الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن بابک /

فهرس الموضوعات

ابن بابک


تاریخ آخر التحدیث : 1443/4/18 ۱۳:۳۹:۰۹ تاریخ تألیف المقالة

اِبنُ بابَک، أبوالقاسم عبدالصمد بن منصور بن بابک، شاعر في العصر البویهي (تـ 410هـ/ 1019م). و یبدو من اسم جده بابک أنّه من أصل إیراني (قا: لغت‌نامه)، إلا أنّ خُضیر عدّه عربیاً أصیلاً من قبیلة سلیم العدنانیة (ظ: کحّالة، 382). و دعاه البعض بالبغدادي لأنّه کان یقیم شطراً من کل عام في بغداد، کما أنّ فیها منزله و مأواه (الذهبي، سیر، 17/280؛ العبّاسي، 1/64).
ولا تتوفر في المصادر معلومات مهمة عن هذا الشاعر المکثر القلق الحائر. بدءاً بالثعالبي (تـ 429هـ/1038م) و انتهاءً بالکُتّاب المتأخرین، فقد اقتصروا جمیعاً علی تکرار عدّة روایات قصیرة لاطائل منها بینما یمتلئ دیوانه الکبیر بمعلومات تاریخیة و اجتماعیة و أدبیة یمکن أن ینتفع بها الباحثون إلی حد کبیر. و تتلخّص المادة التي قدمتها لنا المصادر في أنه التحق بالصاحب بن عبّاد (تـ 385هـ/995م) و کان یشتو عنده و یصیف بوطنه (؟) (الثعالبي، 3/374؛ ابن الجوزي، 7/295)، کما کان یجوب البلدان (ابن خلکان، 3/196؛ الذهبي، ن. ص). و اتهم یوماً في مجلس الصاحب بن عباد بانتحال قصائد ابن نُباتة (ن. ع). فامتحنه الصاحب فثبتت لدیه براعته، فلام الطاعن (العباسي، 1/68-70). و کانت وفاته في بغداد (ابن تغري بردي، 4/246)، و یبدو من شعره أنّ حیاته لم تکن خالیة من الأحداث، فنحن نعلم مثلاً أنه کان مختبئاً بالکوفة أثناء الصراع بین البویهیین و أمراء جنوبي العراق (ظ: الورقة 259)، أو أنه سجن لدی شرف‌الدولة عندما توجّه نحو بغداد قادماً من الري (الورقة 137)، إلا أن أیاً من هذه المصادر لم تذکر شیئاً عن تلک الوقائع.
وقد أثنی الجمیع علی شعره: فالثعالبي (3/374) یقول إن شعره یشبه مرّة في الجزالة و الفصاحة شعر المتقدمین، و یناسب تارة في الرشاقة و الملاحة قول المجیدین من المحدَثین و المولَّدین. و طالما استشهد بأبیاته بعض الکُتّاب کالجرجاني (ظ: الفهرست) و الراغب (ظ: الفهرست). و مع ذلک لم یشتهر دیوانه و ظلت نُسَخُه نادرة. وقد کتب بنفسه المجموعة الأولی من شعره. و سمع الثعالبي (ن. ص) الذي کان یبحث عن شعر ابن بابک، أَن أبانصر سهل بن المرزبان أرسل إلی بغداد طالباً من ابن بابک مجموع شعره، فأهدی إلیه شعره في مجلد جمیل و خط حسن. و النماذج التي أوردها الثعالبي في یتیمة الدهر، هي من شعر ذلک المجلد.
ویعد حوالي قرنین و نصف رأی کل من ابن خلّکان (3/196) و الذهبي (العبر، 3/103) دیوانه في 3 مجلدات (م. ن، سیر، ن. ص: مجلدان). و منذ ذلک الحین لم یتحدث أحد دیوانه الکامل، حتّی قدَّم بروکلمان (GAL, S, I/ 445) في الوقت الراهن نسختین منه، واحدة ناقصة، و أخری کاملة بحسب الظاهر (قا: GAS, II/ 639-640). و لکن توجد نسخة مفصلة جداً (287 ورقة) و منقحة من دیوانه في المکتبة الوطنیة بطهران (ملي، 7/411)، غیر أنها ناقصة ورقة أو ورقتین من البدایة، و جزءاً من النهایة. و هذا الدیوان رتب بأسلوب خاص، بحیث نظم الناسخ (أو الشاعر نفسه؟) القوافي حسب حروف الهجاء، و دعا کل حرف «باباً» (و لم یراع في الأبواب الترتیب الهجائي في بقیة الحروف التي سبقت القافیة)، ثم جمع الأشعار حسب البحر الشعري و أطلق علی کل بحر «فصلاً». و من الواضح أن «فصول» الدیوان تتفاوت حسب صیاغة الشاعر و صعوبة القوافي؛ فالباب الثاني (حرف الباء) مثلاً یتألف من 11 فصلاً (أوبحراً) مبتدئاً بالطویل و منتهیاً بالمتقارب، بینما لایتألف الباب الرابع (حرف الثاء) من أکثر من ثلاثة فصول (بحور الوافر و السریع و المتقارب). و استمر الکاتب في هذا الأسلوب حتّی ثلثي الکتاب، إلّا أنه تخلّی (من حرف السین و مابعدها) فجأة عن نظام الفصول، واکتفی بذکر قافیة أشعار کل مجموعة، و استمر علی هذا النمط حتّی نهایة قافیة اللام، أي حتّی خاتمة الکتاب. و مع الأسف الشدید نلاحظ هنا أن الکاتب یکتب: «هذه مجموعة شعریة وجدتها من بین آثار الأستاذ عبدالصمد بن بابک» و نفهم من ذلک أنه فضلاً عن الصفحات الأولی الساقطة من الکتاب (لأنّه یبدأ من الباب الأول، الفصل الرابع) فإنّ کاتب الدیوان قد استنسخ عن نسخة تلف الجزء الأخیر منها.
و من مزایا هذا الدیوان النادرة، وجود عنوان في بدایة کل قصیدة، یوضح مضمون الشعر و الغایة منه. فإذا کانت القصیدة في المدح – تسعة أعشار الدیوان في المدح علی الأقل – یذکر اسم الممدوح و لقبه، و سبب المدح، و في بعض الأحیان تاریخ نظم القصیدة. و لمّا کان هذا الشاعر المکثر المداح، لایأنف عن مدح أحد، و لمّا کان یعیش أیضاً في أزهر عصور التاریخ الإیراني و أکثرها تعڤیداً، یمکن الحصول من دیوانه – کما هو الحال من النقوش و المسکوکات – علی معلومات تاریخیة قیمة.
ویضّم دیوان ابن بابک مئات القصائد في مدح الأمراء البویهیین ووزراء و کتّاب و قادة جیوش و حکام و أعیان بلاطات مختلفة في سائر أرجاء فارس و العراق. و لهذا فإن الباحث سیواجه قضیتین أساسیتین، الأولی سیاسیة و الثانیة لغویة، لایمکن الإجابة عنهما بسهولة:
1. کان ابن بابک یعیش  في عصرمات فیه عضد‌الدولة، و بات کل من الأمراء الدیالمة الذین اقتسموا أرض إیران  العراق، یطمع في أن یصبح ملکاً و سلطاناً. و أخذ التنافر و العداء یستفحل بینهم علی مر الزمن حتّی اندلعت الحرب أخیراً، فناصر وزراء کل منطقة و أمراؤها وأعیانها ملکهم و اضطروا إلی خوض الصراعات السیاسیة. إلّا أنّ العجیب هو مبادرة ابن بابک إلی مدح کل ملوک و أمراء عصره، من بغداد و حتّی کرمان و جرجان، و قلّما سقط في حبال الصراعات السیاسیة. بل إنّه لم یحجم عن مدح السلطان محمود الذي ظهر في الشرق وراح یقوي یوماً بعد آخر، و بات یهدد کیان‌الدولة البویهیة. و فهرس ممدوحیه مفصل جداً،  لابأس بذکر الملوک و الأمراء الذین مدحهم: فخر‌الدولة شاهنشاه، في الري و أصفهان، بعد وفاة الصاحب بن عباد (الورقة 146)؛ شمس‌الدولة بن فخر‌الدولة، حاکم همدان و قرمیسین (الورقة 7). أنشد هذا المدیح في 407هـ/ 1016م (الورقة 231)؛ بهاء‌الدولة بن عضد‌الدولة حاکم فارس و العراق، 4 قصائد (الأوراق 12، 29، 76، 270)، ولم یوفق لإلقاء القصیدتین الثالثة والرابعة بین یدي الملک؛ شرف‌الدولة بن عضدالدولة حاکم فارس و العراق. و یفهم من عنوان القصیدة أنّ شرف‌الدولة اعتقله عندما توجه إلی بغداد قادماً من الري (الورقة 137): شاهنشاه کهف الأمة [= رکن‌الدولة]، حاکم الري، 395هـ (الورقة 231)؛ أبو کالیجار مرزبان بن ویهان، حاکم خوزستان (الورقة 78)؛ الأمیر أبوالعباس، خسروفیروز بن رکن‌الدولة، بعد وفاة الصاحب (الورقة 51)؛ فلک المعالي منوجهر بن شمس المعالي، حاکم جرجان (الورقة 213)؛ کیا أبوالمظفر بن کیا أبي العباس، حاکم نهاوند (الورقة 132). قصیدة أخری في وداعه و عتابه (الورقة 256)؛ السلطان محمود الغزنوي، القصیدة الأولی، بدون تاریخ (الورقتین 41، 42)، القصیدة الثانیة بمناسبة فتح خوارزم في 407 هـ (الورقة 88). والأمیر الوحید الذي تجرّأ الشاعر و هجاه هو بدربن حسنویه (حکـ 369-405هـ/ 979-1014م). و نحن نعلم أنّ بدر أقام علاقات طیبة مع الأمراء البویهیین بأسلوب ذکي، و أسس دولة شبه مستقلة علی جزءعظیم من الجبال، و مع هذا ظلّ دائماً عقبة من وجهة نظر البویهیین، ولهذا تجرأ علیه ابن بابک و انتقده (الورقة 123). بینما نراه قد مدح ابنه هلال (حکـ 400-405هـ/ 1010-1014م) بشکل من الأشکال: و مدح في قصیدتین (الورقتین 120، 161) فخر الملک الوزیر، و أشار إلی خلعة الوزیر علی هلال. و النقطة المثیرة هي أن اسم هذا الأمیر الکردي ورد في عناوین القصائد، هُلَیل و لیس هلال.
و نظراً للقصائد القلیلة التي أنشدها في مدح الملوک و الأمراء، لایمکن اعتباره شاعر البلاط و في المقابل، فإنّ القصائد التي نظمها في مدح وزراء‌الدولة البویهیة کباراً و صغاراً، کثیرة جداً، و یمکن القول منذ الوهلة الأولی إنّه شاعر الصاحب بن عباد، لأنه و کما مرَّسابقاً کان یشتو عند الصاحب، و یصل عدد القصائد التي مدحه بها إلی 22 قصیدة؛ اثنتین منها في الري و البقیة في جرجان. ورغم ذلک فإنّ القصائد التي أنشدها لأبي سعد محمد بن إسماعیل بن الفضل کانت أکثر و تبلغ 27 قصیدة. و یفهم من هذه القصائد أنّ علاقته کانت ودیة بذلک الوزیر الذي کانت مهمته في همدان، لأنّه سبق أن مدحه مرّة في بغداد و أخری في قزوین قبل وزراته، و ثماني مرات في الري، و کانت إحدی تلک المدائح في احتفالات مهرجان (394هـ/1004م) بمناسبة توزیره، و یحتمل أنّ ذلک کان من جانب مجد‌الدولة البویهي، و القصائد الست عشرة الأخری، یحتمل أنّه قدمها له في همدان، و قد تمّم نظم و إنشاد القصیدة الأخیرة التي تحمل تاریخاً (399هـ) في احتقالات مهرجان. و أصبح هذا الوزیر آخر الأمر قعید البیت، وقد أشیر إلی ذلک بقصیدتین في دیوان ابن بابک. أما الوزراء الآخرون المهمون إلی حدّما والذین مدحهم في إیران فهم: أبوالقاسم علي بن محمد بن الفضل، غالباً في الري و نهاوند، 17 قصیدة؛ الوزیر أبوعلي حمد بن أحمد، 11 قصیدة کلها في جرجان؛ الوزیر فلک الملک أبوالمعالي، في همدان و نهاوند، 8 قصائد، اثنتان منها في 406هـ؛ أبو نصر خُرشید بن یزدانفادار بن مافته، 3 قصائد، دون ذکر المکان و التاریخ؛ الأستاذ الجلیل أبو علي الحسن بن أحمد، في الري، 9 قصائد آخرها بتاریخ 396هـ، وواحدة بعد مصادرة أمواله في الري و أخری في 388هـ/ 998 في احتفالات مهرجان عندما انطلق أبوعلي من الري لحرب قابوس بن وشمگیر و کان قد وصل إلی فریم؛ إسفهسالار أبونصر أحمد بنمحمد، 10 قصائد في الري، واحدة في قرمیسین؛ أبوسعد المنصور بن الحسن الآوي (ظ: ن. د، الآبي) وزیر مجدالدولة، 6 قصائد، واحدة بتاریخ 399هـ/1009م، و أخری هجائیة قاسیة للغایة و بذیئة؛ أبوالقاسم و أبوالعلاء من آل حسول (ن.ع)، قصیدة واحدة لکل منهما و أبوطاهر من نفس الأسرة، 3 قصائد؛ حول أبي بکر بن رافع الذي تولّی لفترة ولایة نهاوند (ابن الأثیر، 9/214)، 14 قصیدة في نهاوند و همدان والري، إلّا أن أکثر هذه القصائد في هجائه، و یمکن الحصول علی معلومات تاریخیة قیمة منها. و بالإمکان إضافة عشرات الأسماء الأخری إلی هذا الفهرس.
و کما أشرنا، فإنّ ابن بابک کان یصیف في بغداد، و لهذا فقد مدح العدید من البغدادیین و منهم: أبومحمد الأوحد وزیر سلطان‌الدولة و عمادالدین البویهي، قصیدة واحدة؛ و صاغ في ابنه أبي المکارم الذي کان قائد الجیش و یلقب بعز الجیوش 16 مدیحة. و کان شعره في وصف بیوت ذلک الأمیر و قصوره من نوع «الداریات» التي اشتهرت في تلک الفترة؛ الأستاذ أبوالحسن سعید بن نصر، 14 قصیدة؛ الأستاذ أبونصر یزدانفاداربن مرزبان، 5 قصائد.
و مع هذا یلاحظ أنّه لم یمدح الکثیر من الوزراء الکبار و المشهورین (ظ: زامباور، 324-326)، أو أنه اکتفی بمدائح قلیلة لفقده النفوذ في أجهزتهم، فقد مدح «ذا السعادتین أبا الغالب» وزیر بهاء‌الدولة و سلطان‌الدولة بأربع قصائد فقط، و حول أبي نصر شابور بن أردشیر (تـ 406هـ) وزیر بهاءالدولة و من کبار وزراء بغداد، أنشد قصیدتین فقط أحدهما لیست مدحاً، بل عتاب لاغتصاب أحد بیوته في بغداد.
وفضلاً عن ذلک فقد مدح أیضاً بعض شخصیات عصره في مدن أخری منهم، أبوالعباس أحمد في بروجرد (الورقة 79)، و أبو مخلد في الموصل (الورقة 208)، والشیخ أبوالحسن بن فادشاه في أصفهان (الورقة 258)، و قراوش في الکوفة (الورقة 149)، و حتّی الشیخ أبوالحسن متولي البرید في دیلمان (الورقة 197)، و المهذب بدر بن سهلان في الأهواز (الورقة 34) ثم في أرّجان (الورقة 47)، علماً بأنّ الشاعر کان لاینشد أغلب هذه المدائح بحضور ممدوحیه، بل کان یرسلها إلیهم بطریقة ما.
و نحن و من خلال دراسة مقتضبة لدیوان ابن بابک، یتبین لنا بوضوح نزعته إلی المدح و الإکثار منه: ففي الدیوان 11 قصیدة، یتضح من عناوینها أنه أنشدت في الري عام 395هـ/ 1005م. و لایعرف عدد القصائد التي صاغها في هذا العام و لم تؤرخ. و من بین هذه القصائد، 4 قصائد أنشدها لممدوحیه في نوروز (نیروز) ذلک العام.
2. والموضوع الآخر الذي یرد عادة في تراجم الشعراء کابن بابک، هو کیفیة توغّل اللغة العربیة و آدابها في إیران و انتشارها. فقد أنشد ابن بابک قصائده الکثیرة خلال القرن 4هـ/ 10م في المناطق الوسطی و الشرقیة من إیران، و مدح و هجا باللغة العربیة الکثیرین، بدءاً بالشخصیات الکبیرة کالصحاحب بن عباد، و انتهاء بالکتّاب والأمراء و الأعیان المغمورین، ولکن یبدو أنّ فهم أبیاته العربیة لم یکن صعباً في أي مکان من تلک البلاد المترامیة التي کان یتحدث سکانها و لاشکّ بالفارسیة. و یمکن أن نرسم صورة واضحة في الذهن عن کیفیة انتشار الأدب العربي في إیران بذلک الشکل الواسع، عندما نعلم أن شخصیات مرموقة کابن العمید، والصاحب، و حمزة الأصفهاني، و ابن مسکویه، و ابن سینا کانت تقیم آنذاک في تلک المناطق، و کذلک وجود الشعراء الذین ذکرهم الثعالبي، و حضور شخصیات لامعة أخری کالشریف الرضي و مهیار الدیلمي في بلاط الدیالمة. و لاشک في أنّ سیطرة البویهیین علی بغداد کان لها أثر علی نشر العربیة و آدابها و من ثم دعمها. واشتد الإقبال علی اللغة العربیة حتی أواسط القرن 5هـ/11م، فمثلاً رغم أن ملوک البویهیین الأوائل لم یکن لهم إلمام باللغة العربیة، إلا أن کلاً من عضدالدولة و عزّ‌الدولة و تاج‌الدولة و خسرو بن فیروز، کانوا من بین شعراء یتیمة الدهر (الثعالبي، 2/195-201). والعجیب أن المشاعر الوطنیة، والاهتمام البالغ بالطقوس الإیراینة القدیمة کاحتفالات نوروز والمهرجان، و تقلید الساسانیین في مراسم التتویج والزي والطعام و الحرب، ووضع شجرات نسب تصل إلی الملوک الساسانیین، لم تَحُل دون انتشار العربیة، بل و إنّها تأطّرت بإطار العربیة، ووجدت طریقها إلی قصائد ابن بابک و معاصریه. و النقطة الأخری التي تلفت النظر و یجب الوقوف عندها کثیراً هي ازدهار النثر الفارسي آنذاک، في خراسان علی نطاق واسع و في الغرب علی نطاق محدود. و لخراسان نصیب عظیم، و لکن یجب ألّا یغیب عن البال غرب إیران أیضاً، حیث شرع ابن سینا بکتابة دانشنامه باللغة الفارسیة في أصفهان ولدی علاءالدولة الکاکوي (قا: دنر، 4/504).
ولابدّ أن القارئ یتوقع وجود ملامح واضحة عن میزات الإیرانیین المادیة و المعنویة في القرن 4 هـ في دیوان ابن بابک المفصّل. و بدیهي أنّ هذه الملامح واضحة إلی حدّما، ولکن لیس کما یتوقع. و یظهر بصورة جلیة أسلوب و أحیاناً مضامین مجددي القرنین 2 و 3هـ/8 و 9 م في دیوان ابن بابک، و یجب البحث من خلال تلک القصائد عن حقائق ذلک العصر و عن النفسیة الإیرانیة. و لکن دیوانه، کدواوین الشعراء العرب آنذاک، تغلب علیه المضامین و المفاهیم الشعریة العامة، و قلّما تشاهد فیه الملامح التي تکشف النقاب عن الظواهر الاجتماعیة الواضحة. کما إنّنا لانکاد نجد في هذا الدیوان الضخم، البناء القدیم للقصائد العربیة الکبیرة، إلّا أنه یحفل «بالنسیب» العادي، و استهلال القصائد بأسماء المعشوقات العربیات الشهیرات، و هو أقرب إلی التفاخر منه إلی الشعر الحقیقي. و لما کان أغلب من مدحهم ابن بابک، أمراء و أعیان من الدرجة الثانیة و الثالثة، فإنه یبدو أکثر حریة في التطرق إلی الأمور الجانبیة کالتصائح العامة، أو أن یبدأ شعره بالعتاب و بدون أي مقدمة، أو یطالب الأمیر أو الوزیر بحقوقه المغموطة.
ولم یضم الدیوان أي شعر فارسي، و إن کنّا نجزم بأنّه کان یتحدث إلی الإیرانیین بالفارسیة. و أن انصرافه عن لغة الناس و انکبابه علی العربیة لایدل إلّا علی السیر وفق السنة العامة لشعراء ذلک العصر، و لیس فیه أي تعصب عربي، بل یمکن أن یقال العکس، حیث إنّه کان لایرتاح لبعض العرب من أصحاب الأمزجة الحادة، بینما کان یشید بالبویهیین لعرقهم الإیراني القدیم، فنجده مرّة یندر بالعرب الذین کانوا لایزالون یفتخرون بقومیتهم (الورقة، 72)، و مرّة أخری حینما یزج في سجن شرف‌الدولة، نری له شعراً لایخلو من الصفاقة والتفاخر، یسمي فیه الدیالمة بـ «أبناء کسری» رافعاً بذلک من شأنهم (الورقة 137). و یبدو جلیاً عدم تعصبه للعرب و حتّی للدیالمة في قصیدته التي مدح بها السلطان محمود، حیث نراه – و هو یعیش في مناطق البویهیین – یسمي عدوهم، ملک الشرق و الغرب، و یدعو السلطان إلی فتح العالم، حتّی إنه یطالبه بإیصال جیحون إلی یثرب (الورقتین 41، 42).
أما المفردات الفارسیة التي وجدناها في شعر ابن بابک، من خلال نظرة سریعة، فجزء منها مُعرّیات قدیمة، و الجزء الأکبر معرّبات جدیدة، مثل: رخ، شاه مات، جامات، إیوان (الورقة 58)، سکباج، فالوذج، مؤید (الورقة 68)، جهبذ (الورقة 135)، ناي، زیر (الورقة 173)، بابوج (الورقة 67)، ولکن قد تکون بعض الکلمات و الاصطلاحات ولیدة بیئته الإیرانیة، فمثلاً (نشک في قراءة بعض هذه الکلمات): یخاطب «زرندي» قائلا: سِپَر ونیزه «خراجاکُجا»؟ (ربمّا: خراجِ کُجاست؟) [خراج أيّ بلدٍ؟] (الورقة 67)؛ أو في شطر البیت «لابن بیدادکم أبي البرکات»، و ربّما أراد بـ «بیداد» المعنی الفارسي للکلمة لا اسم أبي البرکات (الورقة 59)؛ و کذلک: خرداذ، شراب إسترابادي (الورقة 135)؛ پایین و زیر (الورقة 167، طبعاً «زیر» و «بَم» معروفتان منذ العصر الجاهلي، ولکن «پایین» قد تکون جدیدة)؛ فروزدَست طبري؛ رقص الدبا النوازي (ربّما: دوپانَوازي) (الورقة 182).
و رغم أنّ شعر ابن بابک لیس رصیناً دائماً، فکانت القصیدة التي ارتجلها (الورقة 165) مثلاً «علی غیرنسق»، إلّا أنه بصورة عامة سلس و لاتکلّف و شیّق و خال من إطناب الشعر العممل، و هو یتطرق في جمیع المقطوعات و حتّی بعض القصائد تقریباً إلی الموضوع الذي یتوخاه بصورة مباشرة و یتجنب التزویق اللفظي و المعنوي. کما أنّ هجاءه صریح جداً ولاذع و بذيء (کالذي قاله في الآبي).
فهذا الدیوان یحظی بأهمیة بالغة من حیث تاریخ البویهیین، و من حیث علم اللغة و علم الاجتماع في إیران خلال القرن الرابع الهجري.

المصادر

ابن الأثیر، الکامل؛ ابن بابک، عبدالصمد، دیوان، مخطوطة المکتبة الوطنیة، رقم 494؛ ابن تغري بودي، النجوم؛ ابن الجوزي، عبدالرحمن، المنتظم، حیدرآباد الدکن، 1358هـ/1939م؛ ابن خلّکان، وفیات؛ الثعالبي، عبدالملک، یتیمة الدهر، تقـ: علي محمد عبداللطیف، القاهرة، 1352هـ/1934م؛ الجرجاني، عبدالقاهر، أسرار البلاغة، تقـ: محمدرشیدرضا، بیروت، 1398هـ/ 1978م؛ دنر، ڤیکتور، «ادب عربي در إیران»، تاریخ إیران از إسلام تا سلاجقه، تجـ: حسن أنوشه، طهران، 1363ش؛ الذهبي، محمد، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط و محمدنعیم العرقسوسي، بیروت، 1403هـ/1983م؛ م.ن، العبر، تقـ: فؤادسید، الکویت، 1961؛ راغب الأصفهاني، الحسین، محاضرات الأدباء؛ زامباور، إدوارد، نسب‌نامۀ خلفا و شهریاران، تجـ: محمدجواد مشکور، طهران، 1356ش؛ العباسي، عبدالرحیم، معاهد التنصیص، تقـ: محمد محیي‌الدین عبدالحمید، بیروت، 1367هـ/1947م؛ کحالة، عمرضا، المستدرک، بیروت، 1406هـ؛ لغت‌نامۀ دهخدا؛ ملي، المخطوطات؛ وأیضاً:


GAL, S; GAS.
آذرتاش آذرنوش
 

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: