الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن دراج /

فهرس الموضوعات

ابن دراج

ابن دراج

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/8 ۱۶:۴۴:۳۶ تاریخ تألیف المقالة

ابنُ دَرّاج، أبو عمر أحمد بن محمد بن القَسطَلّي (347-421هـ/958-1030م)، شاعر وكاتب من أواخر عصر الأمویین بالأندلس وأوائل عصر ملوك الطوائف بتلك الدیار. لاتتوفر معلومات عن حیاته حتی بلوغه الـ 35 تقریباً. كما اكتفت أغلب المصادر التي ترجمت له بذكر مكانته في بلاط المنصور بن أبي عامر واقتصرت علی نقل آراء الثعالبي وابن حزم اللذین أشادا به، إلا أن دیوانه الذي یبدو أنه قد جمع في فترة قریبة من عصره ولاسیا العناوین التي ذكرها جامع الدیوان المجهول في بدایة كل مقطوعة من أشعاره، یعد مصدراً قیماً یمكن للباحثین أن یستعینوا به لمعرفة تفاصیل حیاة الشاعر وأحواله في النصف الثاني من حیاته.

ولد ابن دراج في أسرة غنیة (ظ: ابن دراج، 546؛ قا: مكي، 22؛ بلاشیر، 474) من قبیلة صِنهاجة البربریة (ظ: ابن حزم، 501-502). وتنسبه المصادر المتعددة إلی قسطلّة (الحمُیدي، 1/177؛ الحمیري، الروض، 479-480؛ ابن بشكوال، 1/40). وقد استوطنت أسرته بنو دراج منذ أمد بعید هذه المدینة، وتناوب جده الأعلی درّاج وبنوه لی حكمها ولهذا فقد كانت تُعرف هذه المدینة باسم «قسطلّة دراج» (ابن سعید، المغرب، 2/60؛ قا: مكي، ن.ص)، إلا أن موقعها الجغرافي لم یتحدد بدقة. وقد أجمع الكثیر من الباحثین المعاصرین منهم بلاشیر (ن.ص) ولیفي بروفنسال (ص 192، ها 1) ونیكل (ص 56) وغرسیه غومز (ظ: مكي، 30) وجنثالث پالنثیا (ص 65) استناداً إلی ما ذكر الحمیري (ص 479) علی أنها القریة الداخلة الیوم في حدود البرتغال علی ساحل المحیط الأطلسي والتي تسمی الآن كاسلا، أما محمد مكي فیعتقد استناداً إلی رأي ابن سعید (رایات، 104، المغرب، ن.ص) أن قسطلة هي كازالیلا الحالیة وقریة من جیّان وفي شمالها، أو أنها كاستلاردي سانتیستبان في الشمال الشرقي من جیّان (ظ: ص 30-32).

وكما أشرنا فلم تتوفر معلومات عن فترة طفولة ابن دراج وشبابه، ولكن لیس من المستبعد أن یكون وهو في غضاضة الصبا قد قام بعدة رحلات إلی قرطبة، حیث درس العلم والأدب في تلك المدینة التي كانت مركز تجمع شعراء الأندلس وأدبائها واطلع علی منتدیاتها الأدبیة (ظ: بلاشیر، ن.ص؛ قا: مكي، 36) وأصبح بعد فترة كاتباً في دیوان الإنشاء (ظ: بلاشیر، 475-474)، مع أنه لاتوجد أي إشارة في أي من أشعاره إلی أنه تقلد منصباً في الدیوان، أو البلاط قبل عصر العامریین (قا: مكي، 36-37).

وقد بدأت فترة شهرته ورفعته باعتلاء المنصور بن أبي عامر الحاجب الكبیر سدة الحكم وكان أول ممدوحي ابن دراج (الحُمیدي، ن.ص) ولكن لاتتضح كیفیة دخول ابن دراج مجلس المنصور، ویمكن القول إن هذه الصلة والشهرة في بلاط المنصور بدأت علی الأقل منذ 382هـ/992م، ذلك أنه مدحه لأول مرة في هذه السنة (ظ: ن.ص؛ قا: مكي، 10، الهامش). وبالطبع فإن روایة ابن الخطیب (2/105-107) تشیر إلی حضور ابن دراج مجلس الشعراء الذین كانوا یرافقون المنصور في غزوته المشهورة إلی بَرشِلونة في 374 هـ (قا: بلاشیر، 475)، ولكن لابد لنا من إبداء الشك في صحة هذه الروایة، أو في جزء منها علی أقل تقدیر، حیث یبدو من بعض القرائن أن ابن الخطیب جمع في مكان واحد أسماء عدد من الشعراء الذین اتصلوا بالدولة العامریة من قریب أو بعید، فنسب إلیهم خبر مرافقتهم للمنصور (ظ: مكي، 38-40)؛ وعلیه فلو كانت صلة ابن دراج بالمنصور قد بدأت في 374هـ، أو قبلها، فلابد أن یكون قد نظم شعراً أو قصائد في مدحه، في حین أننا نعلم أن أول قصیدة له مدح فیها المنصور كانت في 382هـ. وعلی كل حال فإن شهرة ابن دراج بدأت من هذا التاریخ وبقصیدة المدح هذه وهي قصیدة طویلة حسنة (ظ: م.ن، 38، 43). ویبدو أن الشاعر قد عارض بها قصیدة صاعد البغدادي (الحمیدي، ن.ص) ویتحدث فیها عن رحلته إلی قرطبة وعن وداعه زوجه وابنته التي كانت في الثامنة من عمرها (ظ: ص 13-14؛ قا: مكي، 37).

وقد ظفرت قصیدته بإعجاب المنصور وأمر بأن یثبت اسمه في دیوان العطاء (قا: م.ن، 43). وهكذا أصبح شاعراً رسمیاً یجري علیه راتب منتظم كبقیة الشعراء (ظ: الحمیدي، ن.ص؛ قا: مكي، ن.ص؛ بلاشیر، 476)، ولكن سرعان ما وشي به إلی المنصور واتهم بسرقة شعر الآخرین (الحمیدي، ن.ص؛ الذهبي، تاریخ الإسلام، 11/203)، إلا أن المنصور الذي كان علی الرغم من كثرة غزواته، محباً للعلم مؤثراً للأدب (ظ: الحمیدي، 1/131) وكان من عادته إجراء اختبار للشعراء بأسالیب قاسیة شدیدة (ظ: مكی، 41-42)، أحضر ابن دراج في 3 شوال 382هـ/2 كانون الأول 992م واختبره أمام الجمیع، وقد خرج ابن دراج من اختبار الارتجال هذا (قا: ص 365، بیت 22 من قصیدة رقم 100)، مرفوع الرأس، فوصله المنصور وأثبته في جملة شعراء بلاطه (ظ: الحمیدي، 1/177؛ الحمیري، الروض، 480، صفة، 160؛ قا: مكي، 46؛ بلاشیر، ن.ص). وقد أشار ابن دراج إلی هذا الامتحان ونجاحه فیه (ظ: ص 365، قصیدة رقم 100) في قصیدته المشهورة التي مدح فیها المنصور وأنشدها في ذلك المجلس كما یقول الحمیدي (1/178)، وإضافة إلی ذلك فإنه أكد فیها أیضاً علی تمكنه من الكتابة والخطابة (البیت 38). وقد لایبدو هذا بعیداً عن صلته بمنصبه الآخر ونعني به الكتابة في دیوان الإنشاء (قا: مكي، 46)، والطریف أن بعض المصادر ذكرته أولاً بمثابة كاتب، ثم شاعر في بلاط المنصور (ظ: الحمیدي، الحمیري، ن.ص؛ یاقوت، 4/95؛ الصفدي، 8/49؛ قا: عباس، 1/209). ومنذ هذه الفترة حظي ابن دراج بمنزلة سامیة كشاعر وكاتب رسمي للبلاط، مع أنه واجه كما یبدو اختیارات أخری (ظ: ابن خلكان، 1/135؛ قا: العامري، 350؛ ابن العماد، 3/217-218؛ مكي، 47) وحافظ علی منصبه ومنزلته في بلاط العامریین.

ومدح المنصور بقصائد كثیرة وأورد فیها الكثیر من الحوادث والتطورات التاریخیة في عصره الذي یعد من عصور عظمة الأندلس وازدهارها، ومنها وفود بعض ملوك دول الأندلس المسیحیة والعرض العسكري المهیب الذي أعده المنصور لاستقبالهم، والتي لم تتحدث المصادر الأخری عن بعضها سوی أشعار ابن دراج (ظ: ص 395-399، 412-416، 432-434؛ قا: مكی، 49-51). وكذلك لایمكن العثور علی أخبار بعض حملات المنصور المشهورة علی الممالك المسیحیة بالأندلس والتي حقق فیها انتصارات عظیمة، إلا في أشعاره. وقد جسد ابن دراج، الذي رافق المنصور في كثیر من هذه الحروب معاركه هذه تجسیداً حیاً ورائعاً (ظ: ص 15-18، 371-378، 408-412، 435-438، 44-443، 453-456، 459-463؛ قا: مكي، 52-56؛ بلاشیر، 479، 476)، وفي إحدی من أهم هذه الغزوات، أي غزوة شنتیاقب، كتب ابن دراج بأمر المنصور وعلی لسانه رسالة الفتح المشهورة وقد أرسلت إلی الخلیفة هشام بن الحكم بقرطبة وإلی سائر أعمال الأندلس المهمة. ویقال إنه كتب في رسالة الفتح تلك شرحاً كاملاً عن هذه الغزوة وعن مشاهد القتال بأحسن وصف وأبدع رصف. وقد أعجب الجمیع بهذه الوثیقة التاریخیة المفقودة حالیاً، واستحسنوها ولم تزل آنذاك منقولة متداولة بین الأدباء (ظ: الحمیدي، 1/179).

وبعد وفاة المنصور في 392هـ/1002م، خلفه ابنه عبد الملك المظفر علی الحجابة. ورغم أن عبد الملك كان أقل اهتماماً بالأدب وشغفاً بالشعر، إلا أنه عمل علی احترام تقالید أبیه ومواصلة نهجه (ابن بسام، 4(1)/79-80) فأقر شعراء بلاطه وأدباءه علی مراتبهم ومنهم ابن دراج الذي یبدو أنه كان قلقاً من تغیر الأوضاع، فأثبته أیضاً في دیوان عطائه، وقد أشار ابن دراج في إحدی قصائد مدحه إلی ذلك (ظ: ص 18-19؛ قا: مكي، 57-58). وكان ابن دراج في هذه الفترة كما كان في عهد المنصور كاتباً وشاعراً رسمیاً في البلاط یتمتع بمكانة عالیة بما ینظم من مدیح، وواصل في أشعاره تصویر انتصارات عبد الملك العسكریة في الأقطار المسیحیة (ظ: ص 21-25، 446-448، 450-451، 466-467؛ قا: مكي، 58-59). ومع هذا یبدو أن ابن دراج كان لایحظی بعطف البلاط أحیاناً لأسباب مجهولة وربما كان لذلك علاقة بوزارة عیسی بن سعید الیَحصِبي، المعروف بالقَطّاع والذي كان ممدوح ابن دراج أیضاً، وقد نظم الشاعر علی أقل تقدیر قصیدتین في مدحه شكا في إحداهما أوضاعه المتردیة (ظ: ص 43-48).

ولعل هذه الأوضاع المتردیة تعود إلی تصرفات عیسی معه، حیث إننا نری ابن دراج، یذم عیسی بشدة بعد مقتله إثر إلقاء القبض علیه في مؤامرته علی عبد الملك (397هـ/1006م)، في القطعة التي أنشدها في مدح عبد الملك، ویعرب عن سروره بموته مشیراً إلی العسف الذي كان قد لقیه منه (ظ: ص 32-34). وبعد وفاة عبد الملك في 399هـ/1008م تولی أخوه عبد الرحمن منصب الحجابة لفترة قصیرة، ولكن سرعان ما عزله محمد بن هشام (المهدي) عن منصبه وقتله بعد فترة وانهارت دولة العامریین بموته.

وقاسی ابن دراج شدة في التغرب إثر «الفتنة» وزوال الخلافة الأمویة (ظ: ابن بسام، 1(1)/60؛ ابن سعید، المغرب، 2/61). مدح في البدء أحد من ادعی الخلافة في قرطبة، محمد بن هشام أملاً في قدرته (ظ: ص 50-53؛ قا: مكي، 63-64) وبعد مقتله بادر إلی مدح قاتله سلیمان ابن الحكم (المستعین بالله) وحماته البربر (ظ: ص 53-70؛ ابن بسام، 1(1)/67؛ قا: مكي، 26، 65؛ بیریس، 352)، وحینما یئس منه ولی وجهه شطر وزیره القاسم بن حَمّود العلوي، وأشار في القصیدة التي نظمها في مدحه ومدح أهل البیت‌(ع) إلی ما حل به وبأسرته من أهوال «الفتنة» (ظ: ص 70-74؛ قا: مكي، 66). ثم انفصل عنه أیضاً وغادر قرطبة في 404هـ/1013م وتوجه عن طریق مضیق جبل طارق إلی أخیه علي بن حمود بسبتة وأنشده إحدی أشهر قصائده في مدحه ومدح أهل البیت‌‌(ع) (ظ: ص 75-81؛ قا: ابن بسام، 1(1)؟87-88). ولاشك في أن مدحه لآل علي‌(ع) في هذه الأبیات لم ینبع من نزعته الشیعیة، بل كان لدوافع سیاسیة (ظ: بلاشیر، 486).

ویبدو أن إقامة ابن دراج في سبتة لم تدم طویلاً، فسرعان ما عاد إلی الأندلس بعد انقطاع رجائه من الحمودیین (ظ: مكي، 67). ومنذ هذا التاریخ حتی 408هـ تردد ابن دراج علی بلاط الأمراء الذین كان أغلبهم من موالي العامریین، بحثاً عن حماة أقویاء ومحبي الأدب، ومنهم خیران العامري في المریة (ابن دراج، 86-94)، ومبارك ومظفر في بلنسیة (ظ: م.ن، 101-108، 520-523)، ولبیب العامري في طرطوشة (ظ: م.ن، 109-114) وغیرهم وأنشد قصائد وأرسل رسائل في مدحهم (قا: ابن بسام، 1(1)/60-61؛ مكي، 27-68). إلا أن هذه الأسفار وهذه المدائح والرسائل التي وصفها ابن بسام (3(1)/10-11) بالرقة والحسن، لم تجده نفعاً (ظ: ن.ص) وبقي عاجزاً عن نیل مكانته السابقة وحیاته الرغیدة (قا: مكي، 68، 71). وأخیراً قصد في 408هـ المنذر بن بحیی التُّجیبي بسرقسطة وأصبح شاعر بلاطه (ظ: ابن دراج، 124؛ ابن بسام، 1(1)/61).

وكانت فترة إقامة ابن دراج في سرقسطة التي كانت تحظی بازدهار مادي ومعنوي تحت ظل حكومة التجیبیین (ظ: بلاشیر، 478-477؛ عنان، 268)، فترة استقرار ونعيم له ثانیة. وكان المنذر متذوقاً للأدب، وبلاطه العظیم مركزاً لكثیر من العلماء والأدباء (ظ: عنان، بلاشیر، ن.ص). وأتیح لابن دراج الذي كان یقضي سنوات حیاته الأخیرة، باتصاله ببلاط المنذر، جوّ من الاستقرار بعد سنوات عجاف عصیبة، وبإنشاده قصائد عدیدة في مدح المنذر وابنه یحیی، بدأت مرحلة جدیدة من الشهرة والعزة امتدت نحو 10 سنوات (ظ: ابن بسام، ن.ص؛ قا: مكي، 72-75). وقد أنشد ابن دراج في هذه الفترة أكثر من ثلث قصائده، وقد أشاد أیضاً كما في الماضي، بانتصارات ممدوحیه العسكریة والسیاسیة (ظ: ص 137-145، 151-158؛ قا: مكي 72-74). وكان یصور في أشعار جمیع المناسبات والوقائع العظیمة ابتداءً بالمناسبات العادیة وانتهاءً بوصول الأمراء والحكام المسیحیین إلی سرقسطة (ظ: ص 201-207) وإضافة إلی هذا كان یقوم أیضاً بتدریس اللغة والأدب والأنساب (ظ: ابن فضل الله، 11/201). وفي فترة حكم یحیی بن المنذر الذي خلف أباه بعد وفاته، بقیت مكانة ابن دراج ومنزلته علی ما كانت علیه، ولكن یبدو أن علاقته مع یحیی قد أصابها الفتور في أواخر فترة إقامته في سرقسطة حیث إنه قد شكا جور الأیام في القصیدة التي أنشدها في مدح صدیقه القدیر ابن باق (ظ: ص 468-473؛ قا: مكي، 76-77)، ویبدو أن مدة إقامته في هذه المدینة انتهت لهذا السبب بعد فترة قصیرة، فاتجه مضطراً علی الرغم من كبر سنه إلی مدن أخری للبحث عن مستقر جدید وممدوح متذوق للأدب. وكان آخر أمیر مشهور مدحه ابن دراج هو مجاهد العامري، أمیر دانیة المقتدر والمتذوق للأدب (ظ: الحمیدي، 2/564-566). ویحتمل أن الشاعر قد دخل دانیة في 419هـ ومدح مجاهداً بقصیدة أشار فیها إلی حاله المضطرب (ظ: ص 478-481؛ قا: مكي، 78). ویبدو أن ابن دراج قد قضی العامین الأخیرین من حیاته بطمأنینة في دانیة وربما كانت وفاته فیها (ظ: ابن خلكان، 1/138؛ الذهبي، سیر، 17/365؛ قا: مكي، 79-80).

كان ابن دراج یعیش في عصر یخطو فیه الشعر بالأندلس نحو الكمال والنضوج، مواكباً للازدهار السیاسي. وكان شعراء هذا العصر یستعرضون مواهبهم في جمیع مجالات الشعر العربي بدءاً بالنَّوریات وانتهاءً بالأراجیز والقصائد (ظ: مونرو، 8). ومعظم دیوان ابن دراج –الذي یعد شاعراً اختص بالاتجاه الكلاسیكي الجدید واتباع أسلوب الشعر المشرقي– قد تضمن قصائد المدیح التي أنشدها في مدح عظماء الأندلس، سوی بعض النوریات والمراثي. وقد كان البعض من هذه القصائد، وعلی خلاف الأسلوب التقلیدي، مدحاً خالصاً (ظ: ص 9، 18 -22)، ولكنه اتبع في بعض منها، أسلوب القصائد التقلیدیة السائد، فنجده بعد النسیب والوصف ینتقل إلی المدیح (مثلاً، ظ: ص 3-9، 10-14؛ قا: بلاشیر، 477). ویحل محل النسیب أحیاناً حزنه لفراق زوجته وابنته الصغیرة (ظ: ص 279-299؛ قا: بلاشیر، 478-477؛ مونرو، 10). وقد بلغ استخدام الصناعات البدیعیة ذروته في شعر ابن دراج. ومن خصائص سبكه في نظم القصیدة، التفنن في مجال اللغة والتاریخ والأنساب، وطول النفس في القصائد والتلاعب بالمعاني والغموض والصنعة المفرطة وانتخاب أغلب الأبحر والقوافي الثقیلة والصعبة (ظ: ابن بسام، ن.ص؛ قا: عباس، 1/207). وتكتظ قصائده بمشاهد وصور تاریخیة قیمة. وقد ضمن ابن دراج قصائده بتجاربه الشخصیة والنفسیة، فضلاً عن تصویره جوانب الحیاة في الأندلس والتحولات التاریخیة لتلك الدیار خاصة في فترة «الفتنة» العصیبة (ظ: هیكل، 311).

ومع كل هذا، فقد غطت المهارات اللفظیة والبیانیة في شعره علی الأفكار والأحاسیس وبلغ غموض وكلف المعنی والبیان في أشعاره أحیاناً درجة یتعذر فیها فهم مضامینها، إلا بعد جهد مضن (ظ: عباس، 1/212). وینم شعر ابن دراج، كأشعار أغلب الشعراء الرسمیین، عن رغبة جامحة في استخدام الصنعة اللفظیة والمظاهر الشعریة، أكثر من أن یكون معبراً عن أصالة الفكر وعمقه. كما أن بلاشیر (ص 494) قد عدّ كل أشعاره تقریباً خالیة من التجلیات الشعوریة واعتبره علی خلاف المتنبي، مقلداً بارعاً، لایتقید بأصالة المعنی وعمقه، بل یسعی إلی استخدام الموضوعات والأسالیب الشعریة السائدة التي یصقلها ویصلحها ویقومها، فینشد أشعاراً رنانة كثیرة الصنعة، ولكن دون انتحال (قا: هیكل، 331-332). ولهذا یُقارن أسلوبه الشعري بأسلوب غونغورا إي آرغوته (1561-1627م) في الشعر الإسباني (ظ: بلاشیر، 496-496؛ قا: نیكل، 56).

وقد جمع ابن دراج الذي یعد من زمرة الشعراء الكتّاب، في ذاته كل خصائص المداحین الرسمیین، وعلی سبیل المثال فإنه لم یربأ عن أن یعتبر والد ممدوحه شهیداً في مناسبة ما، ثم بعد فترة وجیزة وبتبدل الأوضاع وجلوس أمیر آخر، یسمی ممدوحه المعزول «قعید الشرك» (ظ: ص 51، 54). ولنثر ابن دراج أیضاً والذي لم یبق منه سوی طرف متناثرة (ظ: ص 545-551) أسلوب مسجع مصنوع كأغلب الكتابات النثریة في عهد العامریین ومن خصائصه الإطناب وتضمین الإشارات الأدبیة والتاریخیة وتدعیم النثر بالشعر (ظ: هیكل، 333-336).

مع كل هذا، فلابن دراج نصیب وافر في شعر الأندلس وأدبه ویمكن الاستدلال علی ذلك بما ظفر به، من إعجاب معاصریه والنقاد فیما بعد والذي بلغ حد الإفراط أحیاناً. فمن جانب قد بالغ مدحه بالأندلس نفسها عظماء مثل ابن شُهید وابن حیان وابن بسام وآخرین (ظ: ابن بسام، 1(1)/60-62، 3(1)/10-11؛ قا: بلاشیر، 492-490) وخاصة تلمیذه المشهور ابن حزم (تـ 456هـ) الذي عده في مصاف المتنبي وأبي تمام (ظ: الحمیدي، 1/181؛ ابن بشكوال، ن.ص)، ومن جانب آخر فقد راج شعر ابن دراج منذ ذلك الوقت في المغرب وإفریقیا والمشرق. وعلی سبیل المثال فقد عده ابن شرف القیرواني (ص 37) والمراكشي (ص 39) وابن خلدون (1(5)/1059) في عداد عظماء الشعر والأدب، وأهم من ذلك هو أن الثعالبي قد مدحه في إیران وهو علی قید الحیاة وأورد طرفاً من قصائده في یتیمته (2/90-102).

وقد عرف من تلامذته المباشرین، علاوة علی ابن حزم، مشاهیر آخرون كأبي عمر أحمد بن الحسین التجیبي (ظ: ابن خیر، 414-415) ومحمد بن میمون القرشي السرقسطي (ظ: ابن الأبار، 1/396) وأبي الفرج مظفر السرقسطي السرقسطي (ظ: م.ن، 2/713) وعبد الملك بن هشام التجیبي السرقسطي (ظ: م.ن، 3/607-608). ومن بین هؤلاء كان ابن حزم وابن حي من رواة دیوان ابن دراج أیضاً. وقد ذاع بواسطتهما هذا الدیوان في الأندلس نفسها فیما اشتهر بالمشرق بواسطة ابن حزم وتلامذته (ظ: مكي، 82، 87). وكان ابن خیر الإشبیلي یملك نسخاً من الدیوان في القرن 6هـ وقد توفر لدیه البعض منها في الأندلس نفسها والبعض في بغداد أیضاً (ظ: ابن خیر، ن.ص؛ قا: مكي، 83).

 

المصادر

ابن الأبار، محمد، التكملة لكتاب الصلة، تقـ: عزت العطار الحسیني، القاهرة، 1375هـ/1956م؛ ن.م، تقـ: فرنسشكه قداره، مدرید، 1882م؛ ابن بسام الشنتریني، علي، الذخیرة، تقـ: إحسان عباس، لیبیا/ تونس، 1981م؛ ابن بشكوال، خلف، الصلة، القاهرة، 1966م؛ ابن حزم، علي، جمهرة أنساب العرب، بیروت، 1403هـ/1983م؛ ابن الخطیب، محمد، الإحاطة، تقـ: محمد عبد الله عنان، القاهرة، 1394هـ/1974م؛ ابن خلدون، العبر؛ ابن خلكان، وفیات؛ ابن خیر، محمد، فهرسة، تقـ: فرنسشكه قداره، بیروت، 1382هـ/1963م؛ ابن دراج، أحمد، دیوان، تقـ: محمود علي مكي، دمشق، 1381هـ/1961م؛ ابن سعید، علي، رایات المبرزین، تقـ: نعمان عبد المتعال القاضي، القاهرة، 1393هـ/1973م؛ م.ن، المغرب، تقـ: شوقي ضیف، القاهرة، 1955م؛ ابن شرف القیرواني، رسائل الانتقاد، تقـ: حسن حسني عبد الوهاب، بیروت، 1404هـ/1983م؛ ابن العماد، عبد الحي، شذرات الذهب، القاهرة، 1350هـ/1932م؛ ابن فضل الله العمري، أحمد، مسالك الأبصار، نسخه مصورة عن مكتبة أحمد الثالث، بإستانبول؛ الثعالبي، یتیمة الدهر، القاهرة، 1352هـ/1934؛ جنثالث پالنثیا، آنخل، تاریخ الفكر الأندلسي، تجـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1955م؛ الحمیدي، محمد، جذوة المقتبس، تقـ: إبراهیم الأبیاري، بیروت، 1403هـ/1983م؛ الحمیري، محمد، الروض المعطار، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1980م؛ م.ن، صفة جزیرة الأندلس، تقـ: لیفي بروفنسال، القاهرة، 1937م؛ الذهبي، محمد، تاریخ الإسلام، نسخة مصورة عن دار الكتب؛ م.ن، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط ومحمد نعیم العرقسوسي، بیروت، 1403ق/1983م؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، تقـ: محمد یوسف نجم، بیروت، 1391هـ/1971م؛ العامري، یحیی، غربال الزمان، تقـ: محمد ناجي زعبي العمر، دمشق، 1405هـ/1985م؛ عباس، إحسان، تاریخ الأدب الأندلسي، بیروت، 1960م؛ عنان، محمد عبد الله، دولة الإسلام في الأندلس، دول الطوائف، القاهرة، 1408هـ/1988م؛ المراكشي، عبدالواحد، المعجب، تقـ: محمدسعید العریان ومحمد العربي العلمي، القاهرة، 1368هـ/1949م؛ مكي، محمود علي، مقدمة وتعلیقات علی الدیوان (ظ: همـ، ابن دراج)؛ هیكل، أحمد، الأدب الأندلسي، القاهرة، 1986م؛ یاقوت، البلدان؛ وأیضاً:

Blachère, Régis, «La vie et l’oeuvre du poète – épistolier Andalou Ibu Darrâg al - Qastelli», Analecta, Damas, 1975; Lévi – Provençal, E., La Péninsule ibérque au Moyen-âge, Leiden, 1938; Monroe, James T., Hispano-Arabic Poetry, London, 1974; Nykl, A. R., Hispano-Arabic Poetry, Baltimore, 1946; Pérès, Henri, La Poésie and alouse en arabe Classique, Paris, 1953.

مهران أرزنده/خ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: