الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الموسیقی / ابن سریج، أبویحیی /

فهرس الموضوعات

ابن سریج، أبویحیی

ابن سریج، أبویحیی

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/15 ۱۶:۱۱:۱۹ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ سُرَیج، أبو یحیی عبید، أو عبید الله، أو عبد الله (تـ بعد 105هـ/723م)، مغن وملحن في القرن 1هـ/7م بالحجاز وأحد العاملین علی تطور الموسیقی العربیة بعد الإسلام ومبتكر الإیقاع فیها.

أول مصدر ترجم له كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ومنه استقی المؤلفون بعده معلوماتهم. ورغم وجود كتابین قبله عن ابن سریج هما كتاب أخبار معبد وابن سریج وأغانیهما لإسحاق الموصلي وكتاب ابن سریج لأبي أیوب سلیمان المدیني (ظ: ابن الندیم، 158، 165)، یبدو أن أبا الفرج الأصفهاني لم‌یستق معلوماته منهما فقد أخذها كلها عن طریق الرواة، وبالإضافة إلی تخصیص قسم مفصل بأخبار ابن سریج بدأ كتابه الأغاني بالأصوات الثلاثة أي شعر ثلاثة شعراء معروفین وثلاثة مغنین لحنوا أشعارهم وغنوها: أحدهم ابن سریج الذي غنی أشعار شاعر الغزل الكبیر عمر بن أبي ربیعة (تـ 92هـ/711م) (فروخ، تاریخ الأدب، 2/491).

ولد ابن سریج في مكة وكان أبوه تركیاً وأمه من موالي قریش (آل المطلب) (أبو الفرج، 1(2)/52-53). تتفق الروایات التي كانت مصدراً للأغاني علی أنه ولد في عهد عمر بن الخطاب، ولكنها تختلف في وفاته لإصابته بمرض الجزام. ویبدو من إحدی الروایات أنه توفي في عهد هشام بن عبد الملك (105-125هـ) (م.ن، 1(2)/55). وإذا كان عمره أثناء موته 85 سنة (م.ن، 1(2)/52)، فقد كانت ولادته في السنوات الثلاث الأخیرة من خلافة عمر وموته بین 105 و108هـ. أما ما روي بأنه مات في عهد سلیمان بن عبد الملك (حكـ 96-99هـ)، أو بعد قتل الولید ابن یزید (126هـ) فلیس صحیحاً (ن.ص؛ النویري، 4/262). وما ذكر أنه توفي عام 108هـ (فروخ، تاریخ العلوم، 183)، لایستند إلی مصدر.

وجدت أخبار مختلفة في الأغاني أیضاً عن ولاء ابن سریج أصحها أنه كان مولی بني نوفل بن عبد مناف من قریش (أبو الفرج، 1(2)/51، 52، قا: 1(2)/84: فقد قال له الولید بن عبد الملك یانوفلي). وعلی كل حال فإن ابن سریج رأی أن الظروف الاجتماعیة في زمانه تستدعي أن یكون له مدافع قوي، فالتحق بعبد الله بن جعفر (م.ن، 1(2)/52)، وكان معروفاً بالجود والكرم وتشجیعه للموسیقی (ظ: ابن الأثیر، أسد الغابة، 3/134-135، الكامل، 4/13). كان ابن سریج آدم أحمر ظاهر الدم، سناطاً ضعیف البصر أصلع، فكان أكثر ما یری مقنعاً ولاسیما أثناء الغناء (أبو الفرج، 1(2)/52). وربما كانت بعض أعمال ابن سریج آنذاك لاتتفق سلوك الرجال. وكان یلبس جمة مركبة لإخفاء صلعه فیكون فیها أحسن شيء (ن.ص) ووصف بالمخنث، وهي كلمة یبدو أنها لم تكن معروفة بمعناها الشائع، بل كانت للتوریة علی الأقل، ذلك أن هذه اللفظة ترد أحیاناً بمعنی المغني أو لجماعة خاصة من العاملین في فن الموسیقی (مثلاً ظ: الذهبي، 1/165؛ ابن عساكر، 615). ویقول إبراهیم الموصلي (ن.ع) أن ابن سریج أحسن النساء غناءً (أبو الفرج، 1(2)/53-54). وهذا یدل علی نوع صوته فقد وصف بأنه رقیق الصوت (م.ن، 1(2)/72). وهو یدل علی صوت من النوع المنخفض والمرتفع، وینطبق علیه ویؤیده وصف إسحاق الموصلي (ن.ع) «إن أحسن الرجال غناء من تشبه بالنساء» (م.ن، 1(2)/90).

كان ابن سریج أدیباً وخبیراً بالشعر، وإن لم یُذكر أنه درس الأدب، فكان یبدي مهارة وذوقاً في انتخاب الشعر لغنائه، فیضطرب له سامعه اضطراباً شدیداً، وكان یتحدث حسب المقام ویغني ما یناسب المستمعین. وقد دعاه الولید بن عبد الملك بالخطیب والأدیب والظریف (م.ن، 1 (2)/ 56-57، 64، 67-68، 76، 82-84). وكان ابن سریج كریم الأخلاق حلیماً ویلقب بوجه الباب كنایة عن بشاعته ولایغضب من ذلك (م.ن، 1(2)/52، 76). وعلی كل حال كان ابن سریج مشهوراً بحسن الخلق حتی بین الأدباء، فقد أشار أبو حیان التوحیدي (3 (1)/118) بعبارات هزلیة إلی هذا (قا: ابن عبد ربه، 6/388).

تعلم ابن سریج الغناء والموسیقی علی عدد من الأساتذة كطویس وابن مسجح (ن.ع) وسائب الخاثر (م.ن، 6/27، 29؛ أبو الفرج، 1(2)/53؛ النویري، 4/240، 244؛ قا: ضیف، 198، وقد أضاف إلی أساتذته نشیط الإیراني). عمل في البدء بالنیاحة؛ ولم یكن مذكوراً إلی أن شارك في مأتم المذبحة المؤلمة التي ارتكبها مسلم بن عقبة بالمدینة عام 63هـ/683م والمعروفة بواقعة الحرّة (للاطلاع علی هذه الواقعة، ظ: الدینوري، 264-269؛ ابن الأثیر، الكامل، 4/111-120). فناح بشعر غناه واستحسنه الناس (أبو الفرج، 1(2)/55). و

كان ابن سریج یبلغ آنذاك نحو 40 عاماً. وقد ازدادت شهرته في النیاحة بالتدریج حتی قیل إنه ناح في هذه الفترة بشعر في وصف شهداء كربلاء مطلعه:

یا أرض ویحك أكرمي أمواتي     فلقد ظفرت بسادتي وحماتي

فكانت هذه النوحة غایة في الفن والإتقان دعت أهل الحرمین إلی تقدیمه علی جمیع الناحة في مكة والمدینة والطائف (ن.ص). غیر أنه ترك النیاحة بعدها إلا مرتین: الأولی في موت أحد أعزائه والثانیة في موت یزید بن عبد الملك (م.ن، 1(2)/56)، وقیل إن التنافس بینه وبین تلمیذه الغریض وتقدیم التلمیذ علی الأستاذ دعاه إلی العدول عن النوح إلی الغناء والموسیقی (م.ن، 1(2)/55-56)، ولكن لابد من البحث عن السبب الأصلي في ظرف عصره التاریخیة.

لقد مر فن الغناء والموسیقی عند العرب في تكاملهما بأربع مراحل: 1. العصر الجاهلي: فكان في حداء الجمّالین وأیضاً الغناء في البحر الخفیف الذي یرقص علیه ویمشي بالدف والمزمار فیطرب؛ 2. عهد الفتوحات وانتشار الإسلام: فهجرت بعض فنون الغناء واكتفي بقراءة القرآن والترنّم بالشعر؛ 3. فترة مابعد الفتوحات ومرحلة القوة ونضارة العیش: فدخل المغنون من الفرس والروم إلی الحجاز وسمع العرب تلحینهم للأصوات فلحنوا علیها أشعارهم كما سمع الموالي شعر العرب ولحنوه، ثم أخذ عنهم الجیل التالي وتقدم علیهم (وابن سریج من هذه الفئة)؛ 4. عهد التكامل والتدوین: عهد العباسیین وظهور إبراهیم بن المهدي (ن.ع) وإبراهیم وإسحاق الموصلي (ابن خلدون، 338-339). وبالنظر لما ذُكر فإن ابن سریج بدأ بالنوح في عهد عثمان (أبو الفرج، 1(2)/52)، ثم عدل عنه إلی الغناء لما كان یتمتع به من موهبة كبیرة وصوت بدیع وشیئاً فشیئاً لعب دوراً مهماً في انتقال الموسیقی العربیة من مرحلة الاقتباس إلی تكاملها.

وكان ابن سریج في الفترة الأولی لغنائه یوقع بقضیب بحركات متوالیة ومنقطعة یمكن مقارنته بعصا قائد الفرقة الموسیقیة التي صار استعمالها عادة فیما بعد. وتعلم ابن سریج الضرب علی العود بعد أن رآه عند البنائین العجم وغنی وحذق فیه، وكان یقرنه بغنائه بعد ذلك (أبو الفرج، 1(2)/52-53). ولذلك لیس صحیحاً ما أورده فارمر («تاریخ…»، 79) بأن ابن سریج استفاد من القضیب في فترة نوحه (قا: EI2، إذ یقول: «كان یردد غناءه علی ناي إیراني»، وربما حدث خطأ في هذه العبارة استبدلت قضیب بقصیب التي تعني الناي أیضاً، أو استبدلت عبارة معناها «عود إیراني» بـ «ناي إیراني» لخطأ مطبعي، وترجمت بهذا الشكل، ظ: دانشنامه). ویقول فارمر إن عود ابن سریج نوع خاص من هذه الآلة الموسیقیة، ذلك أن العود العراقي یعود إلی 80 عاماً قبل ذلك في الحجاز («منشأ…»، II/104, 106-107).

لقد نال ابن سریج في فترة غنائه مكانة وشهرة كبیرتین ودعي إلی البلاطات. یدل علی ذلك القصص الطریفة عن أخذه جائزة سلیمان بن عبد الملك والتي حدثت قبل عهد خلافته (أبو الفرج، 1(2)/95؛ قا: فارمر، «تاریخ…»، 62) ولقائه مع عمر بن أبي ربیعة یزیدَ بن عبد الملك (أبو الفرج، 1(2)/57-60)، وحضوره في بلاط الولید بن عبد الملك (م.ن، 1(2)/82-84) الذي أجزل له في جوائزه (ضیف، 200)، كما یدل علی قدرته الفنیة ونفوذه الأدبي ومكانته في ذلك العصر لدی الأعیان، مراعاة نافع بن علقمة الكناني له وكان حاكم مكة المتشدد (النویري، 4/258-259)، ولقاؤه مفتي مكة والتابعي الشهیر عطاء بن أبي ریاح (تـ 114هـ/732م) وما حدث بینهما من مواجهة شدیدة والكف عن التعرض له بعد ذلك (أبو الفرج، 1(2)/56-57). وعلی كل حال فقد نال ابن سریج من الشهرة حداً كان المغنون لألحانه فیما بعد ینالون بها مكانة وجوائز (ظ: ابن أبي طاهر طیفور، 172)، كما دعت أمثال ابن الرومي وعلي بن الجهم إلی مدحه بما یناسب المقام وتشبیه ممدوحیهم به (ظ: فروخ، تاريخ الأدب، 2/351؛ الرفاعي، 2/428).

یعتبر ابن سریج شخصیة فنیة ممتازة في تاریخ الموسیقی العربیة، فقد ابتدع أسلوباً جدیداً في الغناء والموسیقی، والذي انتقل من الغناء والموسیقی الإیرانیة والرومیة واختلط بالشعر والذوق العربي علی ید طویس وابن مسجح وسائب الخاثر ونشیط الإیراني (النویري، 4/239، 244؛ ضیف، 198؛ فروخ، تاریخ العلوم، 183)، ومن میزات هذا الأسلوب المیل إلی الموسیقی المرحة والإیقاع الخفیف في الغناء والموسیقی (فارمر، «تاریخ…»، 111). وقد بلغت شهرة طرب غناء ابن سریج حداً قیل فیه: إذا أعجزك أن تطرب القرشي فغنه غناء ابن سریج في شعر عمر بن أبي ربیعة (أبو الفرج، 1(2)/74). ومع ذلك كان یقول: الغناء علی ثلاثة أضرب، فضرب منه مطرب، وضرب له شجا وضرب ثالث حكمة وإتقان صنعة، ولذلك قیل: غناء كل مغن مخلوق من قلب رجل واحد وغناء ابن سریج مخلوق من قلوب الناس جمیعاً (م.ن، 1(2)/78). وقال عمر بن عبد العزیز من ناحیة أخری «للّه درّ هذا الصوت لوكان بالقرآن» (م.ن، 1(2)/62).

كان ابن سریج یلحن ویغني مرتجلاً أو في مدة قصیرة جداً (م.ن، 1(2)/52، 68) ولاتنبع قدرته هذه من ذوقه فقط، فقد روي عنه حدیث قصیر بیّن فیه الممیزات الغنیة للغناء الجید والصحیح (م.ن، 1(2)/93-94)، فینبئ عن أنه كان یطلب مختلف أنواع الموسیقی ویمارسها ویتعمق في هذا الفن، وما قیل إنه أول من غنی الغناء المتقن بعد طویس في الحجاز (م.ن، 1(2)/55) یخبر عن حذاقته بالقوانی الصحیحة القویة في هذا الفن، ولذلك اعتبر أحد أركان الموسیقی العربیة الأربعة (م.ن، 1(2)/53). ومع ذلك لم یخل غناؤه من النقد، فقد اتهمه تلمیذه الشهیر الغریض وكان في مكان عام بأطراف مكة بأنه قصر الغناء والموسیقی وأفسدهما وذلك بعد أن اتجه ابن سریج إلی الموسیقی الخفیفة والأشعار المناسبة لها من بحر الرمل والهزج. وردّ علیه ابن سریج بأن غنی غناءً ما غنی أحد أثقل منه ولا أجود (م.ن، 1(2)/69). علی أن توجهه نحو الموسیقی المرحة لم یكن عن ضعف وإنما لإبداع أسلوب جدید. ورغم أن إسحاق الموصلي اعترف بتفوق ابن سریج علیه غیر أن ألحان ابن سریج كما یقول أبو الفرج قلّ من یسمعها إلا من العجائز (م.ن، 1(2)/54)، بینما لیست الموسیقی إلا كغیرها من كل فن تتبع الذوق والزمن. وقد اتفق إبراهیم بن المهدي وإسحاق الموصلي علی انتقاد ابن سریج أنه كان یغني أشعاراً مختلفة بلحن واحد. ویمكن قبول هذا النقد لأنه من عادة ابن سریج أن یلحن مرتجلاً (م.ن، 1(2)/63-64).

وقیل إن زوج ابنة ابن سریج أخذ أكثر غنائه وانتحله (النویري، 4/262). وقد اتفق إبراهیم بن المهدي وإسحاق الموصلي علی أن ابن سریج غنی 63 صوتاً (أبو الفرج، 1(2)/63).

 

المصادر

ابن أبي طاهر طیفور، أحمد، كتاب بغداد، تقـ: عزت العطار الحسیني، القاهرة، 1368هـ/1949م؛ ابن الأثیر، علي، أسد الغابة، بیروت، 1377هـ؛ م.ن، الكامل؛ ابن خلدون، مقدمة، بیروت، دار الفكر؛ ابن عبد ربه، أحمد، العقد الفرید، بیروت 1402هـ/1982م؛ ابن عساكر، علي، تاریخ مدینة دمشق (عامر بن یحیی –عبد الله بن عباس)، النسخة المصورة الموجودة في مكتبة المركز؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبو حیان التوحیدي، علي، البصائر والذخائر، تقـ: إبراهیم الكیلاني، دمشق، 1385هـ/1966م؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، بیروت، 1954م؛ دانشنامه؛ الدینوري، أحمد، الأخبار الطوال، تقـ: عبد المنعم عامر، القاهرة، 1379هـ/1959م؛ الذهبي، محمد، معرفة القراء الكبار، تقـ: محمد سید جاد الحق، القاهرة، 1387هـ/1967م؛ الرفاعي، أحمد فرید، عصر المأمون، القاهرة، 1346هـ/1928م؛ ضیف، شوقي، الشعر والغناء في المدینة ومكة لعصر بني أمیة، القاهرة، دار المعارف؛ فروخ، عمر، تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1985م؛ م.ن، تاریخ العلوم عند العرب، بیروت، 1984م؛ النویري، أحمد، نهایة الأرب، القاهرة، وزارة الثقافة والإرشاد القومي؛ وأیضاً:

EI2; Farmer, H. G., A History of Arabian Music, London, 1967; id, «The Origin of the Arabian Lute and Rebec», Studies in Oriental Music, Frankfurt, 1980.

قسم الفن والعمارة/ن.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: