اِبْنُ سیدَه، أبو الحسن علي بن إسماعیل (398-458هـ/1008-1066م)، أدیب ولغوي ونحوي من عصر ملوك الطوائف بالأندلس. ذكرت بعض المصادر أن اسم والده هو أحمد، ومحمد أیضاً (الحمیدي، 2/493؛ یاقوت، 12/231-232). وانقطعت سلسلة نسبه في المصادر كلها عند أبیه، إذ یبدو من اسم جده «سیده» أنه أقرب إلی أن یكون غیر عربي (قا: مطلق، 352)، لاسیما وأن بعضهم (الذهبي، 18/145؛ ابن حجر، 4/206) اعتبره شعوبیاً.

ولد ابن سیده في مرسیة (ابن بشكوال، 2/417؛ السقا، 5)، وكان كوالده ضریراً (صاعد، 77)، ولكنه كان بارع الذكاء والفطنة وذا ذاكرة قویة أثارت حیرة الجمیع ولاسیما أساتذته (ابن بشكوال، 2/417-418؛ الذهبي 18/144). ویقول ابن سیده في أرجوزة له (ظ: مطلق، 359؛ أیضاً: البستاني 3/214) إنه قرأ الوحي وسنه أربع وحفظ القرآن وقد أتم السادسة. كما حفظ الكثیر من كتب النحو واللغة كـ الغریب المصنف لأبي عبید القاسم بن سلام الخزاعي (ن.ع) (ظ: ن.ص؛ صاعد، ن.ص). أول ما تتلمذ علی أبیه وكان من مشاهیر اللغویین والنحویین (ابن خلكان، 3/330؛ شكیب أرسلان، 3/462). ثم تعلم النحو واللغة والفقه والحدیث علی أبي عمر الطلمنكي وأبي العلاء صاعد البغدادي وغیرهما (ابن بشكوال، 2/417؛ صاعد، ابن خلكان، ن.ص).

رحل ابن سیدة بعد إتمام دراسته إلی دانیة لسبب مجهول، ویبدو أن التطورات السیاسیة واضطراب الأمن كانا من العوامل التي دعت إلی هجرته هذه. وكان شرق الأندلس آنذاك بید الموالي العامریین ویحكم دانیة مجاهد العامري (حكـ 408-436هـ/1017-1044م)، وقد عرف بالفضل وحبه للعلم (ابن الخطیب، 217-218؛ عنان، 194). فانقطع له وأفاده من عطفه علیه واستجاب لطلبه فألف كتابیه المعروفین في اللغة: المحكم والمخصص. وبعد وفاة مجاهد واستلام إقبال الدولة ابنه الحكم، انقطعت علاقة ابن سیده به، واضطر إلی الهرب، ثم استعطفه بقصیدة، نالت رضاه فعاد إلی دانیة (ابن خاقان، 60؛ الضبي، 418- 419)، وتوفي فیها (ابن خلكان، 3/330).

كان ابن سیده متبحراً في مختلف العلوم منها الشعر والأدب وتاریخ العرب (السیوطي، بغیة، 2/143)، غیر أنه اشتهر بعلم اللغة (ابن سعید، 2/259؛ صاعد، ن.ص؛ ابن حجر، 4/405؛ قا: المقري، 4/185)، ولكنه كان یجد في اللغة أقل بضائعه (المحكم، 16)، وتعتمد آثار ابن سیده اللغویة في الأساس علی مؤلفات اللغویین الكبار، ففي الوقت الذي یفتخر بمنزلته العلمیة، یتهم السلف بالاقتباس كل منهم عن الآخر وتقلیده، ویَعِدُ بالتجدید والإبداع في آثاره (ن.م، 3-7). ولكنه لم یف بوعده قط، بل اقتبس بنفسه دون مبالاة في كتابیه اللغویین الكثیر من مواضیع السلف دون أن یذكر أسماءهم، حتی إنه نقل في مقدمة المخصص (1/3-7) جزءاً من كتاب الخصائص لابن جني (1/40-47) بلا زیادة ولا نقصان، وضمّنه في ثنایا مواضیع كتابه.

كما عني ابن سیده بالمنطق، ویذكر صاعد أنه ألف فیه تألیفاً كبیراً مبسوطاً، ذهب فیه مذهب متی بن یونس (ص 77).

آثاره

ألف- المطبوعة

1. المحكم والمحیط الأعظم، نحا فیه ابن سیده منحی الخلیل بن أحمد (ن.ع) في كتابه العین، وضمّنه آثار عدد من العلماء كأبي عبیدة والأصمعي وأبي عمرو الشیباني وابن جني وأبي زید الأنصاري، وأبي عبید القاسم بن سلام وابن درید وأبي حنیفة الدینوري (ابن سیده، المحكم، 15). فكان جامعاً لأفضل الكتب من نوعها (ابن خلدون، 549؛ السیوطي، المزهر، 1/100)، ویقول ابن خلدون إن محمد بن أبي الحسین صاحب المستنصر الأمیر الحفصي بتونس لخصه، وقلب ترتیبه إلی ترتیب كتاب الصحاح، وألف أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن، المعروف بابن برجان رداً علیه، بیّن فیه أغلاط المؤلف، وهذا الرد مفقود حالیاً (ظ: السقا، 23). كما انتقد السهیلي ابن سیده في الروض الأُنف انتقاداً شدیداً لأنه اعتبره كله عثرات (قا: الصفدي، 205). والكتاب في 6 أجزاء، حققه عدد من الباحثین بین 1377 و1392هـ /1958 و1972م وطبع بالقاهرة، وحققه أیضاً محمد علي النجار وطبع في 1977م بنفس المدینة.

2. المخصص، وهو كتاب في اللغة، رتب فیه المفردات علی حسب الموضوعات والمعاني، فقسم الكتاب إلی موضوعات أطلق علی كل منها اسم كتاب مثل كتاب خلق الإنسان و كتاب الغرائز وكتاب النساء وغیرها. وقد تأثر فیه كثیراً بكتاب الغریب المصنف لأبي عبید القاسم بن سلام، فأورد كل موضوعاته تقریباً في هذا الكتاب (ظ: مطلق، 366). ومصادر الكتاب هي نفس مصادر المحكم، والاختلاف الذي بینهما أن المؤلف في أكثر المواضع یذكر أسماء المصادر ومؤلفیها، ولهذا الكتاب طبعات مختلفة كثیرة؛ 1316هـ، القاهرة في 17 مجلداً؛ 1956م مع مقدمة بالعربیة والفرنسیة، تونس؛ تحقیق محمد الطالبي، 1957م، تونس؛ 1965م، بیروت.

3. شرح مشكل شعر المتنبي. شرح ابن سیده في هذا الكتاب مشكلات أبیات انتخبها من شعر المتنبي تتصف بالغموض والتعقید، وفیها بعض المسائل النحویة واللغویة أو العروضیة وذلك اعتماداً منه علی ذوقه الخاص. ومن خصائص هذا الشرح أنه لوّنه ببسط النقاط المنطقیة والفلسفیة مما ظهر له في بعض شعر المتنبي وتقییمها في إطار ذوقه ونظرته النقدیة. أول من حقق هذا الكتاب محمد رضوان الدایة وطبع بدمشق في 1975م، ثم مصطفی السقا وحامد عبد الحمید في 1976 و1980م بالقاهرة. وكذلك محمدحسن آل یاسین، حیث طبع من جدید في 1977م ببغداد.

ب- المخطوطة

الأثر المخطوط الوحید الذي لایزال موجوداً لابن سیده، أرجوزة، توجد نسخة منها كما یذكر البستاني (ن.ص)، في مكتبة حبیب الزیات الخاصة، ویشیر المؤلف في جزء منها إلی ترجمته وأسماء أساتذته والكتب التي قرأها علیهم.

ج- المنسوبة إلیه

آثار المنسوبه إلیه: التذكیر والتأنیث (شكیب أرسلان، 3/469)؛ شرح أبیات الجمل للزجاج (ابن فرحون، 2/107)؛ شرح إصلاح المنطق لابن السكیت (السیوطي، بغیة، ن.ص)؛ الأنیق في شرح الحماسة؛ الوافي في علم أحكام القوافي، شاذّ اللغة، أو شواذّ اللغة (یاقوت، 12/232-233)؛ الممدود والمقصور (البستاني، 3/211).

وقد خلطت بعض المصادر القدیمة منها یاقوت (ن.ص) والذهبي (18/146) والصفدي (ص 205) وابن حجر (4/206) وتبعهم بعض المعاصرین كالبستاني (ن.ص) والطالبي (EI2) وجنثالث پالنثیا (ص 185) بین كتبه وكتب ابن سید (ن.ع)، فأخطأوا، ونسبوا إلی ابن سیده كتب ابن سید مثل شرح كتاب الأخفش، والعالم والمتعلم، والعالم في اللغة (ظ: المقري، 4/168). عُرف من تلامذة ابن سیده اثنان: أبو عبد الله محمد بن خلصة وأبو بكر محمد بن خلف، المعروف بابن طرشمیل (شكیب أرسلان، 3/301، 475).

المصادر

ابن بشكوال، خلف، الصلة، القاهرة، 1966م؛ ابن جني، عثمان، الخصائص، تقـ: محمد علي النجار، القاهرة، 1731هـ/1952م؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد، لسان المیزان، حیدرآباد الدكن، 1330هـ؛ ابن خاقان، الفتح. مطمح الأنفس، القسطنطینیة، 1302هـ؛ ابن الخطیب، محمد، أعمال الأعلام، تقـ: لیفي بروفنسال، بیروت، 1956م؛ ابن خلدون، المقدمة، بیروت، دار إحیاء التراث العربي؛ ابن خلكان، وفیات؛ ابن سعید المغربي، علي، المغرب في حلی المغرب، تقـ: شوقي ضیف، القاهرة، 1955م؛ ابن سیده، علي، المحكم والمحیط الأعظم، تقـ: مصطفی السقا وحسین نصار، القاهرة، 1377هـ/1958م؛ م.ن، المخصص، القاهرة، 1316هـ؛ ابن فرحون، إبراهیم، الدیباج المذهب، تقـ: محمد الأحمدي أبو النور، القاهرة، 1394هـ؛ البستاني؛ جنثالث پالنثیا، آنخل، تاریخ الفكر الأندلسي، تجـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1958م؛ الحمیدي، محمد، جذوة المقتبس، تقـ: إبراهیم الأبیاري، بیروت، 1403هـ/1983م؛ الذهبي، محمد، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط ومحمد نعیم العرقسوسي، بیروت، 1405هـ؛ السقا، مصطفی، مقدمة المحكم… (ظ: ابن سیده)؛ السهیلي، عبد الرحمن، الروض الأنف، تقـ: عبد الرحمن الوكیل، 1389هـ/1969م؛ السیوطي، بغیة الوعاة، القاهرة 1384هـ/1964م؛ م.ن، المزهر، تقـ: محمد أبو الفضل إبراهیم وآخرون، بیروت، 1986م؛ شكیب أرسلان، الحلل السندسیة، بیروت، دار مكتبة الحیاة؛ صاعد الأندلسي، طبقات الأمم، تقـ: لویس شیخو، بیروت، 1912م؛ الصفدي، خلیل، نكت الهمیان، تقـ: أحمد زكي بك، القاهرة، 1329هـ/ 1911م؛ الضبي، أحمد، بغیة الملتمس، القاهرة، 1967م؛ عنان، محمد، عبد الله، دول الطوائف، القاهرة، 1380هـ/1960م؛ مطلق، ألبیر حبیب، الحركة اللغویة في الأندلس، بیروت، 1967م؛ المقري، أحمد، نفح الطیب، تقـ: یوسف الشیخ محمد البقاعي، بیروت، 1406هـ/1986م؛ یاقوت، الأدباء؛ وأیضاً:

EI2.

عنایت الله فاتحي نژاد/ ن.