ابن أبي الحدید

 اِبنُ أَبِي الحَدید، أبو حامد، عزالدین، عبدالحمید بن هبة اللَّه بن محمدبن محمدبن الحسین ابن أبي الحدید المدائني، کاتب و شاعر وأدیب و فقیه شافعي و أصولي معتزلي (الأول من ذي الحجة 586-656هـ/30 کانون الأول 1190-1258م). ولدبالمدائن و نشأ فیها. درس علم الکلام والأصول. کان أبوه یتولّی قضاء المدائن، وقد انتقل عبدالحمید في ریعان شبابه إلی بغداد، و بادر إلی قراءة الکتب و کسب العلم في دار الخلافة حتی أصبح کما قال صاحب نسمة السحر معتزلیاً جاحظیاً (أبوالفضل إبراهیم، 15)، وتأدّب علی أبي البقاء العکبري وأبي الخیر مصدق بن شبیب الواسطي (عباس، 7/342) وأصبح من کتّاب دیوان دار الخلافة و حظیّاً عندالوزیر ابن العلقمي (تـ 656هـ/ 1258م) لما بینهما من المقاربة والمشابهة في التشیّع والأدب والفضیلة (ابن کثیر، 13/199-200). ولهذا کتب باسمه القصائد السبع و شرح نهج‌البلاغة، وحینما هاجم المقول بغداد في 642هـ/ 1244م، وهزمهم الجیش العباسي بقیادة شرف‌الدین إقبال الشرابي قائد المعتصم بالله، اعتبر ابن أبي الحدید انتصار جیش بغداد نتیجة التدبیر ابن العلقمي ونظم قصیدة في تهنئته و مدحه وردت أبیات منها في شرح نهج البلاغة (8/242-243). وقد تولّی الوظائف التالیة بالترتیب: کاتباً في دار التشریفات، کاتباً في المخزن في 629هـ، کاتباً في الدیوان. و في صفر 642/ تموز 1244 عیّن ناظراً في الحلة. ثم وکیلاً للأمیر علاءالدین طَبَرس فناظراً في البمارستان العضدي، وأخیراً ناظراً في مکتبات بغداد (ابن الفوطي، 4(1)/190-191؛ عباس، أبوالفضل إبراهیم، ن. ص). وکان ذاطبع شعري سیّال فنظم في مختلف أغراض الشعر و اشتهر خاصة في المناجاة، والشعر العرفاني، کماکان واسع الاطلاع في تاریخ صدر الاسلام؛ فقد روی العلّامة الحلّي (تـ 726هـ) عن أبیه، وهو عن ابن أبي الحدید (القمّي، 1/193). وکان معتزلیاً في الأصول وشافعیاً في الفروع، وقیل أن مذهبه کان بین التشیع والتسنن. وقد صرّح أثناء البحث عن عقیدته في شرح نهج البلاغة (1/185-186) باتفاقه مع الجاحظ، فاعتبر معتزلیاً جاحظیاً.
ویری ابن کثیر (13/199) أن کان شیعیاً غالباً، غیر أن شرح نهج البلاغة یدلّ علی أنه کان معتزلیاً معتدلاً. وقد روی في مطلع کتابه اتفاق جمیع شیوخ المعتزلة «المتقدّمون منهم و المتأخرون و البصریون والبغدادیون علی أن بیعة أبي بکر بیعة صحیحة شرعیة وأنها لم تکن عن نص و إنما کانت بالاختیار الذي ثبت بالإِجماع وبغیر الإجماع کونه طریقاً إلی الإمامة» (ابن أبي الحدید، 1/7)، ولکن ابن أبي الحدید یری تبعاً لمدرسظ المعتزلة ببغداد أن علیّاً أفضل من الخلفاء الثلاثة. ویصرّح بأنه الأجمع لمزایا الفضل والخلا الحمیدة (1/9)، ولکنه یری عدم ضرورة أفضلیة الإمام. وقد أورد ما في هذا المعنی في أول الکتاب قائلاً: الحمدللَّه الذي قدّم المفضول علی الأفضل (1/3).

آثاره

ذکر لابن أبي الحدید 15 کتاباً أشهرها:
1. شرح نهج البلاغة، ویقع في 20 مجلداً، ألّفه باسم الوزیر ابن العلقمي، و بدأ بتألیفه في الأول من رجب 644هـ/ 12 تشرین الثاني 1246م، وأتمَّه في آخر صفر 649هـ/ 23 أیار 1251م، واستغرق تألیف شرح نهج‌البلاغة کما ذکر في آخر الکتاب (20/349) 4 سنوات و 8 أشهر، أی مایعادل مدة خلافة علي (ع)، فمنحه ابن العلقمي من أجله هدایا قیمة (هندوشاه، 358-359). ویعکس هذا الشرح في الحقیقة ماکان یتمتّع به ابن أبي الحدید من تبحّر في مختلف الفنون، کما یتضمّن الکثیر من آراء المعتزلة، ولهذا الکتاب أهمیة خاصة في موضوعه وخصائصه الأدبیة و التاریخیة، ذلک أن ابن أبي الحدید کان یعیش في عهد المغول فذکر في الکتاب معلومات وافرة عن بدایة خروجهم و فتح ماوراء النهر و خراسان و العراق و غیرها من المناطق و هجومهم علی بغداد (8/218-243). ولذلک یعتبر من المصادر المهمة في هذا الموضوع. واعتمد أیضاً فيهذا الکتاب علی کتب نادرة فقد بعضها أولیس بعضها الآخر في متناولنا الیوم ککتاب المقالات لزرقان تلمیذ إبراهیم بن سیّار النظّام و کتاب المقالات لأبي القاسم الکعبي البلخي وکتاب فضائل أمیر المؤمنین علي (ع) لأحمد بن حنبل و کتاب الجمل لهشام بن محمد الکلبي و کتاب النکت لإبراهیم بن سیّار النظّام (زریاب خویی، 69-70).
کما تناول ابن أبي الحدید المباحث الأدبیة فرد بالتفصیل علی أولئک الذین أشکلوا علی وجود السجع في نهج البلاغة (1/126-130) و شبّه کلام علي (ع) بالجسم البسیط الذي لیس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهیة و کالقرآن العزیز، أوله کأوسطه و أوسطه کآخره، وکل سورة منه و کل آیة مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطریق و النظم لباقي الآیات والسور. ویخلص في استنتاج عدم صحة قول أولئک الذین ذهبوا إلی أن نهج البلاغة أو بعضه منحول إلی أمیرالمؤمنین (ع)، وذلک لصحة أسناد بعض مواضیعه بالتواتر إلی علي (ع) ونسبة أکثر المؤرخین من غیر الشیعة خاصة لکثیر من خطب هذا الکتاب إلیه أیضاً (10/128-129).
ورغم المیل الکبیر إلی التشیع في شرح نهج‌البلاغة، فإنه یتضمّن أیضاً بعض المواضیع التي لاتتّفق و عقائد الشیعة العامة حول إمامة والمسائل التاریخیة المتعلّقة بها. فابن أبي الحدید لایقبل مثلاً أن الرسول (ص) نصّ علی خلافة علي (ع) (2/59)، وقد دفع وجود مثل هذه المواضیع في الکتاب بعض علماء الإِمامیة إلی کتابة ردّ علیه منهم: الروح للسید جمال‌الدین أحمد بن طاووس الحلي (تـ 673هـ/ 1274م) وسلاسل الحدید لتقیید ابن أبي الحدید للشیخ یوسف بن أحمد بن إبراهیم الدرازي البحراني (تـ 1186هـ/ 1772م) والرد علی ابن أبي الحدید للشیخ علي بن حسن البلادي البحراني (تـ 1340هـ/ 1922م) (الحر العاملي، 2/30؛ آقا بزرگ، 12/210، 14/158-159؛ أستادي، 37-38؛ خطیب، 217-219؛ سرکیس، 29؛ العزاوي، 1/20).
وقد طبع شرح نهج البلاغة مراراً (مثلاً في طهران، 1271، 1302-1304هـ؛ مصر، 1329هـ؛ بیروت، 1378هـ)، و هو ذوشهرة وأهمیة خاصتین بین الشیعة. و توجد في المکتبة المرکزیة للروضة الرضویة المقدسة إحدی أقدم نسخ هذا الشرح تحمل إجازة الشارح لابن العلقمي وأکثر الظن أنها کتبت في حیاة ابن أبي الحدید (آستان، 5/112-113).
2. الفلک الدائر علی المثل السائر، وهو نقد لکتاب المثل السائر في أدب الکاتب والشاعر لضیاءالدین أبي الفتح، المعروف بابن الأثیر الجزري الموصلي (558-637هـ/ 1163-1239م) . وهذا الکتاب ذوأهمیة في البلاغة و من الکتب المعتبرة في النقد (ابن خلّکان، 5/391؛ GAL, I/335؛ سرکیس، 30).
3. السبع العلویات أو القصائد السبع العلویات، ونظمها ابن أبي الحدید بالمدائن في 611هـ/ 1214م باسم ابن العلقمي، ویدور موضوعها حول مدح الرسول (ص) وعلي (ع) و فتح خیبر و فتح مکة واستشهاد الامام الحسین (ع) وقد طبعت مراراً (في بومباي، 1305، 1316هـ؛ القاهرة، 1317هـ؛ بیروت، 1374هـ). و شرحها کل من ابن حماد العلوي و شمس‌الدین محمد بن أبي الرضا، ورضي الأسترابادي (تـ 686هـ/ 1287م) ومحفوظ بن الوشاح الحلي و غیرهم (آقابزرگ، 13/391-392).
4. نظم کتاب الفصیح لثعلب، وقد نظمه ابن أبي الحدید في یوم واحد (ابن شاکر، 2/259)، وهذا الکتاب هو في الأصل لأبي العباس أحمد بن یحیی، المعروف بثعلب الکوفي النحوي (200-291هـ/ 816-904م) وهو صغیر الحجم کثیر الفائدة في اللغة. وقد أکثر الناس الکلام فیه (حاجي خلیفة، 2/1272-1273).
ومن آثاره الأخری کتاب العبقري الحسان، في الکلام و المنطق والطبیعة والأصول والتاریخ والشعر (عباس، 7/342)؛ وتعلیقات علی المحصّل في الفلسفة والکلام والمحصول في أصول الفقه للإمام فخرالرازي (حاجي خلیفة، 2/1614-1615)؛ الاعتبار علی کتاب الذریعة في أصول الشریعة للشریف المرتضی علم الهدی (تـ 436هـ/ 1044م)؛ شرح مشکلات الغرر لأبي الحسن البصري؛ الوشاح الذهبي في علم الأبي (؟) (فرّوخ، 3/580)، ویمکن أن نذکر دیوانه أیضاً (حاجی خلیفة، 1/799؛ البغدادي، 1/484). کما کتب نقداً علی المستصفی من علم الأصول للغزالي، والآیات البینات في علم الکلام للزمخشري، ومنظومة لابن سینا في الطب (GAL, S, I/823, 923).
وقد حکم علی ابن أبي الحدید بالقتل أثناء هجوم هولاکو علی بغداد عام 655هـ/ 1258م، ولکنه نجا من الموت بشفاعة ابن العلقمي ووساطة الخواجة نصیرالدین الطوسي (هندوضاه، 359). غیر أنه توفي بعد أمد قصیر في بغداد.

المصادر

آستان قدس، فهرست؛ آقابزرگ، الذریعة؛ ابن أبيالحدید، عبدالحمید بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، تقـ: محمد أبوالفضل إبراهیم، القاهرة، 1378-1384هـ/ 1959-1964م؛ ابن خلّکان، وفیات؛ ابن شاکر الکتبي، محمد، فوات الوفیات، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1973م؛ ابن الفوطي، عبدالرزاق بن أحمد، تلخیص مجمع الآداب، تقـ: مصطفی جواد، دمشق، 1963م؛ ابن‌کثیر، البدایة؛ أبوالفضل إبراهیم، محمد، مقدمة علی شرح نهج البلاغة (ظ: همـ ابن أبي الحدید)؛ أستادي، رضا، کتابنامۀ نهج‌البلاغه، طهران، بنیاد نهج‌البالغة؛ البغدادي، إیضاح؛ حاجي خلیفة، کشف؛ الحر العاملي، محمدبن الحسن، أمل الآمل، تقـ: السید أحمد الحسیني، بغداد، 1385هـ؛ الخطیب، عبدالزهراء الحسیني، مصادر نهج‌البلاغة وأسانیده، بیروت، 1395هـ؛ زریاب خوبي، عباس، بزم آورد، طهران، 1367ش؛ سرکیس، معجم المطبوعات؛ عباس، إحسان، تعلیقات علی وفیات (ظ: همـ، ابن خلّکان)؛ العزاوي، عباس، تاریخ‌الأدب العربي في العراق، 1381هـ/ 1961م؛ فرّوخ، عمر، تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1401هـ/ 1981م؛ القمّي، عباس، الکنی والألقاب، تقـ: محمدهادي أمیني، طهران، 1397 هـ؛ هندوشاه بن سنجر، تجارب السلف، تقـ: عباس إقبال آشتیاني، طهران، 1357ش؛ وأیضاً:

GAL; GAL, S.
محمدآصف فکرت