اِبْنُ الدَّیبَع، أبو محمد وجیه ‌الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن علي بن یوسف الشیباني العبدري الزبیدي الیمني (866-944هـ/1461-1537م)، مؤرخ ومحدث وفقیه شافعي. ذكر الغزي (2/158) كنیته أبا الفرج. ویقول المحبي (3/192) إن «الدیبع بلغة النوبة المبیض هو لقب جده علي بن یوسف». كما ذكر الغزي (ن.ص) اسم جده الدیبع.

ولد في زَبید بالیمن، وخرج والده منها في السنة التي ولد فیها ولم یره أبداً. وتوفي أبوه في 876‌هـ بالهند. فنشأ عند جده لأمه إسماعیل بن محمد مبارز الشافعي، وتعلم القرآن عند نور الدین علي بن أبي بكر خطاب حتی بلغ سورة یس. ثم قرأه عند خاله محمد الطیب الفرضي حتی ختمه وحفظه (العیدروسي، 191، 192، نقلاً عن بغیة المستفید لابن الدیبع). وبعد حفظه للقرآن تعلم القراءات السبع والآداب العربیة والریاضیات والفقه عند خاله. وفي 883هـ/1478م، بادر إلی قراءة كتاب الزید في الفقه لشف ‌الدين ابن البارزي علی المفتي أبي حفص عمر بن محمد الأشعري، وفي نهایة هذا العام حج إلی بیت الله الحرام. وقد مكث عند خاله حتی عام 885هـ، حیث حج فیه ثانیة. ثم صحب أبا العباس أحمد بن أحمد بن عبداللطیف الشرجي. وقرأ علیه الصحاح الستة وغیرها من كتب الحدیث كما تعلم منه صنعة التألیف والتصنیف. وألف في هذه الفترة كتابه غایة المطلوب وأعظم المنیة (المنة) فیما یغفر الله تعالی به الذنوب ویوجب به الجنة (م.ن، 193). ثم ارتحل ابن الدیبع بإشارة أستاذه إلی بیت الفقیه في شمالي زبید، وأخذ فیها الفقه عن الطاهر بن جعمان، وقرأ الحدیث علی ابن أخت الأخیر برهان ‌الدين أبي إسحاق. وفي 896هـ/1491م حج للمرة الثالثة، وبعد الحج وزیارة قبر الرسول الأكرم‌(ص) عاد إلی مكة والتقی في محرم 897 عبد الرحمن السخاوي، وقرأ علیه كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام لابن حجر العسقلاني، وكثیراً من أبواب صحیحي مسلم والبخاري وغیرها من كتب الحدیث. وكان السخاوي یقدمه علی سائر الطلبة.

وبعد أن رجع ابن الدیبع إلی زبید ألف كتاب كشف الكربة في شرح دعاء الإمام أبي حربة ثم بغیة المستفید في أخبار مدینة زبید. وبعدها طلبه السلطان عامر بن عبد الوهاب الحاكم آنذاك وهو من السلالة الطاهریة. ونبهه خلال تقدیره وتكریمه إلی إلحاق أشیاء واستدراك فوائد شوارد لم یكن ذكرها. ثم اختصر من بغیة المستفید كتاب العقد الباهر في تاریخ دولة بني طاهر، ذكر فیه تاریخ الدولة الطاهریة من زمن أجداد عامر إلی عهده. فأجازه السلطان بجائزة میمونة سنیة. ثم قدِم ابن الدیبع إلی السلطان وبقي عنده فترة، وحینما أذن له بالعودة، خلع علیه خلعة نفیسة، وأعطاه بیتاً بمدینة زبید وقطعة نخل في وادیها. وجعل له قراءة الحدیث والتدریس بجامعها (م.ن، 194، 195). وفي 906هـ/1500م ألف كتاب أحسن السلوك في نظم من ولي مدینة زبید من الملوك. ثم كتب في خاتمة بغیة المستفید ترجمة لنفسه (ریو، 375). وفي هذه السنة لخص كتاب المقاصد الحسنة للسخاوي، وكان قد علم به أثناء ملاقاته (ابن الدیبع، تمییز الطیب، 9، 10، 224)، وسماه: تمییز الطیب من الخبیث فیما یدور علی ألسنة الناس من الحدیث.

وفي 914هـ/1508م تم لقاء بینه وبین جار الله ابن فهد المكي فأخذ ابن فهد العلم عنه (الغزي، 2/158-159). وفرغ من اختصار جامع الأصول لابن الأثیر الجزري في 916، ثم صححه وقابله في 917‌هـ وسماه تیسیر الوصول إلی جامع الأصول (ابن الدیبع، تیسیر، 4/337). كما ألف خلال هذه السنوات وبعدها كتباً أخری منها الفضل المزید وهو ملحق لـ بغیة المستفید ویضم حوادث محرم 901هـ إلی جمادی الثانیة 923هـ (الخدیویة، 5/139)، وقرة العیون في أخبار الیمن المیمون وهو تلخیص واستدراك لكتاب العسجد المسبوك للخزرجي، وینتهي الكتاب بذكر دخول الأمیر الإسكندر إلی مدینة زبید في 29 جمادی الثانیة 923 والمصائب التي أحلها الشراكسة بأهل المدینة. ولم‌یزل ابن الدیبع یقیم في زبید منذ 923هـ حتی نهایة حیاته. وهو یمارس التدریس والطلاب یتقاطرون إلیه من كل صوب، كما انتهت إلیه الرئاسة العلمیة في الحدیث (العیدروسي، 199). واجتمع به والد العیدروسي في 942‌هـ وأخذ عنه (ن.ص). وبعد وفاة ابن الدیبع صُلّي علیه في مسجد الأشاعرة ودفن بباب السهام عند قبة الشیخ إسماعیل الجبرتي (الغزي، 2/159).

ومن أساتذته بالإضافة إلی من ذكرناهم، السیوطي والعامري (الكتاني، 1/309) ومن تلامذته ابن زیاد وأحمد بن علي المزجاجي وقطب النهروالي والطاهر بن حسین الأهدل (العیدروسي، 195؛ الكتاني، 1/310) وصالح بن صدیق النمازي (الشوكاني، 1/284). ویعتبر ابن الدیبع من أهم مؤرخي الیمن تعد كتبه التي تتعلق بمسقط رأسه زبید أنموذجاً جیداً لكتابة التاریخ المحلي. وكتبه هي الأساس لدراسة تاریخ بني رسول وبني طاهر في الیمن، وتكملة لما كتبه الخزرجي عن تاریخ بني رسول (سید، 201).

آثاره المطبوعة

1. بغیة المستفید في أخبار مدینة زبید، ویحتوي علی تاریخ زبید إلی سنة 900 هـ كما ذكر في بابه الأخیر الحوادث التي وقعت في أول صفر 901هـ/21 تشرین الأول 1495م (ریو، 375). وقد حقق یوهانسن قسماً من هذا الكتاب بالاعتماد علی مخطوطة كوبنهاغن الناقصة وطبع مع ترجمته اللاتینیة في 1828م ببون. وهذا الكتاب نموذج لكتاب تاریخي مزج فیه بین الوصف الجغرافي والتاریخ السیاسي المرتب علی الحولیات (روزنثال، 215) ولعله تكملة لكتاب المفید في تاریخ زبید لعمارة الحكمي (م.ن، 216)، وقد حقق هذا الكتاب في 1979‌م عبد الله الحبشي وطبع في صنعاء وبیروت.

2. تمییز الطیب من الخبیث فیما یدور علی ألسنة الناس من الحدیث، حققه إبراهیم الفیومي في سنتي 1324هـ و1342هـ وطبع في القاهرة وخلیل المیس في 1403هـ/1983م وطبع ببیروت.

3. تیسیر الوصول إلی جامع الأصول من حدیث الرسول‌(ص)، طبع مراراً في الهند ومصر، وأفضل نسخة محققة منه لمحمد حامد الفقي في القاهرة عام 1397هـ شرحه عبد الرحمن الأهدل الیمني والشیخ عابد السندي وعبد الهادي بن عبد الله الفاسي (الكتاني، 1/309). وقد أجاز ابن الدیبع في خاتمة هذا الكتاب روایته عنه لمن أدرك حیاته من المسلمین (تیسیر، 4/337).

4. الفضل المزید علی بغیة المستفید، وهو في تاریخ زبید حققه محمد عیسی الصالحي وطبع في 1402هـ/1982م بالكویت.

5. قرة العیون في أخبار الیمن المیمون، وهو من أهم الكتب الشاملة في تاریخ الیمن والدولتین الرسولیة والطاهریة (سید، 204) ولعل هدف المؤلف من تألیفه بالإضافة إلی تلخیص العسجد المسبوك الذي یعتبره أفضل كتاب عن الیمن (قرة العیون، 3) هو تألیف كتاب عام عن تاریخ الیمن یستدرك فیه ما فات السلف كابن سَمُرة وعُمارة والجَنَدي وابن عبد الحمید والمقري والأهدل والخزرجي (ریو، 378)، حققه محمد بن علي الأكوع وطبع في 1976م بالقاهرة.

6. المولد الشریف، طبع طباعة حجریة في 1312هـ/1894م ببومباي وفي 1313هـ بمكة ثم طبع في القاهرة عام 1349هـ/1930م (وأیضاً ظ: زباره، شرح، 422-424).

آثاره المخطوطة

توجد بعض كتبه بشكل مخطوط منها: 1. أحسن السلوك في نظم من ولي مدینة زبید من الملوك، أرجوزة تقع في 118 بیتاً توج مخطوطات منها في مكتبات مصر (الخدیویة، 5/138) وباریس (بلوشه، رقم 5832) ولندن (ریو، 586) وبرلین (آلوارت، رقم 9763) وصنعاء (صنعاء، 4/1731). 2. القول العلن في فضائل الیمن، أو تحفة الزمن بفضائل الیمن أو فضائل الیمن وأهله، توجد مخطوطات منه في مكتبات آمبروزیانا (آمبروزیانا، رقم (3)812) والجامع الكبیر بصنعاء (صنعاء، 4/1799؛ وأیضاً ظ: الحبشي، مصادر، 51؛ كحالة، 133؛ وللاطلاع علی بعض كتبه الأخری، ظ: الحبشي، مراجع، 321؛ زباره، شرح، 275-276، نشر، 1/88؛ العیدروسي، 199).

المصادر

ابن الدیبع، عبد الرحمن، تمییز الطیب من الخبیث، تقـ: خلیل المیس، بیروت، 1403هـ/1983م؛ م.ن، تیسیر الوصول إلی جامع الأصول، تقـ: محمد حامد الفقي، القاهرة، 1397هـ/1979م؛ م.ن، قرة العیون في أخبار الیمن المیمون، نسخة مصورة في مكتبة المركز؛ الحبشي، عبد الله محمد، مراجع تاریخ الیمن، دمشق، 1972م؛ م.ن، مصادر الفكر العربي الإسلامي في الیمن، صنعاء، مركز الدراسات الیمنیة؛ الخدیویة، الفهرست؛ روزنثال، فرانز، علم التاریخ عند المسلمین، تجـ: صالح أحمد العلي، بغداد، 1963م؛ زبارة الصنعاني، محمد، شرح ذیل أجود المسلسلات، صنعاء، 1363هـ؛ م.ن، نشر العرف لنبلاء الیمن بعد الألف إلی سنة 1357هـ/1938م، القاهرة، مطبعة السعادة؛ سید، أیمن فؤاد، مصادر تاریخ الیمن في العصر الإسلامي، القاهرة، 1974م؛ الشوكاني، محمد، البدر الطالع، بیروت، 1348هـ/1929م؛ صنعاء، المخطوطات؛ العیدروسي، عبد القادر، تاریخ النور السافر، بیروت، 1405هـ/1985م؛ الغزي، نجم ‌الدين، الكواكب السائرة، تقـ: جبرائیل سلیمان جبور، بیروت، 1949م؛ الكتاني، عبد الحي، فهرس الفهارس، فاس، 1346هـ/1927م؛ كحالة، عمررضا، المنتخب من مخطوطات المدینة المنورة، دمشق 1393هـ/1973م؛ المحبي، خلاصة الأثر، القاهرة، 1284هـ؛ وأیضاً:

Ahlwardt; Ambrosiana; Blochet; Rieu, Ch., Supplement to the Catalogue of the Arabic Manuscripts..., London,1984.

محمد هادي مؤذن جامي/ن.