اِبْنُ خَمیس، أبو عبد الله محمد بن عمر بن خمیس الحجري الرُّعَیني التلمساني (650- مقـ 1 شوال 708هـ/1252-14 آذار 1309م)، أدیب وشاعر وصوفي جزائري. عاصر بني زیّان بتلمسان والنصریین في غرناطة، ویصل نسبه إلی الحمیریین بالیمن (ظ: ابن الخطیب، 2/556؛ المقري، أزهار، 2/301؛ قا: فروخ، 6/361).

لاتتوفر معلومات وافیة عن تفاصیل حیاته حتی مطلع القرن 8هـ حیث غادر تلمسان قاصداً سبتة ومنها إلی الأندلس. وما نعرفه عنه أنه آثر الحیاة في فقر ومحنة وبساطة قبل أن یتولی منصباً في دیوان الإنشاء، قیل عنه: كان مسكنه بیت فندق فرشه سلایخ الضان، علماً بأن أیامه هذه كانت لاتخلو مما تشتهیه الأنفس وتلذ الأعین (ابن خلدون، یحیی، 1/109). وقد التقاه الرحالة المغربي العبدري في 688هـ/1289م بتلسمان وهو لایزال یحب العزلة (ظ: فروخ، 6/362). ومع هذا یبدو أنه كان جمیل الأخلاق، حسن التربیة، غزیر العلم، حیث أشادت المصادر العدیدة بإلمامه في العلوم المختلفة، حتی إن یحیی ابن خلدون عدّه من أهل «علم السیمیاء» وأورد روایة مشهورة عنه في هذا المجال (ن.ص). ولعل مكانته العلمیة هذه كانت السبب في أن یشق طریقه في أواسط حیاته إلی بلاط بني زیان بتلمسان وأن یتولی منصب كاتب الإنشاء في الدیوان ویمتدح السلطان أبا سعید عثمان بن یَغَمراسَن (ابن الخطیب، 2/529-531، 553-554؛ ابن خلدون، یحیی، 1/208)، إلا أنه بعد سنوات لقي جفوة لأسباب مجهولة أثناء ما حلّ بتلمسان من حصار طویل علی ید السلطان یوسف بن یعقوب المریني (الناصرلدین الله) والذي أشار إلیه الشاعر في أبیات له (ظ: المقري، أزهار، 2/335-337)، ففر منها خوفاً علی حیاته (ابن الخطیب، 2/529؛ 542-544؛ قا: ابن حجر، 5/371؛ السیوطي، 1/201)، ثم قدم سبتة فأقام بها مدة ومدح رؤساءها من بني العَزَفي ودرّس العلم والأدب (ابن القاضي، 2/27؛ المقري، ن.م، 2/297، 302، 325-326)، ثم غادرها إلی الأندلس، فانتقل وشیكاً إلی مالقة ثم إلی غرناطة قبل أن تنتهي سنة 703هـ/1304م فتلقاه أبو عبد الله ابن الحكیم وزیر السلطان محمد المخلوع، ثالث أمراء بني نصر (ابن الخطیب، 2/529؛ السیوطي، ابن القاضي، ن.ص؛ المقري، ن.م، 1/297-299). وأكرمه ابن الحكیم الذي كان سیاسیاً مقتدراً ومن كبار رجال الشعر والأدب إكراماً بالغاً، فلم یزل بغرناطة مع الوزیر ابن الحكیم یعیش حیاة آمنة هانئة في كنف الوزیر، تربطهما صداقة حمیمة حتی وفاته، وقد عدّ من زمرة مقربیه وندمائه، وله قصائد في مدحه وقدر درّس في غرناطة بطلب منه أو بإذنه (ابن الخطب، ن.ص؛ المقري، أزهار، 2/302، نفح، 7/356). وفي 706هـ، رحل إلی المریة فاستقبله الأمیر أبو الحسن بن كماشة الذي كان من المقربین لابن الحكیم ووسّع له في الإیثار والمبرّة وبسط له وجه الكرامة (المقري، أزهار، 2/303). ولم تكن رحلاته اضطرار ولعله كان مولعاً بالسفر؛ فقد أجاب مرة رداً علی ابن الحكیم الذي شكا من كثرة حبه للسفر بقوله: «أنا كالدم بطبعي، أتحرك في كل ربیع» (ابن الخطیب، ن.ص). ومع ذلك كان لم ینس مسقط رأسه تلمسان وكثیراً ما یبدي شوقه إلیها ویتشوق لمشاهدها في قصائده (ظ: المقري، ن.م، 2/323-325). قتل ابن خمیس في خضم حركة التمرد التي قادها أبو الجیوش نصر بن محمد شقیق السلطان محمد في غرناطة (ابن الخطیب، 2/562؛ ابن مریم، 225؛ ابن القاضي، 2/32؛ المقري، ن.م، 2/304).

وعلی مایبدو كان متبحراً في أكثر علوم عصره، إلا أن شهرته كانت في میداني الشعر والأدب، واعتبروه من أكابر شعراء الجزائر حتی القرن 9هـ (سعد الله، 1/69؛ عنان، 463؛ قا: ابن الخطیب، ن.ص؛ ابن خلدون، عبد الرحمن، 40؛ المقري، أزهار، 2/302). كانت أشعاره علی المنهج المشرقي وعلیها نفحة قویة من نفس أبي العلاء المعري، وقصائده طوال علی الأغلب (فروخ، 6/362) تمتاز بالقوة والرصانة والمعاني الرائعة والمقاصد الواضحة. ومع ذلك كان كأكثر فحول زمانه میّالاً إلی استجماع الغریب والألفاظ النادرة (المقري، ن.ص). ویری أن هذا النهج هو الوحید للوصول إلی أسنی مراتب البلاغة، وقد أشار إلی ذلك في إحدی قصائده مؤكداً علی أن البلاغة في الشعر لاتتیسر إلا بالتزام هذا النهج (م.ن، نفح، 7/357). كان دقیقاً للغایة في اختیار الألفاظ والتراكیب، یُصرّف العویص ویرتكب مستصعبات القوافي ویورد في شعره القصص التاریخیة والأدبیة من جاهلیة العرب. فإشاراته إلی القصص الملحمیة من جاهلیة العرب تثبت إلمامه بأیام العرب وأحوالهم ومذاهبهم (ابن الخطیب، ن.ص؛ المقري، أزهار، ن.ص؛ قا: EI2؛ فروخ، ن.ص). وما خلّفه من شعر فهو في المدیح علی الأغلب، ومن فنون شعره أیضاً الفخر والشكوی والغزل والنسیب. لم یصلنا من نثره إلا الیسیر، وكان القاضي أبو عبد الله التلمساني قد شرح إحدی رسائله (النباهي، 134-135)، وأورد ابن الخطیب نموذجاً من نثره الفتي وترسله المتكلف یتخلله بعض الأبیات (2/557-562).

لم یصلنا من دیوان لابن خمیس، إلا أن ابن الخطیب والمقري أوردا عدداً من مقطوعاته الشعریة. ویبدو أن القاضي أبا عبد الله الحضرمي كان قد جمع في القرن 8هـ أشعاره في كتاب الدر النفیس من شعر ابن خمیس لم یعثر علیه في الوقت الحاضر. وقد نقل ابن خاتمة (ن.ع) الذي اطلع علی هذا الكتاب مقاطع منه في كتابه مزیة المریة، وأفاد المقري منه في تدوین ترجمة ابن خمیس فیما بعد (ظ: أزهار، 2/302 وما بعدها، نفح، 7/355 وما بعدها). وطبع عبد الوهاب بن منصور عام 1965م بتلمسان مجموعة من أشعاره باسم المنتخب النفیس من شعر أبي عبد الله بن خمیس.

ویبدو أن ابن خمیس نزع في أواخر حیاته إلی التصوف، لكنه لم تتوفر لدینا معلومات وافیة عن تاریخ ظهور هذه النزعة لدیه وتبدل أحوال، والمقري هو الوحید الذي أشار إلیه تصوفه وتجواله في أواخر حیاته (ن.ص).

تشير بعض الروايات إلى أن صيته ذاع في المشرق في حياته بحيث أشاد بذكره بعض العلماء المصريين مثل ابن دقيق العيد (ظ: المقري، أزهار، 2/322-323).

المصادر

ابن حجر العسقلاني، أحمد، الدرر الكامنة، تقـ: شرف‌ الدین أحمد، حیدرآباد الدكن، 1396هـ/1976م؛ ابن الخطیب، محمد، الإحاطة، تقـ: محمد عبد الله عنان، القاهرة، 1394هـ/1974م؛ ابن خلدون، عبدالرحمن، التعريف، بیروت، 1979 م؛ ابن خلدون، یحیی، بغیة الروّاد، تقـ: عبد الحمید حاجیات، الجزائر، 1400هـ/1980م؛ ابن القاضي، أحمد، درة الحجال، تقـ: محمد الأحمدي أبو النور، القاهرة/ تونس، 1390هـ/1970م؛ ابن مریم، محمد، البستان، تقـ: محمد بن أبي شنب، الجزائر، 1326هـ/1908م؛ سعدالله، أبو القاسم، تاریخ الجزائر الثقافي، الجزائر، 1985م؛ السیوطي، بغیة الوعاة، تقـ: محمد أبو الفضل إبراهیم، القاهرة، 1384هـ/1964م؛ عنان، محمد عبد الله، نهایة الأندلس، القاهرة، 1386هـ/1966م؛ فروخ، عمر، تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1983م؛ المقري التلمساني، أحمد، أزهار الریاض، تقـ: إبراهیم الأبیاري وآخرون، القاهرة، 1359هـ؛ م.ن، نفح الطیب، تقـ: یوسف محمد البقاعي، بیروت، 1406هـ؛ النباهي، علي، تاریخ قضاة الأندلس، تقـ: لیفي بروفنسال، القاهرة، 1948م؛ وأیضاً:

EI2.

قسم الأدب العربي/ت.