الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن الطثریة /

فهرس الموضوعات

ابن الطثریة

ابن الطثریة

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/21 ۰۸:۰۲:۳۲ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ الطَّثَریَّة، أبو المكشوح یزید بن الطثریة (تـ 126هـ/744م)، شاعر الغزل من بني قشیر ببادیة الیمامة. والطثریة أمه، ویبدو أنها من قبیلة طَثَر وهم حيّ من الیمن (صِرم من جَرم)، ویری بعضهم أنه ینسب إلی طَثر بمعنی الكرة (أبو الفرج، 8/156؛ قا: ابن سلام 150). لانعرف بدقة اسم جده، فقد ورد عند الكلبي والشیباني وهما من أصحاب المصادر القدیمة باسم صمّة مرة، وسَلَمة حیناً والمنتشر تارة (أبو الفرج، 8/155؛ قا: ابن حبیب، 247). وهو علی كل حال من بني سلمة (فرع من بني قشیر) ولهذه النسبة أهمیة لما للصلة القبلیة من تأثیر كبیر في حیاة الشاعر، وكان یلقب مُوَدِّقاً بمعنی الفَتِن وسمي بذلك لحسن وجهه وحلاوة حدیثه (أبو الفرج، 8/156).

وقد اهتم الكتّاب، الأدباء منهم واللغویون، بشعر ابن الطثریة في القرون التالیة، فكانوا یستشهدون علی الأغلب به. غیر أن أهمیة هذا الشاعر لدینا الیوم تعود إلی أنه كان لایزال یحافظ علی العادات والتقالید الجاهلیة بعد 100 سنة من انتشار الإسلام. كما أن أسلوب وطریقة كلامه وأعضاء قبیلته، ظلت كما كانت علیه في الصحراء، ولم یؤثر الإسلام علیهم إلا في الظاهر. وقد تجلی هذا الأمر أیضاً في ناحیة أخری. فالروایات التي نقلت عنه تحمل لوناً وطابعاً جاهلیاً، وامتزجت كلها بأساطیر قدیمة معروفة ومكررة لایمكن الاعتماد علی صحة أي منها. ولو لم یجمعها أبو الفرج بعد 300 عام لما بقي منها شيء مهم. ویمكن تلخیص تلك الروایات في عدد من العناوین: النزاع بین قبیلة الشاعر (بني قشیر) وبین قبیلة جرم الیمنیة، حب الشاعر لفتاة من تلك القبیلة وما حدث بینهما من قصص، حبه لعدد من النساء الأخریات، تضییع ثروته، إغارته علی مال أخیه، تأدیب أخیه والدائنین أو الحاكم له وقتله في الحرب. وقد امتزجت هذه القصص كالعادة في الآثار القدیمة ببدائع الشعر. وتتجلی روح الشاعر في طیاتها بأعلی الخصال الجاهلیة من شجاعة وسماحة وشرف وحب أحیاناً، ویمكننا أن نرسم من خلال هذه الروایات المتفرقة صورة ممزوجة بالأسطورة والواقع عن حیاة الشاعر.

أمحلت قبیلة جرم الیمنیة في فترة (ربما في النصف الثاني من القرن الأول الهجري)، فانتجعوا أرضاً لبني قشیر، ورغم ما داخل القشیریین من قلق شدید فقد أجاروهم، إلا أن سلوك الشبان أدی إلی حدوث مصادمات، ومن هنا ظهرت أول أسطورة عن ابن الطثریة فاتفقت القبیلتان لإثبات عفة نسائهما وكرمهن، علی أن تبعث كل قبیلة رجلاً فاتناً إلی بیوت الأخری إذا غدا الرجال وأخلفت النساء لیروا رد فعل النساء كیف یكون، فلم ینل الجرمي من قبیلة قشیر شیئاً، أما یزید بن الطثریة القشیري فقد افتتنت به نساء قبیلة جرم وأخذ منهن مواثیق وعهوداً وقبض رهوناً (أبو الفرج، 8/157-160). ومن الواضح أن الذي یعني الباحث من هذه القصة أكثر من شخصیة یزید، إنما هي حیاة النساء والعادات القبلیة تجاهن، وأخیراً یتبادر هذا السؤال إلی الذهن، هل إن عادات قبیلة جرم القدیمة وسننها تمنح الحریة، وحریة الرأي للنساء، فلایخشین الرجال ولایأبهن لغضبهم وتعصبهم (ظ: حسین، 576). ویثبت هذا الرأي عبارات وقصص قصیرة عدیدة وردت خلال هذه الروایات، ولاسیما حین تصرّ نساء جرم علی مقابلة یزید، رغم غضب أحد كبار رجال القبیلة الشدید (أبو الفرج، 8/171).

وكانت وحشیة التي أحبها یزید من قبیلة جرم هذه، ویری الوشاء، أنه یقف في مصاف كبار العشاق في الأدب (ص 134)، والمواقف التي حدثت خلال هذا الحب هي تقلیدیة ومكررة، فالمحبوب یحجب كالعادة عن المحب، ویحمل إلی مكان بعید، ویشرف الشاعر علی الموت، ویضطر ابن عم له إلی مساعدته، ویبحث معه عن المحبوب، وأخیراً یحتال العاشق بالذهاب إلی خیمة المعشوق مظهراً بطولة لاتختلف عما یحتال به العشاق الجاهلیون، یقیم عنده ثلاث لیال (أبو الفرج، 8/160-162). ومن الضروري له أیضاً أن یذهب بعد رحلته هذه إلی جماعة أخری من النساء ویقضي لیلته بینهن بالغزل والحب، ویغضب ابن عمه بشكل یدعوه إلی محاولة قتله، ولكن یعود إلی مودته بعد بیتین أو ثلاثة أبیات بدیعة (م.ن، 8/163). هذه الحوادث وحب وحشیة لیزید، یثیر غضب فُدَیك الشدی، عم الفتاة، فیخترط سیفه ویضرب عنق غلام له أمام النساء لیریعهن، ولكنه كان یعلم أنه لافائدة من هذا العمل، وأن وحشیة ستواعد یزید، ولذلك یحفر زبیة علی طریقها یوقد ناراً خفیفة فیها خفیة، حیث مرت الفتاة من هناك واحترقت رجلها، وتدور مهاجاة بین یزید وفدیك (م.ن، 8/171-172). وورد في إحدی الروایات أن شهرة هذا الحب، ضیّق علی القبیلة بحیث شكت جرم ما هي فیه لصاحب الیمامة، فكتب هذا إلی ثور، أخي الشاعر أن یؤدبه، فحلق الأخ لمة أخیه وأنشد الشاعر مقطوعة بدیعة حولها (م.ن، 8/178).

ولم یكن إسراف الشاعر مذموماً بل اعتبر من صفاته الممیزة وأدی إلی أن یجعله من هذه الجهة علی الأقل في مصاف أكبر شعراء العرب، فرغم أنه كان شریف الأصل وربما كان في البدایة صاحب ثروة، غیر أن إسرافه الشدید أغرقه في الدیون، ولما كان أخوه ثور ذا مال وثروة ومتنسكاً كثیر الحجر (أبو الفرج، 8/176)، فقد كان یهبّ لمساعدته، ویتحمل سقطاته لمحبته إیاه (م.ن، 8/179)، ومع ذلك فقد حدث مرة أن ألقی به مولی عقبة أمیر بلاد عقیل في السجن بمساعدة الأمیر، واستطاع الشاعر الهرب، ولكنه یرجع إلی السجن من حب أسماء التي كانت تعیش مع قبیلتها من بني جعفر بجوار ذلك المولی، ویبقی في السجن رغم أنه یعطي إحدی إبل أخیه ثور للدائن. وینظم أبیاتاً في أسماء، ودَینه وعطاء أخیه، إلی أن حجّ عقبة یوماً، ثم صار إلی المهاجر ابن عبد الله في الیمامة، فخدع یزید السجانین وركب أسرع ناقة وقصد عقبة في الیمامة، وهناك استطاع بعبارته البدیعة «فارمنك إلیك» وإنشاده قصیدة من أجود شعره في مدحه أن یكسب قلب الأمیر ویلینه بشكل لایعفو عنه فحسب، بل ویبرئه من دینه، ویَهَب له نجیبة (م.ن، 8/166-170). ولیس من شك في ظهور بصمات واضعي القصص علی هذه الروایة. غیر أن لدینا قصتین أخریین من الأهمیة بمكان في وضع القصص: إحداهما أنه یمر یوماً بنسوة حسان علی ماء، فیطلبن إلیه أن یطعمهن فسرعان ما یعقر لهن إحدی نوق أخیه ویقدم لحمها لهن (ابن سلام، 151؛ أبو الفرج، 8/176). ونحن نعلم أن مثل هذه القصة رویت عن امرئ القیس وأن أبیاتاً في معلقته الشهیرة أشارت إلیها (ظ: ص 33 البیتان 11 و12 من القصیدة). وقصته المثیرة الثانیة أنه كان یفر براحلته من ید أعدائه، فترجل عنها لما كاد أن یقع في أسرهم وسبق إبلهم السریعة عدواً (أبو الفرج، 8/170). وإذا كان قد نسب إلیه في الروایة الأولی شبیه لما حدث للأمیر الشاعر، فقد أرادوا في الروایة الثانیة أن یجعلوه في مصاف العدائین العرب كالشنفری.

والذي نلاحظه أن مجموعة كبیرة من الأساطیر الجاهلیة أحاطت بشاعر أدرك العصور الأولی من القرن الثاني الهجري. صحیح أنه وضع في السجن بأمر من الحاكم ككل مسلم آخر مذنب في الدولة الإسلامیة، ثم استطاع أن ینال عطف الحاكم بقصیدة مدح، غیر أن طریقة التفكیر ونوع البطولات ولاسیما حبه، كله جاهلي تبدو علیه بصمات الوضع جلیة.

ویبدو أن الروایات المتعلقة بقتل یزید لاتبعد عن الحقیقة وإن نسجت أحیاناً بشكل أبدع؛ وأقدمها روایة ابن حبیب (ص 247-248)، ثم روایة البلاذري في أنساب الأشراف والتي لم ترد في الأجزاء المطبوعة، إلا أن ابن خلكان یرویها عنه (6/372)، حیث یبدو منها ومن روایة ابن الأثیر (5/298-299)، أن أهل الیمامة یثورون علی حاكمهم في السنة التي قتل فیها الولید بن یزید الأموي (126هـ) وتقع إثر ذلك عدة حروب صغیرة وكبیرة، وأخیراً تدور حرب بین بني حنیفة من جهة، وبني عقیل وبني قشیر من جهة أخری بالقرب من قریة فلج، یقتل فیها یزید. غیر أن ابن حبیب یروي قصة القتل هذه بشكل أكثر إثارة: فقد كانت الرایة في ید یزید، فجاء القوم حوله حین لقوهم، وثبت یزید وفرعته أصحابه، فنشبت جبّة خزّ (أو فرو) كان یلبسها بخشبة فعثر فقتله الحنفیون (ص 248)، ولولا ذلك ربما نجا. فرثي في 4 مقطوعات شعریة، 3 للشاعر القُحیف (أبو الفرج، 8/181-182)، والرابعة لابد أنها من قصیدة طویلة تنسب إلی عدد من الأفراد: أخته زینب، ومحبوبته وحشیة، وأمه (م.ن، 8/182)، وحتی لأخیه ثور (أبو عبید، سمط…، 1/658؛ ابن الأثیر، 5/299).

غیر أن هذه الأشعار شدیدة الاضطراب كأكثر الشعر الجاهلي، فقد نسبت أبیات منها إلی أشخاص لایمتّون بصلة إلی یزید، أو أن أبیاتاً بنفس الوزن والقافیة ظن أنها من تلك القصیدة (ظ: أبو عبید، ن.ص؛ ابن خلكان، 6/374، 375). ولهذه القصیدة أهمیة، بحیث یمكن اعتبارها رثاء جاهلیاً بكل معنی الكلمة، ولذلك فهي أشبه بشعر یزید. فمما یرفع من مكانة یزید في نظر الشاعر أنه یكرم الضیوف أشد التكریم، وأن قدوره علی المواقد لهم (البیت 4)، وأنه یحمي المظلومین وأفراد القبیلة (البیتان 5 و9)، وهو أصیل وشجاع (البیتان 7 و8)، ولایجفو أبناء قبیلته أبداً (البیت 10).

وما نعرفه من شعر ابن الطثریة هو ما نظم في المناسبات التي ذكرت آنفاً، أو في مناسبات أخری، وهو مجموعة تعتبر في الحقیقة مرآة الحیاة البدو في الجاهلیة، أو هي إلی حد ما تعكس خیال الرواة في القرنین الأول والثاني الهجریین من شعراء البادیة في العصر الجاهلي، ومن البدیهي أننا لانشك في صحة انتساب كل هذه الأشعار لیزید، ولكننا نظن أنه لحقها الكثیر من التحریف والوضع، یدل علی ذلك كثرة أبیات الآخرین التي نسبت إلیه وأشعاره التي نسبت للآخرین.

وقد لفت قدم شعر یزید وخصائصه البدویة أنظار جمیع الكتّاب الذین كانوا بحاجة إلی الشواهد الشعریة، ولذلك نری الأبیات المنسوبة إلیه في كتب الأدب (مثلاً: ابن معصوم، 4/68، 370، 5/246)، وفي كتب اللغة (مثلاً: الفارابي، 3/267؛ ابن فارس، 140؛ ابن منظور، مادة جزز) وفي كتب علوم القرآن (ابن قتیبة، 291؛ الطبري، 11/103)، وفي المعاجم الجغرافیة (أبوعبید، معجم…، 2/664، 3/745؛ یاقوت، 1/855، 2/464)، وفي كتب أخری أیضاً.

ویشیر ابن خلكان إلی أن أبا الفرج الأصفهاني وأبا الحسن علي بن عبدالله الطوسي جمع كل منهما شعر یزید في دیوان، حتی إنه ینقل عبارات من مجموعة الطوسي (6/368-369). وما تبقی من أشعاره فلا یتجاوز 100 بیت، یوجد أكثرها في الأغاني. ویذكر كحالة نقلاً عن أخبار التراث العربي، دیواناً جمعه حاتم صالح الضامن (ص 841).

 

المصادر

ابن الأثیر، الكامل؛ ابن حبیب، محمد، «أسماء المقتالین»، نوادر المخطوطات، تقـ: عبد السلام هارون، القاهرة، 1374هـ/1954م؛ ابن خلكان، وفیات؛ ابن سلّام، محمد، طبقات الشعراء، لیدن، 1913م؛ ابن فارس، أحمد، الصاحبي، تقـ: أحمد صقر، القاهرة، 1977م؛ ابن قتیبة، عبد الله، تأویل مشكل القرآن، تقـ: أحمد صقر، القاهرة، 1393هـ/1973م؛ ابن معصوم، علي، أنوار الربیع، تقـ: شاكر هادي شكر، النجف، 1389هـ/1969م؛ ابن منظور، لسان؛ أبو عبید البكري، عبد الله، سمط اللآلئ، تقـ: عبد العزیز المیمني، القاهرة، 1354هـ/1936م؛ م.ن، معجم ما استعجم، تقـ: مصطفی السقا، بیروت، 1403هـ/1983م؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، القاهرة، دار الكتب؛ امرؤالقیس، دیوان، بیروت، 1377هـ/1958م؛ حسین، طه، من تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1981م؛ الطبري، تفسیر؛ الفارابي، إسحاق، دیوان الأدب، تقـ: أحمد مختار عمر، القاهرة، 1976م؛ كحالة، عمر رضا، المستدرك علی معجم المؤلفین، بیروت، 1406هـ/1985م؛ الوشاء، محمد، الظرف والظرفاء، تقـ: فهمي سعد، بیروت، 1405هـ/1985م؛ یاقوت، البلدان.

آذرتاش آذرنوش/ن.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: