الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / ابن باجة /

فهرس الموضوعات

ابن باجة


تاریخ آخر التحدیث : 1443/4/21 ۱۴:۱۶:۳۹ تاریخ تألیف المقالة

مجموعة إسکوریال

وتشتمل علی: 1. تعالیق علی کتاب أبي نصر في المدخل والفصول من إیساغوجي؛ 2. تعالیق علی کتاب بارِارمیناس للفارابي (نشرت هذه الرسالة و رسالة أخری بتحقیق محمد سلیم سالم تحت عنوان: ابن باجة، تعلیقات في کتاب باري ارمینیاس و من کتاب العبارة لأبي نصر الفارابي، القاهرة، 1976م)؛ 3. کلام علی أول البرهان؛ 4. کتاب البرهان؛ 5. تعالیق علی کتاب المقولات لأبي نصر.

مجموعة طاشقند

و یشاهد في هذه المخطوطة أربع رسائل لابن باجة: 1. رسالة لأبي بکر محمدبن یحیی في المتحرک (ص 315 ب إلی 316 الف)؛ 2. في الوحدة والواحد (ص 316 الف إلی 317 الف)؛ 3. مقالة لأبي بکر محمد بن یحیی في الفحص عن القوة النزوعیة (ص 343 ب إلی 345 الف)؛ 4. تتمة المقالة السابقة (ص 345 ب إلی 347 الف) (بدوي، مقدمة رسائل فلسفیة، 116-136).
ومن مخطوطات ابن باجة کما سیرد في فهرس الکتب، ماجمع بعضها و ترجم بتحقیق میغل آسین پلاثیوس بین سنتي 1940 إلی 1946م، و نشر في عدة أعداد من مجلة الأندلس و من ناحیة أخری فإن مادون في العقود الأخیرة بصورة مستقلة و نشر من قبل باحثّین عبارة عن: 1. کتاب النفس (ظ: المصادر في هذه المقالة)؛ 2. رسائل ابن باجة الإلهیة (ظ: المصادر) و تضم الرسائل التالیة: «تدبیر المتوحد»؛ «في الغایة الإنسانیة»؛ «الوقوف علی العقل الفعال»؛ «رسالة الوداع»؛ «قول یتلو رسالة الوداع»؛ «اتصال العقل بالإنسان»؛ «ملحق» (مقدمة لأبي الحسن بن الإمام لفهرست مؤلفات ابن باجة). یمکن الرجوع إلی مؤلفات ابن باجة تألیف قلوي، للاطلاع علی مزید من آثاره (ظ: المصادر).

