اِبْنُ الطَّلّاع، محمد بن فرج، مولی محمد بن یحیی البكري (ذوالقعدة 404- رجب 497/ أیار 1014- نیسان 1104م)، فقیه مالكي بالأندلس. ورد اسمه في المصادر بأشكال أخری: الطلاعي ومولی الطلاع وابن الطلاء ومولی الطلاء (الضبي، 112؛ الوادي آشي، 187،197؛ الذهبي، سیر، 19/199؛ الأرنؤوط، 19/199).

ولد في قرطبة، وقرأ فیها القرآن والحدیث والفقه علی عدد من الكبار كأبي علي الحداد ومكي بن أبي طالب وأبي عمرو ابن القطان والقاضي یونس بن عبد الله ومعاویة بن محمد العقیلي وأبي عبد الله ابن عابد وأبي عمرو المرشاني (القاضي عیاض، 41، 44؛ ابن خیر، 241-242؛ ابن بشكوال، 2/534؛ الذهبي، ن.ص). ولم یلبث أن عرف فقیهاً عالماً علی مذهب مالك وأصحابه ذاكراً لأخبار شیوخ بلده وفتاویهم (ظ: ابن بشكوال، ن.ص). وبلغت مكانته حداً جعلت جنثالث پالنثیا یعتبر أن دوام مذهب المالكیة بالأندلس في القرن 5هـ یرجع إلی فضل أفراد من طبقة ابن الطلاع (ص 14). ولما كان مسند زمانه فقد روی عدداً من الكتب مثل موطأ مالك ومدونة سحنون والرسالة لابن أبي زید. وقیل إن روایته لموطأ مالك بروایة یحیی بن یحیی اللیثي تمتاز بسند عال (ظ: ابن سعید، 1/165؛ المقریزي، 6/515؛ القاضي عیاض، 29، 41).

كان لابن الطلاع تلامذة كثیرون، فقد عمر وأسن حتی سمع منه الكبار والصغار والآباء والأبناء (ابن بشكوال، ن.ص)، فمن تلامذته ابن رشد الجد والقاضي عیاض وأبوعبد الله محمد بن أحمد ابن الحاج وأبومروان عبد الرحمن ابن قُزمان وأبو العواد وأبو الحسن یونس بن محمد بن مغیث وأبو القاسم أحمد بن محمد بن بقي، وقد روی عنه الأخیر كثیراً من الكتب (القاضي عیاض، 47، 217؛ ابن بشكوال، 1/336، 2/560، 649؛ الوادي آشي، 187؛ المقري، أزهار، 3/61؛ مخلوف، 123). ورغم أن القاضي عیاض ذكر مراراً أنه روی عن ابن الطلاع (ظ: ص 29، 41، 44، مخـ)، لكنه لم یتطرق إلی ترجمته في مشیخته.

عاصر ابن الطلاع سلالتي بني جهور وبني عباد، ولم یتوان بتولیه الصلاة بالمسجد الجامع بقرطبة عن حضور مجالس الأمراء والأعیان، بل كثیراً ما كان مقدماً في الشوری ومرجعاً للفتوی عندهم (ابن فرحون، 275؛ ابن سعید، ن.ص؛ ابن بشكوال، 2/534). وفي أواسط حیاة ابن الطلاع تعرضت الأوضاع السیاسیة في قرطبة إلی بعض التغییرات. فقد تغلب المعتمد بن عباد من سلالة بني عباد بإشبیلیة علی سلالة بني جهور بقرطبة في 463هـ/1071م، وسیطر علیها. ثم كان بین المعتمد وألفونس ملك قشتالة معاهدة قدیمة، كان علی المعتمد بموجبها أن یدفع له الجزیة مقابل قسم من الأرض التي كانت تحت حكم بني عباد (عنان، 282-285). وكان ألفونس ینتظر الفرصة المناسبة لنقض میثاقه والهجوم علی المناطق التي یحكمها ووجد الحجة حین قتل المعتمد رسول ألفونس الیهودي، بعد أن استفتی الفقهاء، فبادرة ابن الطلاع بالرخصة في ذلك، خلافاً لرغبته هو ونصرةً للمعتمد في مواجهة النصاری (المقري، نفح، 4/358). وتفصیل ذلك كأنه حدث أن أرسل ألفونس في 475هـ/1082م جماعة علی رأسهم رجل یهودي باسم ابن شالب إلی المعتمد لأخذ مال الجزیة هدده ابن شالب وأغلظ له القول فعضب المعتمد وقتله وسجن بقیة الرسل (ظ: الحلل، 41-42). وأدی موت هؤلاء الرسل وسیطرة ألفونس علی طلیطة في 478هـ وأمور أخری عدیدة إلی أن قصد ملك قشتالة الهجوم علی إشبیلیة، فشاور المعتمد مَن حوله وطلب من یوسف بن تاشفین أمیر المرابطین بالمغرب أن یساعده للمحافظة علی إشبیلیة مقابل القشتالیین النصاری والمحافظة علی الدولة الإسلامیة بالأندلس. وكان عدد ومنهم ابنه الرشید وابن الطلاع یعارضون طلب المعتمد هذه المساعدة، ویبدو أن ابن الطلاع كان قد استشیر في هذا الأمر، والظاهر مما رواه ابن فرحون (ن.ص)، أنه لم یكن متفائلاً من حضور المرابطین بالأندلس. حتی إنه امتنع من الإفتاء بعد دخول ابن تاشفین إلیها في 478هـ ولم یصدر فتوی حتی آخر حیاته (المقري، ن.م، 4/357-360؛ الحلل، 38 ومابعدها). وقیل إن المعتمد ندم علی مافعل وذهب إلی ابن الطلاع وتضرع وسأله الدعاء فلامه بجملة (الذهبي، سیر، 19/200-201).

آثاره

لابن الطلاع عدد من المصنفات أهمها أقضیة رسول الله‌(ص)، ذكر المؤلف في آخر كتابه أنه لما رأی كتاب أقضیة ابن أبي شیبة، أدرك أنه رغم نیته بجمع كل أقضیة الرسول‌(ص)، لم یستطع أن یجمع أكثر من 100 حالة في كتابه، ولذلك تابع هو عمله بالحصول علی عدد من الكتب وأنهاه (ظ: ص 161)، وأورد المؤلف في نهایة الكتاب أسماء عدد من مصادره (ص 162-165). كما أنه أشار إلی مصدره أثناء بیان كل قضیة. وأورد في نهایة الكتاب سلسلة سند روایته وفي بعض الحالات أهمها. كما أنه أفاد من بعض الكتب دون أن یورد سند روایته أو یذكره في نهایة كتابه، واقتصر أثناء إیراد المواضیع علی ذكر الاسم فحسب، من هذه الكتب كتاب ابن سحنون وابن حبیب والبرقي وابن السكن (ظ: ص 52، 56، 83، مخـ). طبع هذا الكتاب لأول مرة في حلب (1396هـ/1976) ومرة أخری في بیروت (1398/1978م) بتحقیق محمد ضیاء الرحمن الأعظمي.

من آثاره المخطوطة: 1. التذكار في أفضل الأذكار، في فضل قراءة القرآن، منه مخطوطة بتركیة تاریخ كتابتها 958هـ (ظ: ششن، 1/123-124)؛ 2. المقنع في مذهب مالك. منه مخطوطة آخرها ناقص في مجموعة بمكتبة الأوقاف بالموصل (ظ: أحمد، 1/271-272).

ومن آثاره الأخری المفقودة زوائد ابن أبي زید، ذكر ابن خیر سند روایته إلیه (ص 246)، وكذلك فهرسة (الكتاني، 1/472)، والوثائق المختصرة (ابن خیر، ن.ص).

وكان ابن الطلاع صاحب قریحة شعریة أیضاً، روی له المقری عدداً من الأبیات (أزهار، 3/226). توفي بعد أن عاش 93 سنة (الذهبي، العبر، 2/376)، وشیعه جمع عظیم من الناس ودفن بمقبرة العباس بقرطبة (ابن بشكوال، 2/535).

المصادر

ابن بشكوال، خلف، الصلة، تقـ: عزت العطار الحسیني، القاهرة، 1374هـ/1955م؛ ابن خیر الإشبیلي، محمد، فهرسة، تقـ: فرنسشكه قداره، بغداد، 1963م؛ ابن سعید المغربي، علي، المغرب في حلی المغرب، تقـ: شوقي ضیف، القاهرة، 1953م؛ ابن الطلاع، محمد، أقضیة رسول الله‌(ص)، حلب، 1396هـ؛ ابن فرحون، إبراهیم، الدیباج المذهب، القاهرة، 1351هـ؛ أحمد، سالم، فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة في الموصل، بغداد، 1395هـ/1975م؛ الأرنؤوط، شعیب، هامش سیر أعلام النبلاء (ظ: همـ، الذهبي)؛ جنثالث پالنثیا، آنخل، تاریخ الفكر الأندلسي، تجـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1955م؛ الحلل الموشیة، تقـ: سهیل زكار وعبدالقادر زمامة، تونس، 1974م؛ الذهبي، محمد، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط، بیروت، 1405هـ؛ م.ن، العبر، بیروت، 1405هـ؛ ششن، رمضان، نوادر المخطوطات العربیة في مكتبات تركیا، بیروت، 1975م؛ الضبي، أحمد، بغیة الملتمس، القاهرة، 1403هـ؛ عنان، محمد، دول الطوائف، القاهرة، 1380هـ/1960م؛ القاضي عیاض، الغنیة، تقـ: ماهر زهیر جرار، بیروت، 1402هـ/1982م؛ الكتاني، عبدالحي، فهرس الفهارس والأثبات، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1402هـ/1982م؛ مخلوف، محمد، شجرة النور الزكیة، القاهرة، 1350هـ؛ المقّري، أحمد، أزهار الریاض، تقـ: مصطفی السقا وآخرون، القاهرة، 1358هـ/ 1939م، م.ن، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1388هـ/1968م؛ المقریزي، أحمد، المقفی الكبیر، تقـ: محمد الیعلاوي، بیروت، 1411هـ؛ الوادي آشي، محمد، برنامج، تقـ: محمد محفوة، بیروت، 1982م.

فرامرز حاج منوچهري/ن.