اِبْنُ شُهَید، اسم یطلق علی عدد من أفراد أسرة بني شهید الأندلسیة، وزروا بین القرنین 2-4 هـ ولهم باع في الفقه والحدیث والشعر والأدب. تنتسب هذه الأسرة إلی قبیلة أشجع من بني غطفان (السمعاني، 1/263؛ ابن الأثیر، اللباب، 1/64)، وقیل إن جدهم الأكبر وضاح بن الرزّاح مولی معاویة بن مروان بن الحكم الأموي (ابن الأبار، الحلة، 1/238) من سبي البربر أو أنه رومي (المقري، نفح، 3/45). وكان بیطریاً قبل أن یدخل في خدمة معاویة بن مروان (ظ: الضبي، 178؛ ابن الأبار، ن.ص). أشهر أفراد هذه الأسرة:

1. شُهید بن عیسی بن شهید (تـ 188هـ/804م)

أول من دخل الأندلس من بني شُهید في عهد أول أمیر أموي فیها عبد الرحمن بن معاویة، المعروف بالداخل (113-172هـ/731-788م)، وصار أحد قواده، وفي 162هـ/778م، أمّره علی الجیش الذي أرسل للقضاء علی ثوار إلبیرة (ابن خلدون، 4(2)/268-269؛ ابن الأثیر، الكامل، 6/58). وفي 174هـ/790م تولّی قیادة جیش آخر أیضاً (ابن عذاري، 2/63). ولم یكن للأمیر عبد الرحمن من یطلق علیه سمة وزیر، ولكنه اختار أشیاخاً للمشاورة والمؤازرة منهم ابن شهید (المقري، ن.ص)، وكان ابن شهید ملیح الشعر بلیغ الكتابة (الحمیدي، 1/370؛ الضبي، 317)، ولذلك كان موضع اهتمام الأمیر الذي كان من أهل الأدب والشعر (ظ: ابن عذاري، 2/60-62).

2. عیسی بن شهید

وزر للحكم بن هشام بن عبد الرحمن (حكـ 180-206هـ/796-822م)، ثالث أمیر أموي في الأندلس. وأوصی به ولده عبد الرحمن (حكـ 206-238هـ/822-852م)، فصار وزیره الأعظم (ابن القوطیة، 78-88؛ ابن حیان، 25، 26-28؛ ابن سعید، 1/50؛ عنان، 1(1)/272). وقد أمَرَه أثناء حكمه باستنفار أهل إشبیلیة للجهاد (ابن القوطیة، 89). وبعد وفاة عبد الرحمن بن الحكم أخذ عیسی البیعة لمحمد بن عبد الرحمن (حكـ 238-273هـ/852-886م) (ظ: ابن حیان، 102)، وتولی في البدء حجابته (ابن عذاري، 2/93؛ قا: عنان، 1(1)/308). اشتهر بالرصانة والنباهة وحسن الرأي والشجاعة، وكان أعز أصحاب المناصب عند أمراء الأندلس (ابن القوطیة، 88؛ ابن سعید، ن.ص؛ عنان، (1)/272). وقد صرح ابن القوطیة بعفته وعدم قبوله للهدیة (ص 89).

3. أبو مروان بعبد الملك بن عمر (تـ 322هـ/934م)

وكان حفید عیسی بن شهید، وزر للخلیفة عبد الرحمن الناصر (حكـ 300-350هـ/912-961م) من 317 إلی 321هـ (ابن سعید، 1/77؛ ابن عذاري، 2/201؛ الضبي، 381؛ قا: ابن الكتاني، 301؛ ابن الأبار، التكملة، 3/604). وكان متبحراً في الحدیث بالإضافة إلی الأدب ویروي عن عدد من المحدثین الكبار كمحمد بن وضاح ومحمد بن عبد السلام الخشني (ابن الأبار، ن.ص). وكان بینه وبین الشاعر المعاصر له أبي مروان عبد الملك الجزیري مكاتبات شعریة (ظ: الحمیري، 121؛ ابن الكتاني، ن.ص)، ولكن لم یبق من شعره إلا القلیل (ظ: الحمیدي، 2/452؛ الضبي، 381؛ ابن سعید، ن.ص؛ ابن الكتاني، 242، 254، 301). ألف كتاباً باسم إصلاح الخُلق لولي عهد النصار الحكم بن عبد الرحمن (ابن الأبار، ن.ص؛ ابن الكتاني، 301).

4. أبو عمر أحمد بن عبد الملك

كان ینتظر أن یتولی الوزارة بفارغ الصبر منذ عهد أبیه (ظ: ابن سعید، ابن الكتاني، ن.ص). وزر بعد وفاة والده للخلیفة عبد الرحمن الناصر (الحمیدي، 1/207؛ الضبي، 190). وكان أول من سُمي بذي الوزارتین بالأندلس (ابن الكتاني، 283). وقد أورد المقري التلمساني وصفاً مسهباً عن خدماته الحسنة والهدایا الوافرة والنادرة التي قدمها للخلیفة وحصوله علی هذا اللقب (أزهار، 2/261-265). وأبو عمر أدیب وشاعر وبارع في ارتجال الشعر (ظ: الثعالبي، 2/43؛ الحمیدي، الضبي، ن.ص؛ ابن الأبار، الحلة، 1/238). ووصف الثعالبي شعره (2/30-38، 44؛ أیضاً ظ: ابن الكتاني، 121، 161-162، 202، 264؛ ابن الأبار، ن.م، 1/239)، ونثره (2/38-43)، كما ذكر المقري (أزهار، 263-265) أجزاء من رسالته الأدبیة الطویلة التي یخاطب بها الخلیفة. ویبدو من روایة ابن عذاري أنه كان یعتبر في شیخوخته كبیر أهل قرطبة وله منزلة خاصة بین الناس ورجال الدولة (3/60).

5. أبو مروان عبد الملك بن أحمد (323-393هـ/935-1003م)

وزیر الأمیر منصور العامري وأحد ندمائه والمقربین منه (الحمیدي، 2/444). وكان كغیره من كبار رجال الدولة العامریة یسكن في منیة المغیرة قرب المدینة الزاهرة. وأسكنه الأمیر في أواخر حیاته أحد المنازل القریبة من قصره (ظ: ابن بشكوال، 1/339). وكان أبو مروان شاعراً أدیباً، قضی حیاة حافلة بأطیب عیش وسمر في ظل صداقة الأمیر منصور ووده (ظ: ابن بسام، 4(1)/29-30؛ ابن الأبار، ن.م، 1/276؛ المقري، نفح، 1/400-401، 585-586). وكان متبحراً في اللغة والشعر والتاریخ والتراجم. روی عن قاسم بن أصبغ ووهب بن مسرة. وروی عنه أبوعبد الله بن عائذ الذي أورد اسمه في فهرست شیوخه وأشار إلی أنه صحبه 10 سنوات (ظ: ابن بشكوال، 1/338-339؛ الذهبي، 228). له كتاب التاریخ الكبیر، وهو أكثر من 100 سفر، یشتمل علی حوادث تاریخ الإسلام ووقائعه من سنة 40 هـ/661م إلی سنة وفاته (ابن بشكوال، الذهبي، ن.ص؛ قا: حاجي خلیفه، 1/281، الذي ذكر هذا الكتاب باسم تاریخ أبي مروان).

ورغم تبحره في الروایة عن شعراء المشرق والتراجم وأحوالهم، لكنه كان متعصباً للأندلس أیضاً، كان صاعد البغدادي كثیراً ما یمدح بلاد المشرق بمجلس المنصور، فنظم ابن شهید مقطوعة بعث بها إلی المنصور یجیبه ویدافع فیها دفاعاً شدیداً عن الأندلس (ابن بسام، 4 (1)/26-27؛ ابن ظافر، 354؛ المقري، نفح، 3/260). وقد أورد أشعاره ابن بسام (4(1)/26-30)، وابن بشكوال (1/339)، والحمیدي (2/444)، والضبي (ص 374)، وابن الكتاني (ص 166)، وابن الأبار (الحلة، 1/240، 276-277)، وابن سعید (1/198-199). جُمع شعره أخیراً في دیوان ونشر (الزركلي، 4/156).

اشتهر الكثیرون من هذه الأسرة، ویمكن الرجوع إلی المصادر الأندلسیة لمعرفتهم، ولكن لم یصل أحد منهم إلی شهرة أبي عامر أحمد ومنزلته (ظ: ن.د، ابن شُهید الأشجعي).

المصادر

ابن الأبار، محمد، التكملة لكتاب الصلة، تقـ: فرنسشكه قداره، مدرید، 1882م؛ م.ن، الحلة السیراء، تقـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1963م؛ ابن الأثیر، الكامل؛ م.ن، اللباب، بغداد، مكتبة المثنی؛ ابن بسام، علي، الذخیرة، تقـ: إحسان عباس، تونس، 1399هـ/1979م؛ ابن بشكوال، خلف، الصلة، تقـ: عزت العطار الحسیني، القاهرة، 1374هـ/1955م؛ ابن حیان، حیان، المقتبس، تقـ: محمود علي مكي، بیروت، 1393هـ/1973م؛ ابن خلدون، العبر؛ ابن سعید، المغرب في حلی المغرب، تقـ: شوقي ضیف، القاهرة، 1953م؛ ابن ظافر الأزدي، علي، بدائع البدائه، تقـ: محمد أبو الفضل إبراهیم، القاهرة، 1970م؛ ابن عذاري، محمد، البیان المغرب، تقـ: ج. س. كولان ولیفي بروفنسال، لیدن، 1951م؛ ابن القوطیة، محمد، تاریخ افتتاح الأندلس، تقـ: إبراهیم الأبیاري، القاهرة، 1402هـ/1982م؛ ابن الكتاني، محمد، التشبیهات، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1406هـ؛ الثعالبي، عبد الملك، یتیمة الدهر، تقـ: علي محمد عبد اللطیف، القاهرة، 1352هـ/1934م؛ حاجي خلیفة، كشف؛ الحمیدي، محمد، جذوة المقتبس، تقـ: إبراهیم الأبیاري، بیروت، 1403هـ/1983م؛ الحمیري، إسماعیل، البدیع في وصف الربیع، تقـ: هنري بیریس، الرباط، 1359هـ/1940م؛ الذهبي، محمد، تاریخ الإسلام [حوادث 381-400هـ]، تقـ: عمر عبد السلام تدمري، بیروت، 1409هـ/1988م؛ الزركلي، الأعلام؛ السمعاني، عبد الكریم، الأنساب، تقـ: عبد الرحمن بن یحیی المعلمي، حیدرآباد الدكن، 1382هـ/1962م؛ الضبي، أحمد، بغیة الملتمس، القاهرة 1967م؛ المقري التلمساني، أحمد، أزهار الریاض، تقـ: مصطفی السقّا وآخرون، القاهرة، 1359هـ/1940م؛ م.ن، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1398هـ/1978م.

محمد علي لساني فشاركي/ن.