اِبْنُ الصَّیرَفيّ، نور الدين بن داود بن إبراهیم، والمعروف أیضاً بابن داود والجوهري (14 جمادی الثانیة 819-900هـ/10 آب 1416-1495م)، فقیه حنفي ومؤرخ من عهد الممالیك البرجیة بمصر. كان والده صیرفیاً (السخاوي، 3/210)، فعرف بالصیرفي أو الجوهري. وابن إیاس هو الوحید الذي ذكره بالإسرائیلي (3/309)، لسبب مجهول. ولد ابن الصیرفي بالقاهرة، وبدأ فیها دراسته علی الزراتیتي وابن الدیري، ثم قرأ شرح النخبة علی مؤلفها الشیخ تقي‌ الدين الشمني، ودیوان خطب ابن حجر علی صاحبه، ولازم ابن حجر مدة طویلة في الإملاء ومجالس درسه وأولاه ابن حجر عنایة ورعایة خاصة حتی إنه صلی خلفه (السخاوي، 5/217-218). ومن أساتذته أیضاً الشیخ بدر‌ الدين العیني وقاضي القضاة محب‌ الدين ابن الشحنة وشهاب‌ الدين أحمد الآمدي النحوي ومحیي‌ الدين الكافیجي وأمین‌ الدين الأقصرائي (ابن الصیرفي، إنباء…، 35، 101، 232، 276). وحضر ابن الصیرفي لفترة حلقة محمد بن إبراهیم الشرواني الشافعي وقرأ علیه شرح العمدة، وأتم علیه علومه في الفقه والتاریخ (ن.م، 94، 95). وقرأ بالإضافة إلی الفقه، النحو والأصول والعروض علی عدد من أساتذة عصره، وحفظ القرآن وبعض الكتب المشهورة آنذاك مثل العمدة و ألفیة ابن مالك و الخزرجیة (السخاوي، نص).

وحج ابن الصیرفي مرة «وزار بیت المقدس ودخل دمیاط، وتنزل في صوفیة البیبرسیة والبرقوقیة بعد أن ناب في خطابتها» وربما مارس التعلیم فیها (م.ن، 5/218). وبعد وفاة والده في 853هـ/1449م، تكسّب بسوق الجوهریین وفي وظیفة المكس (ن.ص). ولكننا نری اسمه في إنباء الهصر مع المساكین والفقراء (ص 206)، ولذلك یبدو أنه عاش في فقر وحاجة وربما عمل في استنساخ الكتب القیمة كمؤلفات ابن حجر وابن تغري بردي والسخاوي وابن كثیر، لتوفیر معاشه والتخلص من فقره (ظ: السخاوي، ن.ص) وقد ساعده ذلك علی مخالطة بعض الرؤساء كابن مزهر (ابن الصیرفي، ن.م، 60، 95، 247). وبعد فترة تولی الخطابة في الجامع الظاهر إلی أن ناب في القضاء عن ابن الشحنة (السخاوي، ن.ص)، وطالما ساعده ابن الشحنة هذا في الوصول إلی بعض المناصب، حتی انتهی به الأمر إلی الحضور بين یدي السلطان الأشرف قایتباي للتهنئة في الأعياد والأیام المباركة مع رجال‌ الدولة والأعیان، وصحبه في بعض الأسفار أیضاً (ابن الصیرفي، إنباء، 33، 76-77، 150، 281).

وبعد أن نال ابن الصیرفي حظّاً من الفقه والأصول والعلوم الأخری اتجه نحو التاریخ. فألف عدداً من الكتب التاریخیة مستفیداً من المصادر التي بین یدیه. ونافس معاصریه من المؤرخین كابن تغري بردي وانتقدهم أحیاناً، وحدث بینه وبین معاصره شمس‌ الدين السخاوي خلافات شدیدة، فطعن السخاوي بجهله وكثرة أخطائه في كتاباته (5/218-219)، وربما كانت هذه الخلافات ناجمة عن اهتمام ابن حجر الشدید بابن الصیرفي، ورغم ذلك فقد كان ابن الصیرفي أكثر مودة للسخاوي، حتی وصفه بقوله «مخدومنا الشیخ الحافظ شمس‌ الدين السخاوي» (ن.م، 349).

وصحب ابن الصیرفي الشاعر الشافعي أبا الطیب الأنصاري، وكان یكنّ للصوفي والعارف المصري الشهیر ابن الفارض احتراماً ومودة رغم اتهامه بالكفر والإلحاد (ظ: ن.م، 256-259).

آثاره

1. إنباء الهَصر بأبناء العَصر، تحدث فیه ابن الصیرفي عن الحوادث التي وقعت في مصر بین عامي 873 و886هـ، ورغم أن مصر عانت في هذه السنوات حوادث ووقائع مؤلمة كالحروب الداخلیة والخارجیة واستبد بها الحكام والمَحل والفقر والحاجة والمفاسد الاجتماعیة، فإن المؤلف الذي شاهد كل هذا لم یشر إلیه، بل تحدث عن بعض المسائل الجانبیة. وقد سعی ابن الصیرفي دائباً في هذا الكتاب إلی تبرئة ساحة السلطان والدفاع عن الحكام، غیر أنه تطرق عن غیر قصد إلی بعض مجالس لهوه وظلم الحكام وقسوتهم وكثیر من المفاسد الاجتماعیة الأخری (ظ: ن.م، 140، 203-204)، كما استعمل في هذا الكتاب ألفاظاً عامیة (كمثال ظ: ص 226-228). ولكن یبدو أن حديث السخاوي عن كثرة الألفاظ والمصطلحات العامیة في كتابه (5/218)، لایخلو من المبالغة. حقق هذا الكتاب حسن حبشي، وطبع في القاهرة سنة 1970م.

2. نزهة النفوس والأبدان في تاریخ الزمان أو… في تواریخ الأزمان (ابن الصیرفي، إنباء، 181)، وهو كتاب في التاریخ ذكر فیه الحوادث والوقائع بین سنتي 784 و850هـ. أي منذ بدایة عهد السلطان برقوق حتی أواخر حكم السلطان جقمق. وقد عاش ابن الصیرفي 50 سنة بعده ولاندري السبب الذي منعه من إیراد تاریخ هذه الفترة في كتابه. وربما فقد القسم الأخیر منه. ألف ابن الصیرفي هذا الكتاب في أغنی فترات كتابة التاریخ بمصر والشام (ظ: حبشي، مقدمة نزهة…، 4-5)، ورغم أنه اقتبس ونقل عن كثیر من كتب هذه الفترة القیمة (قا: الطراونة، 31)، فإنه لم یذكر مصادره إلا في بعض المواضع (ظ: نزهة، 1/51، 57، 3/386)، ولذلك أصبح هدفاً لانتقاد شدید من بعض المؤرخین المعاصرین له (ظ: ابن إیاس، 3/309-310). وقد بوّب ابن الصیرفي الحوادث التاریخیة في هذا الكتاب كابن حجر وغیره حسب الیوم والشهر والسنة، وذكر في كل سنة وفیاتها، ولم یتحاش عن ذكر بعض الأخبار الخرافیة بالإضافة إلی حذف الأسانید والرواة. حقق هذا المؤلَّف حسن حبشي، وطبع ناقصاً بالقاهرة في ثلاثة مجلدات بین عامي 1970و1974م.

3. الجوهریة، وهو في تاریخ الإسلام والسیرة النبویة (ظ: إنباء، 181). وقد اعتبره بعضهم جزءاً من نزهة النفوس (حبشي، مقدمة إنباء، 17). رغم أن ابن الصیرفي ذكره كتاباً مستقلاً في هذا الكتاب. منه مخطوطة في مكتبة رضا رامبور في الهند برقم 2537 (حبشي، ن.م، 18).

4. الدر المنظوم فیما ورد في مصر وأهلها من موجود ومعدوم، أو الدر الثمین فیما ورد في مصر وأعمالها بالخصوص والعموم، توجد عدة مخطوطات منه في فیینا وباریس ومصر (GAL, S, II/41).

5. سیرة الأشرف قایتباي، منه مخطوطة في المتحف البریطاني (العزاوي، 1/251).

المصادر

ابن إیاس، محمد، بدائع الزهور، تقـ: محمد مصطفی، القاهرة، 1404هـ/1984م؛ ابن الصیرفي، علي، إنباء الهصر، تقـ: حسن حبشي، القاهرة، 1970م؛ م.ن، نزهة النفوس والأبدان في تواریخ الزمان، تقـ: حسن حبشي، القاهرة، 1970-1973م؛ حبشي، حسن، مقدمة إنباء الهصر (ظ: همـ، ابن الصیرفي)؛ م.ن، مقدمة نزهة النفوس (ظ: همـ، ابن الصیرفي)؛ السخاوي، محمد، الضوء اللامع، القاهرة، 1354هـ؛ الطراونة، طه ثلجي، مملكة صفد في عهد الممالیك، بیروت، 1402هـ؛ العزاوي، عباس، التعریف بالمؤرخین، 1376هـ/1957م؛ وأیضاً:

GAL, S.

عنایت ‌الله فاتحي‌ نژاد/ن.