اِبْنُ رَبَّن، أبو الحسن علي بن سهل، المعروف بابن ربن الطبري، ملم بالعلوم الدینیة وطبیب وصیدلي إیراني مشهور من القرن 3 هـ/9م. أهم ما یتوفر لدینا من معلومات عن حیاته ما ذكره في كتابیه فردوس الحكمة و‌الدین والدولة، وقد أغفلت جمیع المصادر الأخری التي ترجمت له أن تذكر بدقة اسمه واسم أبیه وتاریخ ولادته ووفاته وموطنه ولم تورد صورة واضحة عن عقیدته. اشتهرت أسرة ابن ربن في خراسان والعراق بالعلم والفضل (ابن ربن، الدین، 189). وذكر الصدیقي (ص «و») ونویهض (ص 9-10) أنه ولد في أواخر أیام الخلیفة العباسي أبي جعفر المنصور (136-158هـ/753-775م) أو في أوائل خلافة المهدي العباسي (158-169هـ/775-785م)، وزعما أن الحریق الهائل الذي ذكر ابن ربن (فردوس، 518-519) أنه رآه مع أبیه في طبرستان، حدث أثناء هجوم الخلیفة العباسي المهدي علی طبرستان في 167هـ (ابن الأثیر، 6/75؛ ابن كثیر، 10/153) واستنتجا أنه لو كان حینئذ في العاشرة من عمره فیكون قد ولد حوالي 157هـ. وذكره بعض المتأخرین دون الإشارة إلی مصدر أنه ولد في 192هـ/808م بمدینة مرو (الدفاع، 22؛ نجم آبادي، 316). وهناك اختلاف في تاریخ وفاته أیضاً. فذكر الزركلي (4/288) أنها كانت في 247هـ/861م والبغدادي (1/669) في 260هـ. ورغم عدم علمنا بالتاریخ الدقیق لولادته ووفاته، إلا أنه یمكن القول إنه كان حیاً حتی أواخر النصف الأول من القرن 3هـ لمعاصرته المتوكل العباسي.

كان أبوه من أبناء كتّاب مدینة مرو وذوي الأحساب والآداب بها، وكان یقدم الطب علی صناعة آبائه ولم یكن مذهبه فیه التمدح والاكتساب، ولذلك لقّب بربن ویعني «عظیمنا ومعلمنا» (ابن ربن، فردوس، 1).ورغم كل ذلك فقد اختلفت أكثر المصادر في ذكر اسمه واسم أبیه ولقبهما وأوردت ذلك بأشكال: علي بن زید (المسعودي، 8/326)، علي بن رین (صاعد، 61)، علي بن زين (ياقوت، الأدباء، 18/48، البلدان، 2/608؛ ووستنفلد، 27) وعلي بن زیل (ابن الندیم، 296). وظنوا أیضاً أنه یهودي لأن «رین» و«راب» من ألقاب أحبار الیهود (القفطي، 155، نقلاً عن ابن الندیم). ولهذا السبب ذكر معظم الذین ترجموا له أنه كان یهودیاً قبل إسلامه (البغدادي، ن.ص؛ البستاني، 3/87)، أما هو فقد ذكر في كتاب ‌الدین والدولة (ص 33، 98-99) أنه كان نصرانیاً، ثم تدبّر في الأفكار الإسلامیة والمعاني القرآنیة فاعتنق الإسلام. وقد صرح عدد من المؤرخین الكبار كالطبري (9/85) وابن خلكان (5/159) بنصرانیته أیضاً.

تعلم ابن ربن الطب عند أبیه، ثم أتم دراسته مستفیداً من آثار الیونانیین وغیرهم من العلماء (ابن ربن، فردوس، 8؛ الصدیقي، «ز») ورغم أن بعضهم یعتبرونه أستاذ محمد بن زكریا الرازي (القفطي، ابن خلكان، ن.ص)، ولكن بالنظر إلی ولادة الرازي في 251هـ/865م ورحیل ابن ربن عن طبرستان في حوالي 225هـ، لایمكن قبول مسألة لقاء الرازي به في بغداد، لأن الرازي كان قد رحل إلی بغداد في سن الثلاثین أو بعد ذلك، حیث لم یكن ابن ربن آنذاك علی قید الحیاة (نویهض، 16-17).

قضی ابن ربن شبابه في طبرستان. وكان من كتّاب حاكم طبرستان (ابن ربن، فردوس، 2) مازیار بن قارن، وقد بلغت مهارته في هذا الفن حداً أدهش بلغاء العراق والحجاز (ابن إسفندیار، 1/130). ولكن المشاكل ومقتل مازیار دفعاه للرحیل إلی العراق في 224هـ حیث أقام في سامراء وحظي باحترام المعتصم وذكر أنه أسلم علی یده. ثم اختاره المتوكل ندیماً له (ابن الندیم، 296). ولاشك أن سفره إلی دار الخلافة كان في أیام المعتصم، ولكنه یقول إنه أسلم في أيام المتوكل وبإرشاده وخلال منادمته له (الدین، 210). وبناءً علی هذا لایصح قول ابن الندیم ومن تبعه بأنه أسلم علی ید المعتصم. وبلغ ابن ربن من المكانة العلمیة حداً دعا إلی اعتباره في عداد الرازي والمجوسي وابن سینا وأحد أطباء المسلمین الأربعة الكبار (براون، 38) هو أول من أعلن أن السل مرض ینتقل بالعدوی (الدفاع، 22).

آثاره

نسب لابن ربن آثار كثیرة وصلنا بعضها، وفقد بعضها الآخر فلم یبق منها إلا الاسم أشهرها:

1. فردوس الحكمة، وهو دائرة معارف طبیة وأحد أقدم وأهم الآثار الجامعة للطب الإسلامي في «طب الأبدان والأنفس» (ابن ربن، فردوس، 9) یتضمن 30 مقالة تحتوي علی 360 باباً تحدث فیه فضلاً عن الطب، عن مختلف العلوم الأخری، كالفلسفة وعلم الأنواء الجویة وعلم الحیوان وعلم الجنین علم النفس وعلم الفلك (سارتون، I/574؛ براون، 39). وقد سماه الكنّاش وقلبه بـ «بحر المنافع» و«شمس الآداب» (فردوس، 8). وبهذا أخطأ الذین اعتبروا «كناش الحضرة» و«بحر الفوائد» كتابین منفردین (ابن الندیم، ابن إسفندیار، ن.ص).

وهذا الكتاب موسوعة كاملة للطب والعلاج والصحة. ولكونه من كتب الطب الاسلامیة الأولی، فقد انعكست فیه آراء القدما أیضاً (نجم آبادي، 322-323). واقتبس ابن ربن في تألیفه من آثار بقراط وجالینوس وأرسطو ویوحنا بن ماسویه وحنین بن إسحاق والرسائل الهندیة وغیره من آثار القدماء (فردوس، 8) وخص قسماً منه (ص 557 وما بعدها) بالطب الهندي وهو الوحید من كتب المتقدمین الذي بحث في الطب الهندي بإسهاب (إلغود، 372) ویعتبر فردوس الحكمة من الكتب الطبیة الأساسیة والأولیة في الحضارة الإسلامیة التي نهج المتأخرون أسلوبها (نجم‌آبادي، 323)، وقد أشار إلیه بمناسبة في آثاره كلّ من الرازي في الحاوي (6/236، 251، 7/193)، والقلانسي في أقرا باذین (18، 302) وابن البیطار في الجامع (1/107، 3/6). وطبع محمد زبیر الصدیقي فردوس الحكمة ببرلین في 1928م مع مقدمة علمیة جیدة اعتماداً علی نسخ برلین وبریطانیا وغوتا. وكان ابن ربن قد ترجمه إلی السریانیة (فردوس، 8).

2.‌ الدین والدولة في إثبات نبوة النبي محمد‌(ص). بحث ابن ربن في هذا الكتاب في أحقیة‌ الدین الإسلامي وأرجحیته علی سائر الأدیان وأورد معلومات في 10 أبواب حول أدیان الهند وفرق الإسلام والمسیحیة المختلفة (كرد علي، 26). وترجمة مینغانا إلی الإنجلیزیة في 1922م (GAL, S, I/415) ونشر متنه الأصلي، ثم نشر عادل نویهض متنه للمرة الثانیة في 1393هـ/1973م في بیروت.

ولابن ربن أیضاً: تحفة الملوك؛ كتاب في الآداب والأمثال علی مذاهب الفرس والروم والعرب (ابن الندیم، 316)، ولابد من النظر بحذر إلی نسبة هذا الكتاب لابن ربن لوجود اختلاف في ضبط الأسماء؛ كتاب منافع الأطعمة والأشربة والعقاقیر (م.ن، 296)؛ كتاب عرفان الحیاة أو إرفاق الحیاة؛ كتاب في ترتیب الأغذیة؛ كتاب في الحجامة (ابن أبي اصیبعة، 1/309)؛ حفظ الصحة، توجد مخطوطة منه في مكتبة بودلیان بأكسفورد (GAL,S، ن.ص)؛ كتاب الرد علی أصناف النصاری، ذكره المؤلف في كتاب ‌الدین والدولة (نویهض، 19؛ GAL, S، ن.ص)؛ كتاب اللؤلؤة. توجد مخطوطة منه في مكتبة آیاصوفیا (GAL, III/239).

المصادر

ابن أبي أصیبعة، أحمد، عیون الأنباء، تقـ: أوغوست مولر، القاهرة، 1299هـ/1882م؛ ابن الأثیر، الكامل؛ ابن إسفندیار، محمد، تاریخ طبرستان، تقـ: عباس إقبال، طهران، 1320ش؛ ابن البیطار، عبد الله، الجامع لمفردات الأدویة والأغذیة، القاهرة، 1291هـ؛ ابن خلكان، وفیات؛ ابن ربن، علي، ‌‌الدین والدولة، تقـ: عادل نویهض، بیروت، 1393هـ/1973م؛ م.ن، فردوس الحكمة، تقـ: محمد زبیر الصدیقي، برین، 1928م؛ ابن كثیر، البدایة؛ ابن الندیم، الفهرست، تقـ: غوستاف فلوغل، لایبزك 1872م؛ البستاني؛ البغدادي، هدیة؛ الدفاع، علي عبد الله، أعلام العرب والمسلمین في الطب، بیروت، 1983م؛ الرازي، محمد، الحاوي، حیدرآبادالدكن، 1399هـ/1979م؛ الزركلي، الأعلام؛ صاعد الأندلسي، طبقات الأمم، تقـ: لویس شیخو، بیروت، 1912م؛ الصدیقي، محمد زبیر، مقدمة فردوس الحكمة (ظ: همـ، ابن ربن)؛ الطبري، تاریخ؛ القفطي، علي، إخبار العلماء، تقـ: یولیوس لیبرت، القاهرة، 1326هـ؛ كرد علي، محمد، «علي بن ربن» (ظ: همـ، ابن ربن،‌ الدین والدولة)؛ القلانسي، محمد، أقرا باذین، تقـ: محمد زهیر البابا، حلب، نجم‌آبادي، محمود، تاریخ طب در إیران پس از إسلام، طهران، 1352ش؛ نویهض، عادل، مقدمة‌ الدین والدولة (ظ: همـ، ابن ربن)؛ یاقوت، الأدباء؛ م.ن، البلدان؛ وأیضاً:

Browne, E. G., Arabian Medicine, Cambridge, 1962; Elgood, Cyril, A Medical History of Persia, Amsterdam, 1979; GAL, S; GAS; Sarton, Geogre, Introduction to the History of Science Baltimore, 1927; Wüstenfeld, F., Geschichte der arabischen Ārzte und Natur forscher, NewYork, 1978

رضا أنزابي نژاد/ج.