الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفن و العمارة / ابن طولون، جامع /

فهرس الموضوعات

ابن طولون، جامع

ابن طولون، جامع

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/21 ۲۰:۰۱:۳۱ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ طولون، جامِع، وهو ثالث مسجد أنشأه المسلمون في مصر وأحد أكبر المساجد القدیمة في العالم الإسلامي. أمر أحمد بن طولون ببنائه بمنطقة القطائع في ضواحي الفسطاط علی جبل یشكر. ویقول الكندي: وأمر أحمد بن طولون بابتناء المسجد الجامع في 259هـ/872م فابتدئ في بنائه سنة 264هـ وقضی في 266هـ (ص 216، 219). ولكن كریسویل یقول: إن بناءه تمّ في 265هـ، یعزّز ذلك وجود حجر أثري علی جدار القبلة كتب علیه تاریخ إنشائه في رمضان 265 («فن العمارة…»، II/335).

 

خصائص العمارة

یمتاز المسجد من ناحیة فن العمارة بتصمیم بسیط جداً فالبناء یتكون من صحن مربع الشكل طول ضلعه نحو92 متراً یحیط به من جوانبه الثلاثة رواق به 13 نافذة في سفین، ومن جهة القبلة (الجنوب الشرقي) رواق به 17 نافذة في 5 صفوف. ویشكل عرض الأروقة والمبنی والصحن مستطیلاً بمقیاس 26/122 و33/140 متراً. وقد استعملت الدعامات بدل الأعمدة في بناء المسجد، وجمیع الجدران والدعامات وفتحات العقود من الآجر الأحمر مقاسها 5/4×5/8 إلی 8×18 إلی 19 سنتیمتراً. نضدت بملاط سمیك، وغطیت بطبقة من الجص الصلب. والعقود متكسرة تقوم علی دعامات مكعبة مستطیلة ضخمة بمقیاس 46/2×27/1 متراً تبلغ المسافة بینها 60/4 متراً (كریسویل، ن.م، II/339, 342). ویشاهد مثل هذه الدعامات في مسجدي المتوكل وأبي دلف في سامراء (مارسه، 46)، ویمكن الانتباه إلی الطراز الجدید والمبتدع في فن بناء المسجد بمصر من الروایة التي أوردها البلوي (ص 182) وهي أن ابن طولون أراد بناء الجامع، فقدّر له 300 عمود، فاقترح علیه البنّاء النصراني، أن یبنیه «بلا عمود إلا عمودي القبلة» (المحراب) وصنعت أنصاف الأعمدة الكاذبة في زوایات الدعامات الأربع بالآجر المنحوت. والعقود التي فوقه تبرز قلیلاً عنها. وفوق كل دعامة إزار خشبي نصب للتقویة (EI2).

ورغم أن عقود المسجاد في المناطق الغربیة الإسلامیة من النوع الهلالي عامة، إلا أنها في مسجد ابن طولون عقود منكسرة، وأحد الخصائص الفنیة التي تمتاز بها هذه العقود خفة وزن الجوانب بین الأقواس (غرابار، 130)؛ فقد فتح فوق كل دعامة وبین كل عقدین شباك أدی إلی خفة البناء ولطافته دون أن یقلل من استحكامه بالإضافة إلی ما یوفره من النور (مارسه، ن.ص). ولهذا الفتحات عقود مسكورة علی أعمدة صغیرة.

 

زخارف البناء

استعملت الزخارف في فن العمارة الإسلامیة بالمساجد لغایتین مختلفتین وأكثرها لبیان الأهمیة ولفت نظر المصلّین إلی مكان معین كالمحراب، فاستعملت أنواع مثیرة من الزخارف فیه. وقلیلاً ما كان البناؤون یسعون للوصول إلی التناسق والتكامل في البناء باستعمال النقوش المتشابهة المتناسقة، وهو ما نراه في مسجد ابن طولون (غرابار، 133). والزخارف الجصیة هي العامل الوحید في زخرفة البناء وقد أضفت جمالاً خاصاً علی الأجزاء الأصلیة من البناء كأعالي الدعامات وباطن العقود، والشبابیك و النوافذ. واستبدلت النقوش المستعملة فوق الدعامات التي كانت علی الطراز الكورنثي وعلی شكل أوراق مسننة بأوراق العنب علی الطراز السامرائي (كریسویل، ن.م، II/342). وقد صممت عقد مسجد ابن طولون عریضة جداً ولذلك فإن باطنها مكان مناسب لعرض الزخارف الجصیة، ولاتزال عشر قطع من هذه الزخارف بحالة جیدة، وهي عبارة عن إزار عریض زخرفي في الوسط مع إزارین ضیقین بنقوش هندسیه ونباتیة علی الطارز السامرائي، كما یوجد إزار من الزخارف الجصیة یحیط بالعقود من الوجهین ینعطف أولاً بشكل زاویة قائمة نحو العقد الجانبي، ثم یتصل به في امتداد خط أفقي (ن.م، II/343-344). وعلی مسافة 20 سنتیمتراً فوق هذا الإزار كتابة بالخط الكوفي بعرض 30 سنتمیتراً علی إزار خشبي مزخرف ویظن أن هذه الواجهة تمتد أكثر من 2 كم كتب علیها من آیات القرآن الكریم (EI2).

 

 

وتعتبر الشبابیك الواقعة علی الجدار الخارجي من الأروقة قمة فن الزخرفة الجصیة، ولاتزال ثلاثة أو أربعة من النماذج الأولی موجودة منها. وقد صمم بعضها بشكل دوائر مقسمة إلی أنصاف وأرباع دوائر متشابهة تماماً وتشبه أحد شبابیك مسجد دمشق الرخامیة، كما یوجد نموذجان آخران بأشكال مسدسة ومثلثات متساویة الأضلاع (كریسویل، «تقریر…»، 313). ویرتفع جدار الأروقة الخارجي 10 أمتار زیّنت واجهته بزخارف مسننة علی ارتفاع 3 أمتار من القسم العلوي فیها. ویبدو أن الغایة منها تقسیم الجدران العالیة عرضیاً إلی قسمین في القسم الأسفل 7 أبواب مستطیلة الشكل للدخول، وفي القسم العلوي 31 شباكاً ترتكز قاعدتها علی خط محور هذا التقسیم. وقد أزال هذا التقسیم البدیع، الرتابة من الجدران البسیطة. وأوجد أحد أجمل عوامل البناء وهي الشبابیك (EI2). ویشاهد علی طرفي الشبابیك وخلف أطراف جدار الصحن الخارجي ورود بثماني تویجات وورود مجوفة من الجص مع صف من هذه الورود بشكل واجهة تحت السقف (كریسویل، ن.م، 311-310).

 

السقف

أنشئ السقف الأول من المسجد بجذوع نخل ضخمة مع ألواح مربعة مستطیلة بمقاس 50×30 سنتیمتراً، والمسافة بین العضادات فیها 25/1 متراً (من المركز إلی المركز)، وزخرفت واجهتها وما بینها بإطارات خشبیة، وقد أصلح السقف الأولي علی طراز القلیل مما بقي منه. وعثر أثناء الإصلاح علی عدد من جذوع السرومن آسیا الصغری، ویعتقد كریسویل («فن ‌العمارة»، II/347) أنها استخدمت في تجدیدات البناء الأولی، ولكن سعید القاص أشار في القصیدة التي مدح فیها أحمد بن طولون ومسجده الذي بناه إلی استخدام العرعر (السرو الجبلي) في بنائه (الكندي، 254).

 

النافورة

أنشئ في وسط صحن المسجد بناء تعلوه قبة ذهبیة وشبابك متشابكة تفتح إلی كل الجوانب قائمة علی 10 أعمدة رخامية و16 عموداً رخامياً في جوانبها، وهو مفروض بالرخام أیضاً، وتحت القبة قصعة رخامية كبيرة فتحتها 4 أذرع، وفي وسطها نافورة تفور بالماء. وعلی سطح المبنى ساعة شمسية وأحیط السطح بدرابزین من الساج. وقد احترق جمیع ذلك في جمادی الثانیة 279/آب 892 (ابن دقماق، 1/123). ویدل وجود المیضأة في مؤخرة المسجد علی أن هذه النافورة إنما هي للزینة أو لشرب المصلین، وهو ما أشار إلیه سعید القاص في قصیدته (الكندي، 255).

 

الزیادة

یحیط بالجامع من جوانبه الثلاثة أروقة غیر مسقوفة تعرف بالزیادة، وتقع في الضلع الجنوبي الشرقي من الأبنیة الخاصة بالأمیر (دار الإمارة) ینفتح أحد أبوابها علی غرفة خلف المحراب، وكان ابن طولون كما كانت العادة في القرون الإسلامیة الأولی یدخل منها مباشرة إلی المقصورة بجوار المحراب والمنبر (المقریزي، الخطط، 2/269). یبلغ عرض الزیادة نحو 19 متراً ویحیط بها جدار ارتفاعه 8 أمتار وسمكه 32/1 متراً. ولذلك فإن المسجد مربع الشكل مقاس 162×46/162 متراً وتبلغ مساحته 5/26318م 2 (كریسویل، ن.م، II/339). وقد لفت ارتفاع جدران المسجد واستحكامها أنظار ناصر خسرو فقال: لیس هناك أفضل منها سوی جداري مدینتي آمد ومیافارقین (ص 88).

وتشكل جدران الزیادة في الحقیقة سوراً مناسباً لفصل صحن المسجد عن الأبنیة العامة التي بجانبه، ثم إن المرافق العامة الأخری كالمیضأة والصیدلیة والمنارة وغیرها أنشئت في ساحة الزیادة. وربما كان للزیادة 21 باباً یُدخل منها إلی المسجد، وكان سطح الزیادة أثناء بناء المسجد أخفض من الأروقة، كما أن الأبواب التي تفتح إلی داخل الأروقة قد أنشئت بشكل نصف دائري أعلی من سطح الزیادة بعدّة درجات. وقد تبین ذلك بعد أن أزیل ما علی الزیادة من أنقاض الأبنیة والتي أنشئت بعد بناء المسجد في مختلف الفترات. فبعد إزالتها ظهر أن أبواب الأروقة الشمالیة الشرقیة ترتفع 40/1 إلی 80/1م متراً عن سطح الزیادة، وقد جدد إنشاء أربعة من هذه الأدراج علی نمط درجین أصلیین بقیا في الضلع الجنوبي الشرقي (كریسویل، ن.ص).

 

 

وكان ابن طولون قد أمر بإنشاء «میضأة وخزانة شراب فیها جمیع الأشربة والأدویة وعلیها خدم وفیها طبیب جالس یوم الجمعة لحادث یحدث للمصلین» (ابن دقماق، 1/123). ولما أنشئت المیضأة في الزیادة اعترض الناس علی إخراجها من المسجد، فأجاب أنه أراد أن یطهر المسجد من النجاسات. ویذكر ابن دقماق أن الزیادة أنشئت في المرحلة التالیة لتوسعة المسجد (ن.ص)، غیر أن هذا لیس صحیحاً، لأن بناء الزیادة عرف قبل ذلك في مساجد سامراء (ظ: ن.د، أبو دلف، جامع).

 

المنارة

أنشئت المنارة كغیرها من الأبنیة المتممة للمسجد في الضلع الشمالي الغربي من الزیادة، وكانت المنارة الأولی كما یقول المقدسي «من حجر صغیرة درجها من خارج» (ص 199). وروی ابن دقماق (1/124)، والمقریزي (الخطط، 2/267)، أن أحمد بن طولون صنع نموذجاً ورقیاً وأمر المهندسین أن ینشئوا المنارة علی ذلك المثال، وهذا دلیل علی أن المنارة الحلزونیة كانت تُبنی لأول مرة في مصر.

 

مصیر المسجد في الفترات التالیة

أمر العزیز بالله أثناء حكمه، أو أمه بإنشاء نافورة بدل النافورة الطولونیة التي احترقت في 385هـ/995م، فتم ذلك علی یدي راشد الخفیفي (ابن دقماق، 1/123)، وفي نهایة هذا القرن أنشئ في الصف الثاني من دعامات جدار القبلة محرابان من الجص مسطحان متشابهان وعلی جانبیهما دكتان. لابد أنهما أقدم محاریب المسجد (ظ: M1 و M2 في المخطط). وقد أصیب المحراب الأیمن بأضرار كبیرة، ولم یبق منه سوی القسم الأعلی، أما المحراب الأیسر فلایزال محافظاً علی شكله، ویتكون المحراب من عقد محدد علی عمودین، وفي أعلی العقد زخارف مورقة نجمیة وعلی الجوانب من الأعلی إلی الأسفل نصف نجمیة جصیة. وعلی واجهة المحراب مكتوب بالخط الكوفي «لااله إلا الله، محمد رسول الله» (كریسویل، ن.م، II/349؛ الشافعي، اللوحة 1). وكان یعتقد بعد التحقیقات الأولیة أن المحراب طولوني، ولكن تبین من الدراسات التي أجریت فیما بعد أنه یعود إلی نهایة القرن 4هـ (م.ن، 81، 67).

وفي عهد الحاكم بأمر الله (387-411هـ/ 996-1020م) باع أحفاد ابن طولون المسجد له بـ 30,000 دینار مغربي، وبدأوا بعد فترة بتخریب منارته، وحینما اعترض الحاكم بأنكم بعتم المسجد، قالوا لم نبع المنارة، فاضطر الحاكم لدفع 5,000 دینار أخری لهم. وكان المسجد آنذاك لایزال معموراً، وفي رمضان یقیم السلطان صلاة الجمعة فیه (ناصر خسرو، 89)، ولكن یبدو أن المنارة أصیبت في ذلك الوقت بأضرار شدیدة (كریسویل، ن.م، II/336).

ورغم أن القطائع والعسكر خربت وخلت من السكان في عهد المستنصر (427-487هـ/1036-1094م) نتیجة القحظ الذي حل بها في مطلع النصف الثاني من القرن 5 هـ (المقریزي، الخطط، 2/265، 268)، غیر أن العمل بدأ في إعمار المسجد، فجدد أبو النجم بدر الجمالي الباب الشمالي الشرقي من جدار الزیادة في صفر 470 (ریفیرا، 137؛ عبدالوهاب، 1/44). كما أنشئ محراب مسطح من الجص علی دعامات الصف الرابع القبلي (ظ: M3 في المخطط)، علیه كتابة بالخط الكوفي وزخارف جصیة جمیلة ویشاهد علیه اسم المستنصر ووزیره الأفضل بن بدر الجمالي، ولذلك لابد أنه أنشئ في 487هـ (كریسویل، ن.م، II/349).

وقد استمر تجدید بناء المسجد بالتناوب حتی عهد الخلیفة الفاطمي الحافظ (524-544هـ/1130-1149م). واللوحة الخشبیة التي تشیر إلی هذا التجدید في 526هـ، غیر موجودة الیوم (ن.م، II/336). وفي النصف الثاني من القرن 6هـ آل أمر المسجد إلی النسیان، و«كان مأوی الغرباء من المغاربة یسكنونه ویحلّقون فیه» (ابن جبیر، 52). ویقول المقریزي إنه كان «لایوقد به سوی سراج واحد في اللیل، ولایؤذّن أحد بمنارته، وإنما یقف شخص علی بابه ویؤذن» (السلوك، (3) 827). وقد تمت أكثر أعمال إعمار المسجد وتجدید بنائه في 696هـ/1297م بأمر من السلطان حسام ‌الدین لاجین المنصوري وعلی ید الأمیر علم‌ الدین سنجر الدواداري الصالحي، وأنفق في ذلك 20,000 دینار، وقرر فیه آنذاك دروس الفقه والحدیث والقرآن والطب وجُعل له أوقاف كثیرة تكفیه، حتی أنه قرر وقفاً لساعته الشمسیة التي تعین المؤذنین علی الأوقات (ابن دقماق، 1/124). وما قام لاجین بتجدیده عبارة عن:

 

1. إنشاء القبة في وسط الصحن

وقد حلّت محل النافورة التي أنشأها العزیز وكانت مخربة في عهد لاجین (كریسویل، ن.م، II/350)؛ والنباء هذا مكون من 4 عقود مقاس 75/2×10/14 متراً علیها قبة كبیرة تحتها حوض له نافورة محلاة من الباطن والخارج بزخارف وكتابات كوفیة، منها آیة الوضوء بخط الثلث المملوكي علی رقبة القبة من الباطن، وهي لاتزال موجودة حتی الیوم (عبدالوهاب، 1/42؛ ماهر محمد، 1/15). وفوق القبة لوح خشبي علیه كتابة عن إنشاء القبة والفسقیة والساعات الشمسیة علی ید لاجین في 696هـ (عبد الوهاب، 2/45).

 

2. المحراب

أكبر المحاریب الستة الموجودة في المسجد وأفخمها هو المحراب المجوف في جدار القبلة، ولابد أنه المحراب الطولوني الذي جدد في عهد لاجین، ویتكون المحراب من سطح نصف أسطواني عرضه 19/1 وعمقه 09/1 متراً، علی جانبیه عمودان، وكل ذلك محاط بإطار من الجص مقاس 97/3×39/6 متراً، ویبدو أن الأعمدة الرخامیة وتیجانها الكورنثیة نقلت من بناء بیزنطي قدیم یعود إلی القرن الـ 6م أثناء إنشاء المسجد. ویرتفع المحراب إلی مترین و70 سنتیمتراً وهو مرصوف بالرخام المتعدد الألوان، وزخرف أعلاه بفصوص من الفسیفساء الزجاجیة بعرض 57 سنتیمتراً، كتب علیه بخط النسخ «لا اله إلا الله. محمد رسول الله» (كریسویل، ن.م، II/348). والقسم الأسفل من المحراب عبارة عن نصف قبة خشبیة مقرنسة أصابتها أضرار كبیرة، ولیس إنشاؤه متأخراً عن عهد لاجین.

 

3. إیجاد فتحة مدورة في السقف

كان من الأعمال التي قام بها لاجین أیضاً واجهة المحراب بما فیها المقرنسات والقبة الخشبیة وكذلك العقود خلف المحراب. أما القبة الحالیة فربما أنشئت في القرن 11هـ/17م وعلی الجانب الأیسر من هذا المحراب مسطح جصي كتب علیه اسم السیدة نفیسة. ویبدو من الخط والمقرنسات التي علی واجهته أنه من عهد لاجین، كنا أنشئ في عهد لاجین محراب ثالث یقع في الجهة الیسری من المحراب المستنصري (ظ: M6 في المخطط)، یشبه تمام الشبه، وعلیه اسم لاجین، ولاشك في أنه أنشئ في 696هـ وهذا المحراب والمحراب المشابه له هما الوحیدان اللذان علیهما لوحة تاریخیة في القاهرة (كریسویل، ن.م، II/350؛ عبد الوهاب، 1/38). ویبدو أن الدافع لتعدد المحاریب في مختلف العصور هو تعدد المذاهب، ویعزز ابن كثیر هذا الرأي بقوله إن الصاحب تقي‌ الدین ابن مراجل ناظر الجامع الأموي بدمشق عمل فیه محرابین للحنفیة والحنابلة سنة 764هـ/1362م (م.ن، م.ن، 1/39).

 

4. المنبر

منبر المسجد الحالي الذي اتخذت حشواته من خشب الساج الهندي والآبنوس، ودقت بنقوش في منتهی الدقة، وجدد صنعه هو من منابر لاجین. أما المنبر الطولوني القدیم فقد نقله لاجین إلی الجام الظاهري بالمنشأة علی شاطئ النیل. وقد تلاشی الجامع الظاهري والمنبر ولم یبق لهما أثر. وبقي منبر لاجین حتی سنة 1261هـ/1845م حینما عاینه ورسمه جیمس ویلد أمین متحف سوان بلوندره، ثم امتدت إلیه الأیدي بالسلب والنهب إلی أن عني هرتس باشا بجمع حشواته من أوروبا واستعان بالحشوات الأخری الباقیة من المنبر علی إصلاحه، وما كتب علی بابه یدل علی أنه عمل بأمر من لاجین في صفر 696هـ (م.ن، 1/37-38).

 

5. المنارة

بنیت هذه المنارة بالحجر الكلس وهي 4 طبقات. الطبقة السفلی مربعة الشكل تقریباً مقاس قاعدتها 78/12×65/13 (عبد الوهاب، 1/42). وارتفاعها 21 متراً لها سلم حلزوني نصف دائري. والطبقة الثانیة مستدیرة ارتفاعها 82/8 أمتار ولها درابزین وسلم خارجي أنشئ علیه برج مثمن العمد بطبقتین، ولهذا القسم سلم داخلي وطاقیة علی شكل مبخرة، ویبلغ مجموع ارتفاع المنارة من سطح الأرض 44/40 متراً. وأنشئ جسر حجري علی العقدین علی شكل حدوة الفرس وممر مغطی، ویوصل السلم الحلزوني الثاني إلی سطح المسجد. وعلی كل عمود من واجهة الطبقة السفلی شباك مسدود للزینة. وبینها نصف عمود علیه عقدان علی شكل حدوة الفرس. وهذا الشباك محاط بإطار من الجص (كریسویل، «تقریر»، 315-314). ولقد كانت هذه المنارة موضع خلاف أكثر من كل الأبنیة الإسلامیة التاریخیة بمصر (م.ن، «فن العمارة»، II/352). ویبدو من دراسة الوضع الحالي والنصوص القدیمة والنظریات الحدیثة أن هذا القسم من المسجد من أكثر الأقسام غموضاً من الناحیة التارخیة (غلفن، 86). وقد أدی هذا الوضع إلی ظهور آراء مختلفة أبداها علماء الآثار والباحثون في الفن الإسلامي في منتصف القرن 19م وما بعده. أما كریسویل فیری أن لاجین هو الذي أنشأها للأسباب التالیة: ألف- إن وضع المنارة الحالي یختلف عما ذكره المقدسي الذي رآها ووصفها في 375هـ/985م، وقول القضاعي (تـ 454هـ/ 1062م) إنها بنیت علی غرار منارة سامراء (المقریزي، الخطط، 2/266)، ولا مع القصة التي أوردها ابن دقماق والمقریزي. ب- إن الجسر الذي علی المنارة أحدث من المسجد. ج – إن استعمال العقود علی شكل حدوة الفرس في الشبابیك المسدودة لم یعرف في مصر قبل 683-684هـ. د- والأهم من كل هذا رد النظریة القائلة بإنشاء منارة جدیدة مربعة علی قاعدة المنارة القدیمة المستدیرة. ذلك أن بتریكولو رئیس لجنة الحفاظ علی الآثار التاریخیة أحدث ثقباً في أساس المنارة في 1920م تبین منه عدم وجود آثار جدران مستدیرة داخلیة، بل إن الجزء المربع هو في جملته كتلة موحدة وأنها أنشئت في زمن واحد (ن.م، II/352-355).

وفي عهد الناصر محمد بن قلاوون أنشئ فیه بین سنتي 693-740هـ علی طرفي جداره الشرقي بالطوب منارتان أسطوانیتا الشكل (المقریزي، ن.م، 2/269). هدمت الأولی في القرن 13هـ/19م، والثانیة في القرن 14هـ بعد 1352هـ (عبد الوهاب، 1/45)، كما أضیفت بعض الأبنیة إلی المسجد بین عامي 766-767هـ (ریفیرا، 137) ففي 792هـ/1390م أنشئ رواق بجوار المنارة وبنیت میضأة جدیدة بجانب المیضأة القدیمة، وقد زالتا كلاهما (المقریزي، عبد الوهاب، ن.ص).

وفي 1123هـ/1711م استبدل المسجد بحصن عسكري، وبعد فترة قصیرة أنشئ فیه مصنع لصناعة الصوف (ریفیرا، 138-137) وأسوأ ما أصاب المسجد من تلف كان في منتصف القرن 13هـ/19م. فقد سدّت منافذ الأروقة الجانبیة واستبدلت بغرف للمرضی النفسیین، ثم صارت داراً للمكفوفین، وأسكن فیها 100 أسرة، واستبدل قسم منه بدكان، وازداد خراب المسجد یوماً بعد یوم نتیجة التغییرات والحوادث التي تعرض لها من إقامة الناس فیه، وكان أول مازال منه تماماً هو الصف الأول من عقود الرواق الأصلي في 1294هـ/1877م.

وظل المسجد حتی 1297هـ مسكناً للمكفوفین، حتی كانت سنة 1302هـ فأمرت لجنة الحفاظ علی الأبنیة التاریخیة بإزالة الجدران التي بین أروقة المسجد، وتم ذلك في 1307هـ (كریسویل، ن.م، II/338). واستمرت أعمال العمارة حتی 1336هـ، فأزیلت الجدران المستحدثة داخل الإیوانات والرواق، وهدمت بعض الدور التي كانت تحجب الواجهة الشرقیة من المسجد، فأزیلت الأتربة والأنقاض من الصحن والأروقة، وأصلحت القبة التي فوق المحراب والمنارة الكبیرة والمنبر والشبابیك الجصیة وجزء من السقف. وأخیراً عمل السقف من الإسمنت المسلح برسم السقف القدیم. ثم غلف بأخشاب أدخلت فیها الأجزاء القدیمة. وأعید تركیب الإزار الكوفي فیها. وبعد القیام بهذه الأعمال، أقیمت فیه فریضة الجمعة في 22 رجب من نفس السنة، وظلت أعمال الإصلاح في المسجد جاریة كإزالة الأبنیة المحدثة في الزیادة، وإتمام السقوف وإصلاح الزخارف الجصیة، وإعادة بناء رواق الصحن من الإیوان الشرقي، وإصلاح الشبابیك الجصیة والمحراب المستنصري (عبد الوهاب، 1/45-46).

یمكن اعتبار مسجد ابن طولون في فن البناء أحد الأبنیة العباسیة في مصر التي بنیت علی الطراز السامرائي. وعلی هذا ليس من شك في أن كثیراً من الصناع العراقیین ساهموا في أعمال البناء والزخارف الجصیة وغیرها. ولیس هذا عجیباً ذلك أن ابن طولون جاء إلی مصر من سامراء ولابد أنه اصطحب معه كثیراً من الصناع العراقیین، وینبغي ألایغیب عن البال أن البناء علی الطراز السامرائي قد امتد من نیسابور في خراسان إلی مصر في شمال إفریقیا (EI2). وهذا المسجد مظهر للاستحكام والوقار والظرف والبساطة والسعة في فن البناء، ولذلك یعتبر من أهم الآثار المعماریة الإسلامیة (مارسه، 46)، وقد سجل باعتباره جزءاً من التراث الثقافي في مصر برقم 220 (جومار، 387).

 

المصادر

ابن جبیر، محمد، رحلة، لیدن، 1907م؛ ابن دقماق، إبراهیم، الانتصار لواسطة عقد الأمصار، بیروت، 1310هـ/1893م؛ البلوي، عبد الله، سیرة أحمد بن طولون، تقـ: محمد كرد علي، دمشق، 1358هـ؛ جومار، آدم فرانسوا، وصف مدینة القاهرة وقلعة الجبل، تجـ: أیمن فؤاد سید، القاهرة، 1408هـ/1988م؛ عبد الوهاب، حسن، تاریخ المساجد الأثریة، القاهرة، 1946م؛ الكندي، محمد، الولاة القضاة، تقـ: رفن كست، بیروت، 1908م؛ ماهر محمد، سعاد، مساجد مصر وأولیاءها الصالحون، القاهرة، 1971م؛ المقدسي، محمد، أحسن التقاسیم، لیدن، 1906م؛ المقریزي، أحمد، الخطط، بولاق، 1270هـ؛ م.ن، السلوك، القاهرة، 1970م؛ ناصرخسرو، سفر نامه، تقـ: محمد دبیر سیاقي، طهران، 1356ش؛ وأیضاً:

Creswell, K. A. C., Early Muslim Architecture, Oxford, 1940; id, A Short Account of Early Muslim Architecture, London, 1969; EI2; Golvin, Lucien, Essai surl’ architecture religieuse musulmane, Paris, 1974; Grabar, Oleg, The Formation of Islamic Art, London, 1973; Marçais, Georges, L’art de l’Islam, Paris, 1946; Revoria, G. T., Moslem Architecture, New York, 1913; Shāfi’ī, Farid, «An Early Fātimid Mihrāb in the Mosque of Ibn Tūlūn», Bulletin of the Faculty of Arts, Cairo, 1933, vol. XV(1).

نوشین دخت نفیسي/ن.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: