ابن أبي الخصال

اِبنُ أَبِي الخِصال، أبوعبدالله محمد بن مسعود بن خلصة بن فرج بن مجاهد الغافقي، الملقب بذي الوزارتین (465-540هـ/ 1073-1145م)، أدیب و کاتب وشاعر ومحدث و مؤرخ قرطبي، وکاتب علی بن یوسف بن تاشفین حاکم المرابطین في غرناطة (حکم: 500-537هـ/ 1107-1142م). ولد في قریة فَر غَلیط بشَقورة (ابن الأبار، 149؛ ابن بشکوال، 2/588-589). ویثني ابن خاقان (ص 174-175) علی أدبه ومذهبه ولکنه یقول إنه وإن کان خامل المنشأ نازله فقد سما بلطف فنّه وذکائه. ویضیف قائلاً: إن ابن أبي الخصال کان في إشبیلیة عام 503هـ/ 1109م، ثم رحل منها بصحبة أمیر المسلمین، فکتبت إلیه مستدعیاً من کلامه ما أثبته في الدیوان، فکتب إلي مراجعاً. ثم أورد الجواب الذي تلقاه في کتابه (ص 175).
نشأ ابن أبي الخصال بقرطبة، وفیها بادر إلی طلب العلم. وکان یتردد علی أبي الحسن علي بن مالک الیَعمُري (تـ 500هـ)، وقد اختبره هذا الأستاذ لأول مرة وشجّعه (ابن الأبار، 149-150). کما درس علی أساتذة عصره الشهیرین، فلقی بالمَریَّة الفقیه والمحدث الأندلسي أبا علي الحسین بن محمد الصدفي (تـ 514هـ/ 1120م)، وقرأ علیه صحیح مسلم وجامع الترمذي وسنن أبي داود، وأکثر صحیح البخاري، کما قرأ علی ابن سراج و أبي محمد بن عتّاب و أبي بحرالاسدي وأبي الحسن ابن الباذِش وغیرهم (م. ن، 150).
وأثنی کبار معاصریه علی تبحّره في الشعر والأدب واللغة وعلم البلاغة والخطابة وأنه أفضل أدباء الأندلس (ابن خاقان، 174؛ابن بشکوال، 2/589؛ الضبي، 131). وقد أورد ابن الخطیب نماذج متعدّدة من نظمه ونثره (2/390-415). وکان عدد من علماء المشرق یراسلونه، وذکر ابن دحیة أن 50 شیخاً حدّثوه عن ابن أبي الخصال (ص 187).
وکما کان ذا درایة بعلم الحدیث والأدب والشعر، فقد خاض غمار السیاسة أیضاً، فکان من حاشیة ابن الحاج محمد بن داود بن عمر اللمتوني أمیر قرطبة. وقد فشل ابن الحاج في الثورة التي قام بها عام 500هـ/1107م ضد ابن تاشفین، فعفا هذا عنه و عن أضحابه، وولاه علی فاس ثم علی سَرَقُسطة وَبلَنسیة في شرق الأندلس إلی أن قتل ابن الحاج في 508هـ/1114م. وکان ابن أبي الخصال ملازماً له خلال هذه المدة. وقد لقّبه نجل ابن الحاج أبوبکر، المعروف بأبي یحیی بذي الوزارتین أثناء القیام علی ابن تاشفین (ابن خاقان، 175؛ ابن الأبار، 151-152).
ثم إن ابن أبي الخصال توجّه مع أخیه أبي مروان وعدد من کبار رجال الأدب کابن الجد الأحدب و أبي بکر ابن القَبطُرنة وابن عبدون إلی علي بن یوسف، وکان ابن أبي الخصال أکبرهم مکانة لدیه (المراکشي، 173). وبقي عنده إلی أن هزم ملک أراغون علي بن یوسف (م. ن، 176؛ کنون، 571). ویشیر المراکشي إلی أن علیاً أمر بعد هذه الهزیمة أن تکتب باسمه رسالة إلی جند بَلنسیة. وأورد معلومات مضطربة عن هذه الرسالة الشهیرة التي أدّت إلی إقصاء ابن أبي الخصال (قا: ص 176). فقد ذکر: أن الأمیر أمره وأخاه أبا مروان أن یکتب کل منهما رسالة، فکتب أبو مروان رسالة أفحش فیها وأغلظ فکانت سبب إعفائه، ولکن مقارنة الفقرات التي أوردها المراکشي مع المخطوطة الحدیثة التي وجدت في مکتبة إسکوریال (رقم ESC2, 538) لاتدع مجالاً للشک کما ذکر کنون (ص 572) بأن کاتب الرسالة هو ابن أبي الخصال نفسه، وأنه لم یکن یوجد سوی رسالة واحدة آنذاک، لاسیّما وأنه لایمکن العثور علی مایثبت روایة المراکشي فیما کتبه المؤرخون الآخرون. وتقع هذه الرسالة في صفحتین و ثلث و هي تتضمّن، کل خصائص ومیزان النثر الأندلسي المسجوع في القرنین 5 و 6 هـ/ 11 و 12 م و تقارن القوافي و إنشائها، وغیرها. ولکن قلّ أن نجد نظیراً لها في ألفاظها و تراکیبها القبیحة التي تمتلئ بالفحش و القدح. ولیست الرسالة من مبدئها إلی منتهاها سوی توجیه الإهانات والحطّ من مکانة المرابطین و منزلتهم الأخلاقیة. یضاف إلی ذلک أن سلوک ابن أبي الخصال ینبئ عن أنه لم یکن وفیاً لعلي بن یوسف، ویبدو أن علیاً شاهد رسالة ابن أبي الخصال المشحونة بالإِهانات هذه فوقف علی نیّاته الحقیقیة نحوه و تجاه بلاطه فأعقاه من الکتابة له (کنون، 571، 574).
قتل ابن أبي الخصال في الحرب التي دارت بین ابن حمدین القرطبي و یحیی بن علي بن یوسف الشهیر بابن غانیة. وقیل إنه قتل بید أفراد قبیلة المصامدة بسبب تضییقه علیهم في الأمر والنهي وکانوا قد دخلوا قرطبة أثناء الحرب وارتکبوا أعمال السلب و المحرّمات (ابن الأبار، 152).
ویبدو من دراسة آثار ابن أبي الخصال میله الخاص إلی ذکر مناقب الرسول (ص) وآل بیته (ع). وقد ترک عدداً کبیراً من الرسائل، کما سعی لاختیار طبعه بتقلید مُلقَی السبیل لأبي العلاء المعرّي (GAL, I/455).
أما مابقی من آثاره فهي: 1. ظل السحاب، وهو عن زجات الرسول (ص) و أقربائه وقد ذکر هذا الکتاب أیضاً تحت إسم ظل الغمامة وطوق الحمامة، وأشار بروکلمان إلی وجود ثلاث مخطوطات منه في مکتبة إسکوریال و المتحف البریطاني (GAL, I/454)؛ 2. منهاج المناقب و معراج الحسب الثاقب، وهي قصیدة في مدح الرسول (ص) وأصحابه، توجد مخطوطتان منها في المتحف البریطاني ومکتبة إسکوریال (ن. ص)؛ 3. مناقب العشرة وعمَّي رسول الله، ذکر بروکلمان (ن. ص) وجود مخطوطة منها في إسکوریال؛ 4. تقلی لکتاب ملقی السبیل لأبي العلاء المعري من البدایة إلی النهایة، ذکر بروکلمان (GAL, I/455) وجود مخطوطتین منه في إشکوریال والمتحف البریطاني؛ 5. «رسائل»؛ 6. «مقامات» (رقم ESC2, 519)؛ 7. من إنشاء الفقیه الکاتب ذژ الوزارتین إلی عبد بن حبیب، ویدور حول الأدیان، توجد مخطوطة منه في إسکوریال (ن. م، رقم 306)؛ 8. رسالة باسم علي بن یوسف بن تاشفین إلی فقهاء بلنسیة (ن. م، رقم 538)؛ 9. رسالة إلی أبي الحسین ابن سراج (ن. ص)؛ 10. رسالة کتبت أثناء السفر إلی الجزیرة الخضراء (ن. ص)؛ 11. سراج الأدب، ألّف هذا الکتاب علی نهج کتاب النوادر لأبي علي، ولاتوجد نسخة منه (GAL, S, I/630).

المصادر

ابن الأبار، محمد بن عبدالله، المعجم في أصحاب القاضی ابن علی الصدفي، القاهرة، 1387هـ؛ ابن بشکوال، خلف بن عبدالملک، الصلة، القاهرة، 1966م؛ ابن خاقان، فتح بن محمد، قلاد العقیان، بولاق، 1289هـ؛ ابن الخطیب، محمد بن عبدالله، الإحاطة، تقـ: محمد عبدالله عنان، القاهرة، 1394هـ/ 1974م؛ ابن دحیة، عمر بن حسن، المطرب من أشعار أهل المغرب، تقـ: إبراهیم الدبیاري و آخرون، القاهرة، 1374هـ/ 1955م؛ جنثالث پالنثیا، آنخل، تاریخ الفکر الأندلسي، تجـ: حسین مؤنس، القاهرة، 1955م؛ الضبي، أحمد بن یحیی، بغیة الملتمس. القاهرة، 1967م؛ کنون، عبدالله، «رسالة الکاتب ابن أبي الخصال التي نال فیها من کرامة المرابطین»، مجلة المجمع العلمي العربي، دمشق، س 35، عد 4، 1380هـ/ 1960م؛ المراکشي، عبدالواحد، المعجب، تقـ: محمدسعید العریان و محمد العربي العلمي، القاهرة، 1368هـ/ 1949م؛ وأیضاً:

ESC2; GAL; GAL, S.
حیدر بوذرجمهر