الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / ابن رائق /

فهرس الموضوعات

ابن رائق

ابن رائق

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/12 ۲۰:۵۹:۰۹ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ رائق، أبو بكر محمد بن رائق (مقـ 330هـ/942م)، أول متولّ لإمرة الأمراء (ظ: ن.د، أمیر الأمراء) في الخلافة العباسیة. لاتتیسر معلومات عن تاریخ ولادته ونشأته، ویبدو أن والده رائق كان أحد غلمان الخلیفة العباسي المعتضد (خلافته: 279-289هـ/892-902م). ولّی المقتدر ابن رائق وأخاه إبراهیم شرطته في 317هـ/929م بطلب من مؤنس وكان قائداً قویاً ومجرباً ومستبداً ببغداد. وقد أبدی ابن رائق جدارة في هذا المنصب لم یبلغها أخوه (القرطبي، 125: أبو علي مسكویه، 1/202). وفي 320هـ أخرج مؤنس یاقوت وابنه من بغداد واستخلف ابن رائق وأخاه اللذین كانا مشهورین بالطاعة العمیاء ویتولیان قیادة الشرطة في منصب حجابة المقتدر أملاً في عدم معارضتهما له، غیر أن ابن رائق الذي وجد نفسه قریباً من الخلیفة انضم إلی معارضي مؤنس وتآمر علیه بالتعاون مع یاقوت ومفلح والوزیر أبي القاسم. ولعب دوراً مهماً في إثارة نار الحرب بین الخلیفة ومؤنس (القرطبي، 137-138، 142، 149، 150). وبعد تغلب مؤنس وقتل المقتدر في شوال 320 فرّ ابن رائق مع محمد بن یاقوت وعبد الواحد بن المقتدر إلی الأهواز. وفي الطریق أغاروا علی المدن وخربوها، وبعد فترة استبد محمد بن یاقوت بالبقیة ولاسیما في تقسیم الأموال المنهوبة مما أثار معارضه ابن رائق وأنصاره.

وكان أبو عبد الله البریدي (ظ: ن.د، آل البریدي) یفكر بالسیطرة علی الأهواز، فكتب إلی الوزیر ابن مُقلة (ن.ع) أن یستغل الاختلاف بین ابن رائق ومحمد بن یاقوت ویرسل جیشاً إلی الأهواز للإطلاحة بهما والإ فإنهما سیُجلِسان بالأموال الطائلة التي نهباها في الأهواز، عبد الواحد بن المقتدر علی كرسي الخلافة. فأنفذ مؤنس جیشاً بقیادة یلبق لقمعهما، ولكنهما هربا ولم یلحق بهما. وفي عهد خلافة القاهر عام 321هـ ترك ابنُ رائق محمد بن یاقوت وأنصاره مقابل تولي حكم البصرة، وبذلك ضعف المعارضون فسلموا أنفسهم إلی یلبق (أبو علي مسكویه، 1/237، 254-256). غیر أن ابن رائق لم یقنع بالبصرة. فاستولی علی الأهواز وأعمالها أواخر أیام القاهر في جمادي الثانیة 322.

ثم ما لبث أن ضمّت واسط إلی مناطق نفوذه في عهد خلافة الراضي (أبو علي مسكویه، 1/287، 295؛ الهمداني، 84؛ ابن الأثیر، 8/283-284، 287). وكان غلمان مرداویج الأتراك قد ذهبوا بعد مقتله إلی بغداد، وأساء رؤساء الحجریة معاملتهم فدعاهم ابن رائق في 323هـ إلی واسط، وبالغ في الاحتفاء بهم ولاسیما بفائدهم القوي بجكم (ن.ع) إلی درجة أنه عرف ببجكم الرائقي. واستطاع ابن رائق أن یجهز جیشاً كبیراً من غلمان الترك والدیلم بمساعدة بجكم وبذلك غدا أقوی أمیر في خوزستان آنذاك. وفي 324هـ قطع حمل مال ضمانه عن واسط والبصرة إلی الحضرة متذرعاً بنفقات الجیش الباهظة، لیضیق من جهة علی الخلیفة، ویتظاهر من جهة أخری بالقوة، لكن هذا الوضع كان سیؤدي ولاشك إلی سقوط الخلافة بسبب الضعف المالي، ولذلك أقنع الوزیرُ ابن مقلة الراضي بقمع ابن رائق، فأرسل إلیه رسالة یطلب منه الوقوف علی ما جری علی یده من «ارتفاع» واسط والبصرة، غیر أن ابن رائق كال الوعود للرسل وبعث إلی الراضي سراً یخبره أنه مستعد لدفع كل نفقات الحكومة ومنها البلاط وأرزاق الجُند إذا ما أوكل لله الخلیفة تدبیر البلاد وأنه سیدیر شؤون الخلافة علی أحسن وجه، لكن الخلیفة لم یجبه، إلا أن الحجریة قبضوا في هذه الأثناء علی ابن مقلة وهو یُعد للهجوم علی ابن رائق بعد امتناعه عن دفع ضمان واسط (الصولي، 62؛ أبو علي مسكویه، 1/331-336؛ الهمداني، 93-94). وبعد القبض علی ابن مقلة، عُهد بالوزارة خلال سنة واحدة بالترتیب إلی كل من عبد الرحمن بن عیسی وأبي جعفر محمد بن القاسم الكرخي وسلیمان بن حسن بن مخلد، ولكنهم اعتزلوا الوزارة الواحد بعد الآخر لعجزهم عن دفع ما یطالبه الخلیفة والجند.

ولم یعد أي وزیر قادراً علی إدارة شؤون الخلافة، لامتناع ابن رائق وغیره من عمال الخلیفة ومنهم البریدیون في الأهواز وعلي بن بویه في فارس وابن إلیاس في كرمان عن إرسال ضماناتهم المالیة، واستقلال كل منهم في حكمه وذلك لضعف جند بغداد وعدم كفاءتهم، فقد كان متشكلاً من غلمان الحجریة الترك وغلمان الساجیة الدیلم. ولم یؤد صراع الأمراء علی بلوغ القدرة والثروة إلی ضعف هذا الجیش في الدفاع عن الخلافة فحسب، بل كان یصعب علیه الدفاع عن بغداد أیضاً، مما مهد لظهور قائد عسكري قوي في بغداد ومال الناس إلی القبول بالوضع الجدید وكان الراضي عاجزاً عن إنهاء التنافس بین قادة الجیش فقبل أخیراً اقتراح ابن رائق السابق دعاه إلی بغداد. قدخلها في أواخر ذي الحجة عام 324 فقلده الخلیفة إمرة الأمراء ورئاسة الجند وردّ إلیه تدبیر جمیع الشؤون العسكریة والإداریة والمالیة في بلاد الخلافة بأسرها (الصولي، 76، 85، 86؛ أبو علي مسكویه، 1/350-352؛ الهمداني 98-99؛ متحده، 84-83). ویری المؤرخون المسلمون أن منح الراضي لقب أمیر الأمراء إلی ابن رائق هو دلیل علی تدهور الأوضاع وسیطرة الأمراء علی جهاز الخلافة، وأنه لم یعد لمنصب الخلافة شيء سوی الاسم (ظ: القلقشندي، مآثر الإناقة، 1/298، صبح الأعشی، 4/417؛ ابن الطقطقی، 383). وأما الراضي فكان یُرجع فساد الخلافة إلی من قبله (الصولي، 41)، وربما كانت نظرة أبي علی مسكویه في هذا الشأن أقرب إلی الحقیقة فهو یری أن قتل مؤنس للخلیفة المقتدر دعا إلی تطاول الأعداء ووقاحتهم وطمعهم في السیطرة علی عاصمة الخلافة، وهو أمر ما كان لیخطر علی أذهانهم من قبل، ویری أن ضعف الخلافة وسقوطها بدأ منذ ذلك الزمن، وأن الحوادث التالیة ومنها إمارة ابن رائق كانت نتیجة لهذه الحادثة (1/237؛ EI2, I/18-19). ورغم ذلك یشیر أبو علي مسكویه إلی أن تعطیل أمر الوزارة والدواوین وفساد بیت المال حدث منذ تولي ابن رائق للسلطة. ذلك أنه كان یتولی مع كاتبه الإشراف علی جمیع الأمور وتُحمل أموال النواحي إلی خزائنه مباشرة، وینفقها كما یری، ویطلق نفقات الخلیفة كما یرید، ولم یبق للوزیر غیر اسم الوزارة، وكذلك كان كل من تقلد الإمارة بعده (1/352). تولی ابن رائق إمارة الأمراء حوالی سنتین قضی أكثرها في القتال والصراع وأحیاناً بالاتفاق مع أعدائه الأقویاء الذین كان كل منهم یطمع بالسیطرة علی الخلافة، وكان صراعه مع البریدیین أشد من الآخرین، وقد بدأ صراعه هذا بالقضاء علی جیش الخلیفة وحرسه من قوّات الساجیة والحجریة، وكانوا یسیطرون علی شؤون الخلافة سیطرة تامة قبله ویعارضون قدومه بغداد، وتغلب علیهم بعد قتال دموي وبمساعدة بجكم وقتل أو أسر كثیراً من رؤسائهم وأفرادهم، وصادر أموالهم (الصولي، 76، 85-87؛ أبو علي مسكویه، 1/351، 357-358). وعندما فرغ ابن رائق من منافسیه الداخلیین من الساجیة والحجریة، قرر الهجوم علی الأهواز للقضاء علی البریدي، ولكن البریدي تحایل وقبل بدفع ضمانه وتسلیم الجند وحال دون مهاجمة ابن رائق للأهواز.

وفطن الحسین بن علي النوبختي –وكان كاتب ابن رائق وعامله، ویری له الأخیر الفضل في نجاحه– لحیلة البریدي حذّره من خروج الأهواز من یده، غیر أن ابن رائق كان أكثر رغبةً في اللین، فقبل رأي أبي بكر ابن مقاتل أحد كتابه الآخرین وعقد الصلح مع البریدي وعاد مع الراضي إلی بغداد. وكان ابن مقاتل هذا یتعصب للبریدي (ابن الأثیر، 8/330) لحسده الحسین بن علي النوبختي علی منصبه مع أنه كان صاحبه والذي قدّمه لابن رائق، فحثّ ابن رائق لعقد الضمان مع البریدي، وبعد موافقة ابن رائق، قدم أحمد بن علي الكوفي بغداد ممثلاً لأبي عبد الله البریدي. ولم تمض فترة حتی استغل ابن مقاتل مرض النوبختي وجعل الكوفي عاملاً لابن رائق بدلاً منه، وبذلك توطد نفوذ البریدین في بغداد، واستطاع الكوفي بعد سیطرته علی شؤون ابن رائق وبمساعدة ابن مقاتل، أن یأخذ بدهاء ضمان البصرة من ابن رائق لأبي یوسف البریدي (شقیق أبي عبد الله).

وكان أبو عبد الله البریدي قد أعدّ مقدمات الهجوم علی البصرة في الماء والبر، فاستغل انشغال ابن رائق بفتنة أبي طاهر القرمطي فهاجمها واحتلها بمساعدة كبیرة من الأهالي. فبعث له ابن رائق برسالة وطلب منه بلین الخروج من البصرة، فلم یجبه البریدي. وقد دفع هذا الوضع المضطرب بجكم للتكفیر بالوصول إلی السلطة. وكانت الأهواز آنذاك ذات مركز استراتیجي للسیطرة علی واسط ومن ثم علی بغداد، وبذلك فقد فكر بجكم بإقناع ابن رائق لیعهد إلیه بمهمة قتال البریدي في الأهواز، ورشا ابنَ مقاتل لتحقیق هدفه هذا (أبو علي مسكویه، 1/375-377). زحف بجكم إلی السوس واصطدم بجیش البریدي الجرار مرتین، انتهتا بسیطرته علی الأهواز وهروب أبي عبد الله البریدي إثر ذلك إلی البصرة. فأرسل ابن رائق جیشاً بالبر والماء إلیها ولم یحقق نجاحاً، فسار مع بجكم قاصداً البصرة، ولكن الأهالي تصدوا لهما ثانیة بقوة وباء هجومهما بالفشل واضطر للتراجع إلی عسكر أبي جعفر، ثم ما لبث أن عاد بجكم إلی الأهواز وابن رائق إلی واسط. وبذلك انفصلت البصرة عن أعمال ابن رائق. وفي اوائل 326هـ، أمر ابن رائق بجكم بالتصدي لأبي عبد الله البریدي وأحمد بن بویه وكانا ینویان احتلال الأهواز، غیر أن بجكم انهزم مرّتین في قتاله أحمد بن بویه وذهب إلی واسط وبذلك فقد ابن رائق الأهواز أیضاً. ولم یبق له وللخلیفة سوی بغداد والمناطق المحیطة بها (الصولي، 88، 90، 98، 99؛ أبو علي مسكویه، 1/358-374، 378). وقد بلغت أوضاع بغداد فیما بعد حداً من الفوضی دفعت ابن الفرات الذي كان یتولی الوزارة آنذاك لیُطمع ابن رائق في أموال مصر والشام، ولم یرم في ذلك إلا لیبتعد عن بغداد، وبتلك الذریعة اتجه صوبهما.

وفي 326هـ أنفذ ابن رائق علي بن خلف بن طناب إلی بجكم لیسیر معه إلی الأهواز ویخرج منها أحمد بن علي بن بویه، إلا أن بجكم استوزر علیاً بعد وصله إلیه، ثم استولی علی مال واسط، وبذلك كشف عن نیته القدیمة في الاستیلاء علی منصب ابن رائق والسیطرة علی بغداد. فاضطر ابن رائق للصلح مع البریدي تفادیاً لخطر بجكم، ووعده بحكم واسط إن تغلب علی بجكم، غیر أن بجكم بادر إلی الهجوم علی البریدیین وهزمهم، وقضی علی هذه المؤامرة، فوعد أبا عبد الله البریدي بحكم واسط وصالحه أملاً منه بالوصول إلی بغداد وإبعاد البریدیین عن ابن رائق. ومن ناحیة أخری فإن ابن مقلة الذي صادر ابن رائق أمواله وأملاكه أطمع بجكم باحتلال بغداد وكتب إلی الراضي یشیر علیه بالقبض علی ابن رائق ودعوة بجكم إلی بغداد. فتظاهر الراضي بقبول اقتراحه. ولما لجأ ابن مقلة إلیه سلمه لابن رائق، فقطع یده ولسانه. وكان هذا التعسّف الذي أدی إلی موت ابن مقلة سبباً في أن یُذكر ابن رائق فیما بعد بالسوء وتنظم فیه قصائد الهجاء (كنموذج ظ: الصفدي، 146). وفي ذي القعدة 326 سار بجكم من واسط للاستیلاء علی بغداد فهزم جیش ابن رائق عند نهر دیالی، ولم یستطع أن یصمد مع أصحابه رغم ما كان في بغداد من استحكامات وإعداد للحرب، واضطر للهروب منها. ودخل بجكم بغداد في 13 ذي القعدة وجعله الراضي أمیراً للأمراء. وبذلك انتهت الفترة الأولی من تولّي ابن رائق لهذا المنصب بعد سنة و10 أشهر وعدة أیام أبو علي مسكویه، 1/383-396؛ العیون والحدائق، 4(2)/55-68).

أما فیما یتعلق بأخطاء ابن رائق السیاسیة التی أدت إلی سقوطه فإن أوضحها ما كتبه الصولي وقاله بجكم بعد تسلمه لمنصب إمرة الأمراء. یقول الصولي (ص106) كان الناس یصیحون أثناء هرب ابن رائق «هذا عقاب من الله لك لاستكتابك الكوفي وتسلیطك إیاه علی الناس»، ولذلك لم یقتصر أهل بغداد علی عدم مساعدة ابن رائق، بل سرّوا في البدء بقدوم بجكم. ویقول بجكم كما ذكر أبو علي مسكویه (1/375-377) إن تولیه لمهمة قتال البریدي وحصوله علی إمارة الأهواز –كما مر– كان خطوة مهمة في وصوله إلی السلطة. وبذلك أزال بجكم –وقد عرف بحصافته وذكائه وهمته العالیة– ابن رائق مع ما كان علیه من قوة عسكریة ومالیة؛ غیر أن ابن رائق لم یكفّ عن السعي لاستعادة منصبه، ففي مطلع صفر 327 وحینما غادر الراضي وبجكم بغداد لاستیفاء ضمان الموصل ودیار ربیعة من ابن حمدان خرج ابن رائق من مخبئه واستطاع بمساعدة الأهالي الذین كانوا یكابدون ظلم بجكم أن یتغلب علی أنصاره، فصادر أموالهم واستولی علی بغداد. وفي هذه الفترة انضم ابن مقاتل إلی ابن رائق الذي كان یفكر بإجلاس أحد أبناء الفضل بن المأمون علی كرسي الخلافة، وأقنعه بالعدول عن هذا الأمر لما یترتب علیه من نفقات باهظة. فأسرع بجكم في هذه الحالة إلی الصلح مع ابن حمدان وسار إلی بغداد، ولكن قبل أن یصل مع الراضي إلیها، خرج ابن رائق منها متوجهاً إلی الشام في 3 ربیع الأول، بعد أن قلّده الخلیفة طریقَ الفرات ودیار مُضَر وجند قِنَّسرین وما حولها (الصولي، 117-122، 130؛ أبو علي مسكویه، 1/405-409؛ العیون والحدائق، 4(2)/73-79). وفي الشام أخرج ابن رائق حاكم الرملة منها واحتلها. فأعد محمد ابن طغج الإخشیدي والي مصر العدة للتصدي له واتجه إلی الشام في محرم 328. فوافق ابن رائق في البدء علی الخروج من الرملة، وصالحه، ولكن ما لبث أن نقض عهده بعد عودة محمد بن طغج، فخرج من دمشق في شعبان هذا العام، قاصداً مدن مصر للاستیلاء علیها. وفي 15 رمضان دارت بینهما معركة في العریش هزمه فیها محمد بن طغج هزیمة نكراء، واضطر للعودة إلی دمشق. وفي 11 من ذي القعدة عاد محمد بن طغج، فأنفذ أخاه أبا نصر بن طغج في جیش جراد للقضاء علی ابن رائق، ودار بینهما قتال في اللَّجّون، أسفر عن مقتل أبي نصر وانتصار ابن رائق ومع ذلك فقد أرسل ابنه لمحمد بن طغج فدیة لأخیه، فتلقی الأخیر فعله ذلك بالجمیل وردّ الابن إلی أبیه، واصطلحا علی أن یخرج ابن رائق عن الرملة وأن یحمل محمد بن طغج إلیه ضمانها (الكندي، 288-290؛ أبو علي مسكویه، 1/414؛ ابن العدیم، 1/100-102).

وفي 329هـ ساءت الأوضاع الاقتصادیة والسیاسیة في عاصمة الخلافة بعد موت الراضي ومقتل بجكم (في 21 رجب)، وأدّی ذلك إلی موت الكثیرین بسبب الجوع والمرض، وحدث صراع بین الأمراء الأقویاء للسیطرة على العاصمة واحتواء الخلیفة الجدید (إبراهیم بن المقتدر الملقب بالمتقي لله، خلافته: 329-333هـ/941-944م). كما وقع اختلاف بعد موت بجكم بین جیش الترك والدیلم. فتوجه الدیالمة إلی البریدي في البصرة، فقوي بهم وتقدم نحو واسط. وطلب من الخلیفة نصف ملیون دینار كي لایتعرض لبغداد، كما طلب الأتراك من الخلیفة ما یقارب هذا المبلغ من المال للدفاع عن العاصمة أمام البریدي. واستطاع المتقي أن یدفع ما طلبه الأتراك فحسب ولكنهم حینما اقترب البریدي من بغداد، لم یتقاعسوا عن صدّه فحسب، بل انضم بعضهم إلیه أیضاً ولحق البعض الآخر بابن حمدان في الموصل. وأخیراً دخل البریدي بغداد بدون أیة مقاومة وهدد الخلیفة وأرغمه علی دفع مال، ولكنه لم یوزعه بین أفراد جیشه فثاروا علیه، وأخرجه الدیالمة بقیادة كورنكیج من بغداد بمساعدة الأهالي الذین كانوا یخافونه بشدّة.

ولذلك قلد المتقي كورنكیج منصب أمیر الأمراء في 3 شوال. ومن ناحیة أخری ذهب الأتراك البجكمیون إلی ابن رائق في الشام حینما لم ینالوا ما طلبوا من ابن حمدان حاكم الموصل، وحرّضوه علی احتلال بغداد. وفي 20 رمضان سار نحوها وقد دعاه المتقي، وبعد حرب ضروس استطاع دخولها بمساعدة الأهالي الذین كانوا في عذاب من الدیالمة. وفي 26 ذي الحجّة تقلد للمرة الثانیة منصب أمیر الأمراء (الصولي، 205-208؛ أبو علي مسكویه، 2/2-3، 12-22). وكانت الفترة الثانیة التي تولی فیها إمرة الأمراء قصیرة قضاها في الصراع مع أبي عبد الله البریدي وقتاله. وفي محرم 330هـ توجّه ابن رائق إلی واسط لتأخر البریدیین في حمل أموال ضمانها وضمان البصرة. فهرب البریدیون منها إلی البصرة، فسعی لهم الكوفي حتی عادوا وضمنوا واسط بإرسال دخلها البصرة، فسعی لهم الكوفي حتی عادوا وضمنوا واسط بإرسال دخلها السنوي. وبعد فترة من عودة ابن رائق إلی بغداد شغب علیه قواده في 2 ربیع الآخر ورحلوا إلی البریدي فاضطر ابن رائق إلی مدارائه واستیزاره. ولكنه حین علم بعزم البریدي علی احتلال بغداد أزال اسم الوزارة عنه ودعا الأهالي لقتاله. وفي جمادی الأخرة هاجم جیش البریدیین بغداد في البر والماء، وبعد قتال استمر عدة أیام انهزم أهل بغداد، ودخل البریدیون دار الخلافة بعد ارتكاب الكثیر من القتل والنهب، وخرج ابن رائق ومن بقي من جیشه مع المتقي وابنه من بغداد. ویقول ابن الأثیر (8/382) إنه لم یسبق مثیل للظلم الذي أصاب أهالي بغداد في تلك الأیام. وفي تكریت لقي ابن رائق والمتقي الجیش الذي أرسله أبو محمد بن عبد الله بن حمدان حاكم الموصل لمساعدتهما في قتال البریدي، ویدل النزاع الذي حدث فیما بعد بین ابن حمدان وابن رائق علی أن عدم وصول هذا الجیش إلی بغداد في الوقت المناسب كان متعمداً.

كان ابن حمدان یتمتع بقدرة كبیرة في الموصل آنذاك فلم یستقبل ابن رائق بحرارة وازداد الجفاء بینهما وشاع أنه یرید قتل ابن رائق ومع ذلك فإن ابن رائق الذي فقد جیشه وأمواله وأصبح في غایة الضعف لم يأبه لتحذیر أصحابه وذهب إلی ابن حمدان مع ابن المتقي لكي یأخذ منه مالاً ینقل به الخلیفة إلی دمشق، ولكن حدث ماكان متوقعاً إذ هجم علیه أثناء عودته غلمان ابن حمدان وقتلوه في 21 رجب 330هـ/12 نیسان 942م (الصولي، 219-226؛ السمعودي، مروج، 4/248، 260، التنبیه، 344؛ أبو علي مسكویه، 2/22-28؛ العیون والحدائق، 2(4)/107-120).

 

المصادر

ابن الأثیر، الكامل؛ ابن الطقطقی، محمد، الفخري، تقـ: هـ. درنبوغ، شالون سِن، 1894م؛ ابن العدیم، عمر، زبدة الحلب، تقـ: سامي الدهان، دمشق، 1370هـ/1951م؛ أبو علي مسكویه، أحمد، تجارب الأمم، تقـ: هـ. ف، آمدروز، القاهرة، 1332هـ/1914م؛ الصفدي، خلیل، أمراء دمشق في الإسلام، تقـ: صلاح ‌الدین المنجد، بیروت، 1403هـ/1983م؛ الصولي، محمد، أخبار الراضي بالله والمتقي لله، تقـ: هیورث دن، لندن، 1935م؛ العیون والحدائق، تقـ: نبیلة عبد المنعم داود، بغداد، 1973م؛ القرطبي، عریب، صلة تاریخ الطبري، تقـ: أبو الفضل إبراهیم، القاهرة، 1969م؛ القلقشندي، أحمد، صبح الأعشی، القاهرة، 1383هـ/1963م؛ م.ن، مآثر الإنافة، تقـ: عبد الستار أحمد فراج، الكویت، 1964م؛ الكندي، محمد، الولاة والقضاة، تقـ: روفن غست، بیروت، 1908م؛ المسعودي، علي، التنبیه والإشراف، تقـ: عبد الله إسماعیل الصاوي، بغداد، 1357هـ/1938م؛ م.ن، مروج الذهب، بیروت، 1385هـ/1965م؛ الهمداني، محمد، تكملة تاریخ الطبري، تقـ: آلبرت یوسف كنعان، بیروت، 1961م؛ وأیضاً:

EI2; Mottahedeh, Roy, «The Abbasid Caliphate in Iran», The Cambridge History of Iran, ed. R.N. Frye, London, 1975.

محمد عبد علي/ن.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: