الصفحة الرئیسیة / المقالات / ابن الأزرق، ابو عبدالله /

فهرس الموضوعات

ابن الأزرق، ابو عبدالله


تاریخ آخر التحدیث : 1443/4/2 ۱۲:۱۳:۵۹ تاریخ تألیف المقالة

اِبنُ الأَزرَق، أبوعبدالله شمس‌الدین محمدبن علي بن محمد الأصبحي الأندلسي المالکي (832-896هـ/ 1428-1490م)، فقیه وقاضٍ وأدیب وصاحب رأي في الفلسفة والتاریخ وعلم الاجتماع. ویبدو أن أول من ترجم له بشکل مفصل هو عبدالرحمن السخاوي (تـ 902هـ/1497م) المعاصر لابن الأزرق، وقد أفاد الباحثون المتأخرون في ترجمته ممّا کتبه السخاوي بصورة رئیسة، ویعود سبب شهرته بابن الأزرق إلی صفة جسدیة قد لازمته ولازمت أسرته، ولاصلة له ولا لأسرته بطائفة الأزارقة في المشرق (النشار، 1/7).
ولد ابن الأزرق في مالقة إحدی مدن الأندلس کما ذکر السخاوي وغیره. وقد نشأ وترعرع هناک، وتعلم القرآن وحفظه، ثم درس مقدمات العلوم والأدب والمنطق والحساب والفقه عند علماء عصره کأبي إسحاق إبراهیم بن أحمد البدوي وأبي عمرو محمدبن محمد أبي بکر ابن منظور والخطیب أبي عبدالله محمدبن أبي طاهر بن محمد بن بکروب الفهروي وإبراهیم بن أحمد بن فتوح (مفتي غرناطة) وغیرهم. کما التقی علماء آخرین، منهم القاضي أبویحیی بن محمدبن أبي بکر بن عاصم في فاس و تلمسان و تونس و أفاد منهم. عُیّن أولاً بمنصب القضاء في مالقة، ثم أصبح بعد ذلک قاضیاً لوادي آش وأخیراً صار قاضیاً في غرناطة وظل في منصبه هذا حتی سقوط الأندلس بید الغربیین، ولکنه اضطر بعد مدة للرحیل إلی تلمسان و من هناک إلی مصر، وطلب من سلطان مصر قایتاباي أن یسرع في مساعدة أهالي الأندلس، فلم یلق طلبه استجابة، وحج في 895هـ/1489م وزار المدینة ورجع ثانیة إلی مصر، وطلب المساعدة مرة أخری من السطان لئلّا تسقط الأندلس، ولکن لم یفد جواباً. وتولی منصب القضاء في القدس في 896هـ/1490م إلا أنه توفي بعد مضي 61 یوماً من تولّي هذا المنصب ودفن هناک (السخاوي، 9/20-21؛ العلیمي، 2/255-256؛ النشار، 1/10).
کان ابن الأزرق من کبار العلماء والقضاة المالکیین في عصره، حیث وصف بالعلم والزهد والأخلاق، وکان السخاوي قد لقیه و کتب عنه: وجدته من رجال عصره (9/21)، وقد أخذ علم الفقه عنه بعض علماء ذلک العصر مثل أبي عبدالله محمدبن الحدّاد الوادي آشي (النشار، 1/17) والحافظ ابن داود (مخلوف، 2/261)، وروی عنه بعض المحقّقین في آثارهم وأفادوا من أقواله و آرائه؛ ویمکن أن نذکر بعضهم مثل أحمد بن یحیی الونشریسي في کتابه المعیار وأبي العباس أحمد بابا التُنبکتي الصنهاجي في کتاب نیل الابتهاج وابن مریم في کتاب البستان في ذکر الأولیاء و العلماء بتلمسان.

عقائده وآراؤه

کان ابن الأزرق – بالإِضافة إلی فقاهته – صاحب رأي في التاریخ والتحلیل التاریخي والأفکار السیاسیة والأجتماعیة أیضاً، وقد تأثر بآراء ابن خلدون و تابع طریقته في النقد والتحلیل التاریخي، و یبدو أنه کان أول من تابع طریقة ابن خلدون الفکریة والتحلیل التاریخي في العالم الإسلامي وأدرک أهمیة مثل هذه الآراء النقدیة.
ویری ابن الأزرق کسلفه ابن خلدون أن «العصبیة» أساس‌الدولة وهیکل الحکومة، ولکنه یراها مختصة بالحکومات‌الدینیة، ویری أن أساس الحکومات غیرالدینیة هي القومیة والعنصریة وأمثال ذلک، ویقول إن السیاستین الشرعیة والعرفیة في الإسلام ممتزجتان وإن الخلیفة الحاکم أو السلطان المسلم هو المعنيّ بتنفیذهما معاً باتباعه لسنة الرسول (ص). وفي نفس الوقت فإنه لایری الخلیفة خلیفة الله بل خلیفة رسول الله الحالّ محله الذي انتخبه الناس ببیعتهم له، ویطلق علی الحاکم الإسلامي «الخلیفة» أو (الإمام) باعتباره یتعهّد بحراسة الدیانة والسیاسة (1/71)، ویعتقد أن إطاعة الحاکم المسلم من أکبر الواجبات حتی لوکان مستبداً ظالماً. ومن الطبیعي أنه یستثني الطاعة عندالمعصیة والذنب الشرعي استناداً إلی المأثور عن الرسول (ص). ویری ابن الأزرق أن خلافة الخلفاء الراشدین کانت مجرد خلافة، ویعتقد أن الخلافة و الملکیة امتزجتا بعد ذلک منذ العصر الأموي حتی أواسط العصر العباسي (عصر المتوکّل) و تبدّلت بعد ذلک إلی ملکیة فقط، ویزعم أن هذاالمسار کان طبیعیاً لایمکن اجتنابه، وفي نفس الوقت لایصرّ علی عنوان «الخلافة» أو «الإمامة» أو «الملکیة» حتیأنه یذکر الحاکم الإسلامي في کتابه بدائع السلک باسم «السلطان» والذي یؤکد علیه هو شروط وصلاحیات الحکام و أعمالهم، حیث یمکن أن توجد الحکومة الإسلامیة وأفضل الأنظمة السیاسة إن تحقّقت تلک الأعمال و الشروط مثل العدالة والاستشارة و العمران و رفاه المجتمع ووحدة الناس والعلم و الأخلاق.

آثاره

من أهم آثار ابن الأزرق أولاً: بدائع السلک في طبائع الملک الذي سنتاوله لأهمیة بصورة مفصّلة في هذه المقالة، طبع هذا الکتاب مع مقدمة بتحقیق علي سامي النشار في مجلدین عام 1977م في العراق، والآخر کتاب الإبریز المسبوک في کیفیة آداب الملوک الذي طبع في الجزائر عام 1956م. کما نسب إلیه تابان في الأدب: شفاء الغلیل في شرح مختصر خلیل (المقّري، نفح، 2/701) وروضة الإعلام بمنزلة العربیة من علوم الإسلام (م. ن، أزهار، 3/318)، والکتابان هذان مفقودان. کما قالوا عن ابن الأزرق أنه شاعر ماهر وقد وردت بعض أشعاره في نفح الطیب للمقري التلمساني (2/702-704، 3/298-303).
بدائع السلک في طبائع الملک: وتعود أهمیة هذا الکتاب إلی أنه یعد کما یقول أحمد عبدالسلام أول «قراءة» لمقدمة ابن خلدون في العصر الإسلامي (ص 18). ینقسم بدائع السلک إلی مقدمتین و أربعة کتب (کل کتاب في بابین) و خاتمة (في قسمین) (ابن الأزرق، 1/36-46؛ قا: النشار. 1/23؛ عبدالسلام، 23). والمقدمة الأولی في تقریر ما یوطن في النظر في الملک عقلاً وقد ضمن هذه المقدمة عشرین سابقة (النشار، ن.ص). ویری ابن الأزرق في المسألة الأولی – تبعاً للحکماء – أن الإنسان مدني بالطبع، ولموافقة لابن خلدون یبیّن أن المجتمع البشري یعني أن. عمران العالم ضروري (1/46-47)، ویدرس في المسألة الثانیة الأعراض الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة الخمسة لابن خلدون في تحلیل المجتمع و هي عبارة عن: المجتمع البدوي والغلبة التي تبدل علی أساس العصیبیة إلی السلطنة (المُلک) والمجتمع الحضري (العمران الحضري) والمعاش و هو بناء علی تعریفه یتعلّق بسبل إعداد الرزق والکسب، وأخیراً کسب العلوم (م. ن، 1/47). وتظهر هذه الأعراض في الواقع الاجتماعي بالترتیب الذي ذکر (عبدالسلام، 20). وأکثر مواضیع المقدمة الأولی یتعلّق بالبحوث التي أوردها ابن خلدون في التمایز بنی العمران البدوي والعمران الحضري وفي أخلاق الأفراد، وقد رتّب ابن الأزرق في هذه المقدمة المواضیع المتشتتة في مقدمة ابن خلدون ویغلب الجانب التعلیمي علی أسلوبه في البیان.
وقد بحث في المقدمة الثانیة في تمهید أصول من الکلام في الملک شرعاً و قد قسّمها إلی 20 «فاتحة»، یؤکد في الفاتحة الأولی علی ضرورة وجود مرجع یسمیّه «الوازع» (= الرادع، الحاکم، الملک) (1/67) علی نهج إبن خلدون. ویعرض في الفاتحة الثانیة أن الوازع یمکنه استغلال قدرته، أما هذا التجاوز عن الحق والاستغلال فهولیس بشيء یذکر إذا ماقیس بالشر الذي یمکن أن ینتج عن فقدان الوازع (1/68). ویذکر في الفاتحة الرابعة وفقاً لرأي «أهل الحق» (أهل السنة) أن وجود الإمام ضرورة شرعیة، وقد جری إجماع الفقهاء علی هذه الضرورة أیضاً (1/69-70). ونعلم أن ابن خلدون یعتقد بهذا الرأي أیضاً ،ي المقدمة (1/365 ومابعدها). اما ابن الأزرق فیستند إلی رأي الفقیه الشافعي المصري التلمساني (تـ 644هـ/ 1245م) وابن حزم الأندلسي (تـ 456هـ/ 1064م) (ن. ص).
ویلخّص في الفاتحة الخامسة رأي ابن خلدون في التمایز بین الملک والخلافة والأنواع الثلاثة للسیاسات أي الخلافة، والسلطنة الطبیعیة، والسلطنة السیاسیة، ویبیّن أن الخلافة هي التي یمکنها أن تؤمّن سعادة الدنیا والآخرة (1/71؛ قا: ابن خلدون، 1/359 ومابدعدها). ویوضح في الفاتحة السادسة أن الخلافة مالت إلی الملک بمرور الزمن، وقد ذکر هذا المعنی کتّاب آخرون قبل ابن خلدون؛ أما ابن الأزرق فیعوّل علی القرافي الصنهاجي (تـ 684هـ/1258م) (1/72). ویحصر ابن الأزرق في هذه الفاتحة شروط الإمامة عملیاً بالقدرة علی تنفیذ الأوامر، ویوضّح في الفاتحة السابعة (1/72-83) أن العلم لم یکن من لوازم الخلافة في عصر الغزالي (ظ: المستظهري)، کما أن العدالة (موضوع الفاتحة التاسعة، 1/74-75) والنسب القرشي (موضوع الفاتحة العاشرة، 1/75-76) لیسا من الشروط الضروریة أیضاً. وفي الفاتحة الحادیة عشرة ینسج مع الرأي القائل بأنه یجوز في ظروف معینة تنصیب عدة أئمة في عدد من الأمکنة استناداً لمایراه ابن عرفة والرغمي التونسي (تـ 803هـ/1401م).
ویبین في الفواتح الثانیة عشرة إلی الخامسة عشرة (1/77-79) ضرورة طاعة الملک لحفظ المصالح العامة وفقاً للنوص الشرعیة والمباني العقلیة؛ وفي تعلیله لذلک یقول إن عدم الطاعة قد یؤدي إلی الشر. ویقول في الفاتحة السادسة عشرة (1/79-81) إن الأفراد یلیقون لنفس الحکومة التي تحکمهم، وفي الفاتحتین التالیتین یحذّر ابن الأزرق السلاطین من المخاطرة بآخرتهم من خلال اشتغالهم بالدنیا (1/82-83)، خلافاً لابن خلدون الذي یری أن الملک سلّم لنیل جمیع اللذات، ویؤکد في الفاتحة التاسعة عشرة علی أن الملک سلّم لنیل جمیع اللذات، ویؤکد في الفاتحة التاسعة عشرة علی أن الملوک یکرمون في هذه الدنیا بالتفوی، کما أهم یثابون في الآخري بجزاء أوفي (1/83-84). ویری في الفاتحة العشرین أن صلاح و فساد السلطان هو أساس لصلاح الرعیة وفسادها (1/85).
ویبحث ابن الأزرق هذه المواضیع بصورة مفصلة في کتب الأربعة من بدائع السلک. یتعلق الکتاب الأول بشرح «حقیقة المُلک والخلافة وسائر أنواع الرئاسات، وسبب وجود ذلک و شرطه»، وینقسم إلی بابین: یشمل الباب الأول ثلاثة «أنظار» و هي: حقیقة السلطنة والملک بصورة عامة والخلافة وسائر الرئاسات ومنها الرئاسة‌الدینیة لبني إسرائیل والنصاری، وجدیر بالذکر أن أهل الکتاب في المجتمع الإسلامي یشکّلون طوائف مستقلة تدار من قبل رؤساء مذاهبهم، و بعد ذلک یتطرّق ابن الأزرق إلی الکلام عن المجتمعات الإنسانیة التي لم تصل في تطورها السیاسي إلی مرحلة الملک، وأن القدرة السیاسیة عند هذه الجماعات تنفّذ بواسطة فرد أو مجموعة من الشیوخ. و هذا الشکل الأخیر من تنفیذ الأوامر کان موجوداً عند بني إسرائیل قبل ظهور النبي موسی (ع). و یبدو تأثیر ابن خلدون ومقدمته في هذا المجال أکثر وضوحاً ولاسیّما في الفقرات المتعلقة بالکتب المقدسة للیهود والنصاری (1/89-104؛ عبدالسلام، 22).
وینقسم الباب الثاني من الکتاب الأول إلی ثلاثة أقسام: یتعلّق القسم الأول بأن منشأ الملکیة یجب أن یبحث عنه في حاجة المجتمع إلی قوة قاهرة (الوازع) (1/105-111)، ویبحث القسم الثاني (1/111-155) بشکل منسّق ویوضح في عشرین مسألة موضوع العصبیة، ومجموعة آراء ابن خلدون في المقدمة حول ما یسمیه عبدالسلام «الجدلیة المعقّدة للقدرة في المجتمعات العربیة – الإسلامیة» (عبدالسلام، 23)، ویبحث القسم الثالث في تحلیل الحرب باعتبارها أهم ظاهرة طبیعیة لتعارض العصبیات (1/155-171).
ویتناول في الکتاب الثاني البحث حول بابین، الملک وقواعد بُناه الأساسیة والفرعیة (ضروریة وکمالیة). ویتعلّق الباب الأول بالأفعال التي تقام بها صورة الملک وجوده، ویعدّد ابن الأزرق في هذا الباب 20 رکناً للقدرة وهي: 1. نصب الوزیر؛ 2. إقامة الشریعة؛ 3. إعداد الجند؛ 4. حفظ المال؛ 5. تکثیر العمران (اعمران والاقتصاد)؛ 6. إقامة العدل؛ 7. تولیة الخطط‌الدینیة؛ 8. ترتیب المراتب السلطانیة؛ 9. رعایة السیاسة؛ 10. تقدیم مشورة ذوي الرأي والمشورة؛ 11. بذل النصیحة؛ 12. أحمام التدبیر؛ 13. تقدیم الولاة والعمال؛ 14. اتخاذ البطانة وأهل البساط؛ 15. تنظیم المجلس وعوائده؛ 16. تقدیر الظهور والاحتجاب؛ 17. رعایة الخاصة والبطانة؛ 18. ظهور العنایة بمن له حق أوفیه منفعة وهم آل النبي (ص) والعلماء والصلحاء وأصحاب الوفاء ووجوه الناس والأغنیاء من الرعیة؛ 19. مکافآت ذوي السوابق؛ 20 تخلید مفاخر الملک ومآثره (1/175-417). وقد امتزجت في الفصل الذي ذکرت خلاصته فقرات من المقدمة مع آراء من الفقهاء. ولم یرد ذکر لابن خلدون في الأقسام التالیة للکتاب، واکتفي فیها فقط ببیان المواضیع المتعلقة بالأحکام الشرعیة والأخلاقیة (عبدالسلام، 24).
یبدأ الباب الثاني من الکتاب الثاني بمقدمة في تعریف الفضیلة والفضائل الأصلیة؛ وهنا یشرع ابن الأزرق بتحلیل الضائل التي ینبغي للسلطان أن یتّصف بها مثل العقل والعلم والشجاعة والعفّة والسخاء والحلم و… في 20 «قاعدة» (1/419-557). إن مجموعة البحوث في هذا الباب تبین أن لابن الأزرق في تحلیلاته صبغة دینیة ویحتمل أنه تابع ما ذکره الماوردي في کتابه أدب الدنیا والدین في ما أورده في هذا المضمار. ولاسیّما تقسیم الفقرات المختلفة في هذا الباب بعنوان «القاعدة» والذي یوجّه الذهن إلی تقسیمات الکتاب المذکور للماوردي، مع هذا الفارق أن الماوردي یتحدّث تحت عنوان القواعد عن «العوامل الستة للهیئة الاجتماعیة الصحیحة في هذا العالم و صلاح الإنسان في الآخرة» (ظ: الماوردي، 132 وما بعدها؛ عبدالسلام، 26). حیث إن المقارنة بین هذین الأثرین توضح الشبه في محتویاتها، ولکن ابن الأزرق لم یشر في أي مکان إلی متن الماوردي.
ویبحث الکتاب الثالث فیما یطالب به السلطان، تشییداً لأرکان الملک و تأسیساً لقواعده. قد ذکر في مقدمة الکتاب الأعمال التي تمنع السلطان من وصوله إلی الأهداف المذکورة من الناحیة الشرعیة والسیاسیة و تمنعه عن إتیان ذلک. و یتعلّق الباب الأول من الکتاب الثالث بجوامع ما به السیاسة المطلوبة من السلطان و من یلیه. ویتکلّم ابن الأزرق في الفصل الأول من هذا الباب حول سیاسة الملک إزارء الرعایا و «الأمور العارضة»: فیجب علی الملک أن یؤمّن معاش الرعیة ویخضع الناس علی الدوام من جهة أخری. و یتبع ابن الأزرق هنا أیضاً اعتقاد أهل السنة في مسألة إطاعة الملک، و یبیّن اعتماداً علی الکتب الفقهیة أنه لایجوز مخالفة السلطان (إلا بحدود «النصیحة»). ثم یتحدّث عن «الأمور العارضة» مثل الجهاد والآفات السماویة والحرب الداخلیة والقحط و…، وأحکامها، و موضوع الفصل الثاني لهذا الباب هو «سیاسة الوزیر»، وقد وردت في هذا الفصل نصائح مأخوذة أساساً من کتب مثل أفلاطونیات والعهود الیونانیة، ولکنه لم یتناول دور الوزیر في الحکم والذي له أهمیة خاصة في البلاد الإسلامیة إلّا القلیل (م. ن، 28). ویبدو أن أهمیة الباب الثاني من الکتاب الثالث أکثر لأنه یبحث فیه عن التکالیف التي وعد الملک العمل بها منذ بدایة تسنّمه الحکم، ولکن کل هذه الکتالیف (احترام الشرع وإجراء الحدود وتنظیم و ترتیب أمور البلاد) درست من الناحیة الفقهیة و تبیّن الأفق العام لتحلیلات المؤلف. وجدید بالذکر أن معنی لفظة السیاسة هنا هو «الوظائف والترتیبات التي لیست شرعیة بل مستقاة من عمل الدول الإسلامیة، وقد قبل هذا منذ الأزمنة القدیمة» (م. ن، 29). کما یتعرّض ابن الأزرق إلی مسائل تتعلّق بشرعیة هذه الوظائف والترتیبات و معارضتها لصلاحیات القاضي، ویسعی مثل کثیر من المؤلفین الإسلامیین – دون رد لمثل هذه المفاهیم عن السیاسة – لیبقیها في مجال عدم تعارضها مع الشرع.
ویتحدّث الکتاب الرابع عن عوائق المُلک و عوارضه، والقسم الأکبر منه مستقی من مقدمة ابن خلدون، کما یذکر في خاتمة الکتاب بحوث في السیاسة الاجتماعیة والاقتصادیة وسیاسة الناس والمعیشة مستفادة بصورة عامة من کتاب إحیاء علوم‌الدین للغزالي.
لقد نُقل مایقرب من نصف کتاب بدائع السلک (المقدمتین والکتاب الأول وجمیع الکتاب الرابع تقریباً) بعینه من مقدمة ابن خلدون، وما نقل من مقدمة ابن خلدون في الباب الأول من الکتاب الثاني لم یکن کثیراً إلی حدّما، ولایمکن أن نجد نقلاً لقول من ابن خلدون تقریباً في الباب الثاني من نفس الکتاب والکتاب الثالث والخاتمة، أي الأقسام التي عالجت الأمور الأخلاقیة من الکتاب؛ فإن محتویات هذه الأقسام مقتبسة من القرآن والحدیث وکتب مثل العهود الیونانیة والأفلاطونیات والسیاسة المنسوب لأرسطو أیضا (م. ن، 31).وما ورد في کتاب بدائع السلک بدون تأثر من مقدمة ابن خلدون، هي البحوث المتعلّقة بـ «الأخلاق الإسلامیة» التي دوّنت استناداً إلی المصادر الشرعیة والفلسفیة وشبه الفلسفیة.
وکما ذکرنا یمکننا ملاحظة تأثیر کتبا أدب الدنیا والدین للماوردي في بعض فقرات الکتاب، حیث کان یعد في القرن 5 هـ/ 11م أحد المصادر المهمة «للأخلاق الإسلامیة»، أما کتاب بدائع السلک فهو ککتاب أدب الدنیا والدین، أي مجموعة من الآیات والروایات التي نقلت الواحدة تلو الأخری وأضیف إلیها في کل موضع أمثال و مأثورات تاریخیة. وهذا الفصل والفصول المأخوذة من مقدمة ابن خلدون تشکّل النسج العام لکتاب بدائع السلک، ولابد من الإشارة إلی أن مقدمة ابن خلدون هو المصدر الوحید للبحوث العقلیة في کتاب بدائع السلک الذي یبحث عن العمران و الاجتماع والوازع والملک والعصبیة (م. ن، 23).

المصادر

ابن الأزرق، محمدبن علی، بدائع السلک في طبائع الملک، تقـ: علي سامي النشار، بغداد، 1397هـ/ 1977م؛ ابن خلدون مقدمة، تجـ محمد پروین گنابادي، طهران، 1336ش؛ السخاوي، محمدبن عبدالرحمن، الضوء اللامع، القاهرة، 1936هـ؛ العلیمي، عبدالرحمن بن محمد، الأنس الجلیل بتاریخ القدس والخلیل، عمّان، 1973م؛ الماوردي، علي بن محمد، أدب الدنیا والدین، تقـ: محمد صباح، بیروت، 1986م؛ مخلوف، محمدبن محمد، شجرة النور الزکیة، بیروت، 1930م؛ المقری التلمساني، أحمد بن محمد، أزهار الریاض، تقـ: مصطفی السقا وآخرون، القاهرة، 1939م؛ م. ن، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1969م؛ النشار، علي سامي، مقدمة بدائع (ظ: همـ، ابن الأزرق)؛ وأیضاً:

Adbesselem, Ahmed, Ibn Khaldun et ses lecteurs, Paris, 1983.
حسن یوسفي إشکوري – تعریف کتاب بدائع السلک لجواد طباطبائي
 

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: