اِبْنُ الدُّرَیهِم، أبو الحسن تاج‌ الدین علي بن محمد بن عبد العزیز التغلبي الشافعي الموصلي (712-صفر 762هـ/1312–كانون الأول 1360م)، ریاضي ومنجم وعالم بأسرار الحروف وخواصّها.

ذكر بعضهم أنه توفي في 766هـ (الشوكاني، 1/477) أو في 772هـ (ابن قاضي شهبة، 3/145)، ولیس صحیحاً. فقد ذكر الصفدي المتوفي سنة 764هـ أن وفاته كانت في 762 هـ (أعیان، 7/60-61). مات والد ابن الدریهم وهو في سن الطفولة، وترك له ثروة كبیرة، فاستولت علیها أسرة شیخ البلد بالموصل كمال‌ الدین ومعین ‌الدین ابن الریحاني، ولم یطلعوه إلا علی القلیل منها، فاتجه إلی طلب العلم معتمداً علی نفسه، وتعلم قراءات القرآن علی شمس ‌الدین أبي بكر بن علم‌ الدین سنجر الموصلي، والفقه والریاضیات علی زین ‌الدین علي الموصلي، المعروف بابن شیخ العوینة وبحث كتاب التسهیل علیه أیضاً، وحفظ الهادي والمُلحة وألفیة ابن معطي وألفیة ابن مالك، وبحث كتاب الحاوي الصغیر علی عدد من الأساتذة منهم القاضي شرف ‌الدین عبد الله بن یونس، وسمع الحدیث في مصر من علاء الدین التركماني وشمس ‌الدین الأصفهاني ونور الدین الهمداني وآخرین، وقرأ علی أبي حیان محمد بن حیان بعض كتبه. وأجازه جماعة شيوخ (الصفدي، أعیان، 7/61-62).

ولما بلغ ابن الدریهم سن البلوغ أعید إلیه قلیل من ثروة أبیه، وسافر بذلك القلیل إلی الشام ومصر، وفي 732 أو 733هـ توجه إلی مصر للتجارة في زي الخواجات، وبعد فترة عاد إلی مدینته. ثم تردد إلی الشام وكسب ثروة كبیرة من تجارته، ولكن ما لبثت هذه الثروة أن تبددت؛ وقد أشار إلی أنه كان یملك في الدیوان الخاص مایزید علی 200 ألف درهم (ربما صادرها عمال الدولة)، وقد تردد غیر مرة إلی دمشق والقاهرة لاستعادتها، دون جدوی (ن.م، 7/61-63). وكانت تربط ابن الدریهم علاقات ودیة في مصر بالملك الكامل سیف‌ الدین شعبان (من أمراء دولة الممالیك)، وغیره من كبار رجال هذه الدولة، غیر أن عداوة المظفر حاجي شقیق الملك شعبان له أدت إلی إخراجه من مصر، فدخل دمشق في 748هـ، وفیها التقاه الصفدي، وكاتبه وأرسل إلیه بعض الأبیات (الوافي، 22/68-69). وبعد إقامة قصیرة في هذه المدینة ورد كتاب من الأمیر سیف ‌الدین بهادر كاتب الأمیر سیف ‌الدین بیبغاروس نائب مصر إلی الأمیر سیف ‌الدین قرابغا كاتب الأمیر سیف ‌الدین أرغون شاه نائب الشام بإخراج ابن الدریهم من دمشق، فكبس بیته ونهب وأخذت كتبه وأخرج من دمشق في 749هـ، فذهب إلی حلب، ولكنه وبعد وفاة سیف ‌الدین بهادر في 750هـ عاد إلی دمشق، ناویاً الحج، فلم یقدّر له، وعاد إلی حلب (م.ن، أعیان، 7/63). ثم ذهب إلی مصر علّه یستطیع استعادة أمواله، ولكن یبدو أنه عاد إلی دمشق دون أن یحقق نجاحاً، وأصبح مدرساً في الجامع الأموي، ثم عضواً في دیوان الجامع، وبعدها تولی منصباً في دیوان الأسری. وفي 760هـ سافر ثانیة إلی مصر، فأرسله النصار حسن (إمارته: 757هـ/1356م) رسولاً إلی الحبشة وهو مكره علی ذلك (ابن حجر، 4/127-128)، وكانت هذه آخر سفرة له، ذلك أنه توفي في مدینة قوص قبل وصوله إلی الحبشة (الصفدي، أعیان، 7/61؛ ابن حجر، 4/128).

وكان ابن الدریهم عالماً بالعدید من العلوم كالقراءة والحدیث والفقه وأصول الفقه والكلام والتفسیر والآداب العربیة (الصفدي، ن.م، 7/62، الوافي، 22/68). وكان ینظم الشعر أیضاً وقد أورد له الصفدي (أعیان، 7/67) بیتین. أما ابن حجر (4/128) فیری أن نظمه متوسط وكثیر التكلف وله في اللغة العربیة آراء مبتكرة منها: لیس في كلام العرب كلمة رباعیة أو خماسیة الأصل لیس فیها حرف من الحروف الذلقیة كاللام والنون والواو، والشفویة كالفاء والمیم والباء إلا ما شذ مثل «عَسجَد». وأورد القلقشندي بعض آرائه في عدد من اللغات (9/231-232)، كما ذكر بالتفصیل طرق حلها وأشكاله ونظریاته في فن حل المترجم (ویبدو أنه نقلها من كتاب حل المترجم) (م.ن، 9/239-246). ولم یذكر المؤلفون الذین ترجموا له أحداً من تلامیذه سوی ابن قاضي شبة (4/64) الذي اعتبر بدر الدین محمد بن أحمد بن علي بن سلیمان المعري الحلبي تلمیذاً له في الفقه.

آثاره

أورد الصفدي عدداً كبیراً من آثاره في فنون مختلفة، لایتیسر للأسف بیان عددها الدقیق وأسماء بعضها لعدم إمكان قراءة هذا القسم من مخطوطة أعیان العصر (ظ: 7/61، 64، 65، 66، 67). وقد أشار ابن حجر (4/128-129) وحاجي خلیفة (2/972، 987، 997، مخـ) والبغدادي (1/723) إلی بعض آثاره. وذكر القلقشندي (14/335-336) كتاباً له حول البسملة، قرظه الصفدي. ولم یصلنا من آثاره العدیدة إلا القلیل وهي:

1. غایة المغنم في الاسم الأعظم، وورد في بعض المصادر باسم غایة النعم في الاسم الأعظم (الشوكاني، 1/477). توجد نسخ منه في دار الكتب بمصر (الخدیویة، 7(2)/542؛ GAL, II/214) والرباط (GAL, S, II/213) وبیرمینغهام (هابوود، IV/214) برلین (آلوارت، II/508)؛ 2. قصیدة في مدح الرسول‌(ص)، تشتمل علی 30 بیتاً مع شرح مفرداتها، توجد نسخة منها في المكتبة الظاهریة (الظاهریة، 347-348)؛ 3. نهج الصواب في قبح استكتاب أهل الكتاب، في الفقه، توجد نسختان منه إحداهما في المكتبة العربیة بدمشق والأخری في دار الكتب بمصر (الزركلي، 5/6).

المصادر

ابن حجر العسقلاني، أحمد، الدرر الكامنة، حیدرآباد الدكن، 1395هـ؛ ابن قاضي شهبة، أبو بكر، طبقات الشافعیة، تقـ: حافظ عبدالعلیم خان، حیدرآباد الدكن، 1399هـ؛ البغدادي، هدیة؛ حاجي خلیفة، كشف؛ الخدیویة، الفهرست؛ الزركلي، الأعلام؛ الشوكاني، محمد، البدر الطالع، تقـ: محمد زیارة الیمني، بیروت، 1348هـ؛ الصفدي، خلیل، أعیان العصر، النسخة المصورة الموجودة في مكتبة المركز؛ م.ن، الوافي بالوفیات، تقـ: رمزي بعلبكي، بیروت، 1983م؛ الظاهریة، المخطوطات (الشعر)؛ القلقشندي، أحمد، صبح الأعشی، القاهرة، 1383هـ؛ یاقوت، البلدان، وأیضاً:

Ahlwardt; GAL; GAL, S; Hopwood, D., Catalogue of the Mingana Collection of Manuscripts, Birmingham, 1963.

علي رفیعي/ن.