اِبْنُ طِراد، أبو القاسم شرف‌ الدين بن طراد بن محمد بن علي الزینبي الهاشمي (462-538هـ/1070-1144م)، راوٍ ونقیب النقباء ببغداد ووزیر المسترشد والمقتفي العباسیین. ینسب إلی زینب بنت سلیمان بن علي بن عبد الله بن العباس زوجة إبراهیم الإمام الذي عرف أولاده بالزینبیین (السمعاني، 6/371-372؛ ابن الطقطقی، 411). تولی أبوه وجده نقابة النقباء العباسیین ببغداد. ثم ولی المستظهر العباسي أبا القاسم هذا المنصب ولقبه الرضا ذا الفخرین (ابن الجوزي، 10/109). ولکن یستنبط من حدیث ابن العمراني أنه کان یتولی هذا المنصب قبل ذلک فقد ذکر أنه کان فیه منذ بدایة خلافة المستظهر (ص 206). فإن کانت وفاة والده في 491هـ/1098م (الذهبي، 19/39)، فلابد أن یکون ابنه أبو القاسم قد تولی النقابة بعد ذلک التاریخ، أي بعد بدء خلافة المستظهر بأربع سنوات تقریباً.

وکان أثناء تولیه النقابة یتمتع بنفوذ کبیر في بلاط الخلافة ولدی أمراء العراق والسلاطین السلاجقة، فقد بعثه المستظهر في 501هـ/1108م برسالة إلی أمیر الحلة صدقة بن مزید (ابن الأثیر، 10/441-442). وبعد فترة صحب أمراء بغداد إلی أصفهان لحضور حفلة زواج محمود السلجوقي (ابن العمراني، 208). وفي 512هـ/1118م تولی المسترشد الخلافة فکان ابن طراد ممن أخذ البیعة له. ولما هرب أبو الحسین شقیق المسترشد من بغداد ولجأ إلی دبیس بن صدقة في الحلة، بعث ابن طراد إلیه لیأخذ البیعة من دبیس ویعید أبا الحسن إلی بغداد (ابن الطقطقی، 406-407؛ ابن الأثیر، 10/537). وفي 516هـ عزل جلال‌ الدين عمید الدولة ابن صدقة من الوزارة وتولی ابن طراد نیابتها ریثما تمّ تعیین الوزیر الجدید أبي نصر أحمد بن نظام الملک.

وفي 517هـ عزل الخلیفة المسترشد نقیب العلویین بتهمة الجاسوسیة، وولی ابن طراد نقابة العلویین بالإضافة إلی نقابة العباسیین (م.ن، 10/602، 617). ویبدو أنه احتفظ بهذا المنصب إلی أن توفي الوزیر جلال‌ الدين أبو علي ابن صدقة، وعیّن ابن طراد في نیابة الوزارة، وأخیراً استوزره الخلیفة في ربیع الثاني 523/نیسان 1129 (م.ن، 10/653)، ولقب بمعزّ الإسلام وعضد الإمام وسید الوزراء وصدر الشرق والغرب (ابن العمراني، 216)، «وقلّد أخاه أبا الحسن محمد النقابة» (الذهبي، 20/150). ویمکن الوقوف علی ما کان له من کانة ونفوذ عندالخلیفة من هذه الألقاب، وما أضفی علیه من ثناء (هندوشاه، 299)، سیما وأنه «لم یزر للخلفاء من بني العباس هاشمي غیره» (ابن الأثیر، 10/653). مع ذلک لاندري السبب الذي دعا المسترشد إلی عزل ابن طراد من الوزارة ومصادرته علی 200,000 دینار بعد انتصاره علی تحالف زنکي بن آق سنقر ودبیس بن صدقة في شعبان 526/حزیران 1132 (ابن العمراني 217)، وأن یلقي به في السجن (الذهبي، ن.ص). وظل ابن طراد معزولاً سنتین إلی أن أعاده إلی الوزارة بعد إقصاء أنوشروان بن خالد عنها في جمادی الثانیة 528 (ابن العمراني، 218)، غیر أن هذا لم یطل أیضاً، ففي رمضان 529 هزم مسعود السلجوقي جیش الخلیفة وأسره (ابن الجوزي، 10/109؛ ابن الأثیر، 11/26)، وسجن الوزیر مع جمیع أهل العلم في إحدی القلاع (هندوشاه، 295).

ولکن لابد أن هذا الحجز لم یدم طویلاً، ففي ذي القعدة 530 حینما هرب الخلیفة الراشد أمام السلطان مسعود إلی الموصل ودخل السلطان بغداد کان یصحبه ابن طراد. ویقول ابن العمراني إن مسعوداً استشاره في أن یقصد الخلیفة بنفسه ویترضاه ویعیده إلی بغداد، غیر أن ابن طراد جمع القضاة والفقهاء وألزمهم أن یشهدوا علی الراشد بالله بالفسق والفساد، وخلع من الخلافة (ص 222)، ثم أنه ذکر للسلطان محمد بن المستنصر، وما یتمتع به من دین وعقل وعفة وأقنعه حتی استخلفه بلقب المقتفي (ابن الأثیر، 11/42، 43)؛ ولذلک سرعان ما استوزر المقتفي ابن طراد «وکل من کان علی عمل أقره علی عمله» (ابن العمراني، 225). ویبدو مما أورده المؤخون أن ابن طراد احتفظ بمنصب الوزارة مدة أربع سنوات بعد ذلک دون أن یأبه لأوامر الخلیفة معتمداً علی السلطان مسعود، مما أثار غضب الخلیفة ونفاره دون أن یبدي اعتراضاً خوفاً من السلطان، وربما نسبه إلی مواطأة الأتراک ضده، فخاف وقصد دار السلطان (ابن الأثیر، 11/76؛ ابن العمراني، ن.ص). فأرسل إلیه الخلیفة في بدایة الأمر یستمیله في العودة إلی منصبه فامتنع، وکانت الكتب تصدر باسمه، واستنصب ابن عمه قاضي القضاة الزینبي في الوزارة (ابن الأثیر، ن.ص). وکان السلطان مسعود آنذاک غائباً عن بغداد (الذهبي، 20/151؛ هندوشاه، 299). وأرسل الخلیفة إلی السلطان رسلاً في معنی الوزیر، فأرخص له في عزله، وأسقط اسمه من الکتب، وعزل قاضي القضاة الزینبي من النیابة أیضاً (ابن الأثیر، ن.ص).

وقد اختلف المؤرخون في عدد السنوات التي قضاها ابن طراد في دار السلطان وفي عمله. فقد ذُکر أن مسعود السلجوقي أصلح بین الخلیفة والوزیر وولّي ثانیة، ثم ما لبث أن عُزل واستأذن في الحج، ثم اعتزل بعده (ابن العمراني، ن.ص؛ ابن الجوزي، 10/109). غیر أن ابن الأثیر یشیر إلی أن الوزیر عاد إلی داره بعد وصول السلطان مسعود عائداً إلی بغداد في 536هـ/1142م، وشفاعته له، وأن أخاه أعید إلی نقابة النقباء التي لاندري متی تقلّدها ابن طراد ثانیة. ولم یکن ابن طراد یخرج من داره إلا إلی الجامع حتی مات (11/89). بینما یقول الذهبي إن ابن طراد بقي بعد عودة مسعود إلی بغداد في داره حتی مات (ن.ص)، ودفن بداره بباب المراتب (باب الأزج: ابن الأثیر، 11/97)، ثم نقل إلی تربته بالحربیة (ابن الجوزي، ن.ص).

کان ابن طراد وزیراً حسن الخصال فاضلاً عاقلاً (هندوشاه، 298-299)، ویعتبر بالإضافة إلی نشاطاته السیاسیة من رواة عصره، سمع من أبیه طراد بن محمد عمَّیه أبي نصر وأبي طالب وغیرهم (السمعاني، 6/372؛ ابن الجوزي، ن.ص). وأجازه أبو جعفر ابن مسلمة، وروی عنه عدد کأبي أحمد ابن سکینة وأبي القاسم ابن عساکر (الذهبي، 20/150)، کما روی عنه السمعاني (السمعاني، ن.ص)، وکان یشتغل بالعبادة، کثیر التلاوة والصلاة «له إدرار علی القرّاء والزهاد» (الذهبي، 20/151).

المصادر

ابن الأثیر، الکامل؛ ابن الجوزي، عبد الرحمن، المنتظم، حیدرآباد الدکن، 1358هـ/1939م؛ ابن الطقطقی، محمد، الفخري، تقـ: هرتویغ درنبرغ، باریس، 1894م؛ ابن العمراني، محمد، الإنباء في تاریخ الخلفاء، تقـ: قاسم السامرائي، لیدن، 1973م؛ الذهبي، محمد، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط، بیروت، 1406هـ/1986م؛ السمعاني، عبد الکریم، الأنساب، حیدرآباد الدکن، 1386هـ/1966م؛ هندوشاه بن سنجر، تجارب السلف، تقـ: عباس إقبال، طهران، 1357ش.

صادق سجادي/ ن.