلوب، دون وجود ضرورة الفتراض العقل. والمؤسف أن أثره المهم هذا قد فُقد، فهذا الأثر فضلاً عن أنه كان سیسمح بفهم أفضل للهدف من قصته، یساعد أیضاً علی وضع مقارنات مفیدة بین آرائه ونظریة القوة المتخیلة التي تحدّث بها مفكرو شرق العالم الإسلامي بشكل مفصّل (كربن، 294). وما عرضه كربن حول أهمیة قوة التخیل وعالم المثال من وجهة نظر ابن طفیل لهو أمر أساسي ومهم جداً. ولیس من السهل بطبیعة الحال البتّ في هذا الموضوع، نظراً لفقدان الكتاب، لكن یمكن أن نستشف من قصة حي بن یقظان أن ابن طفیل كان یولي أهمیة كبری لقوة التخیل.

ویحظی عمل ابن طفیل في قصة حي بن یقظان ودور التخیل فیها بأهمیة خاصة. فقد استطاع هذا الحكیم الكبیر أن ینتقل من عالم الطبیعة إلى عالم العقل بالاعتماد علی قوة التمثل. فسلك وادي الخیال للوصل إلی عالم العقل، وربط الإنسان الواقع في شراك الطبیعة بالعقل الفعال. فكلمة «حيّ» عند هذا الحكیم ترمز إلی العقل، وكلمة «یقظان» رمز یتحدث عن الله، لكن العقل الذي یعبّر عنه بكلمة «حي» هو من السعة بمكان، بحیث نفذ إلی قلب عالم الطبیعة، وظهر عن طریق التمثل بأشكال مختلفة ومتناسبة. ولهذا نری ابن طفیل – رغم كونه فیلسوفاً یتناول أعقد المسائل الفلسفیة – یستخدم قوة التخیل والتمثل، ویفید من أنواع العلوم والفنون كالتشریح والطب التجریبي والجغرافیة والهیئة لكتابة قصة حي بن یقظان.

 

تقلید الأصوات واللغة

أثارت حیوانات تلك الجزیرة النائیة اهتمام حي بن یقظان في بدء حیاته، وكان یسمع كیف أنها كانت تعبر عن میولها وأحاسیسها الداخلیة عبر سلسلة من الأصوات المعقدة والمتنوعة. فأخذ یقلّد تلك الحیوانات ویحاكي أصواتها ببراعة (ابن طفیل، 33)، ثم عندما یتعرف إلی أبسال فیما بعد یتعلم منه الكلام. واستخدم أبسال أفضل أسالیب تعلیم اللغة حتی جعله یتكلم في مدة قصیرة. وكان أسلوبه في التعلیم أنه كان یشیر أولاً إلی الأشیاء، ثم ینطق بأسمائها، ویكرر ذلك علیه ویطلب منه أن یكررها أیضاً، حتی علّمه في فترة وجیزة لغة الحوار مع الناس (ص 92).

 

اللغة والفكر

یری كثیر من العلماء استحالة الفكر دون اللغة، وأن الأفكار لاتتحقق إلا في إطار الألفاظ والعبارات، في حین یقول ابن طفیل بعدم حاجة الفكر إلی اللغة، ویشاهد ذلك بوضوح في قصة حي بن یقظان. فهو یری أن بإمكان الإنسان أن یكشف جمیع أسرار الطبیعة بدون تدخّل أي لفظ وكلام. كما أنه یستطیع أن یقف علی أسرار عالم العقل ورموزها عن طریق التفكر والتأمل، ویأنس بالموجودات الروحانیة وعالم الملكوت. ویبدو أن رأي ابن طفیل القائل بوجود الفكر دون وساطة اللفظ متأثر إلی حدّ ما بأبي حامد الغزالي. فقد طرح الغزالي هذه الفكرة في بعض آثاره وقال: إن كل مَن طلب المعاني من الألفاظ ضاع وهلك وكان كمن استدبر المغرب وهو یطلبه، ومن قرر المعاني أولاً في عقله ثم أتبع المعاني الألفاظ فقد اهتدی (المستصفی، 1/21). ولابد أن نذكر أن أبا حامد الغزالي مفكر أشعري وقد تحدث في كثیر من آثاره بما ینطبق وهذا المسلك. وسیزداد هذا الأمر وضوحاً إذا ما علمنا أن ابن طفیل كان مقرباً من الموحدین الذین كانوا ینزعون نحو أفكار الغزالي. والاعتقاد بوجود المعاني في الذهن قبل الألفاظ مسألة ذات جذور في الكلام النفسي الذي هو من العقائد الأشعریة الثابتة (قا: م.ن، محك النظر، 33، كما أنه لایعتقد بوجود الفكر دون الألفاظ).

ولابد من الإشارة إلی أن ابن سینا كان مِن فئة آمنت قبل ابن طفیل وقبل الغزالي بوجود الإدراك دون تدخل أي لفظ وعبارة، وقد قدّم وجهة نظره هذه في فرضیة الإنسان المعلق (ص 89). والإنسان المعلق عند ابن سینا لاذهن له، وبعید كل البعد عن أي مفهوم حصولي وصورة ذهنیة، وإدراكه حضوري لیس إلا، بینما لایُعَدّ ما قدّمه ابن طفیل من خلال حیاة حي بن یقظان وطبیعة تعلّمه من نوع العلم الحضوري.

وطبقاً لما جاء في قصة حي بن یقظان فإن بإمكان المرء الوقوف علی حقائق الوجود بالتفكر ومن دون وساطة الألفاظ والعبارات. فحي بن یقظان – بطل هذه القصة – استطاع عن طریق التفكر وبدون أي لفظ وكلام أن یدرك الكثیر من الحقائق قبل أن یلتقي أبسال ویتعلم منه لغة الحوار والكلام. ثم علم بعد تعرفه إلی أبسال وتعلمه اللغة علیه أن كل ما أدركه عن طریق التفكر والتدبر ینطبق تماماً على ما قاله له عن الأدیان والشرائع (ابن طفیل، 92-93).

 

النزوع نحو المعتزلة

رغم ذیوع المذهب الأشعري في عصر ابن طفیل، لكنه نحی منحی المعتزلة في كثیر من عقائده وأفكاره، ودافع عن أفكارهم. ففي باب الصفات الإلهیة یقول مثلاً بعینیة الصفات مع الذات متفقاً في ذلك مع أبي الهذیل العلّاف. كما أنه اتخذ موقفاً معتزلیاً في ذلك الجانب من القصة حینما استطاع حي بن یقظان بعقله أن یقف علی حقائق جاء بها الأنبیاء عن الله تعالی وأبلغوها للناس، لأن المعتزلة كانت تعتقد بأصالة العقل وتقول بشریعة العقل.

 

المصادر

ابن الأبار، محمد، تحفة القادم، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1406هـ/1986م؛ ابن أبي أصیبعة، أحمد، عیون الأنباء، تقـ: أغوست مولر، القاهرة، 1299هـ/ 188م؛ ابن أبي زرع، علي، الأنیس المطرب، الرباط، 1972م؛ ابن الخطیب، محمد، الإحاطة، تقـ: محمد عبد الله عنان، القاهرة، 1375هـ/1955م؛ م.ن، أعمال الأعلام، تقـ: لیفي بروفنسال، بیروت، 1956م؛ ابن دحیة، عمر، المطرب من أشعار أهل المغرب، تقـ: إبراهیم الأبیاري وآخرون، بیروت، 1954م؛ ابن سعید، علي، المغرب في حلی المغرب، تقـ: شوقي ضیف، القاهرة، 1955م؛ ابن سینا، التنبیهات والإشارات، تقـ: محمود شهابي، طهران، 1339ش؛ ابن طفیل، محمد، حي بن یقظان، تقـ: البیر نصري نادر، بیروت، 1963م؛ بدوي، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، بیروت، 1984م؛ البیومي، عبد الحمید سامي، «الفیلسوف ابن طفیل»، مجلة الأزهر، القاهرة، 1360هـ، عد 12؛ تاریخ فلسفة در إسلام، تقـ: م.م. شریف، طهران، 1362ش؛ جنثالث پالنثیا، تاریخ الفكر الأندلسي، تجـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1955م؛ الدجیلي، عبد الصاحب عمران، أعلام العرب، النجف، 1386هـ/1966م؛ دي بور، ت. ج.، تاریخ الفلسفة في الإسلام، تجـ: محمد عبد الهادي أبو ریده، القاهرة، 1357هـ/1938م؛ زرین كوب، عبد الحسین، یادداشتها واندیشه‌ها، طهران، 1351ش؛ شمس الدين، عبد الأمیر، مذهب ابن طفیل التربوي، بیروت، 1406هـ/1986م؛ الشیخ، سعید، مطالعات تطبیقي در فلسفۀ إسلامي، تجـ: مصطفی محقق داماد، طهران، 1369ش؛ صالح، مدني، ابن طفیل قضایا ومواقف، بغداد، 1980م؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، تقـ: هلموت ریتر، بیروت، 1381هـ/1961م؛ عباس، حسن محمود، حي بن یقظان وروبنسون كروزو، بیروت، 1983م؛ غالب، مصطفی، ابن طفیل، بیروت، 1405هـ/1985م؛ الغزالي، محمد، محك النظر، بیروت، دار النهضة الحدیثة؛ م.ن، المستصفی، القاهرة، 1322هـ؛ غلاب، محمد، «الفلسفة الإسلامیة في الغرب»، مجلة الأزهر، القاهرة، 1361هـ، عد 13؛ غومث، غارثیا، «قصیدة سیاسیة لابن طفیل»، مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامیة، مدرید، 1372هـ/1953م، عد 1؛ فروخ، عمر، تاریخ الفكر العربي، بیروت، 1983م؛ فروزانفر، بدیع الزمان، مقدمة زندۀ بیدار (ترجمة حي بن یقطان لابن طفیل)، طهران، 1360ش؛ كربن، هنري، تاریخ فلسفۀ إسلامي، تجـ: أسد الله مبشري، طهران، 1352ش؛ المراكشي، عبد الواحد، المعجب، تقـ: محمد سعید العریان ومحمد العربي العلمي، القاهرة، 1368هـ/1949م؛ المقري التلمساني، أحمد، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1388هـ/1968م؛ نادر، البیر نصري، مقدمة حي بن یقظان (ظ: همـ، ابن طفیل)؛ وأیضاً:

EI2; ESC1.

غلام حسین إبراهیمي دیناني/ت.

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: