اِبْنُ دانیال، شمس ‌الدین محمد بن دانیال بن یوسف الخزاعي الموصلي (647-710هـ/1249-1310م)، كحّال وشاعر وأدیب عرف بالحكیم ابن دانیال.

لم یلاحظ في آثاره الموجودة ما یدل علی أنه كان ملمّاً بالحكمة وفروعها، ولهذا یمكن أن تعود شهرته بالحكیم –وقد ذكرها معاصروه مثل الدواداري (9/112) بتكریم بالغ– لاشتغاله بالطب.

وأورد البغدادي (2/141) اسم أبیه خلیل بن دانیال، كما أورد ابن حجر العسقلاني (5/175) وتبعته المصادر المتأخرة (العزاوي، 1/421) نسبه المراغي بدلاً من الخزاعي. ولایستند ما یقال حول احتمال انحداره من أصل یهودي أو نصراني (سارتون، II/872) إلی مصدر. وأشارت المصادر القریبة من عهده كالوافي بالوفیات للصفدي وعیون التواریخ لابن شاكر إلی الجوانب العلمیة والأدبیة لابن دانیال وحكایاته وأشعاره كما أوردت المصادر المتأخرة كالسلوك للمقریزي والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي وحسن المحاضرة للسیوطي وبدائع الزهور لابن إیاس جوانب مهمة من حیاته كتاریخ ومحل ولادته ورحیله إلی مصر.

حیاته

یعتبر الصفدي (3/51-57) أول من ترجم لابن دانیال دون ذكر تاریخ وفاته، وأثنی علی نظمه ونثره بالحلاوة والعذوبة والطباع الداخلة والنوادر العجیبة، وشبهه بابن حجاج عصره وابن سكرة مصره. ولد ابن دانیال في الموصل (المقریزي، 2(1)/95) ورحل إلی مصر في عصر الملك الظاهر بیبرس البندقداري (ابن إیاس، 1(1)/438-439) ودرس الأدب علی عثمان بن سعید الفهري الشاعر المشهور بابن لؤلؤ (السیوطي، 1/327-328). واتخذ الكحالة –التي لایعلم علی من تعلمه– مهنته الرئیسة، وكان یستقبل مرضاه في «دكانه» الواقعة في أحد أحیاء القاهرة باسم باب الفتوح (ابن شاكر، 22/343؛ ابن تغري بردي، 9/215). وفي نفس الوقت یخدم الملوك والأمراء، كما كان له راتب علی دیوان الأمیر سیف ‌الدین سلّار، وقد صاحب الملك الأشرف في أسفاره قبل أن یتسنم السلطنة (الصفدي، 3/52)، ولكن لم یرد وصف هذه العلاقات في المصادر، ولم یتضح لنا أكان یخدم الأمراء والملوك باعتباره طبیباً أو بصفة أخری، وقد توفي بالقاهرة.

شخصیته وآثاره

یمكن تحدید شخصیة ابن دانیال في جانبین مختلفین وذلك من خلال ما وصلنا من أشعاره ومما نقل عنه من حكایات. الجانب الأول، التنكیت والهزل واللباقة الفائقة سواء مع العامة من الناس أو مع الملوك والأمراء (ن.ص)، والثاني، نظرته الانتقادیة حیال حوادث ووقائع عصره الاجتماعیة والسیاسیة وهذا ما یتضح من خلال شعره ونثره، ولذلك یمكن أن نعد آثاره انعكاساً لجانب من تاریخ مصر الاجتماعي آنذاك. وإذا ما نظرنا إلی آثار ابن دانیال بصورة عامة وحیاته ومهنته الطبیة وشخصیته نلاحظ نظرته العمیقة نسبیاً إلی الواقع المحیط به مع حیاة نشطة، حیث یمكن مشاهدة بعض التشابه بین ابن دانیال في مصر وعبید الزاكاني في إیران واللذین یمكن أن نعدهما مع بعض التسامح متزامنین. فغلبة طابع السخریة علی الأشعار ومضامین الألفاظ الواردة في آثار الشاعرین الأدبیة متشابهة إلی حدّ ما، لاسیما إذا نظرنا إلی ظروف المجتمعین السیاسیة -الاجتماعیة المتشابهة في عصر واحد، ذلك أن ظاهرة التظاهر بالتدین ومبالغة الأمیر مبارز الدین محمد في إجراء الحدود الشرعیة (ظ: زرین كوب، 51-52) في إیران وسلوك الملك الظاهر بیبرس المشابه في مصر، دفع الشاعرین لإبداء ردود فعل متشابهة. وقد بقیت من آثار ابن دانیال ثلاث حكایات منثورة ومنظومة، وبعض مقطوعات طبیة ورجالیة ومجموعة من الأشعار. وللشعر مكانة خاصة في آثار ابن دانیال، فأغلبه إما منظوم أو منظوم فیخالطه النثر، وكان یتخذ منه وسیلة مأثرة لبیان أهدافه الاجتماعیة. وآثاره هي:

1. طیف الخیال وعجیب وغریب والمتیم، والضائع الیتیم، وهي تمثیلیات یمكن اعتبارها من النوع الساخر الانتقادي –الاجتماعي وقد اشتهرت هذه التمثیلیات الثلاث باسم طیف الخیال، وكذلك خیال الظل. وتعود شهرة ابن دانیال إلی هذه التمثیلیات، ورغم وجود التمثیل سابقاً في مصر –وإن لم یكن في جمیع العالم الإسلامي– بشكل ألعاب ساخرة وتمثیلیات دینیة تعود إلی القرن 4 هـ/10م (بدوي، 84-83)، فإن هناك تجدید في آثار ابن دانیال لم یُسبق إلیه (المقریزي، 2(1)/95)، ثم إن لغة التمثیلیات تمتاز بنثر فصیح، ولكن استعملت فیها أحیاناً ألفاظ وتراكیب عامیة ضعیفة ومصطلحات ركیكة (فروخ، 3/707). وقد حفظ ابن دانیال انسجام الأثر وتناسبه بانتخابه الشخصیات من طبقات المجتمع الدنیا والحقیرة ویختلف هیكل كل واحدة من التمثیلیات مع الأخری ومع ذلك فلثلاثتها خصائص مشتركة، كاستعمال الغناء والموسیقی والرقص فیها (بدوي،92,106)، وكما وصفها الصفدي «كان هو المطرب والمرقص علی الحقیقة» (3/51)، وقد استهلت كل تمثیلیة بمقدمة قصیرة تشتمل علی هدف الكاتب فیها، وطیف الخیال أول وأطول تمثیلیة بأفضل تخطیط وتنظیم لأدوار الشخصیات. في حین أن الثانیة عجیب وغریب لاتمتاز بتخطیط مرتب ومعین، أما البحث حول التمثیلیة الثالثة، أي المتیم والضائع الیتیم فصعب جداً، فقد أصاب التلف مخطوطته في كثیر من المواضع. وسعی إبراهیم حمادة إلی ترمیم هذه المواضع مرة ثانیة، ووصل بعضها ببعض، ومع ذلك فإن قصة هذه التمثیلیة متناسقة خلافاً للتمثیلیة الثانیة. طبعت هذه التمثیلیات حتی الآن عدة مرات بأشكال مختلفة وانتقدت ودرست بعدة لغات، وقام بدوي بتحلیل جمیع هذه الطبعات والانتقادات والدراسات واعتبر عمل الكاتب المصري إبراهیم حمادة الذي طبع باسم: خیال الظل تمثیلیات ابن دانیال سنة 1963م في القاهرة أحسن وأجمع كل تلك الدراسات، ولكنه یری في نفس الوقت أن هذه التمثیلیات لم تجر علیها دراسة كافیة (ص 106, 104, 102, 94-93, 90, 89-87).

2. المختار من شعر ابن دانیال، رتّبه صلاح الصفدي. طبعت لأول مرة في 1978م بتحقیق محمد نایف الدیلمي ببغداد في 334 صفحة (المنجد، 5/21)، وأشار حاجي خلیفة (1/813) إلی خلاصة من دیوان شعره باسم: عقد اللآل في المختار من شعر الأدیب محمد بن دانیال، وتستهل بـ «الحمدلله الذي ألهمنا سحر البیان»، ومن المحتمل أن تكون هذه المجموعة هي ما رتّبه الصفدي، ویبدو أنه لم یبق من دیوان ابن دانیال سوی هذه المختارات. وقد أشار بروكلمان إلی مخطوطتین أخریین منها (GAL, S,II/2).

3. عقود النظام في من ولي مصر من الحكام، وهي أرجوزة تشتمل علی 101 بیت، وردت فیها أسماء قضاة مصر منذ عهد الفتح الإسلامي إلی عصر این دانیال وذكرها السیوطي (2/38-142) كاملة وذیّلها، وتحكي الذیول التي كتبت حولها (السخاوي، 575؛ حاجي خلیفة، 2/1865؛ الظاهریة، 152-153) وجعلها ابن حجر أساساً لكتابه رفع الإصر عن قضاة مصر (حاجي خلیفة، ن.ص؛ GAL, S, II/2) عن أهمیة هذه المنظومة القصیرة وقیمتها التاریخیة. وقد سمیت هذه الأرجوزة بـ جوهرة النظام… أیضاً (سید، المخطوطات، 1/232). توجد مخطوطة منها تعود إلی القرن 8 هـ/14م وبأسفل الأبیات تراجم ما ذكر فیها من القضاة (م.ن، «نوادر…»، 203).

4. أرجوزة في الطب، توجد مخطوطة منها في آیاصوفیا تاریخ كتابتها 968هـ برقم 3645/2 (إحسان أوغلي، 39).

5. كفایة المتطبّب ونهایة المتأدب، منها مخطوطة في بریل (GAL, S، ن.ص).

6. شرح المقصود في التصریف، ذكره البغدادي (1/141) فقط.

المصادر

ابن إیاس، محمد، بدائع الزهور، تقـ: محمدمصطفی زیادة، القاهرة، 1402هـ/1982م؛ ابن تغري بردي، النجوم؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد، الدرر الكامنة، حیدرآباد الدكن، 1396هـ/1976م؛ ابن شاكر، محمد، عیون التواريخ، نسخة مصورة من مكتبة أحمد الثالث بإستانبول، رقم 2929، إحسان أوغلي، أكمل الدین، فهرس مخطوطات الطب الإسلامي…، إستانبول، 1404هـ/1984م؛ البغدادي، هدیة؛ حاجي خلیفة، كشف؛ الدواداري، أبو بكر، كنز الدرر، تقـ: هانس روبرت رویمر، القاهرة، 1379هـ/1960م؛ زرین كوب، عبدالحسین، از كوچه رندان، طهران، 1364؛ السخاوي، محمد، الإعلان بالتوبیخ، تقـ: فرانزروزنتال، بغداد، 1963م؛ سید، المخطوطات؛ م.ن، «نوادر المخطوطات في مكتبة طلعت»، مجلة معهد المخطوطات العربیة، ربیع الثاني 1377/ تشرین الثاني 1957، س 3، عد 2؛ السیوطي، حسن المحاضرة، القاهرة، 1299هـ؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، تقـ: س. دیدرینغ، دمشق، 1953م؛ الظاهریة، المخطوطات (التاریخ)؛ العزاوي، عباس، تاریخ العراق، بغداد، 1353هـ/1935م؛ فروخ، عمر، تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1984م؛ المقریزي، أحمد، السلوك، تقـ: محمد مصطفی زیادة، القاهرة، 1941م؛ المنجّد، صلاح‌ الدین، معجم المخطوطات المطبوعة، بیروت، 1982؛ وأیضاً:

Badawi, M. M., «Medieval Arabic Drama: Ibn Dāniāl», Jorunal of Arabic Literature, Leiden, 1982, vol. XIII; GAL, S; Sarton, G., Introduction to the History of Science, Baltimore, 1931.

قسم العلوم/ع.