الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن زیدون /

فهرس الموضوعات

ابن زیدون

ابن زیدون

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/14 ۲۳:۰۸:۵۶ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ زَیدون، أبو الولید أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زیدون المخزومي (394-463هـ/1003-1070م)، شاعر وكاتب من أواخر العصر الأموي وأوائل عهد ملوك الطوائف بالأندلس. ورغم توفر معلومات كثیرة عن حیاته، إلا أن الغموض لازال یكتنف تفاصیل مهمة منها، ولاسیما المتعلق بالتطورات التي حدثت في عهد الفتنة وحكم بني جهور في قرطبة. ولهذا لابد من دراسة الشواهد والقرائن التاریخیة، وتحلیل آثاره المنظومة والمنثورة والاقتصار علی الظن والحدس، خاصة وأن المصادر القدیمة أخطأت أحیاناً في تفسیر بعض الوقائع ذات الصلة به (مثلاً ظ: توضیح عبد العظیم بشأن خطأ الفتح بن خاقان ومن ثم ابن نباتة في ترجمة ابن زیدون، 194-196). ونهجت أغلب المصادر أسرة الجدیدة نفس هذا الأسلوب لتفسیر النقاط الغامضة في حیاته وخاصة ما یتعلق منها بدوافعه السیاسیة وبعض نشاطاته.

وینتسب ابن زیدون عن طریق أبیه إلی بني مخزوم من بطون قریش. ولد بالرصافة – من ضواحي قرطبة – في أسرة موسرة معروفة بالعلم (ظ: ابن بشكوال، 1/259؛ قا: ضیف، شوقي، 15-16؛ عبد العظیم، 104). فقد والده – الذي كان من علماء قرطبة وفقهائها الكبار– وهو في الحادیة عشرة من عمره (ابن بشكوال، ن.ص) فكفله جده لأمه أبو بكر محمد، صاحب الأحكام (أي أنه اشتغل بالفقه والقضاء: ضیف، شوقي، ن.ص) في مدینتي سالم وقرطبة (عبد العظیم، 100-101). ولاتتوفر معلومات وافیة عن بیئته التربویة والعلوم التي تلقاها، كما لانعرف من أساتذته سوی أبي بكر مسلم بن أحمد النحوي (ظ: ابن زیدون، 285-718)، إلا أن دراسة آثاره تكشف عن أنه كان قد درس الكثیر من علوم زمانه (عبد العظیم، 111-117). وكان یجالس منذ شبابه كثیراً من مشاهیر العلم والسیاسة كأبي الولید ابن جهور وأبي بكر ابن ذكوان، حیث اشتهر الأول بالسیاسة والثاني بالفقه والقضاء (ابن بسام، 1(1)/420-422؛ قا: الفتح بن خاقان، 71؛ عبد العظیم، 122-126).

ویبدو أن ابن زیدون الشاب قد اشترك بشكل مباشر في الأحداث التي انتهت بزوال الخلافة في قرطبة وعرفت في تاریخ الأندلس بعهد الفتنة، وأنه كان ممن أوصل بني جهور إلی سدة الحكم (الفتح بن خاقان، 70؛ ابن دحیة، 167؛ قا: ضیف، أحمد، 62؛ ضیف، شوقي، 18؛ عبد العظیم، 127)، وقد أشار –عندما ساءت علاقته مع الأمیر أبي الحزم ابن جهور (حكـ 422-435هـ)– في بعض شعره وإحدی رسائله إلی جهوده في تأسیس دولة الجهوریین (ص 259، 267، 277-288، 697-698، 701؛ عبد العظیم، 128-129). وقد أدت تلك الجهود إلی علو منزلته في بلاطهم، فاستوزره ابن جهور – وكان سیاسیاً فطناً – وجعله من المقربین إلیه والمتحدثین باسمه (ابن دحیة، ن.ص؛ قا: نیكلسون،424-425 )، إلا أن هذا الأمر لم یستمر طولاً إذ سرعان ما ساءت العلاقة بین الأمیر والوزیر وكان ذلك علی ما یبدو بسبب تباین طباعهما وتطلعاتهما السیاسیة من جهة، ویفعل دسائس منافسي ابن زیدون ومعارضیه من جهة أخری (عبد العظیم، 131-133)، حتی آل الأمر إلی اعتقال ابن زیدون ومن ثم هروبه من قرطبة. ویبدو أن إحدی تلك العوامل هي علاقة ابن زیدون بوَلّادة (الفتح بن خاقان، 81؛ حتي، 3/664؛ نیكلسون، 425). ولما كان لتلك العلاقة وماتمخض عنها من نتائج تأثیر كبیر علی حیاة ابن زیدون وشعره، فلابد لنا من استعراضها علی وجه الإجمال.

كانت ولادة بنت المستكفي بالله (حكـ 414-416هـ) امرأة جمیلة جریئة، تنكرت للأعراف والتقالید ولاسیما بعد سقوط الخلافة الأمویة (423هـ). ولما كانت متضلعة من الأدب والفن، فقد جعلت بیتها منتدی أدبیاً وفنیاً یرتاده كبار أهل الأدب والسیاسة (ابن بسام، 1(1)/429؛ الفتح بن خاقان، 73؛ ابن بشكوال، 2/696؛ المقري، 4/205، 207، 208؛ نزهة الأبصار، 10). ویبدو أن ابن زیدون الذي كان آنذاك في ذروة شهرته ونال مكانة رفیعة في عالم السیاسة (عبد العظیم، 160)، تعرف إلی ولادة في ذلك المنتدی وشغف بها مثل الكثیر من كبار رجال العاصمة (الفتح بن خاقان، ن.ص؛ ابن نباتة، 22؛ نزهة الأبصار، 11). ثم سرعان ما تحولت العلاقة بینهما إلی هیام شدید صار حدیث الناس (ظ: ابن زیدون، 172، 181؛ نزهة الأبصار، ن.ص). وقد تحدث الشاعر نفسه عن أول اجتماع له بها بعد تعرفه إلیها (ص 777-781). ورغم كل ذلك فإنها لم تلبث أن تبدلت له فتمنّعت علیه لأسباب ما (عبد العظیم، 163)، ولم تُجد الشاعرَ توسلاته وتضرعاته الملحة معاتباً إیاها أحیاناً (ص 179، 182-183) والتي آلت إلی الغضب والعنف (ص 175؛ قا: عبد العظیم، 165) في الحد من استیائها، بل عملت تدریجیاً علی انصرافها عنه كلیاً والإقبال علی عشاق آخرین (ضیف، شوقي،22) أشهرهم ابن قلّاس وابن عَبدوس (ن.ع). وراح ابن زیدون الذي یئس من نیل وصالها یصب جام غضبه علی رأسي منافسیه بادئاً بصدیقه ابن قلاس ومن ثم ابن عبدوس، وحذرهما في قصائد من إقامة أیة علاقة معها (ص 578-581، 582-589). وعندما وجد في ابن عبدوس منافساً قویاً له في حبّ ولادة وأدرك ما یقوم به من محاولات لكسب حبها، كتب رسالة لاذعة إلی ولادة سخر فیها من ابن عبدوس سخریة مرّة (ص 634-679). وسرعان ما انتشرت هذه الرسالة التي تُعرف بالرسالة «الهزلیة» في سائر أرجاء الأندلس وأضحت مدعاة لفضیحة ابن عبدوس، ولهذا أمسك عن التعرض لولادة لبعض الوقت (ابن نباتة، 24). ولم تسلم ولادة من تقریعه، فرسم لها في نفس تلك الرسالة صورة مشینة (ص 673؛ ابن نباتة، 455؛ قا: عباس، 165-166).

عملت تلك الصراعات الممتزجة بالثعالي الأرستقراطي والاعتداد بالنفس لكل من الشاعر وحبیبته (قا: عباس، 161؛ عبد العظیم، 165-166) علی خلق نهایة مرّة لابن زیدون، وانتهت إلی قطع علاقته بولادة نهائیاً ودفعها نحو منافسه ابن عبدوس من جهة، ومن جهة أخری –وكما سنری– منحت الفرصة لابن عبدوس الذي كان یكنّ له الحقد، لتألیب الأمیر علیه وتوفیر أسباب فشله واندحاره في قطبة. كما أن ولادة ظلت طوال عمرها المدید (نزهة الأبصار، 12) إلی جانب ابن عبدوس (ابن بسام، 1(1)/432)، ولم تلتفت إلی الشاعر رغم كل مساعیه واستعطافاته التي كانت تتجلی بین حین وآخر في إطار قصائد غرامیة معروفة جداً (قا: عبد العظیم، 148- 149، 173). وهناك آراء عدیدة ومتضاربة أحیاناً حول شخصیة هذه المرأة وطباعها، وإن بدت المبالغة فیها أحیاناً (عباس، 165)، إلا أنها تعكس التضارب في سلوكها حیال محبیها وعشاقها ومنهم ابن زیدون. وقد أشارت المصادر القدیمة إلی هذه الحقیقة. فولادة جمعت بین الرزانة والعفة وبین اللامبالاة والتجاهر باللذات (ابن بسام، 1(1)/429-430؛ ابن بشكوال، ن.ص؛ ابن دحیة، 8؛ ابن شاكر، 4/251؛ قا: نیكل، 107). ولم تخل علاقتها بمحبیها من الاهتزاز (عبد العظیم، 174): فهي تهیم بابن زیدون أولاً، ثم تشیح عنه إلی الأبد بعد سلسلة من المشاحنات (ضیف، شوقي، 20-23؛ قا: الركابي، 170-171). وكانت كثیرة العبث بابن عبدوس ولها معه نوادر ظریفة (ابن نباتة، 23). ورغم التحاقها به في آخر المطاف، إلا أنها لم تتزوج منه ولم تنظر إلیه أبداً عن حب خالص (عبد العظیم، 173). كما نظر البعض إلی علاقاتها مع عشاقها بعین الارتیاب (برس، 429-428؛ نیكل، 111). ورأی آخرون في سلوكها مظاهر السادیّة وقبول التعذیب (عبد العظیم، 176-179). وسعی البعض إلی عقد مقارنات بین علاقتها الغرامیة بابن زیدون وعلاقات العشاق المعروفین (نیكل، 106-107؛ ضیف، شوقي، 22). وعلی أي حال فقد أثّرت ولادة بسلوكها علی حیاة ابن زیدون وأحاسیسه تأثیراً بالغاً، حیث لانجد ملامح ذلك التأثیر في حیاته الاجتماعیة –السیاسیة فحسب، بل في جزء مهم من شعره أیضاً.

وسرعان ما تعكر صفو العلاقة بین ابن زیدون والأمیر أبي الحزم ابن جهور. ولم تتوفر لدینا معلومات دقیقة حول ذلك، وقد اقتصرت المصادر علی بعض الإشارات (ابن بسام، 1(1)/338؛ الفتح بن خاقان، 71؛ ابن دحیة، 167-168؛ ابن الأبار، إعتاب، 207-208؛ الصفدي، تمام المتون، 6)، ولكن ربما توجد هناك عوامل وراء ذلك التوتر، كعلاقة ابن زیدون بولادة التي كانت من سلالة أمویة، حیث تعد العدو المحتمل لحكم بني جهور، وكذلك التطورات السیاسیة في الأندلس لاسیما ظهور أدعیاء الخلافة ومن بینهم خلف، المعروف بهشام وقد كان له كثیر من الأنصار في سائر أرجاء الأندلس ومنها قرطبة (عبد العظیم، 33-35) ویبدو أن ابن زیدون كانت له اتصالات معه (م.ن، 134-137)، وأخیراً عدم ارتیاح ابن زیدون من مركزه في بلاط بني جهور والذي كان یشیر إلیه أحیاناً في شعره (ص 332). وقد انتهز ذلك دون شك معارضو ابن زیدون ومنافسوه ومن بینهم ابن عبدوس، فأوغروا صدر الأمیر علیه (ضیف، شوقي، 23؛ عبد العظیم، 180- 186). وكانت النتیجة أن جُرّ ابن زیدون إلی المحكمة علی التو وبتهمة واهیة، وربما بتنویه الأمیر، وتواطأ علیه القاضي أبو محمد عبد الله، المعروف بابن الموي –ولم یكن من القضاء في ورد ولاصدر لقلة علمه ومعرفته (ابن بشكوال، 1/267-277؛ ابن سعید، 1/160) وكان یكن الحقد لابن زیدون –فألقاه فوراً في السجن (ابن بسام، ن.ص). ولایعرف تاریخ سجنه، ویستنبط من القرائن أنه كان بین عامي 432 و433 (عبد العظیم، 201). وتناول الشاعر فیما بعد من خلال رسالة بعثها إلی أستاذه أبي بكر مسلم تلك المحاكمة والدسائس التي حیكت ضده (ص 722-735).

أمضی في السجن 500 یوم علی حد تعبیره (ص 289)، ذاق فیها الأمرّین (ص 732-735)، وخاطب خلالها ابن جهور بقصائد جیاشة (ص 247-250، 278-284) وكتب رسالته «الجدّیة» المعروفة (ص 680-717) التي استعطف فیها الأمیر وناشده إطلاق سراحه (قا: ضیف، شوقي، 23-24). كما حثّ أصدقاءه المتنفذین كأبي حفص أحمد بن برد علی التوسط (ص 273-277؛ الفتح بن خاقان، 75-76). ولكن باءت كل تلك المحاولات بالفشل (نیكل، 114) ووجد في الهروب الطریق الوحید لنجاته. فاحتال في التسلل من السجن ویمّم وجهه لیلاً وعلی جناح السرعة نحو إشبیلیة، فقطع المسافة إلیها والتي تبلغ ثلاثة أیام في لیلة واحدة (الفتح بن خاقان، 71؛ ابن دحیة، 168). واستقبله في إشبیلیة المعتضد بن عباد (حكـ 434-461هـ) بحفاوة وجعله في زمرة مقربیه وملازمیه. ویتضح ذلك من فحوی قصیدة ابن زیدون التي هنأ فیها المعتضد بزواجه من ابنة مجاهد العامري أمیر دانیة (ص 438-445؛ قا: عبد العظیم، 212). كما أن الأبیات التي كتبها علی لسان المعتضد إلی صهره مجاهد، تدل علی قربه من المعتضد (ص 236-237).

ظل الشاعر في إشبیلیة مدة، ولكن میله إلی قرطبة، وقلقه علی أقربائه ومعارفه (المراكشي، 106؛ قا: عبد العظیم، 213)، دفعاه للعودة إلی الزهراء بضواحي قرطبة لیتواری فیها (الفتح بن خاقان، 73) وسعی ثانیة عن طریق أصدقائه ولاسیما أبو الولید ابن جهور استمالة الأمیر (ابن بسام، ن.ص؛ ابن الأبار، ن.م، 208)، وناشد في رسالة طویلة ورائعة أبا بكر مسلم أن یشفع له، ونظم في هذا الشأن قصیدة تضرع واستعطاف بعثها إلیه (ص 285-293؛ قا: الفتح بن خاقان، 79-81). ولاشك في أن شوقه العاصف لولادة كان الدافع الرئیس وراء قدومه إلی الزهراء (الفتح بن خاقان، 73؛ قا: نیكل، 115)، حتی إنه أنشد أشهر أشعار حبه في هذا المكان بالذات (ابن زیدون، 139-140)، ولاسیما قصیدته النونیة الطویلة التي خاطب فیها ولادة التي تعد من أروع وأبدع ما قاله شعراء الأندلس في الحب، وكانت ولازالت موضع اهتمام الأدباء والشعراء العرب (ابن دحیة، 164) وحیكت حولها الأساطیر (م.ن، 141-148؛ قا: نیكل، 115-118). وأخیراً أثمرت محاولات ابن زیدون فعفی عنه الأمیر (ابن بسام، ابن الأبار، ن.ص) الذي مالبث أن توفي بعد فترة یسیرة (435هـ) وخلفه ولي عهده أبو الولید ابن جهور (حكـ 435-450هـ) صدیق ابن زیدون الحمیم. وأنشد ابن زیدون قصیدة في رثاء أبي الحزم وتهنئة أبي الولید (ص 523-530)، وسرعان ما استعاد مقامه الرفیع (ابن بسام، ابن الأبار، ن.ص). وعینه أبو الولید أول الأمر للنظر في بعض شؤون أهل الذمة (ابن الأبار، ن.م، 212-213)، ثم أرسله وبإصرار شدید من الشاعر الذي كان یری نفسه مؤهلاً لنیل المناصب العالیة (ص 350، 364-365؛ قا: عبد العظیم، 225-226)، سفیراً له إلی بلاطات ملوك الطوائف (ابن الأبار، ن.م، 213). وحقق من خلال السفارة والعلاقات مع مختلف البلاطات شهرة واسعة ونجاحات كبیرة.

لكن علاقته مع الأمراء والوزراء التي لاشك وأنها اقترنت باللهو والانغماس في الملذات لم ترق لابن جهور الذي أصبح بعد إمساكه بزمام الأمور مبلغاً للدین وملتزماً بالشریعة (ابن زیدون، 351؛ قا: عبد العظیم، 227)، ولهذا عندما ذهب الشاعر سفیراً إلی بلاط أمیر مالقة العالي بالله إدریس بن یحیی الحمودي (حكـ 434-438هـ) المحب للأدب، وأطال الثواء هناك وحضر مجالس أنسه، انزعج الأمیر منه وعاتبه علی ذلك ولمّا لم یجد أذناً صاغیة منه، عزله عن السفارة (ابن بسام، ابن الأبار، ن.ص)، فعاد الشاعر إلی قرطبة وناشد ابن جهور الصفح عنه وأعرب عن براءته واتهم أعداءه –الذین یبدو أنهم لم یقفوا مكتوفي الأیدي في غیابه– بتحریض الأمیر علیه (ص 294-296؛ 366-386)، إلا أن الأمیر لم یعف عنه، فضاق صدره وغادر قرطبة متوجهاً إلی عواصم ملوك الطوائف ثانیة: بطلیموس، وبلنسیة وطرطوشة، یمدح أمراءها وعظماءها، كما أخذ یعبر عن مدی شوقه وتلهفه لمسقط رأسه قرطبة (ص 153، 154-157، 201-204، 406-427، 754-762؛ الفتح ابن خاقان، 74؛ قا: ضیف، شوقي، 25-26؛ عبد العظیم، 231-235).

وفي تلك الفترة عفا ابن جهور عنه وأعاده إلی منصبه الذي كان فیه (ابن بسام، ابن الأبار، ن.ص)، إلا أنه لم یلبث أن أساء الظن به إثر التمرد الذي تزعمه بنوذكوان وابن حذام في قرطبة (440هـ). فنظم الشاعر بدفاع الخوف قصیدة في مدح الأمیر ندد فیها بزعماء التمرد وبرأ ساحته من أي علاقة له بهم (ص 296-304؛ ظ: ابن سعید، 1/161؛ قا: ضیف، شوقي، 26-27؛ عبد العظیم، 240-245). ومع هذا كله فقد ولی ظهره لقرطبة خشیة من أوضاعها المتأزمة وقصد بطلیوس (ص 158)، وأقام فیها عدة شهور، قال فیها قصائد عبرت عن شوقه لقرطبة وذكریاتها (ص 158-161). ثم توجه مرة أخری نحو إشبیلیة (441هـ)، فاستقبله المعتضد ووزیره أبو عامر ابن مسلمة وسائر رجال الدولة (ابن بسام، ن.ص؛ الفتح بن خاقان، 71؛ ابن دحیة، 168؛ ابن الأبار، ن.ص؛ ابن خلكان، 1/140). ویبدو أن خروجه من قرطبة قد ترك أثراً ملموساً، إذ روی ابن حیان أن مكانه بالحضرة قد خلا وكثرالأسف علیه (ابن بسام، 1(1)/339).

وقد جاءت هجرته إلی إشبیلیة التي كانت له بدایة عهد جدید من الشهرة والرفعة، نتیجة اتفاق بینه وبین بلاط المعتضد بواسطة صدیقه أبي عامر ابن مسلمة (ابن زیدون، 763-768؛ قا: عبد العظیم، 249). واستقبله المعتضد بحرارة وجعله من خواصه وصحابته (ابن بسام، الفتح بن خاقان، ن.ص). وانبری الشاعر لمدح الأمیر (ص 148-149، 447-467) وسرعان ما توثقت الأواصر بینهما، فصار یجالسه في خلواته، وتولی لدیه مناصب سیاسیة مهمة (ابن بسام، الفتح بن خاقان، ابن دحیة، ابن الأبار، ابن خلكان، ن.ص). فأصبح أولاً أمیراً لشعراء البلاط (ابن الصیرفي، 33؛ قا: ابن تغري بردي، 5/88)، ثم مشاوراً أعلی للأمیر (ابن زیدون، 242، 601-602؛ قا: ابن كثیر، 12/104)، ثم سفیراً (ابن بسام، ابن الأبار، ن.ص)، حتی لقب بذي الوزارتین وذي الرئاستین (الفتح بن خاقان، 70؛ المراكشي، 105؛ قا: نیكلسون، 425). وأخذ یمسك بزمام الأمور تدریجیاً بكفاءته ودهائه حتی دبر شؤون الجهاز الحاكم وأظهر صولته (الفتح بن خاقان، 14)، وكانت تراوده فكرة نیل منصب الكتابة، ولهذا اصطدم بالكاتبین الشهیرین ابن حصن وابن عبدالبر (ن.ع) صاحبي هذا المنصب علی التوالي، حتی عمل آخر الأمر علی مقتل ابن حصن (ابن سعید، 1/245-246؛ قا: عبد العظیم، 266-268) وعزل ابن عبد البر (ابن سعید، 2/402؛ قا: عبد العظیم، 269-270)، وأفلح في تولي الكتابة بتواطؤ من صدیقه أبي محمد ابن الجد (ابن بسام، 1(1)/337؛ قا: عبد العظیم، 262) والسیطرة علی شؤون الدولة.

وظل ابن زیدون مایقرب من 20 عاماً في بلاط المعتضد –أي حتی نهایة حكمه– ونال فیه أعلی مقام سیاسي واجتماعي. إلا أن هذه الفترة الطویلة لم تكن خالیة من الصعوبات والصراعات، فالمعتضد بسلبیاته وطباعه الردیئة –والذي لم یكن في مأمن من غضبه حتی كبار رجال حكومته (ابن الأبار، الحلة، 2/43)– من جهة ومكانة ابن زیدون الخاصة ووجود منافسیه الأقویاء من جهة أخری، قد ساهما في ظهور وضع متأزم قلق. وشبّه الشاعر في إحدی قصائده بلاط المعتضد بالجنة التي یحیط بها الفساد والحسد (ص 604-605، قا: 305)، إلا أنه تمكن بفطنته أن ینفرد بالسلامة ویحافظ علی مقامه وحظوته (ابن شاكر، 2/148؛ قا: عبد العظیم، 275). وتوفي المعتضد في 461هـ، فتولی الأمر من بعده ابنه المعتمد (حكـ 461-484هـ)، فأفاض علیه مودته وعدّه أستاذه لأنه سبق له أن تعلم علیه في ولایة عهده الشعر والأدب وأفاد من فنه وتجربته (عبد العظیم، 276)، ولهذا أبقاه في منصبه وسعی في إكرامه (عماد الدین، 2/70؛ ابن الأبار، إعتاب، 213).

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: