اِبْنُ الصُّقاعيّ، الموفق فضل الله بن أبي الفخر النصراني (ح626-726هـ/1229-1326م)، كاتب ومؤرخ دمشقي، وعرف بابن السقاعي أیضاً (ابن العماد، 6/75). وربما كان الأصح ابن الصقاعي الذي أورده الصفدي في الوافي (ظ: سوبله، 28). ویبدو أن هذا الاختلاف یعود إلی أن المسیحیین یخطئون بین الصاد والسین المضمومتین (م.ن، 12). لم تذكر المصادر القدیمة تاریخ ولادته، ولكن یمكن تعیینه بصورة تقریبیة إذا ما نظرنا الی سنة وفاته (726هـ) وأنه عاش 100 سنة (ابن العماد، ن.ص). وأقدم من تحدث عنه ابن شاكر الكتبي (تـ 764هـ/1363م) فروی ابن قاضي شهبة كل ما أورده (سوبله، 18). وتتفق هذه المعلومات مع ما ذكره ابن العماد (ن.ص) في ترجمة ابن الصقاعي. غیر أنه ورد بشكل ابن القصاعي في مخطوطة من عیون التواریخ لابن شاكر في مكتبة السلیمانیة بإستانبول (ص 382).

ویبدو مما ورد في كتب التراجم وما ذكره ابن الصقاعي نفسه (ص 21، 40، 53-54، 80، 134-135، 140) أنه قضی فترة النشاط من حیاته في دواوین الممالیك البحریة بمصر (648-792هـ/1250-1390م)، وأدی أعماله بجدارة في الأقسام المختلفة من هذا الجهاز الحكومي منها دیوان المرتجع ودیوان المواریث ودیوان البر. ثم انتقل إلی دمشق وتوفي ببستانه في أرزة الواقع في غوطة دمشق، ودفن في مقابر النصاری (ابن العماد، ن.ص؛ EI2). وكان عند ابن الصقاعي فضیلة في دینه فقارن بین الأناجیل الأربعة وكان یحفظ التوراة والإنجیل والمزامیر كما یقول نفسه (ابن العماد، ن.ص). وكان العصر عصر شك واضطراب شدیدین – رغم ما كان المجتمع الإسلامي یبدي من تسامح تجاه الأقلیات الدینیة– بسبب الحملات الصلیبیة من الغرب وهجوم المغول من الشرق وإمكانیة تعاون النصاری في البلاد الإسلامیة مع المعتدین. وكانت سیاسة الممالیك الانتهازیة تثیر أفكار المسلمین العامة ضد الذمیین كي لاتوجه التهمة إلیهم (سوبله، 16-15). في مثل هذا الوضع استطاع ابن الصقاعي بما یملك من ذكاء واعتدال وحذر أن یسود ویكون موضع ثقة من حوله من المسلمین مع احتفاظه بعقیدته الدینیة (م.ن، 28). وصاحب في دمشق عدداً من الأدباء والمؤرخین ونهل الكثیر من الثقافة المشتركة آنذاك في مجالسهم مما أدی إلی وجود تشابه بین أسلوبه وموضوعاته وبین آثار معاصریه كالجزري والیونیني والذهبي (م.ن، 12).

ولابن الصقاعي مؤلفات كثیرة أغلبها في التاریخ (ابن العماد، ن.ص) منها: 1. جمع الأناجیل الأربعة متی ومرقس ولوقا ویوحنا في كتاب واحد باللغات العبریة والسریانیة والقبطیة والرومیة. وبیان ما قاله كل منهم في كل فصل وذكر اختلاف الحواریین في عباراتهم. توجد مخطوطة هذا المؤلف في مجموعة سباط (سوبله، 13)؛ 2. استنساخ التاریخ العام للمكین ابن العمید النصراني (تـ 672هـ/1273م)، وذیل علیه. ویشتمل علی الحوادث بین سنتي 658-720هـ/1260-1320م؛ 3. اختصار تاریخ ابن خلكان؛ 4. ذیل علی تاریخ ابن خلكان، وهو بخطه في كتب ابن فهد (السخاوي، 315)؛ 5. وفیات المطربین. ویبدو أن لابن الصقاعي مؤلفات أخری أیضاً (ابن العماد، ص).

وأهم ما وصلنا من كتبه هو الذیل علی وفیات الأعیان الذي ذكره المؤرخون القدماء (ابن حجر، 4/273؛ السخاوي، ن.ص). ویعتبر من أهم ذیول الوفیات واسمه تالي وفیات الأعیان، وهو في تراجم من توفوا بمصر والشام منذ 657 إلی 725هـ (سوبله، 11؛ زیدان، 3/173). ویقول ابن حجر إنه في عدة مجلدات (ن.ص)، وقد تردد ذلك في بعض الكتب المعاصرة (كحالة، 7/76؛ المنجد، 134). منه مخطوطة قریبة من حیاة المؤلف في مكتبة باریس الوطنیة (GAL, I/400)، اعتبرت لمدة النسخة الوحیدة منه، وأخیراً عثر علی مخطوطة أخری له بدمشق في مجلدین (المنجد، 135). وقد كتب مخطوطة باریس محمد بن محمد بن یونس بدمشق عام 733هـ/1333م. وترجمت جاكلین سوبله هذا الكتاب إلی الفرنسیة عن هذه النسخة ونشرته المؤسسة الفرنسیة بدمشق عام 1974م، وتتكون هذه النسخة من قسمین ذكر في آخر كل قسم میزات كتابه (ص 179، النص المطبوع). ویحوي القسم الأول إلی الورقة 82 تراجم من توفوا بین 658 و717هـ (عددهم 300 ترجمة) والقسم الثاني إلی الورقة 99 ویشتمل علی من توفوا بین 717 و727هـ (53 ترجمة) وفهرست أیضاً. ویشاهد اختلاف بین القسمین في تفصیل التراجم وإیجازها والأسلوب والتعابیر ترتیب الأسماء ومقدار الاهتمام بتراجم الأقلیات الدینیة. ویذهب الناشر إلی الظن بأن القسم الثاني دونه الكاتب من مذكرات المؤلف (سوبله، 30-29). وكانت هذه المخطوطة في مكتبة الصفدي مؤلف الوافي بالوفیات وهي أهم المتممات لوفیات الأعیان، وللصفدي حاشیة علی القسم الأول منها (ن.ص). ویمكن معرفة أهمیة هذا المؤلف، كونه أحد مصادر الصفدي في تألیف أعیان العصر. ویعتبر ابن الصقاعي المؤلف الوحید غیر المسلم الذي أقدم في عصره علی تألیف كتاب في تراجم رجال زمانه، ذلك أن التراجم وعلم الرجال یعتبران فرعاً من علم الحدیث، وتتم ترجمة أكثرهم لعلمهم بالمعارف الإسلامیة (ن.ص). ویحوي هذا المؤلف معلومات مهمة عن الممالیك الأوائل في مصر وجهازهم الإداري، ذلك أن المؤلف كان ذا اطلاع واسع علی دقائق الأمور وما خلف الستار من أسرار، لما كان له من مكانة في هذا الجهاز. وقد تطرق إلی بعض المساوئ الإداریة والمالیة آنذاك (ص 61-64) والتي أغفل ذكرها المؤلفون المسلمون في ذلك العصر، ورغم تورعه عن توجیه النقد المباشر إلی كبار حكام الممالیك غیر أنه ذم سلوكهم بشكل غیر مباشر، ولم یكن متملقاً لأحد، فتحدث عن الظلم الذي یُعرّض له المسیحیون والمسلمون علی السواء، كما جسد بیئة العمل والحیاة وأوضاع الموظفین الكبار والمتوسطین بمصر آنذاك (م.ن، 20-18، 16، 13-12)، وقد درست الفرنسیة سوبله ناشرة كتابه تالي شخصیة ابن الصقاعي بإلقائها نظرة دقیقة علی العبارات الأخلاقیة والمصطلحات الواردة في هذا الكتاب واعتبرته مسیحیاً معتدلاً وحذراً ومتقیداً بالقیم الأخلاقیة والإنسانیة وصورة وتعكس زمانه (م.ن، 28).

المصادر

ابن حجر العسقلاني، أحمد، الدرر الكامنة، تقـ: عبد الوهاب البخاري، حیدرآباد الدكن، 1395هـ/1975م؛ ابن شاكر، محمد، عیون التواریخ، النسخة المصورة الموجودة في مكتبة المركز؛ ابن الصقاعي، فضل الله، تالي كتاب وفیات الأعیان، تقـ: جاكلین سوبله، دمشق، 1974م؛ ابن العماد، عبد الحي، شذرات الذهب، القاهرة، 1351هـ/1932م؛ زیدان، جرجي، تاریخ آداب اللغة العربیة، بیروت، 1967م؛ السخاوي، محمد، الإعلان بالتوبیخ لمن ذم التاریخ، تقـ: فرانز روزنثال، بغداد، 1382هـ/1963م؛ كحالة، عمر رضا، معجم المؤلفین، بیروت، 1957م؛ المنجد، صلاح ‌الدین، معجم المؤرخین الدمشقیین وآثارهم المخطوطة والمطبوعة، بیروت، 1398هـ/ 1978م؛ وأیضاً:

EI2; GA; Sublet, J., introd. Tali Kitāb Wafayāt al Aʿyān, Damas, 1974.

یوسف رحیم ‌لو/ن.