اِبْنُ الصَّقر، أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الصقر الأنصاري الخزرجي (تـ ح 569هـ/1174م)، فقیه ومحدث وأدیب وقاضٍ مالكي أندلسي. كان جده في سَرَقُسطة، حیث منازل الأنصار هناك؛ فانتقل لحدوث بعض الفتن فیها إلی بَلَنیة، فولد في هذه المدینة عبد الرحمن والد ابن الصقر في 454هـ/1062م (ابن الخطیب، 1/182؛ ابن القاضي، 2/408-409)، وذكر أنه كان راویاً ومؤرخاً، سافر في طلب العلم إلی كثیر من بلاد المغرب والأندلس كفاس وغرناطة وقرطبة ومالقة وألمریة؛ وله مصنفات كثیرة علی شكل مختارات من كتب التاریخ والسیر والمغازي. توفي بمراكش – حیث قضی سنوات آخر حیاته– في 523هـ/1129م، وقیل في 511هـ/1117م (ن.ص).

ولد ابن الصقر بألمریة التي أقام أبوه فیها مدة. واختلف في تاریخ ولادته، ففي الوقت الذي یری أكثر المؤرخین أنها في ربیع الأول 492هـ (ابن الأبار، 1/77؛ ابن فرحون، 1/214) كان ابن الخطیب الوحید الذي ذكر ضمن إیراد أو فی ترجمة عنه أنها كانت في 502هـ (1/186).

تعهد أبوه تربیته منذ الطفولة، وشاركه في مجالس الحدیث (م.ن، 1/183)؛ ولذلك اشترك الأب والابن في عدد من مشایخ رواة كل منهما (قا: ابن القاضي، 2/408). وعلی كل حال قرأ ابن الصقر القرآن بالسبع علی أبیه وأبي الحسن التُطَیلي وأبي العباس ابن فیرة بن مفضل وأخذ الأدب عن أبي الحسن ابن الباذش وأبي بحر سفیان بن العاصي وغالب بن عطیة وابن وضّاح وأبي الفضل عیاض وخلف ابن بشكوال وابن عطیة (ابن الأبار، 1/76؛ ابن فرحون، 1/211-212).

ویبدو أن ابن الصقر سافر كأبیه إلی مدن المغرب والأندلس. فذكر أنه كان في غرناطة ووادي آش قبل 536هـ (ابن الخطیب، 1/184)، ولكنه عاد في أواخر حكم المرابطین إلی مراكش. ولابد أن روایة ابن القاضي المكناسي والتي ذكر فیها أنه التزم الوراقة بفاس في حانوت بغربي جامعها ووعظ الناس فیها (2/409)، تتعلق بهذه الفترة، وهي التي استدعاه فیها أیضاً أبو عبد الله ابن حسّون قاضي مراكش إلی كتابته، إلی أن صرف، فتولی ابن صقر منصب القضاء ثم الإمامة. ویبدو أنه كان یتولی هذا المنصب حین آل الأمر إلی الموحدین بمراكش في شوال 541، وضاعت إثر ذلك مكتبته الكبیرة وكتب بخطه. وبعد أن احتل عبد المؤمن الموحدي هذه البلاد، ولي قضاء مراكش ثم غرناطة وأخیراً إشبیلیة (ابن الخطیب، 1/183، 185-186؛ ابن فرحون، 2/213). ولم یرد ذكر لأعماله القضائیة في عهد أبي یعقوب یوسف الموحدي وقیل إن هذا الأمیر ألزمه خدمة الخزانة العلمیة فحسب وكانت عندهم كما قال ابن الخطیب من الخطط التي لایعین لها إلا كبار أهل العلم وعلیّهم (1/184). ولكن لاندري السبب الذي دعا ابن الصقر للعودة إلی مراكش والبقاء فیها حتی آخر حیاته، رغم ماكان له من أهمیة في بلاط الموحدین وما یحظی به من مكانة سامیة لدیهم. وقد اختلف المؤرخون أیضاً في تاریخ وفاته، فیری ابن الخطیب أنه كان في جمادی الأولی 559(1/186)، ولانعلم ما دعا جنثالث پالنثیا للأخذ بهذه الروایة ونقلها (ص 281)، بینما ذكر الآخرون سنة 569هـ (مثلاً ابن الأبار، 1/77؛ ابن فرحون، 1/214).

كان ابن الصقر محدثاً ثقة، وكاتباً بلیغاً، وشاعراً محسناً (للاطلاع علی شعره، ظ: المقري، 3/333؛ ابن الخطیب، 1/185)، ومتكلماً بارزاً، وله خط متقن، لایأبه بالدنیا، قانعاً بالیسیر من القوت رغم ما كان یناله من هبات الأمراء الموحدین، وفارق الدنیا دون أن یترك شیئاً. ومع ذلك كان ذا همة علیّة ونفس أبیّة (ابن الخطیب، 1/183؛ ابن فرحون، 1/213). وكان له إلی جانب مشاغله المذكورة مجالس درس اشتهر بعضها حتی كان الأمیر الموحدي یحضرها مع أكابر الطلبة (ابن الأبار، 1/76). روی عنه ابنه أبو عبد الله، وكذلك أبو خالد یزید بن رفاعة وأبو محمد ابن محمد القضاعي (م.ن، 1/77؛ ابن الخطیب، 1/184).

آثاره

لابن الصقر مصنفات تدل كما قال ابن الخطیب علی إدراكه وإشرافه هي: شرح شهاب الأخبار للقضاعي وأنوار الأفكار فیمن دخل جزیرة الأندلس من الزهاد الأبرار، لم یتمه، فكمله ابنه من بعده (ابن الخطیب، 1/185). توجد من شرح شهاب الأخبار نسخة في مكتبة طلعت بالقاهرة، دون ذكر اسم مؤلفه، ألّفت في 553هـ، ومن المحتمل أنه لابن الصقر (سید، 230). ومن هذا المصنف نسخ أخری في طوبقابوسراي (TS, II/138) والأوقاف العامة بالموصل (أحمد، 7/285).

المصادر

ابن الأبار، محمد، التكملة، القاهرة، 1956م؛ ابن الخطیب، محمد، الإحاطة في أخبار غرناطة، تقـ: محمد عبد الله عنان، القاهرة، 1393هـ/1973م؛ ابن فرحون، إبراهیم، الدیباج المذهب، تقـ: محمد الأحمدي أبو النور، القاهرة، 1394هـ/1974م؛ ابن القاضي المكناسي، أحمد، جذوة الاقتباس، الرباط، 1974م؛ أحمد، سالم عبد الرزاق، فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف المعامة في الموصل، العراق، 1398هـ/1978م؛ جنثالث پالنثیا، آنخل، تاریخ الفكر الأندلسي، تجـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1955م؛ سید، فؤاد، «نوادر المخطوطات في مكتبة طلعت»، مجلة معهد المخطوطات العربیة، القاهرة، 1377هـ/1957م، ج 3، عد 2؛ المقري التلمساني، أحمد، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1388هـ/1968م؛ وأیضاً:

TS.

قسم التاریخ/ن.