ابن حبیش

اِبنُ حُبَیش، أبوالقاسم عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله بن یوسف بن أبي عیسی الأنصاري (504-584هـ/1111-1188م)، مؤرخ و محدث و فقیه و أدیب أندلسي. وذکر أن حبیش هو اسم خاله (الذهبي، سیر، 21/119).
ولد في المریّة جنوبي الأندلس (ابن الأبار، ط قداره، 2/575؛ الضبي، 358). وتعود أسرته في الأصل إلی شارقة التابعة لبلنسیة وانتقل جده عبدالله منها إلی المریة (ابن الأبار، ن.م، 2/573).
وبدأ بدراسة المقدمات في المریة وأخذ القراءات عن أبي القاسم أحمد بن عبدالرحمن القَصَبي وأبي القاسم ابن أبي رجاء البَلَوي وأبي الأصبغ، المعروف بابن الیسع و غیرهم (ن.ص المنذري، 1/80؛ قا: الضبي، ن.ص) وأخذ الفقه عن أبي القاسم أحمد بن محمد التمیمي، المعروف بابن الوَرد و أبي الحسن علي بن أحمد، المعروف بابن نافع، وسمع الحدیث من الأخیرین و من عبدالحق بن غالب، المعروف بابن عطیة وأبي محمد عبدالله بن علي الرُشاطي و أبي الحسن بن معدان و أبي عبدالله محمد بن وضاح و أبي عبدالله محمد، المعروف بابن أبي أحد عشر و غیرهم (ابن الأبار، ن.ص؛ المنذري، ن.ص)، وقرأ العربیة علی أبي عبدالله محمد بن أبي زید النحوي (ن.ص)، وشد الرحال إلی قرطبة في منتصف سنة 530هـ وأخذ الحدیث هناک من أبي الحسن یونس بن محمد بن مغیث و أبي عبدالله محمد بن الأصبغ الأزدي، المعروف بابن المناصف و أبي عبدالله جعفر بن محمد ابن المکي و أبي بکر محمد بن عبدالله المعافري، المعروف بابن العربي وغیرهم، ودجازه کل من أبي الحسن شریح بن محمد وأبي الولید ابن بَقوَة الهلالي وأبي بکر عبدالله، المعروف بابن المدیر و أبي جعفر أحمد بن عبدالرحمن البطروجي والقاضي عیاض بن موسی، کما أجازه أبوطاهر السلفي من الإسکندریة مکاتبة (ابن الأبار، ن.ص؛ قا: الضبي، 358).
وعاد ابن حبیش إلی المریة بعد حوالي 3 سنوات من أخذه الحدیث وغریبه وغیرهما وبقي فیها حتی 542هـ/1147م عندما احتلها الصلیبیون (ابن الأبار، ن.ص؛ المقري، 6/254؛ قا: GAL, I/421). وکما یذکر المقري (ن.ص) فإن ابن حبیش ذهب إلی السُلَیطین (ألفونس السابع) بعد استیلاء الصلیبیین علی المریة وقال له: إني أحفظ نسبک منک إلی هرقل (إمبراطور لاروم الشرقیة) فقال له: قل، فذکر له، فقال له: اخرج أنت و أهلک ومن معک طلقاء لاشيء. وذهب ابن حبیش في البدایة إلی مرسیة وأقام بها أیاماً ثم غادرها إلی جزیرة شَقر القریبة من بلنسیة وتولی فیها الصلاة والخطبة والأحکام، وعاد إلی مرسیة بعد 12 عاماً في حوالي 556هـ/1161م وأصبح خطیب المسجد فیها و تولی بعد ذلک في 575هـ القضاء بها (ابن الأبار، ن.م، 2/573-574). وأخیراً توفي بمرسیة بعد مرض أصابه مدة وصلی علی جثمانه أمیرها أبوحفص الرشید (ن.م، 2/575).
ولم تتحدث المصادر عن أسفار ابن حبیش سوی ماذکرنا، ولکن فروخ (5/729) ذکر أن سهل بن محمد الأزدي الغرناطي (تـ 639هـ) قد أخذ العلم عن ابن حبیش في مالقة. ولعل أحد أسباب تناوب الخطابة في جامع مرسیة بینه وبینه وبین آخرین (ظ: ابن الأبار، ن.م، 2/574) ووجود نائب له في القضاء (أرسلان، 3/453) یعود إلی مثل هذه الرحلات. و عدّ ابن الأبار (ن.ص) ابن حبیش آخر من بقي من المحدثین الکبار في المغرب، کما ذکر ذلک أیضاً تلمیذه البارز أبوالربیع الکلاعط (الذهبي، سیر، 21/121). وربما یکون هذا القول مبالغا ضفیه، ولکنه لایبدو بعیداً، إذا أخذنا بنظر الاعتبار مسار الثقافة الإسلامیة في الأندلس بعده بجیل أو جیلین (قا: ابن الأبار، ن.م، 2/573، الذي یذکر أن ابن حبیش قد أخذ الحدیث بقرطبة من بقایا العلماء بتلک الدیار).
وبالإضافة إلی تلامیذ الذین ذکرناهم، فیمکن ذکر محمد بن محمد بن أبي السداد وأبي الخطاب عمر بن الحسن، المعروفبابن دِحیة الکلبي ومحمد بن عبدالعزیز، المعروف بابن عیاش التجیبي ومحمد بن علي الهمداني، المعروف بابن البراق ومحمد بن یوسف، المعروف بابن عیاد وأبي بکر محمد بن أحمد المعافري (ابن الدبار، ط عزت العطار، 2/573، 627، 654؛ ابن الخطیب، 2/483، 488). وروی عنه أحمد بن محمد الطرسوسي ومحمد بن إبراهیم بن صلتان و علي بن أبي العافیة القسطي وغیرهم (الذهبي، تذکرة، 4/1354)، وأجاز أبا علي الشلوبین (ن.ص).
1. W. Hoenerbach
وأهم مصنفات ابن حبیش کتاب المغازي أو الغزوات و عنوانه الکامل کتاب ذکر الغزوات الضامنة الکافلة والفتوح الجامعة الحافلة الکائنة في أیام الخلفاء الأئمة الأولی الثلاثة، ولم یعرف سوی جزأین منه وهما موجودان (آلوارت، رقم 9689؛ ورهوفه، 176). وکما یظهر من العنوان فقد ذکر فیه فتوحات المسلمین في الثلث الأول من القرن الهجري الأول أیام حکم الخلفاء الثلاثة الأول. وقد کُلِّف ابن حبیش بتألیف هذا الکتاب من قبل الخلیفة الناصر لدین الله یوسف الموحّدي في 575هـ/1179م. ویبدأ الکتاب بذکر مسیرة خالد بن الولید إلی بُزاخة وینتهي الجزء الأول منه بعد ذکر الحروب و فتوحات برقة و مصر و طرابلس و صلح النوبة و غزوة ذات الصواري. أما الجزء الثاني منه فیتضمن فتح العراق وصلح الأحنف مع أهالي بلخ حتی 21هـ/642م والدخول إلی أراضي الروم (آلوارت، IX/221-222). وأشار هونیرباخ1 إلی اقتباسات ابن حبیش من کتاب الردة للواقدي والذي یعد من المصادر الموثوقة و القدیمة (EI2). و کما ذکر کائتاني (II(1)/550) یبدو أن ابن حبیش قد استفاد بشکل أفضل من الطبري – رغم تأخره عنه – من کتاب الردة للواقدي. و یضیف أن ابن حبیش قد استفاد أیضاً من مصدرین آخرین مفقودین هما کتا بیحیی بن سعید الأموي و کتاب یعقوب بن محمد الزهري الذي لایعرف عنه شيء. وقد طرح دانلوب (ص 461) سؤالاً مهماً و هو لماذا لم ینل کتاب الغزوات شهرة و إقبالاً کما ینبغي؟ و في جوابه علی هذا السؤال یرجع ذلک من جهة ربما إلی تعاونه مع الموحدین و من جهة أخری إلی اعتماده علی أقوال المحدثین غیر الموثوقین – حسب قول ابن دحیة. ولعل هذا الأمر له علاقة بالأحداث التي تلت ذلک في الأ«دلس والتي تعد من الأسباب المهمة في بقاء الکثیر من ذخائر الحضارة الإسلامیة في تلک الدیار مغموراً.  النقطة الأخری وجود کتاب باسم الاکتفاء في مغازي رسول الله (ص) و مغازي الثلاثة الخلفاء لأبي الربیع الکلاعي تلمیذ ابن حبیش، وإلی أي حد استطاع هذا الکتاب أن یؤثر في إبقاء کتاب الغزوات مجهولاً و غیر مرغوب فیه، و هو جدیر بالدارسة.
 یبدو أن ابن حبیش کان یرید تألیف تکملةً لکتاب الصلة لابن بشکوال ولهذا فقد أعدّ خلاصة له و أضاف إلیها شروحاً وتعلیقات، ولکنه لم یوفق في إنجازها ووقعت تلک الشروح والتعلیقات بید ابن الأبار فنقلها في التکملة مع الإشارة إلی أنها تعود لابن حبیش (ابن الأبار، ط قداره، 2/575؛ وأیضاً ظ: جنثالث پالنثیا، 276).
أما المصنَّف الآخر لابن حبیش هو مجموعظ صغیرة في الألقاب وذکر ابن الأبار (ن.ص) اسمها عن نسخة منه کانت موجودة عند أبي الربیع الکلاعي و یذکر أنه استنسخها، ولکن لم یعثر لحد الآن علیها.

المصادر

ابن الأبار، محمد، التکملة لکتاب الصلة، تقـ: فرنسشکه قداره، مدرید، 1882م؛ ن.م، تقـ: عزت العطار الحسیني، القاهرة، 1375هـ؛ ابن الخطیب، محمد، الإحاطة، تقت: محمد عبدالله عنان، القاهرة، 1394هـ/1974م؛ أرسلان، الأمیر شکیب، الحلل السندسیة، بیروت، 1358هـ؛ جنثالث پالنثیا، آنخل، تارخی الفکر الأندلسي، تجـ: حسین مؤنس، القاهرة 1955م؛ الذهبي، محمد، تذکرة الحفاظ، حیدرآبادالدکن، 1333-1334هـ؛ م.ن، سیر أعلام النبلاء، تقـ: بشار عواد معروف و محیي هلال السرحان، بیروت، 1404هـ/ 1984م؛ الضبي، أحمد، بغیة الملتمس، القاهرة، 1388هـ/1967م؛ فروخ، عمر، تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1982م؛ المقري، أحمد، نفح الطیب، تقت: محمد البقاعي، بیروت، 1406هـ؟ 1986م؛ المنذري، عبدالعظیم، التکملة لوفیات النقلة، تقـ: بشار عواد معروف، بیروتف 1405هـ/ 1985م؛ وأیضاً:

Ahlwardt; Caetani, Leone, Annali dell’ Islam, Milan, 1907; Dunlop, D.M., «The Spanish Historian Ibn Hubaish», JRAS, 1941; EI2; GAL; Voorhoeve.
محمدهادي مؤذن‌جامي