نظریاته و آراؤه الفلسفیة

یبدو مما کتبه ابن باجة و ماروی عنه بعضهم کابن طفیل (تـ 581هـ/ 1185م) و ابن رشد (تـ 595هـ/ 1199م) أنه ربما لم یوفق في وضع نظام فلسفي متناسق، لظروفه الشخصیة والاجتماعیة و القلق و نشاطاته السیاسیة، و مع ذلک فإن ماترک ینم عن فکره الفلسفي الفعال،  نظرته الفلسفیة العمیقه و الدقیقة. و یری أبوالحسن بن الإمام صدیق ابن باجة و تلمیذه أنه «أعجوبة العصر و نادرة الفلک في زمانه» و یقول في مقارنته بکبار العلماء الآخرین الذین سبقوه في الأندلس: «أما أبوبکر رحمه الله فنهضت به فطرته القائقة و لم یدع النظر و التنتیج و التقیید لکل ما ارتسمت حقیقته في نفسه علی أطوار أحواله و کیفما تصرف به زمنه» (رسائل، «ملحق»، 176). ثم یضیف «ویشبه أنه (في العلم الإلهي) لم یکن بعد أبي نصر الفارابي مثله في الفنون التي نقل علیها من تلک العلوم، فإنک إن قرنت أقاویله فیها بأقاویل ابن سینا و الغزالي (وهما اللذان فتح علیهما بعد أبي نصر في المشرق في فهم تلک العلوم و دونا فیها) بان لک الرجحان في أقاویله و في حسن فهمه لأقاویل أرسطو» (ن. م، 177). ویقول ابن طفیل أیضاً عن ابن باجة في أول کتابه الشهیر حيّ بن یقظان بعد أن یشیر إلی ماضي العلوم الفلسفیة في الأندلس، وإلی الذین بحثوا حولها: «ولم یکن بینهم أثقب ذهناً، ولاأصح نظراً ولاأصدق رویة من أبي بکر ابن الصائغ، غیر أنه شغلته الدنیا حتی اخترمته المنیة، قبل ظهور خزائن علمه و بث خفایا حکمته، وأکثر مایوجد له من التألیف إنما هي غیر کاملة و مجزومة ککتابه «في النفس» و «تدبیر المتوحد» و ما کتبه في المنطق و علم الطبیعة» (ص 62). و یصرّح ابن رشد أیضاً في عدة مواضع من آثاره إلی مبادرة ابن باجة و تفوقه في البحث حول القضایا الفلسفیة المهمة، حیث سیشار إلیها في آخر المقالة هذه.
ویمکن التعبیر عن میزات ابن باجة الفلسفیة بشکلین: علم الإنسان الفلسفي، و ما یحتمل أن یسمی السعي وراء «علم معرفة الروح»، ویتمثلان کلاهما في فلسفة ابن باجة في صلة متماسکة مع وضع نظام سیاسي – اجتماعی کامل «المدینة الکاملة»، و غالباً مایستلهم ابن باجة في وضعه لفلسفته من أرسطو وأفلاطون (الذي یسمیه فلاطن و هو الصحیح) و الفارابي، و نظریته في المعرفة و علم الطبیعة و علم النفس و علم الکون أرسطوئیة بصورة عامة، أما علم الإنسان و نظریاته السیاسیة فمستلهمة من أفلاطون و أرسطو غالباً و ممزوجة بنظریات الأفلاطونیة الحدیثة و لاسیّما آراء الفارابي، والمسألة التي یتطلب جواباً أن ابن باجة لایشیر في کل ما کتب إلیابن سینا قط ولا إلی نظریاته الفلسفیة، فهل کانت آثار ابن سینا بعیدة عن متناول یده، أو أنها لم تکن قد وصلت في عهده إلی الأندلس. ولایمکن تأیید أي من هذین الافتراضین بشکل قاطع. و لکن ممّا لاشک فیه أن ابن طفیل المعاصر الأکثر شباباً لابن باجة قرأ آثار ابن سینا (ابن طفیل، 57) و یرجّح أن ابن باجة لم یشر عمداً إلی کتب ابن سینا لأنه کان لایجد في نفسه حاجة إلیها، و أن کتب الفارابي تکفیه. هذا في الوقت الذي نراه یشیر إلی أبي حامد الغزالي و کتبه مرات عدیدة.

علم الإنسان الفردي و الاجتماعي

(تدبیر المتوحّد): یتمحور تفکیر ابن باجة الفلسفي حول وجود الإنسان و حیاته فرداً کان أو مجتمعاً أو بتعبیر أفضل الإنسان کموجود متوحد یبقی وحده، ولکن في المجتمع. و من هنا جاءت تسمیة (تدبیر المتوحّد) کتاب ابن باجة الناقص. وقد بدأ ابن باجة بحثه حول الانسان من أن «کل موجود یشارک الجمادات في أمور، وکل حیوان یشارک الحي فقط في أمور، و کل إنسان یشارک الحیوان غیر الناطق في أمور، فالحي والجماد یشترکان فیما یوجد للأسطقس الذي رُکبا فیه وذلک مثل الهبوط إلی أسفل طوعاً والصعود إلی فوق قهراً وماجانس ذلک، وکذلک یشارک الحیوان الحي في هذا إذهما من أسطقس (عنصر) واحد و یشارکه أیضاً بالنفس الغاذیة و المولدة والنامیة في أفعالها، و کذلک یشارک الإنسان الحیوان غیرالناطق في کل هذه، و یشارکه أیضاً في الحس و التخیّل، والذاکرة والذکر و الأفعال التي توجد عن هذه، و هي للنفس البهیمیة و یمتاز عن جمیع هذه الأصناف بالقوة الفکریة و ما لایکون إلا بها و لذلک فإن الانسان یملک قوة الذاکرة (التذکر)، حیث تفتقدها الحیوانات الأخری ولأن الانسان مکون من الأسطقسات فتلحقه الأفعال الضروریة التي لااختیار له فیها کالهُويّ من فوق والاحتراق بالنار و ماجانسه … و یلحقه أیضاً الأفعال التي لااختیار له فیها أصلاً کالإحساس، وقد یقع في هذه ضرب من الضرورة (الجبر)، مثل مایفعل الإنسان عن الخوف الشدید، ثم شتم الصدیق و قتل الأخ و الأب علی أمرِتملک» (رسائل، «تدبیر»، 45-46). و تجدر الإشارة هنا إلی أن ابن باجة کان دائم الاستناد في أبحاثه هذه إلی أرسطو کتابه الشهیر «أخلاق نیقوماخیا»، وهو أحد أهم مصادر التفکیر الفلسفي لدی ابن باجة حیث أورده مراراً في ماکتبه (رسائل، «تدبیر»، 68، 73، «رسالة الوداع»، 114، 116، 121، 137، 143).
ویواصل ابن باجة حدیثه عن الکائن الإنساني فیقول: «و کل مایوجد للإنسان بالطبع و یختص به من الأفعال فهي باختیار، و کل فعل یوجد للإنسان باختیاره فلایوجد لغیره من أنواع الأجسام، و الأفعال الإنسانیة الخاصة به هي مایکون باختیاره، فکل مایفعله الإنسان باختیار فهو فعل إنساني، وکل فعل إنساني فهو فعل باختیار: إرادة الکائنة عن رویة، … والحیوان غیرالناطق إنما یتقدم فعله مایحدث في النفس البهیمیة من انفعال. و الإنسان قد یفعل ذلک من هذه الجهة، کما یهرب الإنسان من مفزع، … مثل من یکسر حجراً ضربه وعوداً خدشه لأنه خدشه فقط. و هذه کلها أفعال بهیمیة، أما من یکسره لئلا یخدش غیره أو عن رویة توجب کسره فذلک فعل إنساني … فالفعل البهیمي هو الذي یتقدمه في النفس الانفعال النفساني فقط. مثل التشهّي أو الغضب أو الخوف وماشاکله، والإنساني هو مایتقدمه أمر یوجبه عند فاعله الفکر، سواءً تقدم الفکر انفعال نفساني أو أعقب الفکر ذلک، بل إذا کان المحرک للإنسان ما أوجبه الفکر من جهة الفکر، أوجانس ذلک سواء کانت الفکرة یقینیة أو مظنونة، … و الإنساني هو المحرک فیه مایوجد في النفس من رأي أو اعتقاد، و لذلک یری ابن باجة أن من یفعل الفعل لأجل الرأي والصواب و لایلتفت إلی النفس البهیمیة و لاما یحدث فیها فذلک الإنسان أخلق به أن یکون فعله ذلک إلهیاً من أن یکون إنسانیاً» (رسائل، «تدبیر»، 46-47).
ومن ناحیة أخری فإن ابن باجة یعتقد بهدف لوجود الإنسان و لذلک فإنه یبحث عنه في دراسته لذلک الوجود. و لکن لیس المقصود في نظرته مطلق الإنسان، بل یسعی لرسم صورة لإِنسان یمکن أن یسمیه «الإنسان الفلسفي»، الإنسان الکامل، و لما کان هذا الإنسان الکامل، لیس إنساناً مطلقاً، و إنما هو إنسان کبقیة الناس یعیش في مجتمع معین أو بتعبیر أفضل في نظام أو منظمة سیاسیة (مدنیة) معینة. فإنه کما قال أرسطو هو في الطبع حیوان سیاسي أو اجتماعي، و هو مع غیره من الناس و منعزل عنهم . و مثل هذا الإنسان (کما سنری هو المحور الأساسي لأبحاث ابن باجة الفلسفیة) له له خصال و مزایا نفسیة و فکریة و عقلیة تضطره للعیش وحده بین غیره من الناس. و تشعره بالغربة، و لذلک علی مثل هذا الإنسان أن یدبر وجوده و حیاته الخاصة ککل إنسان آخر في باطن المجتمع کما یقول ابن باجة. و علی هذا فإن ابن باجة یقیم علیم الإنسان الفلسفي عنده علی علم النفس الفِردي والاجتماعي الممزوج بشکل من علم الاجتماع و علی أساس شکل من الفلسفة السیاسیة أو السیاسة النظریة. و یظهر أنه کان أکثر استلهاماً في هذا الخصوص من أفلاطون وأرسطو ثم الفارابي.
و یبدأ ابن باجة «تدبیر المتوحد»، بتعریف لفظة تدبیر فیقول: لفظة التدبیر في لسان العرب نقال علی معان کثیرة، أشهر دلالتها بالجملة علی ترتیب أفعال نحو غایة مقصودة، و لذلک لایطلقونها علی من فعل فعلاً واحداً یقصد به غایة ما. أما من اعتقد في عمله أنه کثیر، و أخذ من حیث هو ذو ترتیب و سمّی ذلک الترتیب تدبیراً، لذلک یطلقون علی الإله أنه مدبّر العالم. و هذا قد یکون بالقوة وقد یکون بالفعل، ولفظة التدبیر دلالتها علی ما بالقوة أکثر وأشهر، و بیّن أن الترتیب إذا کان في أمور بالقوة، فإنما یکون ذلک بالفکرة، فإن هذا مختص بالفکر. و لایمکن أن یوجد إلامنه، ولذلک لایمکن أن یوجد إلا للإنسان فقط، وما یقال علیه المدبر، فإنما هو للتشبیه به … فقد یقال بعموم و خصوص، وإذا قیل بعموم قیلفي کل أفعال الإنسان کیف کانت، فذلک یقال في المهن و یقال في القوی و في ترتیب الأمور الحربیة أیضاً، ولایکاد یقال في صناعة السِّکافة و الحِیاکة. فإذا قیل علی هذا الوجه فقد یقال بعموم آخر و خصوص. وإذا قیلَ بعموم قیل في کل الأفعال التي تشتمل علیها الصنائع التي تسمی بالقوی… و إذا قیل بخصوص قیل علی تدبیر المدن، و من ناحیة أخری فإن مایقال علیه التدبیر بتقدم بعضه بعضاً بالشرف والکمال، وأشرف الأمور التي یقال علیها التدبیر هو تدبیر المدن، و تدبیر المنزل …، أما تدبیر الإِله للعالم، فإنما هو تدبیر بوجه آخر بعید النسبة عن أقرب المعاني تشبهابه، و هذا هو التدبیر المطلق، و هو أشرفها لأنه إنما قیل له تدبیر للشبه المظنون بینه [التدبیر الإنساني] و بین إیجاد الإله تعالی للعالم … والتدبیر إذا قیل علی الإطلاق، دل علی تدبیر المدن، أو قیل بتقیید، فإنه ینقسم بالصواب و الخطأ، فأما تدبیر المدن فقد بین أمره فلاطن (أفلاطن) في السیاسة المدنیة [مراده کتاب الساسة أو بولیتیا أو کما هو مشهور خطأ «جمهوریة» أفلاطون]، و بیَّن ما معنی الصواب منه و من أین یلحقه الخطأ (رسائل، «تدبیر»، 37-39). ثم یشیر ابن باجة إلی نظریات أفلاطون حول تدبیر المنزل. وأن المنزل جزء من المدینة أو الصناعة المدنیة، ثم یؤکد علی نظریة أفلاطون بأن الوجود الأفضل لتدبیر المنزل أن یکون مشترکاً. و هنا یشیر ابن باجة إلی النظام السیاسي و المرجو للمدینة الأفلاطونیة الفاضلة و یربط بینها و بین المنزل فیقول: «أما المنزل في غیر المدینة الفاضلة و هو في المدن الأربع التي أعدت، فإن المنزل فیها وجوده ناقص، و أن فیه أمراً خارجاً عن الطبع، و إن ذلک المنزل فقط هو الکامل الذي لایمکن فیه زیادة فلاتعدو نقصاً کالأصبع السادسة. فإن المحکم هذا خاصته أن الزیادة فیه نقصان» (ن. م، 39). و ما یریده ابن باجة من «النظام السیاسي للأربع الأخری» في النص هو مایطلق علیه أفلاطون في البدایة اسم النظامین السیاسیین «الفاسد» و «الناقص» في کتاب السیاسة (الجمهوریة، الکتاب الخامس، 449A). و یعتبر مقابل «النظام السیاسي الکامل» (المدینة الفاضلة)، وهذا عبارة عن النظام الساسي «الملکي» (باسلیا)، و «حکم القلَّة» (الأولیغارشیة) و «حکم الجماهیر» (دموکراتیا، الدیمقراطي)، و «الفردي أو الاستبدادي» (تورانیس) (الجمهوریة، الکتاب الثامن، الفصل الاول، 544C).
ونجد من ناحیة أخری لفظة لمعنی «النظام السیاسي» عند ابن باجة حیث نراها في ترجمة إسحق بن حنین لکتاب أرسطو (اخلاق نیقوماخیا)، ولاشک في أن ابن باجة أخذها من هذا الکتاب. و هذه اللفظة هي «سیرة» و قد ترجم إسحق بن حنین لفظة «بولوطیا» لأرسطو بـ «الهیئة المدنیة» و «السیرة». و من ناحیة أخری فقد استعمل هذه اللفظة بمعنی «أسلوب الحیاة» و هو اصطلاح في نفس کتاب «أخلاق نیقوماخیا» (ارسطو، الأخلاق، 293-295)، واستعمل إسحق بن حنین أیضاً مقابل النظم السیاسیة الأربعة الأفلاطونیة – الأرسطوئیة، ألفاظ «المُلک» و «رئاسة الأخیار» (الأرستقراطیة) و «رئاسة الکرامة» (التمیقراطیة، حکم الافتخار) و «رئاسة العوام أورئاسة العامة» (الدیمقراطیة) و حُکم القلَّة (الأولیغارشیة، حکم عدد من الأشخاص) (ن. م، 294-295). و یستعمل ابن باجة أیضاً اصطلاح (السیر الأربع مقابل النظم السیاسة الأربعة» اعتماداً منه علی الاصطلاح الأرسطوئي وتبعاً لترجمة إسحق، و یمکن اعتبار هذا الاصطلاح مقابل تقسیم الفارابي أیضاً (المدینة الجاهلة و الفاسقة و المتبدلة و الضالة، ظ: آراء أهل المدینة الفاضلة). کما یسمي ابن باجة النظم السیاسیة الأربعة تبعاً للفارابي بالأسماء التالیة: المدینة الإمامیة وهي المدینة الفاضلة عند الفارابي)، ومدینة الکرامة (التیمقراطیة) والمدینة الجماعیة (الدیمقراطیة) ومدینة التغلّب (الحکم الاستبدادي) (رسائل، «تدبیر»، 74؛ قا: الفارابي، تحصیل السعادة، 43). و یشیر ابن باجة إلی نقطة مهمة و هي أن کمال المنزل لیس الهدف لذاته، و إنما یراد به تکمیل نظام المجتمع السیاسي أو غایة الإنسان بالطبع، و هو یبین أن القول فیه جزء من القول في تدبیر الإنسان نفسه هو علی ما هو مشهور، لیس له جدویولا هو علم، کما یعرض ذلک فیما کتبه آخرون دعاهم ابن باجة بالبلاغیین مثل کتاب کلیلة ودمنة وحکماءالعرب فان جل ذلک إنما کان الصادق وقتا ما وفي سیره یسیرة، فإذا تغیرت هذه السیرة تغیرت تلک الآراء التي هي أقاویل کلیة فصارت جزئیة و صارت بعد أن کانت نافعة ضارة أو مُطرَحة (ن. م، 40-41). وهنا یبادر ابن باجة فجأة إلی وصف ابتکاری لمدینته الفاضلة، و یشیر قبل کل شيء إلیخاصتین فیها: فالأهالي في مثل هذا النظام السیاسي یستغنون عن فئتین هما الأطباء و الڤضاة، فلا تشاهد في المدینة الفاضلة صناعتان (صناعة الطب و صناعة القضاء)، لذلک لاوجود للقضاء في المدینة الفاضلة، ذلک أن المحبة بینهم أجمع فلاتشاکس بینهم أصلاً فلذلک إذا عُري جزء منها من المحبة وقعالتشاکس واحتیج إلی وضع العدل. و احتیج ضرورة إلی من یقوم به و هو القاضي.  من ناحیة أخری فإن المدینة الفاضلة أفعالها کلها صواب فإن هذا خاصتها التي تلزمها. و لذلک لایغتذي أهلها بالأغذیة الضارة. و کذلک لایحتاجون إلی معرفة الأدویة المختلفة، وهم یقومون بالألعاب الریاضیة، فإن أسقطوا الریاضة حدثت عندئذ أمراض کثیرة و عسی لایحتاج منها في أکثر من مداواة الخلع و ماجانسه و بالجملة الأمراض التي أسبابها الجزئیة واردة من الخارج. ولایستطیع البدن الحسن الصحة أن ینهض بنفسه في دفعها. لذلک من خواص المدینة الکاملة أن لایکون فیها طبیب ولاقاض و من اللواحق العامة للمدن الأربع البسیطة أن یفتقر فیها إلی طبیب و قاضٍ و کلما بعد کل نظام سیاسي و اجتماعي عن الکمال کان الافتقار فیها إلی هذین أکثر. و کان فیها مرتبة هذین الصنفین من الناس أشرف، و بیَّن أن المدینة الفاضلة الکاملة قد أعطي فیها کل إنسان أفضل ما هو معد نحوه، و أن آراءَها کلها صادقة و أنه لارأي کاذب فیها. و أن أعمالها هي الفاضلة بالإطلاق، و یشیر ابن باجة إلی أنه بیَّن جمیع هذه الأمور في کتاب «أخلاق نیقوماخیا» (ظ: «أخلاق نیقوماخیا»، المقالة الثالثة، الفصل I، و مواضع أخری).
ویری ابن باجة وجود میزة أخری للمدینة الفاضلة، و هي أن کل رأي و عقیدة غیر رأي و عقیدة أهلها یحدث في المدینة الکاذبة فهو کاذب، و کل عمل یحدث فیها غیر الأعمال المعتادة منها فهو خطأ، و لذلک لاتوضع في النظام السیاسي – الاجتماعي الکامل (المدینة الکاملة) أقاویل فیمن رأی غیر رأیها أو عمل غیرعملها. وأما في المدن الأربع فقد یمکن ذلک. فإنه قد یکن أن یحل هناک بعمل فیهتدی إلیه بالطبع إنسان أو یتعلمه من آخر فیعمله أویکون هناک رأي کاذب فیشعر بکذبه إنسان ما، أو یکون فیها علوم مغلطة لایعتقدون في شيء منها، أو في أکثرها أحد المتناقضات، و أما من فعل عملاً أو تعلمه علماً صواباً لم یکن في المدینة، أو کان فیها نقیضه هو المعتقد، فإنهم یسمون النوابت. و کلما کانت معتقداتهم أکثر وأعظم موقعاً کان هذا الاسم أوقع علیهم. و هذا الاسم یقال علیهم خصوصاً، وقد یقال بعموم علی من هو یری غیر رأي أهل المدینة کیف کان صادقاً أو کاذباً، و نقل إلیهم هذا الاسم من العشب النابت من تلقاء نفسه بین الزرع. ثم یضیف ابن باجة قائلاً «فلنخص نحن بهذا الاسم الذین یرون الآراء الصادقة» (رسائل، «تدبیر»، 41-42). و یجدر هنا شرح «النوابت»: فنحن نجد هذه اللفظة لأول مرة قبل ابن باجة عند الفارابي، وأکبر الظن أن ابن باجة أخذ هذا الاصطلاح منه لاطلاعه الکامل علی ماکتبه. فالفار ابي یشیر في کتابه السیاسة المدنیة أو مبادئ الموجودات، إلی وجود النوابت ضمن حدیثه عن «المدن الفاضلة»، فیقول: «أما النوابت في المدن الفاضلة فهم أصناف کثیرة»، ثم یعدّد هذه الأصناف التي تبلغ ثمانیة، وأخیراً یقول: فهؤلاء هم الأصناف النابتة في خلال أهل المدینة و لاتحصل من آرائهم مدینة أصلاً ولاجمع عظیم من الجمهور، بل یکونون مغمورین في جملظ أهل المدینة (ص 104-107)، و من ناحیة أخری فإن الفارابي یورد قبل ذلک تعریفاً عن النوابت في هذا الکتاب شدید الشبه بتعریف ابن باجة. یقول الفارابي: «فإن النوابت في المدن (النظم السیاسیة) منزلتهم فیها منزلة الشیلم من الحنطة أو الشوک النابت فیما بین الزرع أوسائر الحشائش غیر النافعة و الضارة بالزرع و الغرس» (ص 87).
والآن لابد من الإشارة إلی أن الفارابي نفسه أخذ لفظة النوابت من کتاب أفلاطون الشهیر السیاسة (الجمهوریة). و نحن نعلم أن حنین بن إسحق فسر کتاب پولوطیا (السیاسة) لأفلاطون بالعربیة (ابن الندیم، 246)، وذکره الفارابي نفسه (ظ: الجمع بین رأیي الحکیمین، 83). و نری في کتاب أفلاطون العبارات التالیة: لأنه ینبت بنفسه، دون إرادة أي من النظم السیاسیة و من العدل ألایشتاق إلی دفع قیمة رعایته لأي فرد إذا کان هذا النابت لایدین لأحد بنموّه (ظ: السیاسة (الجمهوریة)، الکتاب السابع، الفصل V، 520B3-5).

الصفحة 1 من4

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: