اِبْنُ طُرباي الحارِثي، أحمد (ح 977-1057هـ/ 1569-1647م)، من أمراء طائفةً حارثة (فخذ من قبیلة طیئ) الذي حکم مدة طویلة نسبیاً منطقة اللجون (في فلسطین) وجنین. وقد سیطرت أسرته علی المنطقة المذکورة منذ مدة طویلة (المحبي، 1/221). وأقاموا في منطقتي جنین وصفد منذ عهد الممالیک، وحین فتح العثمانیون بلاد الشام أظهروا الولاء للفاتحین الجدد. فاعترف السلطان سلیم الأول بسلطة أمیرهم. وأوکلت الدولة العثمانیة إلی الأمیر طرباي والد أحمد حمایة جزء من طریق دمشق إلی القاهرة (الموسوعة…، 1/100). ویشتمل هذا الطریق جزءاً من طریق یمر من داخل مملکته اللجون. وقد تولی هذا الأمیر أیضاً حکم مدینة غزة في 1002هـ/1594م. ویبدو أن الأمیر أحمد حکم مدینة صفد في حیاة أبیه، کما حکم منطقة اللجون في 1010هـ/1601م بعد وفاته (المحبي، ن.ص؛ قا: دروزة، 5/22).

کانت بلاد الشام خلال الفترة الطویلة التي حکم فیها أحمد هذه المناطق متوترة مضطربة. وکان الصراع محتدماً بین القوی المحلیة الحتلال مزید من الأراضي. وقد حافظ الأمیر أحمد علی وفائه للعثمانیین في هذه الصراعات التي قامت خلالها مجموعة من هذه القوی بمعاداة الدولة العثمانیة وقاتل معارضیهم (الموسوعة، ن.ص). کما قاتل في أیام حکمه فخر الدين المَعَني، المعروف بابن مَعَن الذي کان یحکم أقساماً من لبنان عدة مرات، وانتصر علیه في أکثرها. کما هاجم فخر الدين منطقة نفوذ الأمیر أحمد ثلاث مرات. وتوجه الأمیر أحمد في المرات الثلاث إلى الرملة وهزم فخر‌ الدين (المحبي، ن.ص). وقد أورد الخالدي الصفدي وکان من المؤرخین المعاصرین لهما وصفاً مسهباً لهذه الحروب في کتابه (الخالدي، مخـ). ولما هزمت قوات ابن جنبلاط الذي کان یقاتل الدولة العثمانیة التي ثار ضدها، والي طرابلس یوسف بن سیفا قرب حماة (1015هـ/1606م) لجأ یوسف إلی الأمیر أحمد، ورغم طلب ابن جنبلاط فإنه لم یسلمه له (البوریني، 2/273) وکان هذا یتفق ولاشک مع مصالحه الخاصة، ولکن رغم میل ابن طربای إلی العثمانیین فإنه لم یشارک في هجوم مراد باشا، قائد الجیش العثماني الذي أعده ضد ابن جنبلاط واستنجد بالقوات المحلیة، وامتنع کفخر‌ الدين من الالتحاق بالقوات العثمانیة واکتفی بإرسال الهدایا (البوریني، 2/289؛ دروزة، 5/23 وما بعدها؛ الموسوعة، ن.ص).

وفي الحروب التي وقعت بین ابن طرباي وفخر‌ الدين شارک ابن طرباي في الحملات التي أعدها والي دمشق لقتال الأمیر فخر الدين في 1022 و1023هـ/ 1613 و1614م. وقد انتهت هذه الحملات بحصار قلعة شقیف المحصنة وهرب فخر الدين إلی دوقیة توسکان بإیطالیا وأقام فیها حوالي 5 سنوات وقد سکنت نفس ابن طرباي في المناطق التي یحکمها. وفي 1027هـ عاد فخر الدين إلی لبنان، فأرسل له ابن طرباي بعض الهدایا لإصلاح علاقاته به ومنها عدد من الخیول (الخالدي، 69؛ دروزة، ن.ص). ولکن ما لبثت الحرب أن عادت بین الجانبین في 1032هـ بعد أن عاود فخر الدين سیرته التوسعیة، واستولی فخر الدين علی برج حیفا وأحرق قری الکرمل (الخالدي، 139؛ دروزة، 5/25). واستطاع أخیراً أن ینتصر ویستعید الأراضي التي فقدها (الخالدي، 140-141؛ الموسوعة، 1/101).

وبعد فترة انتصر فخر الدين علی قوات والي دمشق مصطفی باشا، وکان من نتائج هذه المعرکة أن احتل سنجق اللجون مرکز ابن طرباي الرئیس. فتحالف ابن طرباي لمواجهته مع جماعة من عرب السوالمة وخیالة نابلس وعجون، وحدثت الحرب بینهما علی ضفة نهر العوجا (الخالدي، 188 ومابعدها)، وانتهت بانتصار ابن طرباي واستطاع استعادة مدینة جنین. وقتل الکثیرین من جیش خصمه. ویبدو أن هذه الحرب کانت أهم الحروب التي وقعت بینهما کما ذکر المحبي وأورد أن حسن باشا حاکم غزة ومحمد بن فروخ أمیر نابلس کانا معه فیها (1/221). وأخیراً أدرک الطرفان أن الحرب منهکة لهما وقررا التعایش والصلح بینهما في المحادثات التي عقداها في 1033هـ/1624م (الموسوعة، ن.ص) وکان من نتائج هذا الصلح أن ینسحب فخر الدين من حیفا، وأن یمنع ابن طرباي العرب الذین یحکمهم عن التخریب، وبذلک تخلّی فخر الدين عن جبل نابلس وسلمه لابن طرباي واعترف رسمیاً بحدوده إلی حیفا (الخالدي، 197-198). واستمرت العلاقات الطبیة بینهما 10 سنوات. ثم عاد الجو إلی التوتر من جدید في 1043هـ. وأخیراً توفي ابن طرباي وعمره یناهز الـ 80 سنة (بعد 13 سنة من مقتل فخر الدين).

وخلفه ابنه زین (المحبي، 1/222؛ دروزة، 5/26) وبعد زین ولي أخوه محمد ما کان بیده. وفي 1082هـ/1671م توفي محمد، ثم انقرضت هذه الأسرة التي حکمت حتی 1088هـ (المحبي، ن.ص). ویمکن القول إن ابن طرباي کان یقف في مدة حکمه کلها أمام فخر الدين نداً لندٍ، ویذکر المؤرخون أنه استولی علی قسم کبیر من الجلیل والسامرة والساحل (من حیفا إلی یافا) وکان یمتاز بالعقل والشجاعة والرأي.

المصادر

البوریني، الحسن، تراجم الأعیان، تقـ: صلاح‌ الدين المنجد، دمشق، 1963م؛ الخالدي الصفدي، أحمد، لبنان في عهد الأمیر فخر الدين المعني الثاني، تقـ: أسد رستم وفؤاد أقرام البستاني، بیروت، 1985م؛ دروزة، محمد عزة، العرب والعروبة، صیدا، 1401هـ/1981م؛ المحبي، محمد أمین، خلاصة الأثر، القاهرة، 1284هـ/1867م؛ الموسوعة الفلسطینیة، دمشق، 1984م.

علي آل داود/ ن.