ابن الحداد، ابوبکر

اِبنُ الحَدّاد، أبوبکر محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الکنِناني المصري (264-344هـ/878-955م)، فقیه وقاضٍ شافعي. بادر منذ عنفوان شبابه إلی کسب العلوم المتعارفة في زمانه. فقرأ الأدب علی عدد من الأساتذة کمحمد بن وَلّاد التمیمي وهو من تلامیذ المبرَّد وثعلب (ن.م.ع). وتبحر في العلوم الأدبیة المختلفة کالنحو و اللغة والشعر (الذهبي، 15/446، 449). وکان حافظاً لکثیر من الشعر، وینظم الشعر أحیاناً (جست، 552، 554). کما کان مطلعاً علی علوم القرآن والحدیث والرجال و الأنساب والتاریخ و سمع الحدیث من مشایخ عظام کابي یزید القَراطیسي و محمد بن جعفر ابن الإمام و أبي الزِّنباع رَوح بن الفَرَج ومحمد بن عُقَیل الفِریابي و غیرهم. وأشهر أساتذته في الحدیث أبوعبد الرحمن النسائي ولم یحدّث عن غیره وقال جعلته حجة فیما بیني و بین الله تعالی. وحدث بکتاب خصائص علی (ع) للنسائي و کان یُقرّ في بعض الموارد بأفضلیة الإمام علي (ع) (الذهبي، ن.ص؛ جست، 555-556). وقد روی عن ابن الحداد رجال عظام کابن زُولاق والقاضي یوسف القاسم و کان محمد بن سعدالباوَردي یلزمه (الذهبي، 15/446-447، 449).
واشتهر ابن احداد کفقیه أکثر من اشتهاره کمحدث أو أدیب، ویمکن أن نذکر من مشایخه في الفقه القاضي أبا عبید ابن حَربویه (من تلامیذ أبي ثور وداود الظاهري) و أبا إسحق المروزي (من حلقات الوصل في الفقه الشافعي) و محمد بن عُقیل الفریابي وبَشر بن نصر و منصور بن إسماعیل الضریر وابن بَحر (الشبکي، 3/81؛ جست، 551؛ النووي، 1/192-193؛ الذهبي، 15/449).
وسافر ابن الحداد في 310هـ/922م إلی بغداد والتی هناک عدداً من العلماء أمثال الصیرفي وأبي سعید الإصطخري ومحمد بن جریر الطبري (السبکي، 3/79؛ الإسنوي، 1/399). ویقال إنه التقی في هذه السفرة نَفطَویه النحوي أیضاً (الداوودي، 2/76).
وتعرّف عن طریق القاضي أبي عبید علی المنهج الفقهي لأبي ثور وداود الظاهري، کما تعرّف علی المنهج الفقهي للطبري خلال لقائه به (ظ: السبکي، 3/79-80). ولابد أنه یکون قد اطلع أیضاً علی الفقه المالکي والحنفي اللذین کانا یتمتّعان بقوة خاصة في ذلک العصر، وذلک لأن تلمیذه ابن زولاق قد ذکر أن ابن الحداد کان متبحراً في «اختلاف العلماء» أو ما یسمی الیوم بـ الفقه المقارن (الذهبي، 15/446). وکانت لابن الحداد باعتباره مجتهداً فتاوی شاذة أیضاً (السبکي، 3/83 ومابعدها)، وربما أدّت بعض فتاواه إلی إثارة نزاعات اجتماعیة کالفتوی التي أصدرها في هدم بنایة إحدی الکنائس (جست، 554).
وأخذ ابن الحداد أصول علم القضاء الذي یُعدُّ من الفروع العملیة للفقه من أستاذه أبي عبید القاضي (السبکي، 3/81) وقبل منصب القضاء في مصر مباشرة أو نیابة مرات عدیدة کانت أولاها في ذي القعدة أو شوال 324هـ/ أیلول أو تشرین الأول 936م، حیث نصبه ابن الإخشید قاضیاً، وبقي في هذا المنصب حتی ربیع الأول 325هـ/شباط 937م (ابن برد، 487؛ السبکي، ن.ص). و تولّی القضاء مرة أخری نیابة عن ابن هَرَوان في الفترة الواقعة بین جمادی الأولی 333 – محرم 334هـ/ کانون الثاني – أیلول 945م. کما تولی القضاء بمصر نیابة عن عمر ابن الحسن الهاشمي في الفترة الواقعة بین رجب 334 – ذي الحجة 339هـ/ شباط 946 – أیار 951م (ابن برد، 491-492). وقد ألف استناداً إلی خبرته وتجاربه کتاب أدب القاضي أو أدب القضاء علی أساس الفقه الشافعي. ویعد هذا الکتاب من أولی المؤلفات في هذا المجال. و کان ابن الحداد مجدّاً في إحقاق الحق، ولعل هذا کان السبب في عدم رغبة الحکام فیه، و مع ذلک فقد کان علی اتصال بهم و یتمتّع بکلمة نافذة لدیهم. و قد أثنی علماء الرجال علی ابن الحداد قولاً و سلوکاً و نزاهة (جست، 551-555). وحجّ ابن الحداد في 343هـ/955م و توفي عند منصرفه من الحج بمنشیة حرب علی باب مدینة مصر وقیل في موضع القاهرة، وکان یبلغ من العمر 79 عاماً. وصلی علی جنازته حاکم مصر أبوالقاسم بن الإخشید و جمع من الناس (ابن خلّکان، 4/198؛ السمعاني، 4/78) ودفن في مقبرة القَرافة (جست، 557).

آثاره

1. الفوائد (GAS, I/497)؛ 2. الفروع المولّدات، وهو کتاب مشهور لابن الحداد (ظ: السبکي، 3/80)، حظي باهتمام الکثیر من علماء الشافعیة وشَرحَه مجموعة، منهم القفّال المروزي وأبوإسحق السفراییني وأبو علي السِّنجي وأبو الطیب الطبري وأبوالقاسم الفوراني (النووي، 1(1)/193؛ حاجي خلیفة، 2/1257). یحتمل أنه نفس الکتاب الذي أورده حاجي خلیفة (2/1218)تحت عنوان «فتاوی ابن الحداد»؛ 3. الباهر، جمع فیه أقول الشافعي (الحُمیدي، 124؛ الذهبي، 15/449)؛ 4. أدب القاضي، أو أدب القضاء؛ 5. الفرائض؛ 6. الجامع (الذهبي، 15/447، 449)؛ 7. المسائل المنثورة؛ 8. فضائل القرآن؛ 9. الرد علی محمد بن علي النسائي (أو الشاشي)؛ 10. استئذان البکر في تزویجها (الداوودي، 2/77).

المصادر

ابن برد، أحمد، ذیل الولاة و القضاة للکندي، تقـ: رفن جست، بیروت، 1908م؛ حاجي خلیفة، کشف؛ ابن خلکان، وفیات؛ الإسنوي، عبدالرحیم، طبقات الشافعیة، تقـ: عبدالله الجبوري، بغداد، 1390هـ؛ جست، رفن (ظ: همـ، ابن برد)؛ الحمیدي، محمد، جذوة المقتبس، تقـ: محمد الطنجي، القاهرة، 1372هـ؛ الداوودي، محمد، طبقات المفسرین، بیروت، 1403هـ؛ الذهبي، محمد، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط وإبراهیم الزبیق، بیروت، 1405هـ/1985م؛ السُّبکي، عبدالوهاب، طبقات الشافعیة الکبري، تقـ: عبدالفتاح محمد الحلو و محمود محمد الطناحي، القاهرة، 1384هـ/ 1964م؛ السمعاني، عبدالکریم، الأنساب، حیدرآبادالدکن، 1384هـ/1964م؛ النووي، یحیی، تهذیب الأسماء و اللغات، القاهرة، إدارة الطباعة المنیریة؛ وأیضاً: GAS.

أحمد پاکتچي